تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: لقاءان مع سماحة العلاّمة شيخ الحنابلة عبد اللَّـه بن عبد العزيز بن عَقِيل عبر الإذاعة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي لقاءان مع سماحة العلاّمة شيخ الحنابلة عبد اللَّـه بن عبد العزيز بن عَقِيل عبر الإذاعة

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    لقاءان في إذاعة القرآن الكريم ضمن برنامج (( في موكب الدَّعوة ))
    مع سَمَاحَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عَقِيل
    إعداد وتقديم : الأستاذ مُحمَّد بن عب داللَّـه المشوَّح

    سنة 1419هـ



    قام بتفريغهما ومقابلتهما : الشَّيْخُ الفاضِل مُحمَّد زيَّاد بن عُمر التُّكْلَة


    (1)

    = = = = = = = = = = = = = =

    [بعد المقدمة والترحيب].

    فضيلة الشيخ عبدالله لعلنا نعود قليلا إلى الوراء ونسألكم عن ما يُعرف بمسقط الرأس، أين كانت الولادة والنشأة لفضيلتكم ؟

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    وُلدت في عنيزة سنة 1335 هجرية، الموافق 1916 ميلادية، ونشأت في كنف والدي رحمه الله، وكان من طلبة العلم ومن الشعراء والأدباء في عنيزة المعروفين، فتعلمت الكتابة على يديه، وعلى يد أخي الشيخ عقيل بن عبدالعزيز بن عقيل قاضي العارضة.

    ثم دخلت كُتّاب ابن دامغ: عبدالعزيز بن دامغ، في مسجد أم حمار في عنيزة.
    ولما فُتحت مدرسة الأستاذ صالح بن صالح دخلت معهم في الفوج الأول، حينما فتحها في البَرغوش قرب الجادة، وتعلمت فيها ما شاء الله.

    ثم قدم الشيخ عبدالله القرعاوي من الهند، يحمل معلومات جديدة، ونصح وإخلاص، وفتح مدرسة في جانب بيته في سوق الفَرْعي بعنيزة، وجعل التعليم مجاناً، فرغب الوالد أن أدخل عنده، لأنه يعلّم الناس العلوم الشرعية: الفقه والحديث والتفسير والنحو، مع بقية العلوم الأخرى التي تعلّمها المدارس، فاستفدنا من الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله علوما وآدابا وأخلاقا، وكان حريصا على تلاميذه، يُنفق عليهم من عنده، ويُلزمهم بأن يصلوا الصلوات التي توجد عنده، ويتفقدهم.

    ثم بعد ذلك التحقت في طلاب الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله، وهو شيخنا وأستاذنا ومعلمنا، وذلك في سنة 1349، وتعلمنا عند الشيخ رحمه الله علوماً عظيمة، من الفقه والتوحيد والتفسير وغيرها.

    وفي آخر سنة 1353 أوعز الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى الشيخ عمر بن سليم رحمه الله رئيس قضاة القصيم بأن يختار بضعة عشر من طلبة العلم والمشايخ؛ ليبعثهم إلى منطقة جازان، يكونون قضاة ودعاة ومرشدين، فصار اختيار عمنا الشيخ عبدالرحمن بن عقيل منهم، وكذلك شملني الأمر، وذهبت معهم، فسافرنا مع الشيخ عمر بن سليم رحمه الله إلى مكة للحج سنة 53، وحججنا مع الملك عبدالعزيز، وقابلناه مراراً، وحضرنا مجالسه رحمه الله، ودروسه التي كان تُلقى في مجلسه بعد صلاة العشاء: يجعل جلسة خاصة للمشايخ، في مكة، في قصر السقاف، في سطح هناك كبير، يجلسون الناس على كرويتات، وأمامهم مروحة جلّاسية، لأن الوقت حر، فإذا مرّت من عند أحدهم تنسّم نسيم البَرَاد.

    كان الملك عبدالعزيز يجلس هذه المجالس في أثناء الحج ؟

    أيام الحج يجلس هو ورؤساء الوفود ويجلس هو وكبار المشايخ، لكن بعد العشاء جلسة رسمية للمشايخ، يحضر فيها الشيخ عبدالله بن حسن رئيس القضاة، والشيخ محمد بن مانع، ومشايخ مكة، وأئمة الحرم، وغيرهم.
    ثم بعد الحج بشهرين وزعوا المشايخ الذين جاؤوا مع الشيخ عمر بن سليم على مناطق جازان، فكان عمّنا الشيخ عبدالرحمن بن عقيل قاضيا في جيزان، ومعه اثنان، أنا وعلي بن غضيّه، والشيخ عبدالله بن عودة السعوي قاض في صبيا، أبو محمد بن عودة، الشيخ، ومعه عبدالرحمن الجمعي، وصالح الراشد، والشيخ عثمان بن حمد المضيان قاض في أبو عريش، ومعه عبدالله بن عامر وصالح بن حميد، وعبدالرحمن بن محيميد قاض في صامطة، ومعه صالح العمرو، ومحمد الربع، رحمهم الله جميعا، توفوا رحمهم الله.
    مكثنا على هذا مدة، كنت مع عمنا عبدالرحمن كملازم قضائي، وفي الإمامة والخطابة والدعوة والإرشاد، وفي معيّته، الخطاب الذي جاءنا محتفظ به، عندي الآن، الذي جاءنا من عبدالله بن حسن، يقول فيه: صدر أمر الملك بتعيين عبدالرحمن بن عقيل قاضياً في جيزان، وبمعيته أنتم وعلي بن غضيه. بمعيّته، ما قال يعني.. لا قال: قاضي، ولا قال: ملازم، ولا قال..

    كم استمر بقاؤكم هناك يا شيخ؟

    استمر بقاؤنا هناك مدة ثلاث سنوات، وبعدها استأذنت، ورجعت إلى وطني عنيزة، ومكثت هناك قرابة سنة.
    ولما كان في رجب سنة 58 جاءت برقية من الملك عبدالعزيز إلى أمير عنيزة: بخصوص عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل، بدا لنا به لازم، بلغوه يتوجه إلينا ويراجع أمير بريدة عبدالله بن فيصل. فحاولت الاستئذان من أمير عنيزة، فقال: ليس لي في هذا تصرف، أنا مبلَّغ أنك تسافر.

    حاولت الاعتذار ؟

    الاعتذار، فسافرت إلى بريدة، وحاولت مع الأمير ابن فيصل، فأجابني بمثل جواب أمير عنيزة ابن سليم، وأمر بترحيلي في سيارات الشبيلي التي كانت تحمل الخشب من القصيم إلى الرياض، لأن ما في سيارات متواصلة، والطرق غير معبدة ولا مزفتة، فأمر أمير بريدة ابن فيصل خادمه قال: ركّبوا فلان إلى جانب السواق، لا يركب فوق الخشب. -الناس يركبون فوق الخشب- فسافرنا، وأنا لا أعلم إلى أين أُوَجّه، إنما أنا أروح حسب أمر الملك، فقابلنا الشيخ عمر بن سليم رحمه الله في المستوي، راجعاً من الرياض إلى القصيم، وقد تعطلت سياراتهم، فسلّمنا عليه، وسألناه عن الخبر، قالوا.. أخبرنا تلاميذه الذين معه قالوا: إن عمك عبدالرحمن بن عقيل يلح على الملك عبدالعزيز بالاستقالة، وجاءه برقية، فأرسلها إلى الشيخ عمر، وقال: بلّغونا بمن يصلح بدله. فكتب تحتها حرفين: يصلح بدله ابن أخيه عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل الموجود في عنيزة. فأمر الملك بإحضاركم.

    فقلت للشيخ عمر: يا شيخ! قضاء جيزان صعب عليّ، لا أستطيعه، ولكن هذا محمد بن عبدالله التويجري، مطوع القُصيعة سابقاً، هذا الآن قاض في أبو عريش، لو يكون هو في جيزان، لأن جيزان هي المركز العمومي، وأنا أكون في أبو عريش، أسهل عليّ، لأن عمري إذ ذاك 23 سنة، صغير السن. فوافق الشيخ واستحسنه، قال: يراجعون الملك. قلت: إذا رحت ما في مراجعة! اكتب لي الآن! قال: ما معي أوراق ولا عندي شيء! قلت له: أنا معي شنطة فيها أوراق. فحضّرت الشنطة، وأملى عليّ، وكتبت من إملائه كتابا للملك في ذلك، وأخذت الختم وختمته، وأخذت الكتاب، وسافرت معه للرياض.

    أبقيت الكتاب عندي، لما سلمت على الملك، الملك أمر بتنزيلنا، نزلنا في بيت، وسلّمنا على المشايخ والإخوان، وجلسنا مع الشيخ محمد بن إبراهيم، أصلي معهم، مكثنا مدة، في الأخير استلحقونا، فلما استلحقونا لإبلاغنا بالأمر عرضت عليهم الكتاب الذي من الشيخ عمر، فاستحسنوه أيضا، وأمروا بذلك. كتب الملك كتابا إلى الأمير فيصل نائبه في الحجاز، وإلى رئيس القضاة، وإلى محمد بن ماضي أمير جيزان بذلك.

    فسافرت، وقابلت الملك فيصل هناك، الأمير فيصل، ورئيس القضاة، وابن سليمان، وسافرنا بعد ذلك إلى جيزان، وباشرت العمل في أبي عريش في رمضان سنة 58، وكان عندي شيء من الخبرة بملازمتي مع عمي عبدالرحمن لما كان قاضي في جيزان ثلاث سنوات، وبقيت في أبو عريش مدة سنة تقريبا، ثم نُقلت إلى محكمة فَرَسان، وفرسان هذه جزيرة إلى جانب جيزان، جُزر، وقرى، وبلدان، ليست جزيرة واحدة، مكثت فيها قريب ستة أشهر أو سبعة أشهر، ثم جاء أمر آخر بنقلي وإعادتي إلى أبو عريش، فمكثت في أبو عريش إلى سنة 1364.

    ما يقارب خمس سنوات ؟
    تقريبا خمس سنوات، ثم بعد ذلك أخذت إجازة، جعلت وكيلاً بدلي، وسافرت إلى القصيم، وبقيت هناك مدة، فلما تباطؤوني كتب أمير جازان إلى وزير الداخلية، ثم إلى أمير بريدة، ثم إلى أمير عنيزة، يستحثوني في الرجوع، فاعتذرت بأعذار إذ ذاك وظروف، ورجعت المعاملة، فلما كان بعد شهرين تقريبا جاء مثلها، واعتذرت مرة ثانية، فحينئذ لما رأوا الكتابات هذه ما تفيد أبرقوا للملك، وأبرق الملك إلى أمير عنيزة بأن أتوجه حالاً، فحينئذ لا مناص من تنفيذ أمر الملك.

    حجزوا لي بالبريد.. وسافرت فيه إلى الرياض، وسكنت في الرياض مع المشايخ والإخوان، وكان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله إذ ذاك يصحح نسخ كتاب الإنصاف، وكتاب المبدع، لأجل أمر الملك بطبعه، وكان المعني بذلك الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله، وكان يلتمس من الإخوان من يراجع معه النسخ، كل واحد يأخذ نسخة، فطلب مني أن أشاركهم، ففرحت بذلك، وصرت أحضر عند الشيخ محمد بن إبراهيم، آخذ نسخة من المخطوطة، والآخر يأخذ نسخة أخرى، ونقرأ على الشيخ، وإذا استشكل شيء بحثنا فيها، تصحيح الكلمة، وإلا تصحيح مرجعها، أو نحو ذلك.

    صادف إذ ذاك قاضي الخَرْج -الخرج إذا أُطلق في ذلك الوقت المراد به الدِّلَم وما حولها، الذي يرأسه الشيخ عبدالعزيز بن باز، والخرج الآن الموجود يسمونه السَّيْح، لأنه عيون تسيح، وليس قرية، وإنما نخيل، وللملك فيه قصر، ويذهب له الملك بعض الأحيان- فصادف أن أُقيل الشيخ سالم الحناكي رحمه الله من الخرج، فلم أشعر إلا قد بعث لي إبراهيم الشايقي رحمه الله وكان هو من كبار رجال الديوان، وهو المعني بالمشايخ وشؤونهم مع الملك، فأرسل لي الشايقي، وقال: بكرة الساعة الثانية غروبي -بعد طلوع الشمس الضحى- تحضر هنا. فحضرت، فلما دخلت عليه في مجلسه، سلمت عليه، أجلسني وقام بأمر الملك، فسريعاً جاء واحد من الخدام، وقال لي: ابن عقيل؟ ومسك يدي، وأدخلني على الملك، ما في المجلس أحد إلا أربعة أو خمسة بعيدون عن الملك، باعدهم، فسلمت عليه، ففحصني بعينه، ناظرني، وقال: الأمر خير إن شاء الله، نبغيك تصير قاضي عند قصري في السيح بالخرج، فقلت: السهباء؟ فلفت نظره، وقال: لا... لا.. لا، السهباء بعيدة عندكم، السيح جنب قصري، جنب قصري.

    فقلت له: يا طويل العمر أنا ما بعد بلغت مبلغ القضاء، خلوني أقرأ عند الشيخ محمد بن إبراهيم أدرس، وإذا بلغت المبلغ أنا بالسمع والطاعة. فالتفت إليّ ثانية، وقال: محمد بن إبراهيم؟! هذا تراه أخوي وولدي، شاوره ولا تخرج عن رأيه. قال: الشيخ محمد بن إبراهيم أخ لي وابن لي، وشاوره ولا تخرج عن رأيه، تعال يا إبراهيم الشايقي امش مع الأخ، وخلصوه.

    فذهبت مع إبراهيم الشايقي وقلت له: ما أستطيع القضاء، أنا أبغي أدرس مع محمد بن إبراهيم! فضحك الشايقي، وقال: الذي دبّر هذا الأمر هو محمد بن إبراهيم، هو الذي عيّنك!

    والعجيب أني كنت أمس عند الشيخ، وقبل أمس، وكل يوم أجلس عنده، وما قال لي شيء، ولا أشار لي بشيء، فخرجت من عند الشايقي، وذهبت للشيخ محمد بن إبراهيم، وأخبرته الخبر، فجعل يستطعم مني الكلام: أيش قال لك الملك؟ أن الشيخ محمد بن إبراهيم ولدٌ لي وأخ لي فشاوره ولا تخرج عن رأيه. فقال الشيخ محمد بن إبراهيم: استعن بالله، ما دام أمر الملك عليك استعن بالله وامتثل. فقلت: لا أستطيع أعمل بالقضاء، ولا أستطيع إلا إذا كان أنت تكون مرجعي وأشاورك فيما يُشكل عليّ وما أحتاج إليه من أسئلة، وإلا فأنا ما أستطيع. قال: فيك بركة، فيك بركة، وأنا مستعد لك. أو كلام هذا معناه.

    فسافرت إلى الخرج، وبقيت فيه ما شاء الله، أشهر ليست طويلة، أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر، ثم استأذنت بإجازة لأذهب إلى محل عملي الأول في أبي عريش، لي فيه أثاث، وعفش، وعائلة، فأذن لي ولي العهد، وأعطاني سيارة، رحت فيها إلى أبو عريش، وخلصت أشغالي، وجئت.

    ولما رجعت بلّغني الشايقي، وقال: إنك معيّن الآن في نجران. فذهبت للشيخ محمد بن إبراهيم، وبلّغته بالخبر، فقال: هذا ليس بأمري، قال بلهجته: ما بذا من عندي، أو: ما فهمت.يقول لي. قال:ما يطلع من عندي. أو: ما فهمت. قلت: بلى فهمت. فذهبت للشايقي واعتذرت، فصمم، فصممت أني ما أروح لنجران.

    كتب الشيخ على إثر ذلك كتابا -لم أشعر به إلا بعد وفاة الشيخ رحمه الله- إلى ولي العهد، والكتابة عندي، صورتها موجودة الآن، يقول: إلى ولي العهد، بعد السلام، من جهة عبدالله بن عقيل قاضي السيح سابقاً: بلّغتوني بأنه يكون قاضيا في نجران، وهذا لا بأس به، لكن المذكور فيه خير، ويؤمل أن يكون في أنفع من نجران، ونجران يكفيه ناصر بن جعوان قاضي الظهران سابقا، ما بينه وبين نجران إلا ثلاثة أيام، أو عبدالله بن عبدان الموجود الآن في بريدة بدون وظيفة، والسلام عليكم. وعليه ختم. والظاهر أنه بخط ابنه إبراهيم وزير العدل.
    فلم أشعر بعد أيام: خمسة أو ستة أو عشرة إلا وقد بلّغني الشايقي مرة ثانية بأنه صدر الأمر بتعييني قاضيا في الرياض.

    عام كم هذا يا شيخ عبدالله ؟

    عام 66 في شوال.

    وكنت تلك المدة في الرياض؟

    كنت تلك المدة في الرياض، نعم.

    كنت تحضر مجالس الشيخ محمد؟

    أحضر مجالس الشيخ، وعنده، فتعينت في الرياض، ما هو معنا بالرياض غير الشيخ إبراهيم بن سليمان قاض في الحاضرة، والشيخ سعود بن رشود قاض في البادية.
    مكثنا ما شاء الله، ثم أُقيل الشيخ إبراهيم بن سليمان، وحولوا الشيخ سعود بن رشود من البادية للحاضرة، وعينوا بدل ابن رشود في البادية الشيخ محمد بن مهيزع، وبقيت إلى سنة 70، من سنة 66 إلى سنة 70 في محكمة الرياض.

    وفي هذه السنة في آخرها شغرت وظيفة قضاء عنيزة لما أقيل الشيخ عبدالرحمن بن عَودان، فصدر الأمر من الملك عبدالعزيز رحمه الله بأن أسافر إلى عنيزة قاضياً فيها، فاعتذرت وألححت من قبل ولي العهد، ومن قبل الشيخ محمد بن إبراهيم، ولكن بدون جدوى، قالوا إذا صدر الأمر من الملك ما نستطيع، فسافرت إلى عنيزة، وبقيت فيها خمس سنوات، من سنة 70 إلى سنة 75.

    ولما فُتحت دار الإفتاء برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وكان يلتمس لها أعضاء: جاءني كتاب من الشيخ وأنا في عنيزة على أننا طلبنا من الملك -لأن الملك سعود إذ ذاك ملك؛ بعد وفاة الملك عبدالعزيز- أن تكون عندنا عضوا في دار الإفتاء، فأحببنا إخبارك حتى أنك تكون على علم. بعدها بيوم أو يومين جاءتني برقية، عندي محفوظة: عينّاك عضوا في دار الإفتاء، فاستعن بالله، وخلّص أعمالك في عنيزة وتوجّه.

    باشرت في الإفتاء في 1 رمضان سنة 1375، وبقيت فيها إلى جانب الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قرابة 16 سنة أو 15 سنة، إلى أن توفي، أستفيد من علومه، وأخلاقه، وآدابه، ومخاطبته للناس، ومراجعته للرؤساء، والمراجعين يراجعونه، والقضاة.

    بعد ذلك: بعد وفاة الشيخ صدر أمر من الملك فيصل بأن أنتقل إلى هيئة التمييز، لكن قبل ذلك لما توفي الشيخ محمد بن إبراهيم كان في مكتبه معاملات كبيرة كثيرة ضخمة يتولاها، فأمر الملك فيصل بأن تُشكل لجنة علمية من خمسة من المشايخ ينظرون في المعاملات التي في مكتب الشيخ محمد بن إبراهيم حتى يتمونها، وعيَّن أسماءهم: عبدالله بن عقيل، محمد بن عودة، راشد بن خنين، عمر المترك، عبدالله بن منيع، ويرأسهم أكبرهم سناً، فاجتمعنا ودرسنا الموضوع، وقالوا: إن أكبرهم سنًّا عبدالله بن عقيل، فصرت رئيس اللجنة هذه، ومكثنا فيها مدة حتى خلصنا المعاملات التي فيها، بعد ذلك أمر الملك فيصل بأن أكون عضوا في هيئة التمييز في الرياض، وذلك في سنة 91.

    كم كان عدد أعضاء الهيئة في ذلك الوقت يا شيخ عبدالله ؟

    أعضاء هيئة التمييز: الرئيس عبدالعزيز بن رشيد، والشيخ محمد البواردي، والشيخ محمد بن سليم، والشيخ صالح بن غصون، والشيخ محمد بن جبير، وكنت معهم أنا.
    بقيت في هيئة التمييز قرابة سنة، من 91 إلى 92.
    تشكلت لجنة برئاسة الشيخ محمد بن جبير، اسمها: الهيئة القضائية العليا، وعيّنوني عضواً فيها، انتقلت من هيئة التمييز إلى الهيئة القضائية العليا.

    اسمها هكذا أول ما أُنشئت: الهيئة القضائية العليا؟

    نعم، يرأسها ابن جبير، وأعضاؤها: عبدالله بن عقيل، وصالح بن لحيدان، وعبدالمجيد حسن، وغنيم المبارك، فبقيت فيها إلى سنة 95 لما تشكل مجلس القضاء الأعلى.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: لقاءان مع سماحة العلاّمة شيخ الحنابلة عبد اللَّـه بن عبد العزيز بن عَقِيل عبر الإ

    (1)


    [ مقدمة استكمال الحوار في الحلقة الثانية والترحيب بالشيخ مجدداً ]

    فضيلة الشيخ عبد الله: استكملنا أو تحدثنا في الحلقة الماضية عن شيء مما يمكن أن نسميه تاريخ القضاء في المملكة العربية السعودية، والذي عاصرتم أجزاء كثيرة منه، منذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، إلا أن الحديث توقف في اعتقادي عندما تفضلتم بالإشارة إلى إنشاء مجلس القضاء الأعلى، هل لكم أن تتفضلوا فضيلة الشيخ عبد الله بإيضاح لنا وللإخوة المستمعين والمستمعات عن إنشاء هذا المجلس، ثم التحاقكم بالعمل فيه ؟

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    سبق أن ذكرنا لكم عما يتعلق بالهيئة القضائية العليا، وأنها أُنشئت لتكون مرجعاً للقضاء فوق هيئة التمييز، ويكون الحُكم إذا صدر من القاضي ولم يَقنع أحد الخصمين بذلك فإنه يُعطى صورة الحكم، صك الحكم، حتى يتأمله ويعد عليه لائحة اعتراضية، بنفسه أو بمن شاء من طلبة العلم أو المحامين أو غير ذلك، ثم يعيده إلى القاضي مع المعاملة، فالقاضي يتأمل فيه، إن وجد فيه ما يوجب الرجوع عما حكم به وإلا رفعه إلى هيئة التمييز، هيئة التمييز لا بد أن يميّزه ثلاثة، إن لم يكن من الحدود، فإن كان من الحدود لابد أن يميّزه خمسة، كل هذا احتياطاً للحقوق والحدود، فإذا صدقته التمييز مثلاً أو لاحظت عليه أو نقضته، ثم لم يقتنع بذلك القاضي وأورد على ما جاء منهم إيرادات، وصار بينهم اختلاف: فالمرجع في هذا إلى الهيئة القضائية العليا، التي يرأسها الشيخ محمد بن جبير إذ ذاك، وكنت إذ ذاك عضواً معهم، فلما أنشئ مجلس القضاء الأعلى، على وقت الملك فيصل رحمه الله، وصار رئيسه هو الشيخ محمد الحركان رحمه الله، صار وزيرا للعدل، ورئيسا لمجلس القضاء الأعلى.

    عام كم كان إنشاء هذا المجلس ؟

    عام 95، على وقت الملك خالد، بعد ذلك صدر المرسوم الملكي من الملك حالد بأن الهيئة القضائية العليا هذه تكون هي الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، وهم الشيخ محمد بن جبير الرئيس، والشيخ صالح بن لحيدان، والشيخ غنيم المبارك، والشيخ عبد المجيد حسن الجبرتي، وأنا معهم.
    لكن فاتني أن أذكر قبل ذلك مجلس الأوقاف الأعلى، من على حياة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، لما عُيِّن مجلس الأوقاف الأعلى وصار له أعضاء معيَّنون، منهم مندوب عن القضاء والإفتاء، يعيّنه الشيخ محمد بن إبراهيم، وكان رئيس مجلس الأوقاف الأعلى بالنيابة: الشيخ محمد عمر توفيق رحمه الله، وكتب لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم يطلب منه تعيين عضو من قبله، فأجابه بخطاب برقم وتاريخ على أن مندوبنا هو عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، فتعينتُ عضواً في مجلس الأوقاف الأعلى، منذ تعينت إلى أن أُحلت إلى التقاعد، مقدار 16 سنة[1]، وذلك عام 87، من 87 إلى عام 1405، وينعقد على حسب ما يتهيأ لهم من المواد، تارة ينعقد في الرياض، تارة ينعقد في جدة، تارة ينعقد في الطائف، تارة ينعقد في المدينة، تارة في مكة، ومن الأعضاء إذ ذاك: الشيخ عثمان الصالح، والسيد حبيب محمود، والسيد أمين عطاس، والشيخ صالح الحصين، ثم بدله محمد الثميري، وتولى على وزارة الحج والأوقاف عدة، منهم محمد عمر توفيق، ومنهم محمد كتبي، ومنهم عبد الوهاب، وغيرهم.

    أعود إلى مجلس القضاء الأعلى: مجلس القضاء الأعلى له نظام مصدَّق من المقام السامي، واستمر هذا، وكنت عضواً فيه، ثم بعد أن نُقل الشيخ محمد بن حركان من مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل إلى رابطة العالم الإسلامي، وتعيَّن الشيخ عبد الله بن حميد في مجلس القضاء الأعلى، وتعين الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم في وزارة العدل -كانت بالأول مضمومة للشيخ محمد بن حركان، وبعده فُصلت، جعلت وزارة العدل وحدهم، ومجلس القضاء الأعلى وحدهم- عملنا مع الشيخ عبد الله بن حميد، ثم صدر الأمر بأن أكون أنا رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى.

    مجلس القضاء الأعلى له أعمال يومية، تتولاها الهيئة الدائمة التي أرأسها أنا، وله جلسات دورية يرأسها رئيس المجلس، وأعضاؤها أحد عشر عضواً، منهم الخمسة الموجودون الآن، ومنهم رئيس محكمة مكة، ورئيس محكمة المدينة، ورئيس محكمة جدة، ووكيل الوزارة، واثنان أيضاً معهم، فالمقصود أن مجموعهم أحد عشر عضواً، ينعقد دورياً، لتعيين القضاة، أو ترفيعهم، أو إحالة من يُحال منهم، أو أوامر سامية في قضايا مهمة يأمر ولي العهد لأجل أن ينظرها المجلس بهيئته العامة.

    يعني يأتي من ولي الأمر أن تُنظر ؟

    من ولي الأمر.. يعني قضايا تتعلق بإحدى القبائل أو بأحد الأشخاص أو بأحد.. القضايا المهمة يأمر ولي الأمر بأن ينظرها المجلس بهيئته العامة، وإلا الأصل أنه ينظرها المجلس بهيئته الدائمة.

    إذاً نستطيع أن نقول هذه هي أبرز اختصاصات مجلس القضاء الأعلى ؟

    نعم، هذه صفة المجلس.

    استمريتم في مجلس القضاء الأعلى كم يا شيخ ؟

    استمرينا في مجلس القضاء الأعلى من التاريخ الذي ذكرت لكم في سنة 95 إلى 1405 حين بلغت السن النظامية، سبعين سنة، فصدر الأمر من ولي الأمر -أعزه الله- بالتمديد لنا، مددوا لنا سنة، ثم انتهى العمل.
    ولكن بعد ذلك لما أن خادم الحرمين -وفقه الله- وافق على إنشاء بنك إسلامي يعمل بدون فوائد ربوية؛ وأذن لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار أن تتولى هذا، وصار فيها مراجعات ومخابرات، وتم هذا: قيل لا بد لهم من هيئة شرعية يصححون لهم معاملاتهم، ويَرجعون إليها في ما يُشكل عليهم، فعُيِّنت هيئة، وعُيِّنتُ رئيساً لها، ومن أعضائها الشيخ صالح الحصيّن، وهو نائب الرئيس، ومنه أعضائها الشيخ مصطفى الزرقا، ومن أعضائها الشيخ عبد الله البسام، ومن أعضاها الشيخ عبد الله بن منيع، ومن أعضائها الشيخ الدكتور عبد الله بن زايد، وأخذنا على هذا مدة، حتى الآن وعمل الهيئة على هذه الصفة.

    وما زلتم عضواً معهم ؟

    ما زلت رئيساً للهيئة إلى الآن، الهيئة الشرعية، تسمى: الهيئة الشرعية في شركة الراجحي المصرفية.
    ولما صار في سنة 1418 -العام الماضي- أثير موضوع تحديد حرم المدينة المنورة، وكان قد صدر فيه على وقت الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قرار من لجنة مكونة من عدة أشخاص، وانتدبني الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله إذ ذاك أكون مندوباً عنه أحضر معهم، فحضرنا إذ ذاك، ومشينا على الحدود، وراجعنا كلام العلماء فيما ورد في حدود المدينة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما بين لابَتَيها))، وقال: ((ما بين عَيْر إلى ثَور))، وأُثير في هذه السنة، وعُرض على هيئة كبار العلماء بأمر من المقام السامي، فبحثتْ في ذلك هيئة كبار العلماء ووجدت القرار السابق، فرأت الاكتفاء به، لأنه مستوفى، وقد وافق عليه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وقيل: تطبقه لجنة، منهم عبد الله بن عقيل؛ حيث كان معهم فيما سبق، وتعينت اللجنة من: عبد الله بن عقيل، وعبد الله البسام، وعبد الله بن منيع، والسيد حبيب محمود، والشيخ عطية سالم، والشيخ أبوبكر الجزائري، ومعهم مهندسون وخبراء، فاجتمعوا اللجنة في المدينة في شهر ذي القعدة سنة 1418 ومكثت في المدينة مدة تتجول على الحدود والأماكن بمساعدة سمو أمير المدينة، حيث كلهم بذلوا مع الهيئة كل ما يُستطاع، جزاهم الله خيراً، وأصدرت الهيئة قرارها، المؤرخ في 2/8/1418، ولما اجتمعت اللجنة هذه وأرادوا أن يبدؤوا بالعمل قالوا: لا بد لهم من رئيس، فتداولوا الرأي فيما بينهم، وقالوا: يكون رئيسهم عبد الله بن عقيل، فبعد أن انتهى القرار أرجعتُه إلى الشيخ عبد العزيز بن باز لعرضه على هيئة كبار العلماء، وعُرض على هيئة كبار العلماء ووافقت عليه، ورُفع إلى المقام السامي: خادم الحرمين الشريفين ليطلع عليه والأمر بتنفيذه، ولا يزال عندهم إلى الآن[2].

    وفيه تم تحديد معالم الحرم؟

    تم تحديد حدود الحرم بالمدينة على أساس ما ورد في الأحاديث الصحيحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المدينة حرام ما بين عَيْر إلى ثَور))، وفي حديث آخر: ((ما بين لابتيها))، اللابتين: الحرَّتين، الحرتين شرقاً وغرباً، وما بين عير إلى ثور: جنوباً وشمالاً. فحَدَّدها، وفي حديث آخر: ((بَريد في بريد)).

    لكن هذه المعالم واضحة ما زالت الآن ؟

    الآن هي معدّة لأجل الترسيم ووضع الأنصاب بانتظار رجوعها من المقام السامي بالموافقة، وواعدونا بأنهم إذا جاءت نعود مرة ثانية إلى المدينة لنطبقها على موجب التحديد الأول.
    شيء طيب، أحسنتم يا شيخ عبدالله، الحقيقة كل ما تفضلتم به كلام جميل ورائع، وبحاجة الناس للاطلاع على هذا التاريخ المهم جدا، سواء كان عن القضاء أو عن الأوقاف أو عن بعض الأمور الأخرى التي كُلِّفتم بالإشراف عليها، أو المشاركة فيها، لكنني أعود فضيلة الشيخ عبد الله كما يقولون: عوداً على بدء، فأكرر سؤالا سبق، وهو: أبرز المشايخ الذين استفدت منهم وتتلمذتم عليهم إجمالاً.

    أبرز المشايخ الذين استفدنا منهم وتتلمذنا عليهم: شيخنا العلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي، حيث أنا نشأت معه في مدينة عنيزة، وتتلمذت عليه من صغري، حتى عُيِّنت في الوظيفة، وأخذت عنه العلوم التي كان يدرّسها في الفقه، والتوحيد، والحديث، والعقيدة، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، والنحو، وغير ذلك.

    أبرز الزملاء الذين كانوا معكم في حلقة الشيخ عبدالرحمن ؟

    كانوا معنا في ذلك الوقت، منهم: الشيخ محمد بن عبدالعزيز المطوَّع، تولى القضاء في عدة أماكن: في المجمعة، وفي عنيزة، وفي الخرج، ومنهم الشيخ محمد المنصور الزامل، كان من أكبر تلاميذ الشيخ، وكان يُنيبه في الخطبة، ومنهم عبد العزيز المحمد البسام، ومنهم سليمان الإبراهيم البسام، ومنهم عبد الله العبد الرحمن البسام، ومنهم عبد الله السليمان القاضي، أبو حمد القاضي الذي في المجلة، وغيرهم كثير.. كثير، أفواج كثيرة.

    إذاً الشيخ عبد الرحمن يُعتبر شيخكم الأول ؟

    هو شيخنا الأول.
    ثم شيخنا الثاني: محمد بن إبراهيم رحمه الله، الذي مكثتُ معه 16 سنة في دار الإفتاء، نستفيد من علومه، وأخلاقه، واتزانه، وكيف يخاطب الناس على اختلاف طبقاتهم، وهو مرجعٌ للجميع، نحن في دار الإفتاء يأتينا المراجعون من جميع الجهات، منهم من يأتي ابتداء، ومنهم من يأتي مبعوثاً من قبل الجهات المختصة، كلٌّ يراجع في مسائل العلم، ومسائل الدين، ومسائل المشاكل التي تقع بين القبائل، وغير ذلك، فهو رحمه الله علّامة.. علامة، استفدنا منه أخلاق، وعلوم، وآداب، واتزان، ورجولة، رحمه الله.

    الشيخ عبدالرحمن بن سعدي لا شك فضيلة الشيخ عبد الله أنه مدرسة كاملة، سواء في علمه أو في أخلاقه، وفي منهجه في التدريس، وتعامله مع طلابه، وهذا شيء مشتهر عنه رحمه الله..

    أبرز الصفات التي كان يحملها الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، هل لكم أن تتفضلوا بشيء عنه ؟

    أول الصفات التي يحملها الشيخ عبدالرحمن بن سعدي أنه ديدنه.. وأنه هجّيراه: نفع المسلمين، صلاح النية للمسلمين، لا يحقد على أحد، ولا يُضمر لأحد سوءاً ولو أساء إليه، ومع ذلك يبذل نصحه للناس، في خطبه، وفي مجالسه، وفي دروسه، حتى في المجالس الخاصة التي يتعامل الناس فيها، لأنه رحمه الله يجيب الدعوة إذا دعي في القهوة خاصة، كما تعلمون: عادة أهل نجد يدعو بعضهم بعضاً للجلوس يتناولون القهوة وما شاكلها، فهو من دعاه إلى قهوة أجابه، فإذا جلس مع المدعوين للقهوة؛ وجعلوا الحديث في شيء: إن كان هذا الحديث نافعاً استمر به، فإن كان أنه مما لا جدوى فيه: أشار إلى بعض تلاميذه أن يُلقي سؤالا أو يبحث بحثا أو يورد مسألة، ثم يتولى الشيخ رحمه الله الجواب عليها والتفريع، ويخاطب كل أناس بمقدار مفهومهم ومعلوماتهم.

    فمثلا إذا اجتمع معه طلبة علم بحث معهم بحثا علمياً.

    لو فرضنا مثلا هناك أناس آخرون من الجماميل وأهل البَرّ والرحلات، فأدار البحث فيما يتعلق بشؤونهم، وكيف يصلون، وكيف يتيممون، وكيف إذا دخل الوقت، وكيف إذا خرج الوقت.

    لو فرضنا مثلا أناس مجتمعين من أهل البيع والشراء والسماسرة، بحث فيما يتعلق بأمور البيع والشراء، وقضايا المبيع، والمواضع الربوية، وما إلى ذلك.

    حتى للنساء، له جلسة للنساء، يبحث فيها ما يتعلق بأحكام النساء، وأحكام الحيض، وأحكام التيمم، ونحو ذلك.

    فهو رحمه الله يجزئ وقته على حسب ما يتيسر له.

    لكن يا شيخ عبدالله أعرف أيضا أنكم تفضلتم بتقديم تفسيره المعروف والمشهور، الذي عرفه القاصي والداني، والموسوم بتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، وهو تفسير معروف للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، أبرز الخصائص التي حواها هذا التفسير، مما أوجد له هذا القبول الهائل والكبير بين أوساط طلبة العلم، بل حتى والعلماء وممن يهتمون بتفسير القرآن الكريم.

    هذا يعود الله أعلم لأمرين، الأمر الأول: صلاح نية المؤلف، وإخلاصها، وأنه ينوي نفع المسلمين، وتقريب فهم كتاب الله إلى أذهانهم، والثاني: أنه رحمه الله فسّره بعبارة واضحة لا تنبو عنها أذهان طلبة العلم الكبار، ولا تصعب على أذهان المبتدئين، وتَرَك تعقيدات -مثلاً- بعض المفسرين في العبارات النحوية، أو مثلا العبارات التي تأتي في علوم البلاغة، والمعاني، والبديع، والمنطق، ونحو ذلك، تركها، والخوض أيضاً في الصفات، فصار كلاماً واضحاً يأتي به لأجل يبيّن للقارئ معنى الآية المقصود بهذا التعبير، ثم هو سليم، يعني أكثر التفاسير.. المفسرون رحمهم الله كثير منهم لا بد يصير فيه شيء عليه الاعتراض، إما من ناحية الصفات، أو من ناحية بعض التفاسير، وهذا عُرض على المشايخ؛ لما أن الملك عبد العزيز دعا الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في سنة 1360 وقيل له: تأتي بتفسيرك، فجاء بالتفسير قبل أن يُطبع، في دفاتر مكتوبة مخطوطة، فجاء ووزّعوه على المشايخ، وتأملوه، ونظروا المواضع التي هي مظنة أن يكون فيها إما تأويل لبعض آيات الصفات، أو بعض الأشياء التي اختلف فيها، فاتفقوا كلهم على أنه ما فيه ولا كلمة ولا حرف ولا جملة ولا آية إلا موافقة لمنهج السلف، فلهذه الصفات امتاز هذا التفسير، مع أنه غير مطول، ما أطال به رحمه الله.

    شيخ عبدالله، من هذا الحديث الطيب الجميل يقودنا إلى مسألة أخرى، وهي أنكم التحقتم بمدرستين من أعظم وأجلّ المدارس العلمية التي استقى منها العلماء في هذه البلاد، وهما مدرسة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، ومدرسة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله، وهما أيضا من العلماء الذين بسط الله لهم قبولاً، وقاموا بدورهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والاختلاط بالناس والتنزل معهم، وفتح قلوبهم وأبوابهم للمسلمين جميعاً، هل لكم بوصية لطلبة العلم والعلماء خصوصاً بالسير على هذا المنهج الكريم الذي يوافق منهج سلف هذه الأمة في الارتباط مع الناس عموما ومع طلبة العلم ومع الشباب وتلقينهم وتدريسهم، والتنزل معهم وتوجيههم إلى ما يحتاجون إليه؟

    نعم، وأزيد على هذا أن الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله، فإنه رَأَس المجلس، وزاملناه في المدة الماضية، في سنة 95 إلى أن توفي سنة 1402، سبع سنوات، وهو أيضا شيخنا وأستاذنا، واستفدنا منه علوم، ومعارف، وحكم، وتجارب، رحمه الله، لأنه معروف بالحذق، والجودة، والعلم الجيد، والاحتراز من الناس، ما شاء الله عليه، فاستفدنا منه أيضا فوائد كثيرة رحمه الله، وهو جزاه الله خيراً أيضاً يعطف علينا ويرى أننا من أخص تلاميذه.

    وأما الوصية فأنت أشرت إليها، وجزاك الله خيرا، هذا طيب، الوصية: وصية الله للأولين والآخرين: تقوى الله تبارك وتعالى، وأن على طلبة العلم خاصة، وعلى بقية المسلمين عامة تقوى الله تبارك وتعالى، وأعظم ما يصابر طلبة العلم: حفظ الوقت عن الضياع، كما قال ابن هبيرة -رحمه الله- الوزير :

    الوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه * * * وأراه أسهلُ ما عليك يَضيعُ


    وأيضا عليهم أن يبذلوا النصح للمسلمين فيما وُلُّوا عليه، إن كان قاضياً، إن كان إماماً، إن كان مدرّساً، إن كان دكتوراً، أن يبذلوا جهدهم ووُسعهم في إيصال المعلومات إلى الطلاب والتلاميذ، وأن يحرصوا على نفعهم، وينبغي للأستاذ أن ينظر إلى مستوى طالب العلم ويخاطبه بكيفية ما يَعلم أنه على مستواه.

    وكذلك أيضاً مسألة القضاء: ولله الحمد الحكومة أيدها الله جعلت للقضاة كوادر، وجعلت لهم تعليمات، وجعلت لهم حصانة، وجعلت لهم رواتب مغرية، ومكنتهم من أشياء ما كان الأولون يحلمون بها ولا يتمتعون بها، ما كان الأولون.. الذي يتولى القضاء قبل هذا الوقت إلا.. لهم رواتب، ولهم بَراوي[3] سنوية، إما مقدار من التمر وقت الزكاة، أو مقدار من البُر الحب، وإما خرج بسيط، الآن رتبوا الرواتب، وقرروا لهم المقررات، فعليهم شكر الله في هذه النعمة، وبذل المستطاع، حتى يؤدوا شكر ما أوجب الله عليهم، ويحللوا رواتبهم.

    وأيضا ينبغي لكل قاض أنه مع عمله في القضاء لا يفوته موضوع التدريس، تدريس الإخوان في حلقات المساجد، فإنها هي التي تفيد العلم، وهي التي تفيد الطلاب، وحتى هو نفسُه القاضي أو العالم أو المدرس إذا جلس للناس استفاد مما يعلّم الناس، لأن العلم :

    يَزيد بكثرة الإنفاق منه * * * ويَنقص إن به كفًّا شَددتا


    أحسنتم يا شيخ عبدالله.

    [ثم خاتمة المقدم للبرنامج، وشكر الشيخ]
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    [1] كذا.
    [2] هذا الكلام سنة 1419، ثم صدرت فيه الموافقة من المقام السامي، ووُضعت الأنصاب والعلامات على حدود الحرم بصفة دائمة إن شاء الله. انظر: فتح الجليل (ص141-142).
    [3] البروة معناها: المكافأة.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: لقاءان مع سماحة العلاّمة شيخ الحنابلة عبد اللَّـه بن عبد العزيز بن عَقِيل عبر الإ


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: لقاءان مع سماحة العلاّمة شيخ الحنابلة عبد اللَّـه بن عبد العزيز بن عَقِيل عبر الإ

    لله وإنا إليه راجعون.. انتقل إلى رحمة الله تعالى ظُهر اليوم الثلاثاء 8 شوال 1432هـ الموافق 6 سبتمبر 2011م شيخ الحنابلة العلامة الصالح الفقيه الشيخ عبد الله بن عقيل... وستكون الصلاة عليه عصر غدٍ الأربعاء في جامع الملك خالد بحي (أم الحمام) بالرياض
    نسأل الله تعالى له المغفرة والرحمة ورفعة الدرجات.... آمين!


    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/34466/#ixzz1XIGhV2kR

    إنا لله وإنا إليه راجعون
    لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى
    اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأبدله دار خيرا من داره ونزلا خيرا من نزله واجعل ما أصابه قبل موته كفارة للسيئات ورفعه للدرجات.
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •