الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فنظرا لقرب حلول شهر رمضان المبارك، أحببت التنبيه، والتذكير ببعض أحكام قضاء صيام رمضان، من أقوال الأئمة الأربعة، وبيان الراجح منها.
فرض الله صيام رمضان، ورخّص للمريض والمسافر، ومن في حكمهما ممن يشق عليهم الصيام الفطر، بشرط القضاء، تيسيرا و رحمة بأهل الأعذار.
قال الله جل في علاه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدى ًلِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْر َفَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام ٍأُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر َوَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185)}
المبحث الأول: حكم قضاء رمضان:
حكم قضاء صيام رمضان واجب على التراخي، لمن كانت لديه القدرة على القضاء، لقوله تعالى:(فعدة من أيام أخر)، فدل ذلك على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان، لأن اللفظ مسترسل على الأزمان، لا يختص ببعضها دون بعض. الجامع لأحكام القران للقرطبي 2/282
قال النووي: مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وجماهير السلف والخلف، أن قضاء رمضان في حق من أفطر بعذر كحيض، و سفر، يجب على التراخي اهـ شرح مسلم 8/22
المبحث الثاني: وقت قضاء رمضان:
ينقسم وقت قضاء صيام رمضان إلى ثلاث مراتب:
الأول: وقت فضيلة، وهو قضاؤه على الفور.
السنة قضاء رمضان على الفور، أي بعد عيد الفطر مباشرة، وهو مذهب الجمهور. شرح مسلم للنووي 8/23، معونة أولى النهى 3/416.
لأن في القضاء على الفور مسارعة للخير، وإبراء للذمة.
الثاني: وقت جواز، وهو تأخير قضاء صيام رمضان إلى شهر شعبان.
فيجوز تأخير قضاء رمضان الى شعبان؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ان كان ليكون عليّ الصيام من رمضان، فما استطيع ان أصومه حتى يأتي شعبان. متفق عليه.
قال ابن عبدالبر: حملها رضي الله عنها على ذلك الأخذ بالرخصة، والتوسعة، لان ما بين رمضان عامها، ورمضان العام المقبل وقت القضاء، كما ان وقت الصلاة له طرفان، ونقل الاجماع على ذلك. التمهيد 10/228
الثالث: وقت وجوب، بأن لا يبقى من شعبان إلا عدد أيام القضاء، وحينئذ يجب القضاء متتابعا.
يجب عند جمهور الأئمة قضاء رمضان إذا بقي من شعبان قدر ما عليه من عدد الايام التي لم يصمها من رمضان، فيجب التتابع في القضاء، لضيق الوقت. معونة أولى النهى 3/416
فمثلا من عليه قضاء خمسة ايام، فالسنة في حقه المبادرة بالقضاء، إلا اذا جاء اليوم الرابع والعشرون من شهر شعبان، فيجب عليه صيام القضاء متتابعا؛ لأن الوقت ضاق عليه، ولأن الشهر قد يكون ناقصا.
المبحث الثالث: حكم تأخير قضاء صيام رمضان إلى ما بعد رمضان آخر أو أكثر.
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يحرم تأخير قضاء رمضان الى دخول رمضان آخر بلا عذر، وهو مذهب جمهور الأئمة؛ كما لا تؤخر الصلاة الاولى الى الثانية. معونة أولى النهى ٤١٧/٣
وان أخّر القضاء الى رمضانين أو أكثر قضى ما عليه من الايام، وأطعم مسكينا عن كل يوم أخره الى رمضان آخر، كما صح ذلك عن ابي هريرة، وابن عباس، وهو مذهب جمهور الأئمة. النوادر والزيادات 2/53، الجامع لأحكام القران للقرطبي 2/283، المجموع 6/410، معونة أولي النهى 3/416
القول الثاني: ذهب الحنفية إلى أنه لا يحرم تأخيرالقضاء إلى رمضان أو أكثر، ولا كفارة على من أخر القضاء إلى رمضان أو أكثر، لعموم قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر).
قال الطحاوي: فيمن لم يقض رمضان حتى دخل رمضان آخر؟ قال أصحابنا يصوم الثاني عن نفسه، ثم يقضي الاول، ولا فدية عليه. مختصر اختلاف العلماء 2/21
ثم ساق الخلاف والآثار، ومال الى وجوب الكفارة.
وقال الكاساني: قال تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) أمر بالقضاء مطلقا عن وقت معين، ولا يجوز تقييده ببعض الأوقات إلا بدليل.
وقال أيضا: يجب القضاء على التراخي عند عامة مشائخنا، ومعنى التراخي عندهم، أنه يجب في مطلق الوقت، غير عين، وخيار التعيين الى المكلف، ففي أي وقت شرع فيه تعين ذلك الوقت للوجوب، وان لم يشرع يتضيق عليه في آخر عمره، في زمان يتمكن فيه من الأداء قبل موته. بدائع الصنائع ٢/٦٥٧-٦٥٨
الراجح: هو قول الجمهور، من وجوب إطعام مسكين عن كل يوم أخره الى رمضان آخر؛ لقول أبي هريرة، وابن عباس، وغيرهم رضي الله عنهم.
قال الطحاوي: قال الله تعالى: (فعدة من أيام أخر) فأوجب القضاء دون غيره، فلا يجوزإلحاق الإطعام به، إلا أن هذه الجماعة من الصحابة ـ يقصد أبي هريرة وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ـ قد اتفقت على وجوب الإطعام بالتفريط إلى دخول رمضان آخر، وكان ابن أبي عمران يحكي أنه سمع يحي بن أكثم يقول: وجدته يعني وجوب الإطعام في ذلك، عن ستة من الصحابة، ولم أجد لهم من الصحابة مخالفا اهـ مختصر اختلاف العلماء2/22ـ23
كيفية القضاء:
يستحب قضاء رمضان متتابعا، ويجوز تفريقه، وبه قال علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وابن عباس، وأنس، وأبي هريرة، وهو مذهب الجمهور. المجموع 6/413، التمهيد لابن عبد البر10/178و180
ولأن في صومه متتابعا خروجا من الخلاف، وتشبها بالأداء. المغني 3/151
وقد أخرج كثيرا من هذه الآثار، وغيرها، الدارقطني في السنن 2/192 وما بعده
مسألة: من مات وعليه صيام رمضان لم يخلُ من حالتين:
الحالة الأولى: أن يموت قبل أن يتمكن من الصيام، إما لضيق الوقت، أو لعذر من مرض، أو سفر،او عجز عن الصوم، فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم، لانه مات قبل ان يتمكنمن فعله، وهو مذهب الجمهور.
الحالة الثانية: أن يموت بعد إمكان القضاء، فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين، وهذا قول أكثر أهل العلم. المغني 3/142ـ143، المجوع 6/414ـ415، معونة أولى النهى3/418
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
قاله وكتبه، راجي عفو ربه
فؤاد بن عبد الله الحاتم
الرياض 30/7/1433هـ