الشيخ: عبد المجيد الريمي
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

أما بعد:
أيها الأخوة في الله!
إن من أعظم أعمال القلوب وأهمها صلاح السريرة أن تكون سريرتك صالحة، أن تكون رجلاً نقياً في الغيب والشهادة، أن تكون أنت ذلك الورع الوقاف عند حدود الله تعالى، ولو لم يراك أحد أن تقوم في قلبك شيء عظيم من إرادة الله تعالى والدار الآخرة، إذا صلحت سريرتك صلحت علانيتك، إذا فسدت سريرتك لم يكن لأعمالك الظاهرة أي قيمة عند الله تعالى؛ لهذا كان من أصول التربية الإسلامية وأركانها العناية بالباطن، العناية بالقلوب قال عليه الصلاة والسلام: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
إنه إذا صلح القلب صلحت السريرة، فإن العمل الظاهر يكون مباركاً يضاعفه الله تعالى وينميه ويباركه، وإذا كانت السريرة فاسدة كان ذلك العمل الظاهري مؤقت سرعان ما يزول أثره، وسرعان ما تزول تركته، ويصبح عقاباً وعذاباً على صاحبه؛ لأنه لم يكن صادق النية صالح السريرة قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} [الطارق: 9-10].
يوم تبلى تختبر وتصفى وتنقى وتطهر السريرة على ما هي عليه بين يدي الله تعالى، فهناك يندم النادمون، ويتحسر المتحسرون أن لو كانوا صنعوا أعمالهم ونقوها من إرادة غير الله، ومن حب المدح والثناء، وإرادة الحياة الدنيا: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} [الطارق:9-10].
يقول تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك: 13]، {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7].. ويقول جل جلاله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80].
إذاً فلنخلص لله تعالى في أعمالنا التي بقيت عندنا من صلاة وصيام وزكاة وأعمال، فلنخلصها لله تعالى ليبارك الله تعالى في آثارها في الدنيا والآخرة ويثيبنا عليها في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فبحسن الصيت وحسن الذكر، وإن لم ترد ذلك لأن أهل الجنة من امتلاء أسماعهم من حب وثناء الناس عليهم، وهم لا يريدون ذلك، لكن الله يجعل لهم المكانة بإخلاصهم، أما من سعى إلى أن يبني له مكانة في قلوب الناس ومكانة بينهم بأعمال ظاهرها الصلاح والاستقامة، ظاهرها أنها للآخرة وحقيقتها أنها للدنيا، فإن الله تعالى يفضحه ويظهر سريرته من خلال صفحات وجهه، ومن خلال فلتات لسانه.
الإخلاص لله تعالى:
فالله الله أيها المسلمون! إن من أبرز خصائص الإسلام، ومن أبرز خصائص التوحيد والعقيدة الإسلامية الإخلاص لله تعالى، وله ثمار عظيمة، يقول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد: 26]، لقد قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر، قالوا لهم سراً، ولكن جاءت الحاقة، جاءت المواقف الحاسمة فإذا بهم يرتدوا على أدبارهم، وإذا بهم يصبحون مرتدين ظاهراً، فظهرت علانيتهم بأنها ردة عن دين الله عز وجل، مع أنهم قالوا خفية: {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ} [محمد:26].
وليس في كل الأمر: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد:26]، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 51-52].
يصبحوا نادمين على ما أسروا في أنفسهم من موالاة أعداء الله مع أنهم يظهرون أنهم مع الإسلام، وأنهم للإسلام، وأنهم للدين، وأنهم مع هذه الأمة ظاهراً وباطناً، ولكنهم في الباطن يسرون للكفار بالموالاة والنصرة والتأييد، فهم مع القرارات، مع التوصيات التي يتفقون عليها في الظاهر، ويعلنونها في الإعلام، لكنهم في الباطن هم مع ما قررته أمريكا، ومع ما قررته أوربا من أنواع المؤامرات والدسائس على الإسلام، ومحاربة الإسلام تحت شعار محاربة الإرهاب، وتجفيف المنابع، والقضاء على الغلو أو التطرف، والتشدد ظاهر هذه الألفاظ، ظاهر هذه الكلمات أنها محاربة للخارجين عن دين الله، إما غلواً أو تقصيراً، ولكنها في الحقيقة محاربة للوسطية التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، التمسك بالدين، العض على الدين بالنواجذ هو الوسطية، الشهادة على الناس الكافرين بأنهم على ضلال، بأنهم على كفر، بأنهم على شرك بالله عز وجل، والشهادة بالإسلام، وبدين الإسلام، ولأهل الإسلام بأنهم على الحق، وعلى الوسطية هي الوسطية.
أما الشهادة للكفار بأنهم أهل الاعتدال، وأنهم أهل الوسطية، وأن أهل الإسلام هم أهل الغلو والتطرف فإن ذلك هو الكفر بعينه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 143].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1].

فالإسرار بالمودة لأعداء الإسلام يوشك أن يكشفها الله يوشك أن يفضحها من خلال أقوال.. من خلال أعمال.. من خلال مواقف؛ لأن الله سبحانه وتعالى: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179].
لمتابعة الموضوع على الرابط:
http://olamaa-yemen.net/main/article...ticle_no=14510