الشيخ/ أحمد بن علي برعود
خطبة الجمعة بتاريخ 11/ رجب/ 1433هـ الموافق 1/ يونيو/ 2012م
إن تمكين الدين الإسلامي قدر لا مفر منه، جاءت به الآيات والأحاديث الصحيحة، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33]. قال الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة (1/ 31-32): "تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته، وظهوره، وحكمه على الأديان كلها، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين، وليس كذلك، فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى, فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33] أن ذلك تاماً، قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله..» [الحديث رواه مسلم وغيره، وقد خرجته في "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" (ص122)]. وقد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسلام ومدى انتشاره، بحيث لا يدع مجالاً للشك في أن المستقبل للإسلام بإذن الله وتوفيقه. وها أنا أسوق ما تيسر من هذه الأحاديث عسى أن تكون سبباً لشحذ همم العاملين للإسلام, وحجة على اليائسين المتواكلين: «إن الله زوى -أي جمع وضم- لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها» [رواه مسلم]. «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخل الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الكفر» [رواه جماعة ذكرتهم في "تحذير الساجد" (ص121)، ورواه ابن حبان في صحيحه (1631 و1632)، وأبو عروبة في "المنتقى من الطبقات" (2/ 10/ 1)]. ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان، وهذا ما يبشرنا به الحديث، عن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص، وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، فأخرج منه كتاباً، فقال عبد الله: «بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً» يعني: قسطنطينية. قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1/ 8: عن أبي قبيل. رواه أحمد (2/ 176)، والدارمي (1/ 126)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (47/ 153/ 2)، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (116/ 2)، والحاكم (3/ 422 و (508/4) وعبد الغني المقدسي في "كتاب العلم" (2/ 30/ 1)، وقال: "حديث حسن الإسناد". وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وهو كما قالا. و(رومية) هي روما كما في "معجم البلدان" وهي عاصمة إيطاليا اليوم، وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولابد، {وَلَتَعْلَمُنَ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص:88]. ولاشك أيضاً أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة، وهذا مما يبشرنا به صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت» [قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1/ 8: رواه أحمد] ا.هـ. ومن أبرز مظاهر تمكين الدين هيمنة الشريعة، والشريعة لا يمكن أن تهيمن بنفسها ما لم يكن رجال يتبوءون مقاعد في الأمة يحملون هم الدين ويضحون من أجله ويفدونه بأموالهم وأنفسهم حتى تكون له الغلبة والهيمنة. وحينما يهيمن الدين تتساقط أقنعة الطغاة والظلمة والمفسدين، وتسقط هيمنة ملل الكفر، وتُرفع أيديهم عن سيادة الأمة ومقدّراتها وينفسح الطريق لعقول رجالات الأمة وابتكاراتهم. ولما كان المنهج الإسلامي يجمع شتات الناس من كل حدب وصوب، وكان أولهم سكان الجزيرة العربية منطلق دعوة الإسلام بدءً بمكة وانتشاراً ونفوذاً من المدنية، فيجتمعون على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله التي تحمل منهجاً ربانياً متكاملاً لا يعتريه نقص ولا قصور، هذه الكلمة تُلزم من دان بها الالتزام بذلك المنهج ليعيش سعيداً ويموت سعيداً، ويعيش في الآخرة سعادة أبديّة كما وعد الله تعالى بقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]. ويجعل الله لحملة المنهج الإسلامي الخلافة في الأرض كما قال سبحانه وتعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَ ّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَ ّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. وحتماً سيُسحب البساط عن الملك الجبري الظالم في الأرض كما سُحب عن الملك المهيمن في الأرض قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من قبل اليهود والنصارى والمجوس، وكان أكثرهم سطوة اليهود والنصارى ولذلك حاربوا الإسلام بمختلف وسائل وأساليب المحاربة والمعارضة والمكر والخداع حتى بلغ بهم الأمر إلى موافقة المشركين فيما يقومون به من الصد عن عبادة الله تعالى، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 51-52]. فهم لا يريدون الدين إلا على هواهم وإلا الكفر بالإسلام، قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة:120]. وقال تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105]. قال سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109]. وقال سبحانه: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 89]. وقال سبحانه وتعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم ْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]. وحينما مكّن الله للإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين جاءوا بعده، لم ييأس أعداء الله من يهود أو نصارى أو مجوس، بل استمر كيدهم ومكرهم وحربهم على الدين، فهم ما زالوا يحيكون المؤامرات تلو المؤامرات على الدولة الإسلامية التي جمعت المسلمين تحت ظلال هيمنة الشريعة، إلى أن صارت تركيا طرفاً في الحرب العالمية سنة 1914م، ثم هُزمت سنة 1918م، ثم أُعلن سقوط الدولة العثمانية سنة 1924م، ومنذ ذلك الحين مُزّق الكيان الإسلامي الموحّد في الدولة العثمانية، واستُهدفت الأمة في شريعتها حتى استُعبدت واستُبدلت بالقوانين الوضعية الطاغوتية، فكان الحكم أول عروة تُنتزع من عرى الإسلام. كما قال صلى الله عليه وسلم: «لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة» [رواه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم: (5075)]. وصار المشروع الإسلامي بمجرد فكرة تطرح يحاصر حصاراً ضارياً من قبل دول الكفر والإلحاد، وسد جميع الطرق الموصلة إلى المشروع الإسلامي وهيمنة الشريعة والتي منها: الطريق الأول: المحاكم الشرعيّة والتي بها تُحفظ الدول من الانهيار لأنها تقيم العدل وتنشره، والعدل أساس الدول وقوامها، ولما كان لها الأهميّة العظيمة كانت أول ما استُهدفت من قبل دول الكفر بعد سقوط الدولة العثمانية بدأً بتركيا ومصر، وللمزيد انظر كتاب "العلمانية". الطريق الثاني: الجهاد في سبيل الله فالجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام كما وصفه رسول الله صلى الله وبه تُحفظ الأمة المسلمة في دينها، ويكون الدين كله لله كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة:193]، والدين لا يكون كله لله إلا بهيمة الشريعة. ولما كانت مكانة الجهاد في سبيل الله عظيمة كان ذلك الاسم مزعجاً لأعداء الدين، فحاربوه بمجرد الاسم، وسمّوه إرهاباً وتطرفاً وغلوّاً، واجتمعت كلمتهم على محاربته في أي مكان تُرفع رايته، وجيّشوا الجيوش لاستئصاله، ولم يفرّقوا بين ما بُني على فهم شرعي صحيح، وما بني على اجتهاد خاطئ أو استعجال. ورغم تلك الحرب لم يستطيعوا؛ لأنه بقدر من الله ماض إلى قيام الساعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة» [رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه]، فكلما حاربوا الجهاد في مكان ظهر في مكان آخر لأنه ماضٍ إلى قيام الساعة. الطريق الثالث: الدعاة حملة التصوّر الصحيح للمنهج الإسلامي فالذين يحملون التصور الصحيح للإسلام يحفظون للأمة دينها عقيدة وشريعة، ويحملون الناس للارتباط الصحيح بالإسلام والدينونة لله تعالى والتحاكم إلى شريعته. ولما كان دور الدعاة إلى الله لم يقتصر على العبادة بل ارتبط بسياسة الأمة حوربوا وطوردوا وسجنوا وقتلوا وشرّدوا، ومنعوا من أي مركز لإدارة الناس أما مفاصل الحكومات فبعداً بعداً. الطريق الرابع: المدارس والمعاهد الشرعيّة فهي تقوم بدور كبير في تنشأت الأجيال على الفهم السليم للإسلام، وتوسّع مداركهم في العلوم الشرعيّة ليكونوا دعاة في المستقبل يحملون راية الدعوة بعد الذين رحلوا إلى بارئيهم. ومعلوم أن التعليم المتوسط والثانوي يضم شريحة كبيرة من الشباب، واستصلاحهم يكون بالتعليم الشرعي في المقام الأول، فكان أعداء الدين له بالمرصاد، ولم يقتصر ذلك على المدارس حتى بلغ في بعض البلدان إلى المساجد، بل بلغ الأمر إلى تسييس خطبة الجمعة، ورغم ذلك لم يستطيعوا أن يطفئوا نور الله كما أخبر تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32] فلا يُعقل أن تطفئ الأفواه النور. الطريق الخامس: المؤسسات الخيرية والإغاثية فهي تعدُّ الرافد لنشر الخير والفضيلة في أوساط الأمة، وتُعدُّ المدد للمشاريع الدعوية والتربوية؛ ولذلك حاربها أعداء الإسلام واتهموها زوراً وبهتاناً أنها تفرّخ الإرهاب؛ لأنهم يعتبرون الإسلام الصحيح إرهاباً، ولذلك اعتمدوا خطة تجفيف المنابع، وعلى الرغم من الجهود التي بذلوها التي وجدت لها قبولاً في كثير من الدول العربية والإسلامية خوفاً ورهباً وتبعيّة، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يحققوا هدفهم؛ لأنهم لم يدركوا أن الله هو الذي يتولى الناس، فهو الرزاق كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]. الطريق السادس: الأوقاف الإسلامية حيث كان لها دور عظيم في انتشار المساجد، والمعاهد، والأربطة العلميّة، وكفالة طلبة العلم، والعلماء، فهي رافد مهم جداً لترسيخ الدين في الأمة، فلما كان دور الأوقاف دوراً عظيماً حُوربت عن طريق النهب والتعطيل والإهمال والسيطرة والتحكّم. الطريق السابع: التجمعات والتكتلات الإسلامية حيث كانت البديل في ظل غياب الدولة الإسلامية، فشنَّ أعداء الدين حرباً عليها من خلال زرع في أوساطها العملاء والمحرّشين، وعملوا على إثارة الخلاف وتعميقه؛ حتى جعلوا بعضهم يضرب بعضاً. الطريق الثامن: الأحزاب الإسلامية على الرغم أنها قامت بإذن الأنظمة العلمانية المدعومة من الدول الغربية، ولكن حينما رأوا زحفها نحو المراكز الرفيعة من السلطة وضعوا في طريقها الحواجز والعراقيل، والمشهد الجزائري والفلسطيني أنموذجاً سابقاً وحاضراً والمشهد المصري. ولمواجهة وعرقلة تلك الطرق الموصلة إلى هيمنة الشريعة أنشأ أعداء الإسلام بديلات منها: أولاً: هيمنة المحاكم الوضعيّة وتنحيّة المحاكم الشرعيّة. ثانياً: جامعة الدول العربية لمنع أي تكتل خارج عن سيطرة الغرب. ثالثاً: الأحزاب العلمانية في الدول العربية. رابعاً: منظمات المجتمع المدني الموالية للغرب. خامساً: الاتحادات العمالية والسياسية والنسويّة والشبابية التي ترعاها الأنظمة العلمانية. سادساً: الفكر الرافضي الشيعي الذي تأسس على يد ابن سبأ اليهودي، ويتبنى الحرب على الصحابة إلا بضعة عشر منهم، والغلو في علي وابنيه وزوجه رضي الله عنهم أجمعين، سيكون لنا إن شاء الله وقفة مع الحرب على الصحابة رضي الله عنهم، وغير ما ذُكر من المكونات التي زرعها الغرب في بلدان المسلمين للحيلولة من هيمنة الشريعة الإسلامية. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي يقوم بها الغرب لإطفاء نور الله إلا أن الله يأبى إلا أن يتم نوره، وتكون الغلبة لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين، كما قال سبحانه وتعالى {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21]. وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]. وقال جل شأنه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8]. فالمتابع لمجريات الأحداث يجد الأمة الإسلامية تتجه نحو هيمنة الدين برغم الحجم الكبير من الصد الذي تواجهه، فهي تسير وفق قدر الله تعالى المحتوم ألا وهو تمكين الدين وهيمنة الشريعة. فعلينا معشر المسلمين أن نسير على خطى ثابتة متناسقة مع السنن الربانية وألا نستبقها بالاستعجال والاجتهادات الخاطئة التي لا تنبعث من مشكاة الراسخين في العلم الذين أمرنا الله بالرجوع إليهم والأخذ باستنباطاتهم وإلا دونهم طريق الشيطان والزيغ عن طريق الرحمن، كما أخبر العزيز الرحمن بقوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ هُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83]، والله غالب على أمره كما أخبر سبحانه: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].
نسأل الله تعالى أن يمكّن لنا ديننا ويستعملنا في طاعته، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين. منبر علماء اليمن: http://olamaa-yemen.net/main/article...ticle_no=14464