تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: العلمانيون

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    الدولة
    جمهورية مصر العربية
    المشاركات
    377

    افتراضي العلمانيون

    بسم الله الرحمن الرحيم
    دعاة على أبواب جهنم

    العلمانيون


    العلمانية فكر غريب عن ديارنا الإسلامية، نشأ في أحضان أوربا، وكان له دوافعه ومبرراته. فلقد حاولت أوربا بواسطته الخروج من قيد الظلام والطغيان الذي سادها في القرون الوسطى، تتلمس سبيل النجاة والرقي، ولكنها خرجت من قيد إلى قيد آخر، والغريب محاولة إدخال هذا الفكر إلى ديارنا الإسلامية، عن طريق قوى خارجية وطائفة من أبناء الأمة الإسلامية الذين نشئوا في أحضان الغرب العلماني حيث تشربوا هذا الفكر الخاطئ، وظنوا -كما ظنت أوربا أول الأمر- أنه سبيل النجاة، فحملوا أوزارهم على ظهورهم ومن أوزار الذين يضلونهم فبئس القوم الظالمين.
    الاعتصام بالإسلام سبيل النجاة

    قال تعالى:
    - {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} [المائدة:15-16]
    - {فليحذر الذين يخالفون عن أمرة أن تصيبهم فتنه أو يصيبهم عذاب أليم} [النور:63]
    - {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين} [الأعراف:171]
    إن الصيغة اللفظية «يمسكون» تصور مدلولاً يكاد يحس ويرى .. إنها صورة القبض على الكتاب بقوة وجد وصرامة .. الصورة التي يحب الله أن يؤخذ بها كتابه وما فيه، في غير تعنت ولا تنطع ولا تزمت، فالجد والقوة والصرامة لا تنافي اليسر، ولكنها تنافي التميع، ولا تنافي سعة الأفق، ولكنها تنافي الاستهتار. والتمسك بالكتاب في جد وقوة وصرامة، وإقامة الصلاة - أي شعائر العبادة - هما طرفا المنهج الرباني لصلاح الحياة، والتمسك بالكتاب في هذه العبارة مقرونا إلى الشعائر يعنى مدلولاً معيناً .. إذ يعنى تحكيم هذا الكتاب في حياة الناس لإصلاح هذه الحياة مع إقامة شعائر العبادة لإصلاح قلوب الناس، فهما طرفان للمنهج الذي تصلح به الحياة والنفوس ولا تصلح بسواه، والإشارة إلى الإصلاح في الآية {إنا لا نضيع أجر المصلحين} (1).
    وعن أبى بردة عن أبى موسى –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما مثلى ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فأطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق» [مسلم].
    ماهية العلمانية

    لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة Secularism في الإنجليزية أو Secularite في الفرنسية، وهى كلمه لا صلة لها بلفظ (العلم) ومشتقاته على الإطلاق، فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه Science والمذهب العلمي تطلق عليه كلمة Secientism والنسبة إلى العلم هي Scientitic أو Scientitique في الفرنسية .. ثم إن زيادة الألف والنون غير قياسية في اللغة العربية، أي في الاسم المنسوب، وإنما جاءت سماعا ثم كثرت في كلام المتأخرين كقولهم: روحاني وجسماني ونوراني .. والترجمة الصحيحة للكلمة هي «اللادينية» أو «الدنيوية» لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب بل بمعنى أخص هو مالا صلة له بالدين أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد، وتتضح الترجمة الصحيحة من التعريف الذي تورده المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة.
    تقول دائرة المعارف البريطانية مادة [Secularism] :
    هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها.
    ويقول معجم اكسفورد شرحاً لكلمه [ Secular ] :
    دنيوي أو مادي ليس دينياً ولا روحياً: مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة.
    الرأي الذي يقول أنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية.
    ويقول «المعجم الدولي الثالث الجديد» مادة [ Secularism ]:
    اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص، يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية يجب أن لا تتدخل في الحكومة، أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعاداً مقصوداً، فهي تعنى مثلاً «السياسة اللادينية البحتة في الحكومة» وهى نظام اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى الدين.
    والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو «فصل الدين عن الدولة» وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة ولو قيل أنها «فصل الدين عن الحياة» لكان أصوب (2).
    نظرة تاريخية

    لقد ساد المجتمع الأوربي أحقاباً طويلة فساد في التصورات والسلوكيات كان له الدور الأكبر في أن تعيش أوربا ردحاً من الزمن في تخلف فكري وعملي، نذكر من مظاهرة على سبيل المثال:
    «عقيدة التثليث» التي تناقض الفطرة البشرية السوية الهاتفة بوحدانية الخالق.
    «عصمه البابوات» فلقد أعطى البابوات العصمة من الخطأ بقرار من مجمع روما المنعقد عام 1869م، وصار للبابا حق الطاعة العمياء.
    «المجامع المقدسة» التي تحل ما رأته حلالا، وتحرم ما رأته حراما. وفي ذلك يقول (د. وليام تامبل) أسقف كنيسة كنتربرى، وحبر أحبار إنجلترا: إن من الخطأ الفاحش أن نظن أن الله وحدة هو الذي يقدم الديانة أو القسط الأكبر منها.
    «صكوك الغفران» ففي عام 1215م صدر عن مجمع روما قرار خطير، يعطى البابا حق غفران الذنوب، استناداً إلى نص محرف ينسب إلى المسيح في قوله لبطرس: (وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السموات، وكل ما تحلله على الأرض يكون محلولاً في السموات) كما صدرت «قرارات الحرمان» إذ من يملك حق المغفرة، يملك حق الطرد من رحمة الله.
    «حياة الرهبنة» وتقوم على ركيزة أن عملية الخلاص من الخطيئة لا تتم إلا بإنكار الذات، وقتل كل الميول الفطرية والرغبات الطبيعية، والاحتقار البالغ للجسد وشهواته لاسيما الشهوة الجنسية، وتمارس حياة الرهبنة داخل الأديرة بالانقطاع عن الحياة العامة، ونتيجة مصادمتها الفطرة الطبيعية للإنسان شهدت الأديرة أحط ألوان الفساد.
    «محاكم التفتيش» التي بدأت في أسبانيا عام 1478م حين أراد البابا (جريجوري التاسع) محاكمه الهراطقة مخالفي الكنيسة، وبواسطتها ألقي آلاف العلماء ودعاة التنوير في السجون.
    «النظام الإقطاعي» والذي كان رجال الدين أحد أركانه .. يقول (ديورانت): أصبحت الكنيسة أكبر ملاك الأراضي وأكبر السادة الإقطاعيين في أوربا، فقد كان دير فلدان مثلاً يمتلك خمسة عشر ألف قصر صغير، وكان دير سانت جول يملك ألفين من رقيق الأرض، وكان (الكوين فيتور) أحد رجال الدين سيداً لعشرين ألفا من أرقاء الأرض، وكان الملك هو الذي يعين رؤساء الأساقفة والأديرة، وكانوا يقسمون يمين الولاء كغيرهم من الملاك الإقطاعيين ويلقبون بالدوق والكونت وغيرها من الألقاب الإقطاعية.
    وكانت الكنيسة تملك ثلث أراضي انجلترا، وتأخذ الضرائب الباهظة من الباقي، أما في فرنسا فكان لها ربع الأرض، وكان على الناس أن يعملوا يوماً كل أسبوع في أراضى الكنيسة، وعشر أموالهم هبه لها.
    «احتكار العلم والهيمنة على الفكر» فقد كان هذا الطغيان يفرض على العقول ألا تفكر في أمور الكون المادي بما تقتضيه الملاحظات والمشاهدات العلمية، وأن تلتزم بالتفسيرات الكنسية لما جاء من إشارات في التوراة عن شكل الأرض وعن الإنسان، حتى لو خالفت هذه التفسيرات كل حقائق العلم النظرية والعملية على السواء.
    نذكر على سبيل المثال ما قاله العلماء بعد البحث والدراسة من أن الأرض كرويه، وأنها ليست مركز الكون، وتم ذلك على يد (كوبر نيكوس) العالم الفلكي البولندي، فاصطدمت تلك النظرية بالآراء الكنسية التي تقول إن الأرض مركز الكون، لأن الأقنوم الثاني (المسيح) تجسد فيها، وعليها تمت عملية الخلاص والفداء، وفوقها يتناول العشاء الرباني.
    كما أن التوراة قالت إن الأرض مستوية (أي مسطحه) وكان هذا سبباً في أن يقع ذلك العالم في قبضة محكمه التفتيش، ولكن المنية أدركته قبل إنزال العقوبة به، إلا أن الكنيسة حرمت كتابة (حركات الأجرام السماوية) ومنعت تداوله. ثم ابتكر (جاليلو) التلسكوب فأيد نظرية (كوبر نيكوس) بطريقة عملية، فكان ذلك مبرراً للقبض عليه ومحاكمته، وقضى عليه سبعة من الكرادلة بالسجن، ولما خشي على حياته أعلن ارتداده عن رأيه.
    وكان من ضمن الآراء التي فرضتها الكنيسة، أن الكون مؤلف من أربعة عناصر، وأن الله خلق العالم ابتداء من سنة 4004 ق.م، وتوج ذلك بخلق الإنسان في جنة عدن على مسيرة يومين من البصرة، وتاريخ الطوفان وقع بعد خلق آدم بحوالي 2262 سنة
    أما في الطب فقد كانت أفضل وأنجح الوسائل العلاجية في نظرها، إقامة الطقوس لطرد الشياطين التي تجلب المرض، ورسم إشارة الصليب ووضع صور العذراء والقديسين تحت رأس المريض ليشفى، وتهاوت كل هذا الخرافات أمام نور العلم الصحيح والتجربة العملية، مما أدى إلى صراع مرير بين رجال الدين والعلماء.
    كل هذه القيود دفعت أوربا إلى كسرها، والانطلاق في عالم ليس فيه حجراً على العقول والأفكار والحريات، بعيداً عن الخرافة والدجل، آخذاً بأساليب البحث العلمي الصحيح، فانطلقت أوربا ولكن بدون دين، وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه المدنية الأوربية الحديثة، فالإنسان كما أن له حاجات ماديه له حاجات وجدانية وخلقية وسلوكيه لابد أن تستمد من الدين مصدر القيم والفضيلة، وبدلاً من أن تبحث أوربا عن الدين الحق نبذت الدين بالكلية، فخرجت من محنـة العصــور المظلمـة إلـى محنه الأنظمة الرأسمالية والشيوعية في العصر الحديث، وكانت كالمستجير من الرمضاء بالنار.
    وظهرت العلمانية في كل المجالات: في السياسة والعلم والأخلاق والفن والأدب، وتقدمت أوربا تقدما ماديا وصناعيا، ولكنها فشلت وجدانياً وأخلاقياً، ولم ينجح الفلاسفة وعلماء الاجتماع في سد النقص الذي أحدثه غياب الدين، وفقدت أوربا السعادة الحقيقة والاستقرار النفسي والحب والوئام ولم تتغير إلا صورة المعاناة.
    تسرب العلمانية إلى الشرق الإسلامي
    كان انحراف الأمة الإسلامية وتأخرها في القرون الأخيرة الطويلة، أكبر عامل ساعد على تسرب الفكر العلماني إلى الشرق الإسلامي ونموه فيه، وكان من أهم سمات هذا الانحراف البعد عن فهم الإسلام نفسه، وانحسار مفهوماته التصورية في معان ضيقة ومدلولات محدودة، ولعل هذا الانحراف بدأ مع إغلاق باب الاجتهاد ثم مع البعد شيئاً فشيئاً عن النبع الصافي الذي كان يستقى منه الأولون { ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور } [النور:40] وأدى ذلك الشطط إلى تخلف حضاري ومادي وسلوكي ظهرت آثاره في كافه مناحي الحياة.
    ومن أهم الأسباب أيضاً التخطيط الغربي اليهودي .. فلقد أدرك الغرب من تجربة الحروب الصليبية، أن قوة المسلمين في دينهم، وأنه لا سبيل إليهم إلا بتحطيم هذا الدين، ويصرح بذلك الهدف الخبيث رئيس وزراء بريطانيا جلادستون، عندما وقف في مجلس العموم البريطاني يتحدث عن خطه الاستعمار البريطاني في العالم الإسلامي فقال: (مادام هذا القرآن موجوداً بين أيدي المسلمين، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان).
    من هذا المنطلق بدأت المخططات الماكرة لإخراج الأمة الإسلامية من فضاء دينها، وتعريتها من مقومات وجودها، وحملها - كما يقول جب - على العلمانية، وانتظمت جيوش الغزو في أربعة أجنحة: قوى الاحتلال المباشر، المستشرقون، المبشرون، الطوائف اليهودية والنصرانية والباطنية في العالم الإسلامي.
    دور العلمانيين

    اندفع العلمانيون من أبناء جلدتنا -المنتسبون إلى الإسلام اسما- يطرحون الدين من كل نواحي الحياة، بتدعيم من الغرب الاستعماري، وتقليداً أعمى لكل ما هو غربي، ولكن في هذه المرة كانوا يطرحون «الدين الإسلامي» دين السماحة والنقاء، الذي ما عرف يوماً من الأيام العقائد الشركية، ولا المجامع المقدسة، ولا صكوك الغفران، ولا حجر على العقول والأفكار، ولا عادى العلم والعلماء.
    وصنع العلمانيون كل هـذا تحـت شعــارات: الإصلاح والرقى والتنوير ومسايرة ركب الحضارة، واصطنع كل فريق منهم له زعيمــا وأضفــوا عليه من الألقاب والهتافات ما يضللون به العامة، كالإمام وأستاذ الجيل ومحرر المرأة وعميد الأدب العربي وغيرها من الألقاب الرنانة.
    وها هو أحدهم يصرح في غير وجل ولا خجل عن منهج العلمانية في الشرق، ويقول: والأمم تقوى بمقدار ما يضعف الدين .. فهذه أوربا لم تصبح قوية ومتمدنة فعلاً إلا عندما حطم الإصلاح والثورة الفرنسية سلطة الالكيروس على المجتمع، وهذا يصح أيضاً على المجتمعات الإسلامية.
    مظاهر العلمانية في العالم الإسلامي

    «في الحكم والسياسة»: كانت الخلافة الإسلامية في تركيا هي الهدف الأول للعلمانيين، فلقد كان منصب الخليفة هو الممثل الأعلى للإسلام، والرباط المسئول عن وحدة العالم الإسلامي، وبضرب هذا الهدف وتدميره يسهل على العلمانيين تحقيق خطتهم، وكانت البداية بحركة (الإتحاد والترقي) المكونة من يهود الدونمة والمأجورين والمغفلين من أدعياء الإسلام، وكانت هذه الحركة تسير وفق طقوس الماسونية العالمية، واستطاعت إقصاء السلطان عبد الحميد عن الخلافة سنة 1909م، بمساعدة القوى الأجنبية، ومن يومها فصلت الخلافة عن السياسة، وألغيت فكرة الجامعة الإسلامية، ونادوا بفكرة القومية الطورانية، كما اقتضت الخطة صناعة بطل تتراجع أمامه جيوش الحلفاء الجرارة، وتم ذلك بالفعل وكان (الرجل الصنم) الذي تفاوض مع الحلفاء في اتفاقية (كيرزن) ذات الشروط الأربعة:
    إلغاء الخلافة الإسلامية نهائياً من تركيا، وأن تقطع تركيا كل صله مع الإسلام، وأن تضمن تركيا تجميد وشل حركة جميع العناصر الإسلامية النامية فيها، وأن يستبدل الدستور العثماني القائم على الإسلام بدستور مدني بحت.
    وكان أول مظهر لعلمنه القانون سنة 1857م، ومع إلغاء الخلافة تم إصدار قانون مدني مستمد من القانون السويسري، وقانون جنائي مستمد من القانون الإيطالي، وقانون تجارى مستمد من القانون الألماني.
    وفي مصر ظهر دعاة القومية العربية، ومع معاهدة إلغاء الامتيازات الأجنبية عام 1937م اشترط المؤتمرون أن تستمد مصر تشريعها من التشريع الغربي، ومع زوال المحاكم المختلطة صدر القانون المدني عام 1948م ناصاً في مادته الأولى على مصادر القانون، جاعلا في مقدمتها التشريع الوضعي ثم العرف الوضعي ووضع في الدرجة الثالثة مبادئ الشريعة الإسلامية، ثم قضى على الازدواج في القضاء بإلغاء المحاكم الشرعية بالقانون رقم 462 لسنه 1955م، وأحيل اختصاصها للمحاكم الوطنية، وتبعها في ذلك أكثر الدول العربية بعد الاستقلال.
    «في التعليم» ففي مصر حاول (محمد على) في أول الأمر أن يدخل العلوم الحديثة ضمن مناهـج
    الأزهر، إلا أنه خشي معارضة الأزهريين، فقام على الفور بإنشاء نظامه التعليمي الحديث، وهكـذا انقســم التعليم في مصر إلى نظام ديني ونظام مدني حديث.
    ثم سارت علمنه التعليم في اتجاهين:
    (الاتجاه الأول): يقوم على كتم أنفاس التعليم الديني وحصره، بل محاولة القضاء عليه، ففي عهد الخديوي إسماعيل سنة 1872م أصدر القانون الخاص بتنظيم الأزهر وإصلاحه، وتنص إحدى فقراته على: تحديد الدراسات التي تعطى بالأزهر بإحدى عشر مادة هي: الفقه وأصول الدين والتوحيد والحديث والتفسير والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق.
    وبذلك قطع الطريق أمام وعى ذاتي لإصلاح الأزهر حقيقة، ثم أكمل المسيرة اللورد كروم عام 1961م بإصدار قانون تطوير الأزهر، وقد كان الهدف خبيثاً بإزالة التركيز الذي تتميز به الدراسات الأزهرية، فقد صار إلى جوار الكليات الثلاث التقليدية، أضعافها التي تحمل اسم الأزهر وليس لها من دراستها إلا قشور القشور، كما سخر الإعلام للسخرية من الرجل الأزهري والتعليم الديني ومعلمه وطالبه، كما قاموا بغلق باب الوظائف اللامعة أمام خريجي الجامعة أو الكلية أو المعهد الديني وقصرت وظائفهم على الوعظ وعقود الزواج والتدريس في المعاهد الدينية.
    (الاتجاه الثاني) يقوم على نشر التعليم العلماني وتشجيعه، وذلك بإضفاء اهتمام الدولة على هذا اللون من التعليم، وإفساح المجال أمام خريجيه لتولى الوظائف اللامعة والمناصب العليا الهامة في الدولة، كما كان لهم الحق في السفر للبعثات الخارجية لحمل الألقاب العلمية الرفيعة ثم العودة ليمسكوا بزمام الأمور بعدما تربوا على المبادئ العلمانية والفكر الغربي.
    ولم يكن الأمر في حاجة إلى مزيد من الإغراء، فمن ذا الذي يبعث ابنه بعد اليوم إلى الأزهر -إلا الفقير الذي يعجز عن دفع المصروفات- وهو يرى المستقبل المضمون لابنه في وظيفة حكومية مرموقة حيث يرطن بلغة السادة المستعمرين.
    «في الإعلام» وجد العلمانيون الإعلام بكافة أجهزته منبر صدق لترويج بضاعتهم والسيطرة على الرأي العام، وتوجيهه الوجهة اللاإسلامية، ولعبت دور النشر والصحافة دورا مهما في هــذا المضمــار حتى أن أحد المستشرقين يقول: (إن في القاهرة مائتي مطبعة وسبع عشرة، تصدر ما معدله كتـاب أو نشــره واحدة في اليوم، وأن أكثريه ما يصدر هو ترجمات للقصص الغرامية). هذا في وقت كنا أحوج ما نكون إلى ترجمة العلوم النافعة.
    وقصفت الأقلام النظيفة، وترك المجال لكل فكر شاذ غريب أن ينمو ويترعرع علــى صفحــات الجرائد والكتب، كالدعوة إلى تحرير المرأة، ومساواة المرأة بالرجل في الميراث والعمل، والدعوة إلى العاميــة، والدعوة إلى الارتماء في أحضان الحضارة الغربية، والأخذ بها: حلوها ومرها، خيرها وشرها، وإحياء الحضارات القديمة، والارتباط بها ليذوب في المسلم الارتباط بإسلامه وتاريخه.
    أما الإذاعة والتلفاز فأخذ على عاتقة عرض الروايات الغرامية، وظهرت المرأة المتبرجة والعارية على الشاشات بدعوى الفن والواقعية والرمزية والحرية، فاستمرئ الناس رؤية الرذيلة صباح مساء.
    وعُرض أهل المجون والفسق على أنهم نجوم يقتدى بكفاحهم في مجال الفن للوصول إلى النجومية والتألق، في حين طمس كل ما هو إسلامي، وكان حظ البرامج الدينية بخس بالنسبة لغيرها.
    وأخيرا
    بعد هذا العرض السريع بقى لنا سؤال يفرض نفسه: هل استطاع العلمانيون تحقيق التقدم والرقى الذي هللوا له وصفقوا، وزعموا أنهم ملخصون في السعي إليه؟
    والإجابة يتكفل بها التاريخ وأحداثه ليفضح فعلهم ويثبت أنهم كاذبون .. فما حرروا المرأة بزعمهم، وما كان نتاج جهدهم إلا ظهور الكاسيات العاريات في الطرقات في معظم أنحاء العالم الإسلامي كي تشيع الفاحشة والرذيلة .. وما حققوا التقدم المنشود لبلادهم، ومازال العالم الإسلامي يعانى من أعراض الوهن والتخلف الفكري والاقتصادي .. وما وصلوا للعدل المنشود بقانونهم الغربي الذي طبق في المحاكم المدنية، ومازالت آلاف القضايا معلقة على أبواب المحاكم تنتظر لها حل وحكم منذ عشرات السنين .. وما ارتفعت في أيامهم معايير الأخلاق والقيم، بل ازداد الناس عن الإسلام بعدا، وانحطت مستويات القيم ورصيد الأخلاق، والواقع يشهد بذلك.
    إن موعدهم يوم القيامة، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.

    الهوامش والمصادر
    1- 3/1388.
    2- العلمانية نشأتها وتطورها.
    - شرح السنة البغوي
    - مذاهب فكرية معاصرة
    - الاتجاهات الفكرية المعاصرة د/على جريشة
    - العلمانية
    د/ خالد سعد النجار

    alnaggar66@hotmail.com

  2. #2

    افتراضي رد: العلمانيون

    بارك الله فيك أخي خالد فالعلمانيون أعداء الله ورسوله وهم جواسيس الكفار على أهل السنة

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •