سمعنا مَن يقول أنَّ القرآنَ كلام الله قديمٌ، حادث الآحاد، فما معنى هذا؟
الجواب:
كلام الله هو من صفاته جلَّ وعلا، مثل غضبه ورضاه ورحمته وعلمه، ليس بمخلوقٍ، بل الله بصفاته هو الخالق، وما سواه مخلوقٌ.
وكلامه جلَّ وعلا جنسه قديم، لم يزل مُتكلِّمًا ، ولكنه حادث الأنواع؛ فكلامه مع محمدٍ ﷺ غير كلامه مع موسى، بعد موسى، وهكذا كلامه يوم القيامة للناس، وكلامه لأهل الجنة: يا أهلها، هل رضيتُم؟ كلامٌ جديدٌ بعدما دخلوا الجنة، وليس بقديمٍ.
فصفات الله جلَّ وعلا قديمة النوع، حادثة الآحاد، وهكذا غضبه على قوم لوط بعد غضبه على قوم نوح، وقوم عاد، وقوم ثمود، غضبٌ جديدٌ آخر، غير غضبه على أولئك، وغضبه على فرعون وجماعته بعد غضبه على قوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وهكذا غضبه على قريش وما حصل عليهم يوم بدرٍ من المقتلة العظيمة، كل ذلك بأسباب كُفرهم وضلالهم وغضب الله عليهم، وهكذا غضبه على مَن عصاه إلى يومنا هذا، كل مَن عصاه وخالف أمره غضب عليه، كما قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فالمعاصي تُوجب غضب الله، والطاعة تُوجب رضاه؛ فضلًا منه سبحانه.
قديم جنس الكلام، جنس الرضا، جنس الغضب، لم يزل ربنا مُتكلِّمًا، يغضب على مَن عصاه، ويرضى عمَّن أطاعه، ويرحم مَن يشاء، ويُعذِّب مَن يشاء، ولكن هذه الصِّفات تتجدد؛ فغضبه على فرعون بعد غضبه على قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، إلى آخره، وغضبه على مَن فعل الشرك والكفر من اليهود والنصارى بعد ذلك، وغضبه على كفار قريش وغيرهم من الكفرة بعد ذلك.
وهكذا رضاه عمَّن تقدم من المؤمنين غير رضاه عمَّن تأخَّر بعدهم، هذا رضا، وذاك رضا، رضا يتجدد بأسبابٍ، حصول أسباب الرضا، والغضب يتجدد بأسباب حصول الغضب، ويغضب إذا شاء، ويرضى إذا شاء بالأسباب التي تُسبب الغضب والرضا.
وهكذا الكلام سواء: يتكلم إذا شاء، تكلَّم سابقًا، وتكلم مع نبيه ورسوله موسى، ومع نبيه محمد ﷺ، وتكلم مع الملائكة، ويأمر وينهى، ولا يزال يتكلم إذا شاء ، وهكذا يوم القيامة، وهكذا يُكلّم أهل الجنة، فالرسول يقول: ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمه ربُّه يعني: يوم القيامة، ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمه ربُّه، ليس بينه وبينه ترجمان، وهذا معنى قوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ [الأنبياء:2] يعني: محدث جديد بعد الكلام الأول، وبعد الكتاب الأول.
فالحدث حدثان: حدثٌ جدَّ بعد ما قبله، وحدث خلقٍ وإيجاد، فإيجاد الموجودات بعضها بعد بعضٍ هذا إيجاد في الخلق، وإنزال التوراة والإنجيل بعد إنزال الصحف التي على إبراهيم هذا إنزالٌ جديدٌ، وكلامٌ جديد، وإنزال القرآن على محمدٍ ﷺ إنزالٌ جديدٌ، وقرآنٌ جديدٌ، وكلامٌ جديدٌ غير الكلام الذي نزل على موسى وعلى عيسى.
فينبغي التَّفطن لهذا، والعلم بهذا، وهذا كله لا يُنافي أنها صفات لله  و.
س: ما يكون هذا في الأزل؟
الشيخ: لا، الأزل جنس الكلام في الأزل، أما التوراة فجاءت بعد ذلك، والإنجيل جاء بعد ذلك، والقرآن جاء بعد ذلك، وكلام الله يوم القيامة حين يقول: يا آدم، أخرج بعثَ النار كلامٌ جديدٌ، كلامه مع الناس يوم القيامة حين يُكلِّمهم ويُجازيهم ويسألهم عن أعمالهم، كلامه مع أهل الجنة: هل رضيتُم إلى آخره.
الأسماء والصفات
منقول من موقع الشيخ بن باز رحمه الله

معنى قولهم: كلام الله قديم النوع حادث الآحاد للشيخ الغنيمان حفظه الله]
السؤال
ما معنى قولهم: كلام الله قديم النوع حادث الآحاد؟
الجواب
معنى هذا: أنه صفة ذات وصفة فعل -وكثير من الصفات كذلك- والمراد: أن نوع الكلام أزلي يعني: أن الله لم يزل متكلماً، وآحاده: التي يكلم بها رسله وعباده، وكذلك يكلم خلقه يوم القيامة، ويكلم أهل الجنة، ويكلم الملائكة فكل كلام كلم به نبياً أو ملكاً أو تكلم به فأنزله فهو آحاد من آحاد الكلام، يعني: بعض الكلام، ومعنى ذلك أنه يتجدد، وليس معنى ذلك أنه تكلم -كما قال الكلابية- في الأزل ثم أصبح لا يتكلم! تعالى الله وتقدس؛ ولذلك قال أهل السنة: كلام الله قديم النوع متجدد الآحاد، وبعضهم تحاشى أن يقول: حادث، لئلا يفهم الحدوث وهو الخلق، مع أن هذا جاء ذكره في القرآن: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ** [الأنبياء:٢] ، فيقول جل وعلا: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً** [الطلاق:١] ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحدث في أمره ما يشاء، وإن مما أحدث ألا تتكلموا في الصلاة) .
يقول السجزي: «﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [يس: 82]: فبيَّن عز وجل أنه قال لآدم بعد أن خلقه من تراب: (كن)، وأنه إذا أراد شيئًا يقول له: (كن) فيكون، ولم يقتضِ ذلك حدوثًا ولا خلقًا بعد حدوث نوع الكلام؛ لِما قام الدليل على انتفاء الخلق عن كلام الله تعالى» ينظر: «درء التعارض» (1/ 280) لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى