الشيخ: قاسم العصيمي
المقدمة:
الحمد لله المتصف بصفات الكمال، المنزه عن الشبيه والنظير والمثال، أفهم من شاء من عباده بما يليق به من الجلال، وترك في العماية من شاء من الجُهال والضلال.
نحمده سبحانه ليلاً ونهاراً وبكرة وأصيلا، ونبرأ من حولنا وقوتنا لربنا القائل: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85]، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه وخليله، نبينا محمد وآله ومن اهتدى بسنته واتبع سبيله.
أما بعد:
فقد وقفت على كلام لبعض من ينتصر لقول المفوضة في الصفات وينسب مقالتهم إلى السلف، وهي ظاهرة التلف، فقمت بجمع أقوال عن أئمة السلف ومن سار على نهجهم من أهل العلم، لتبيين حقيقة منهج السلف في الصفات بالألفاظ المنقولة عنهم، لا بالتوهم والدعاوى الباطلة، وذكرت من أقوال هؤلاء الأئمة ما يزيل شبهات هذا المدعي، سائلاً من الله تعالى التسديد في القول والعمل والظاهر والباطن، فهو نعم المولى ونعم النصير. منهج السلف في الصفات: أبدأ بالتمهيد بهؤلاء الكلمات عن منهج السلف ليكون المطلع على بينة فيما سيأتي من الكلام. لقد كان منهج السلف في الصفات غاية في الوضوح والسلامة، يثبتون لله تعالى كل ما وصف به نفسه على الحقيقة والظاهر المتبادر إلى أفهام أصحاب الفطر السليمة على مقتضى الخطاب العربي، من غير تشبيه ولا وتمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل. فقد روى أبو داود في (مسائل الإمام أحمد ص15) واحتج به البخاري في خلق أفعال العباد عن الإمام يزيد بن هارون: "من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي". قال الإمام الذهبي معلقاً كما في كتاب (العلو للعلي الغفار: 157- 158): "يَقرُ مخفف والعامة مراده بهم جمهور الأمة وأهل العلم، والذي وقر في قلوبهم من الآية هو ما دل عليه الخطاب مع يقينهم بأن المستوي ليس كمثله شيء، هذا الذي وقر في فطرهم السليمة وأذهانهم الصحيحة، ولو كان له معنى وراء ذلك لتفوهوا به ولما أهملوه، ولو تأول أحد منهم الاستواء لتوفرت الهمم على نقله، ولو نقل لاشتهر، فإن كان في بعض جهلة الأغبياء من يفهم من الاستواء ما يوجب نقصا أو قياسا للشاهد على الغائب وللمخلوق على الخالق فهذا نادر، فمن نطق بذلك زجر وعلم وما أظن أن أحدا من العامة يَقر في نفسه ذلك والله أعلم" ا.هـ. ثم قال الذهبي ص(166): "قال بنان بن أحمد: "كنا عند القعنبي رحمه الله فسمع رجلا من الجهمية يقول: الرحمن على العرش استوى. فقال القعنبي: من لا يوقن أن الرحمن على العرش استوى كما يقر في قلوب العامة فهو جهمي". وقال ص (213- 214): "كتب إلي مؤمل بن محمد وجماعة قالوا: "أنبأنا أبو اليمن الكندي أنبأنا أبو منصور القزاز أنبأنا أبو بكر الخطيب حدثني الحسن بن أبي طالب أنبأنا منصور بن محمد بن منصور القزاز قال: سمعت أبا الطيب أحمد والد أبي حفص بن شاهين يقول: حضرت عند أبي جعفر الترمذي فسأله سائل عن حديث نزول الرب فالنزول كيف هو يبقى فوقه علو؟ فقال: النزول معقول والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة". قال الذهبي: "قلت صدق فقيه بغداد وعالمها في زمانه إذ السؤال عن النزول ما هو عي، لأنه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلا فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عبارات جلية واضحة للسامع، فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء فالصفة تابعة للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر". وذكر محمود الحداد في (عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين: 130): "أن المحب روى في الصفات بسنده عن أبي حاتم رحمه الله أنه قال: "من قال النزول غير النزول وما أشبهه فهو كافر جهمي". نشأة المفوضة ومعنى التفويض: التفويض في الصفات الذي صار معروفا عند أهل الفرق والمقالات هو صرف نصوص الصفات الواردة في حق الله تعالى عن ظاهرها مع عدم التعرض لبيان معناها بعد ذلك. ونشأ هذا الفكر متأخراً عند بعض المتكلمين كما قال الذهبي في كتاب (العلو للعلي الغفار: 251): "قلت المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم بها، قالوا هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تأول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد" ا.هـ. فتبين بقول هذا المؤرخ المشهور أن مقالة التفويض ليست للسلف بل هي لبعض المتأخرين من أهل النظر أي أهل الكلام. وبعد فنشرع في بيان ضلالات من افترى على السلف ونسبهم إلى التفويض بنقل كلمات من أقوال السلف تدحض هذه النسبة، وقد جعلت الكلام على وقفتين أساسيتين في تناول هذه المسألة. الوقفة الأولى: سقوط الكاتب في ادعائه الإجماع على أن نصوص الصفات ليست على ظاهرها وأن ظاهرها غير مراد وأن ظاهرها لا معنى له إلا ما في المخلوق: قال الذهبي في (العلو للعلي الغفار: 263): "قال الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الطلحي الأصبهاني مصنف الترغيب والترهيب وقد سئل عن صفات الرب فقال: مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل، قال: ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره". ثم قال -أي هو-: "هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل" ا.هـ. وقال قوام السنة الأصبهاني في كتاب (الحجة في بيان المحجة: 1/ 473): "وقد نص أحمد على القول بظاهر الأخبار من غير تشبيه ولا تمثيل" ا.هـ. وفي هذه النقول كفاية لبيان أن نصوص الصفات على ظاهرها وأن دعوى الإجماع على أن النصوص ليست على ظاهرها دعوى باطلة. وليطمئن بعض الناس أكثر أسوق كلام الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله ففي (الإبانة: 137-140): "فإن قالوا إذا أثبتم لله عز وجل يدين لقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] فلم لا أثبتم له أيدي لقوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس:71]؟ قيل لهم: "قد أجمعوا على بطلان قول من أثبت لله أيدي فلما أجمعوا على بطلان قول من قال ذلك وجب أن يكون الله تعالى ذكر أيدي ورجع إلى إثبات يدين لأن الدليل عنده دل على صحة الإجماع وإذا كان الإجماع صحيحا وجب أن يرجع من قوله أيدي إلى يدين؛ لأن القرآن على ظاهره ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة فوجدنا حجة أزلنا بها ذكر الأيدي عن الظاهر إلى ظاهر آخر ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقته لا يزول عنها إلا بحجة". مسألة: فإن قال قائل: إذا ذكر الله عز وجل الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة؟ قيل له: ذكر تعالى أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يدا واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر. مسألة: فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس:71] وقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] على المجاز؟ قيل له: حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس هو على حقيقة الظاهر وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة كذلك قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] على ظاهره أو حقيقته من إثبات اليدين ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة. ولو جاز ذلك لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة وإذا لم يجز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه أنه مجاز أن يكون مجازا بغير حجة بل واجب أن يكون قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] إثبات يدين لله تعالى في الحقيقة غير نعمتين إذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم: فعلت بيدي وهو يعني النعمتين" ا.هـ. جواب شبهة قولهم: أن معنى الكلام على ظاهره أي لا نتأوله ولكن لا نعلم معناه وأن ظاهره المتبادر ما في المخلوق: لما قال أصحاب هذه المقالة المولدة أن معنى على ظاهره لا نتأوله وأن ظاهره المتبادر هو ما في المخلوق، قال أتباع السلف الصالح فعلى قولكم هذا فليكن الظاهر ظاهرين، ظاهر هو ما في المخلوق وهذا هو التشبيه الذي نفاه السلف بقولهم بلا تشبيه، وظاهر على ما يليق بالله وهو مقتضى الخطاب العربي وهو مفهوم المعنى. قال شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى: 5/ 108): "وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِي نَ مَنْ يَقُولُ: مَذْهَبُ السَّلَفِ إقْرَارُهَا عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ مَعَ اعْتِقَادٍ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَهَذَا اللَّفْظُ " مُجْمَلٌ " فَإِنَّ قَوْلَهُ: ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالظَّاهِرِ نُعُوتَ الْمَخْلُوقِينَ وَصِفَاتِ المحدثين... وَمَنْ قَالَ: إنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ فَقَدْ أَصَابَ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ أَخْطَأَ بِإِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فَإِنَّ هَذَا الْمُحَالَ لَيْسَ هُوَ الظَّاهِرُ". وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء: 19/ 449) في ترجمة أبي الوفاء علي بن عقيل: "قلت: قد صار الظاهر اليوم ظاهرَين: أحدهما حق، والثاني باطل، فالحق أن يقول: إنه سميع بصير، مريد متكلم، حي عليم، كل شئ هالك إلا وجهه، خلق آدم بيده، وكلم موسى تكليما، واتخذ إبراهيم خليلا، وأمثال ذلك، فنمره على ما جاء، ونفهم منه دلالة الخطاب كما يليق به تعالى، ولا نقول: له تأويل يخالف ذلك. والظاهر الآخر وهو الباطل، والضلال: أن تعتقد قياس الغائب على الشاهد، وتمثل البارئ بخلقه، تعالى الله عن ذلك، بل صفاته كذاته، فلا عدل له، ولا ضد له، ولا نظير له، ولا مثل له، ولا شبيه له، وليس كمثله شئ، لا في ذاته، ولا في صفاته، وهذا أمر يستوي فيه الفقيه والعامي، والله أعلم". وقال ابن رجب في (فتح الباري شرح صحيح البخاري له: 5/ 100) تحقيق طارق عوض الله وهو يبين مذهب السلف في نصوص الصفات: "ومن قال: الظاهر منها غير مراد، قيل له: الظاهر ظاهران: ظاهر يليق بالمخلوقين ويختص بهم، فهو غير مراد، وظاهر يليق بذي الجلال والإكرام، فهو مراد، ونفيه تعطيل... وأنه ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله الصحيحة ما ظاهره كفر أو تشبيه، أو مستحيل، بل كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله، فإنه حق وصدقٍ، يجب اعتقاد ثبوته مع نفي التمثيل عنه، فكما أن الله ليس كمثله شيء في ذاته، فكذلك في صفاته" ا.هـ. جواب شبهة أن السلف لم يفصلوا هذا التفصيل في الظاهر: إن قال قائل لم يفصل السلف في الظاهر هذا التفصيل فيقال له إن مقالة أن الظاهر المتبادر من نصوص الصفات هو ما في المخلوق مقالة متأخرة لبعض المتكلمين، ولم تعرف في عهد السلف كما سبق أن نقلنا هذا عن الإمام الذهبي، ولهذا لم يوجد عندهم هذا التفصيل في الظاهر، وكان معلوماً عندهم أن الأصل هو الظاهر وأنه مفهوم المعنى مع نفي التشبيه، وأن الظاهر حسبما أضيف إليه في الخطاب العربي، فإذا اتصف بهذه الصفات من ليس كمثله شيء فالصفة تابعة للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر. الكلام على الحقيقة والمجاز ودعوى أن الحقيقة في الصفات لا يعقل منها إلا ما في المخلوق: الكلام عن الحقيقة والمجاز طويل وقد ألفت في ذلك مصنفات، والذي يهمنا هنا هو أن الكاتب ذكر أن الحقيقة التي في مقابل المجاز لا يعقل منها إلا ما في المخلوق، ثم ما ترك نصا لأهل العلم فيه إثبات أن أسماء الله وصفاته على الحقيقة إلا حرفه وصرف معناه إلى المعنى اللغوي للفظة الحق وقال هو بمعنى ثابت لا بمعنى الحقيقة التي تقابل المجاز، مع أن بعض أقوال أهل العلم مذكور فيها أن صفات الله على الحقيقة لا على المجاز، والحقيقة في هذا السياق والتقييد يفهم منها كل عاقل أنها التي في مقابل المجاز، ولكن إلى الله المشتكى! من ذلك ما قاله الإمام ابن عبد البر في التمهيد لما في (الموطأ من المعاني والأسانيد: 7/ 145): "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله". قال الذهبي معلقاً كما في (العلو للعلي الغفار: 250): "صدق والله فإن من تأول سائر الصفات وحمل ما ورد منها على مجاز الكلام أداه ذلك السلب إلى تعطيل الرب وأن يشابه المعدوم، كما نقل عن حماد بن زيد أنه قال: مثل الجهمية كقوم قالوا: في دارنا نخلة قيل لها سعف قالوا لا قيل فلها كرب قالوا: لا قيل لها رطب وقنو قالوا: لا قيل فلها ساق قالوا: لا قيل فما في داركم نخلة. قلت: كذلك هؤلاء النفاة قالوا إلهنا الله تعالى وهو لا في زمان ولا في مكان ولا يرى ولا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يرضى ولا يغضب ولا يريد ولا ولا.. وقالوا سبحان المنزه عن الصفات، بل نقول سبحان الله العلي العظيم السميع البصير المريد الذي كلم موسى تكليما، واتخذ إبراهيم خليلا ويرى في الآخرة المتصف بما وصف به نفسه ووصفه به رسله، المنزه عن سمات المخلوقين وعن جحد الجاحدين ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".اهـ وأثر حماد بن زيد في مختصر الأحكام (مستخرج الطوسي على جامع الأحكام: 33-34) لأبي علي الحسن بن علي بن نصر الطوسي قال فيه: "حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني حدثني أبي عن سليمان بن حرب قال: قال حماد بن زيد: مثل الجهمية مثل رجل قيل له أفي دارك نخلة قال نعم. قيل فلها خوص قال لا. قيل فلها سعف قال لا. قيل فلها كرب قال لا. قيل فلها جذع قال لا. قيل فلها أصل قال لا. قيل فلا نخلة في دارك. هؤلاء الجهمية قيل لهم لكم رب قالوا نعم. قيل يتكلم قالوا لا. قيل فله يد قالوا لا. قيل فله قدم قالوا لا. قيل فله إصبع قالوا لا. قيل فيرضى ويغضب قالوا لا. قيل فلا رب لكم. قال محقق الكتاب أنيس بن أحمد بن طاهر الأندونوسي إسناده صحيح". قال الذهبي في (العلو للعلي الغفار: 264): "قال العلامة أبو بكر محمد بن موهب المالكي في شرحه لرسالة الإمام أبي محمد بن أبي زيد: أما قوله إنه فوق عرشه المجيد بذاته فمعنى فوق وعلى عند جميع العرب واحد وفي الكتاب والسنة تصديق ذلك وهو قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:4] وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:50] وساق حديث الجارية والمعراج إلى سدرة المنتهى. إلى أن قال وقد تأتي لفظة (في) في لغة العرب بمعنى فوق كقوله: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك:15] و{فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71] و{أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] قال أهل التأويل: يريد فوقها وهو قول مالك مما فهمه عمن أدرك من التابعين مما فهموه عن الصحابة مما فهموه عن النبي أن الله في السماء يعني: فوقها وعليها، فلذلك قال الشيخ أبو محمد إنه فوق عرشه ثم بين أن علوه فوق عرشه إنما هو بذاته؛ لأنه تعالى بائن عن جميع خلقه بلا كيف.... فلما أيقن المنصفون إفراد ذكره بالاستواء على عرشه بعد خلق سماواته وأرضه وتخصيصه بصفة الاستواء علموا أن الاستواء هنا غير الاستيلاء ونحوه فأقروا بوصفه بالاستواء على عرشه وأنه على الحقيقة لا على المجاز لأنه الصادق في قيله ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله إذ ليس كمثله شيء" ا.هـ. وقال أبو الحسن الأشعري في (رسالة إلى أهل الثغر: 216-217): الإجماع الخامس: وأجمعوا على أن صفته عز وجل لا تشبه صفات المحدثين كما أن نفسه لا تشبه أنفس المخلوقين واستدلوا على ذلك بأنه لو لم يكن له عز وجل هذه الصفات لم يكن موصوفاً بشيء منها في الحقيقة من قِبل أن من ليس له حياة لا يكون حيا، ومن لم يكن له علم لا يكون عالماً في الحقيقة، ومن لم يكن له قدرة فليس بقادر في الحقيقة، وكذلك الحال في سائر الصفات ألا ترى من لم يكن له فعل لم يكن فاعلاً في الحقيقة، ومن لم يكن له إحسان لم يكن محسناً، ومن لم يكن له كلام لم يكن متكلماً في الحقيقة، ومن لم يكن له إرادة لم يكن في الحقيقة مريداً وان من وصف بشيء من ذلك مع عدم الصفات التي توجب هذه الأوصاف لله يكون مستحقا لذلك في الحقيقة، وإنما يكون وصفه مجازاً أو كذبا ألا ترى أن وصف الله عز وجل للجدار بأنه يريد أن ينقض لما لم يكن له إرادة في الحقيقة كان مجازاً وذلك أن هذه الأوصاف مشتقة من أخص أسماء هذه الصفات ودالة عليها فمتى لم توجد هذه الصفات التي وصف بها كان وصفه بذلك تلقيبا أو كذبا فإذا كان الله عز وجل موصوفا بجميع هذه الأوصاف في صفة الحقيقة وجب إثبات الصفات التي أوجبت هذه الأوصاف له في الحقيقة وإلا كان وصفه بذلك مجازاً، كما وصف الجدار بأنه يريد لما لم يكن له إرادة مجازاً، وتبيين هذا أن وصف الإنسان بأنه مريد وسارق وظالم مشتق من الإرادة والسرقة والظلم، وكذلك وصفه بأنه أسود مشتق من السواد، فإذا وصف بذلك من ليس له هذه الصفات في الحقيقة كان وصفه بذلك تلقبياً ألا ترى أن من سمت العرب من أولادها بذلك لم يستحق الذم؛ لأن تسميته بذلك لا يقتضي إثبات هذه الصفات، وإنما وضعوا ذلك لهم تلقيباً كما يلقبونهم بزيد وعمرو، وعلى مثل هذا جاء السمع في تسمية الجدار بأنه يريد لما لم يكن له إرادة، وإذا كان وصف الباري عز وجل بسائر ما ذكرناه من كونه عز وجل حيا وقادراً وعالماً ومتكلماً ومريداً وسميعاً وبصيراً في الحقيقة دون المجاز والتلقيب وجب إثبات هذه الصفات التي اشتق له عز وجل الأوصاف من أخص أسمائها" ا.هـ. فهل هؤلاء وغيرهم كثير جهلوا أن معنى الحقيقة المقابل للمجاز هو التجسيم والجارحة وفهمها المقلدون والمتعصبون؟ الوقفة الثانية: من سقوط الكاتب زعمه أن السلف اتفقوا على رد معاني الصفات حينما قالوا نمرها كما جاءت بلا تفسير: استدل الكاتب بمجملات أو عبارات قالوها في الرد على المعطلة من الجهمية كقولهم: "نمرها كما جاءت"، وكقولهم: "لا كيف ولا معنى"، وكقولهم: "بلا تفسير"، "نسكت عنها" وهي كلمات حق وضعها هذا الكاتب في غير موضعها. وبيان ذلك أن السلف رحمهم الله إنما قالوا: هذه العبارات في الرد على التفسير والمعنى الباطل الذي كان يقوله الجهمية المعطلة، وعلى هذا تدور أغلب عباراتهم، أو التفسير الذي يخوض في الكيفية لئلا يفهم من إثبات المعنى الظاهر تشبيه الله بخلقه. ففي كتاب (المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة: 1/ 316): "قال المروذي: سالت أبا عبد الله عن عبد الله التيمي فقال: صدوق وقد كتبت عنه في الرقائق ولكن حكي عنه أنه ذكر حديث الضحك فقال: مثل الزرع وهذا كلام الجهمية". وفي (1/ 385) من نفس الكتاب: "وقد ذكر عبد الرحمن بن مندة في كتاب الإسلام فقال: قال أبو إسحاق إبراهيم بن احمد بن فراس في كتابه عن حمدان بن علي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول وسأله رجل فقال: يا أبا عبد الله الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله خلق آدم على صورته» على صورة آدم؟ فقال أحمد بن حنبل: فأين الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن عز وجل»، وأي صورة كانت لآدم قبل أن يُخلق! قال: (وأنا) علي بن يحي بن جعفر الغمام قال (أنا) الطبراني قال سمعت عبد الله بن أحمد يقول: قال رجل لأبي أن فلاناً يقول في حديث رسول الله: «إن الله خلق آدم على صورته» فقال: على صورة الرجل قال أبي: كذب هذا قول الجهمية وأي فائدة في هذا؟! قال: وروى إسماعيل بن أحمد بن سعد في كتاب السنة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: "كنا بالبصرة عند شيخ فحدثنا بحديث النبي: «إن الله خلق آدم على صورته» فقال الشيخ على صورة الطين، فحُدث بذلك أبي رحمه الله تعالى فقال: هذا جهمي وقال: هذا كلام الجهمية. وفي نفس الكتاب (1/ 310): "قال أبو بكر الأثرم قلت لأبي عبد الله حدث محدث وأنا عنده بحديث: «يضع الرب عز وجل قدمه» وعنده غلام، فأقبل على الغلام فقال له: إن لهذا تفسيراً. فقال أبو عبد الله: "انظر إليه كما تقول الجهمية سواء". وقال في رواية حنبل: "....وأنه يضع قدمه" وما أشبه ذلك يؤمن بها ويصدق بها ولا كيف ولا معنى، ولا نرد شيئاً منها، ونعلم أن ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حق إذا كانت بأسانيد صحاح" ا.هـ. فالمعنى المنفي هنا هو تفسير الجهمية حينما يأتون بمعنى يعطل الصفة، وإلا لما كان لذكر الجهمية داع، وليس المراد نفي فهم معناها الموافق للظاهر أو نفي كل تفسير لها يبقيها على حقيقتها. ومما يدل على أن النص في الصفات عند الإمام أحمد يُعرف تفسيره قوله في كتاب (أصول السنة: 18-19): "ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له فعليه الإيمان به والتسليم مثل حديث الصادق المصدوق، ومثل ما كان مثله في القدر ومثل أحاديث الرؤية كلها وإن نبت عن الأسماع واستوحش منها المستمع" ا.هـ. وقال في الرد على الزنادقة والجهمية (ص: 28): "وقد ذكر الله كلامه في غير موضع من القرآن فسماه كلاما ولم يسمه خلقا قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة:37]، وقال: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ} [البقرة:75]، وقال: {{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]، وقال: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144]، وقال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، وقال: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} [الأعراف:158]. فأخبرنا الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمن بالله وبكلام الله، وقال: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح:15]، وقال: {لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف:109]، وقال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، ولم يقل حتى يسمع خلق الله. فهذا منصوص بلسان عربي مبين لا يحتاج إلى تفسير هو مبين بحمد الله" ا.هـ. انظر لماذا لا يحتاج إلى تفسير لأنه نص بلسان عربي مبين، ولهذا قال الإمام أحمد كغيره من السلف إن نصوص الصفات تمر كما جاءت على ظاهرها بل تفسير ولا معنى. ولو كان مراد السلف أننا لا نفهم المعنى لما قالوا: "من غير تشبيه، وبلا كيف" لأنه لا يأتي التشبيه من كلام لا يفهم معناه، لكن لما أدرك السلف أن المعنى مفهوم قالوا بلا كيف ومن غير تشبيه. قال الأصبهاني في كتاب (الحجة حين ذكر الأسماء والصفات: 1/ 184): "وكان ذلك مفهوماً عند العرب غير محتاج إلى تأويله" ا.هـ. فكذا قول سفيان رحمه الله وقول غيره: "بلا تفسير" يعني: لا تُفسر تفسير الجهمية؛ لأن النصوص واضحة ومفهومة. وما أُثر عن سفيان أننا لا نفسره لا بالعربية ولا بالفارسية فضعيف جداً سنداً ومتناً؛ بل حتى البيهقي وهو من روى هذا عنه قد قال بخلافه ففي كتابه (الاعتقاد: 118): أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزار يقول: سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل ما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه. قال الشيخ: وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث" ا.هـ. وكذلك ما ورد عن محمد بن الحسن الشيباني قد بين هو بنفسه التفسير المنفي ففي كتاب (العلو للعلي الغفار: 153): "قال محمد بن الحسن اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي وفارق الجماعة لأنه وصفه بصفة لا شيء" ا.هـ. والذين يصفون الله بصفة لا شيء هم الجهمية الذين عطلوا الصفات، فاتضح بهذا والحمد لله مراد السلف بنفي التفسير عن نصوص الصفات وأنه لا يدخل فيه التفسير الموافق للظاهر كما فسره أهل العلم من السلف. فقد فسروا الاستواء وفسروا الرؤية وفسروا نصوص الوعيد، كما قال الإمام الترمذي رحمه الله في (السنن: 3/ 50) باب: ما جاء في فضل الصدقة: "وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا إن معنى اليد ههنا القوة، وقال إسحق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه، وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ا.هـ" وبنحو قول إسحاق في التشبيه والمشبهة قال الإمام أحمد كما في كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في (العقيدة: 1/ 364): "قال القاضي أبو يعلى وقد أنكر أحمد التشبيه فقال في رواية حنبل: المشبهة تقول بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي ومن قال ذلك فقد شبه الله بخلقه" ا.هـ. وقد أنكر السلف تفسير الكيفية وهو تفسير التشبيه كما أنكروا تفسير التعطيل وهو تفسير الجهمية قال الذهبي في (العلو للعلي الغفار: 173): "أخبرنا ابن علوان أنبأنا البهاء عبد الرحمن أنبأنا عبد المغيث بن زهير أنبأنا ابن كادش أنبأنا محمد بن العشاري أنبأنا أبو الحسن الدار قطني: حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس الدوري سمعت أبا عبيد وذكر الباب الذي يروى فيه حديث الرؤية والكرسي وموضع القدمين وضحك ربنا وحديث أين كان ربنا، فقال هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل لنا كيف وضع قدمه؟ وكيف يضحك؟ قلنا: لا نفسر هذا ولا سمعنا أحداً يفسره". قال الذهبي: كان أبو عبيد من أئمة الاجتهاد رأسا في اللغة حسبك أن إسحاق بن راهويه قال الله يحب الإنصاف أبو عبيد أعلم مني ومن الشافعي ومن أحمد. توفي أبو عبيد سنة أربع وعشرين ومائتين وقد ألف كتاب غريب الحديث وما تعرض لأخبار الصفات بتفسير، بل عنده لا تفسير لذلك غير موضع الخطاب للعربي والله تعالى أعلم.اهـ ويؤيد كلام الإمام الذهبي عن أبي عبيد بأنه لا تفسير لنصوص الصفات غير موضع الخطاب العربي أن أبا عبيد فسر الاستواء بالصعود ذكر ذلك البغوي في تفسيره، فالتفسير بالمرادف المفهوم، أو تفسير الكلمة بذكر ضدها، من تفسير أهل العلم الجائز الذي ذكره الترمذي في السنن كما سبق وكما هو عن السلف في كتاب (العلو للعلي العظيم للذهبي: 2/ 1107) بتحقيق البراك: "قال يحي بن معين: إذا قال لك الجهمي وكيف ينزل؟ فقل كيف صعد؟ أي أن الكيف مجهول لنا لكن الصعود وهو (الاستواء) معلوم فكذلك النزول معلوم وكيفيته مجهولة بالنسبة لنا. وذكر قوام السنة في كتابه (الحجة: 2/ 512) في اعتقاد أبي أحمد بن أبي أسامة عن الصفات: "ولا نفسرها تفسير أهل التكييف والتشبيه". سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.. منبر علماء اليمن: http://olamaa-yemen.net/main/article...ticle_no=10360