تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: صلاة المسافر

  1. #1

    افتراضي صلاة المسافر

    الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
    فهذا بحث في أحكام صلاة المسافر، أذكر فيه بعض المسائل المتعلقة بأحكام السفر، من أقوال الأئمة الفقهاء الاربعة، وأدلة كل قول، والراجح منها باختصار، واللهَ أسأل ان ينفعني به، ومن قرأه من اخوانى.
    وذلك بمناسبة بدأ الإجازة الصيفية، إذ تكثر في هذه الفترة الأسفار، ومن ثم تكثر الحاجة لمعرفة بعض الأحكام المهمة، المتعلقة بصلاة المسافرين، ثم أختم هذا البحث بذكرخلاصته، وبالله التوفيق.

    ترجم العلماء هذا الباب بصلاة المسافر، لا على أن للمسافر صلاة يختص بها، ولكن على معنى أن له كيفية في إقامة الفرائض لا تعم كل مصل، وإنما شرعت تخفيفا عليه؛ لما يلحقه من تعب السفر.

    والتخفيف نوعان:
    أحدهما: تخفيف في نفس السفر، وهو القصر.
    والثاني: تخفيف في رعاية وقتها، وهو الجمع.

    والأصل في قصر الصلاة، الكتاب، والسنة، والإجماع.
    أما الكتاب، فقوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) قال يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) وقد أمن الناس؟ فقال: تعجبتُ مما تعجبتَ منه، فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته" أخرجه مسلم.
    وأما السنة: فقد تواتر الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر في أسفاره، حاجا، ومعتمرا، وغزايا.
    قال ابن عمر رضي الله عنهما: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض، يعني في السفر، وكان لا يزيد على ركعتين، وأبا بكر حتى قبض، وكان لا يزيد على ركعتين، وعمر، وعثمان كذلك. متفق عليه.
    وأجمع أهل العلم أن من سافر سفرا تقصر في مثله الصلاة، في حج، أو عمرة، أو جهاد، أن له أن يقصر الرباعية، فيصليها ركعتين اهـ المغني لابن قدامة باختصار يسير 2/255
    وقال ابن المنذر: وأجمعوا على أن لا يقصر في صلاة المغرب، وصلاة الفجر اهـ الإشراف على مذاهب العلماء 2/193

    الكلام في صلاة المسافر يقع في أربعة مباحث:
    أحدها: بيان المقدار المفروض من الصلاة في حق المسافر.
    وقدحذفت تفاصيل هذا المبحث هنا، خشية الإطالة، والملل.
    الثاني: بيان ما يصير المقيم به مسافرا.
    الثالث:بيان ما يصير به المسافر مقيما، وما يبطل به السفر، ويعود الى حكم الإقامة.
    الرابع: الجمع بين الصلاتين.

    المبحث الأول: بيان المقدار المفروض من الصلاة في حق المسافر.
    اختلف العلماء في قصر الصلاة الرباعية، هل هو جائز أم واجب؟ وهو ما يعبر عنهما بالرخصة والعزيمة، على قولين:
    القول الأول: ذهب جماعة من الصحابة والتابعين الى ان القصر والاتمام جائزان، والأفضل القصر، وهو مذهب الجمهور مالك، والشافعي، واحمد، وهو الصحيح ان شاء الله. المجموع 4/٢٢٠
    القول الثاني: ذهب ابو حنيفةَ وأصحابُه الى ان القصرَ واجبٌ، وهو قول مرجوح.

    يتبع

  2. #2

    افتراضي رد: صلاة المسافر

    المبحث الثاني: بيان ما يصير المقيم به مسافرا، وهي أربعة أمور:
    مسافة السفر، والنية، والخروج من عمران البلد، وان يكون السفر مباحا.

    أولا:مسافة السفر.
    اتفق عامة العلماء على ان مسافة السفر مقدرة، واختلفوا في تقدير هذه المسافة الى أقوال عدة. بدائع الصنائع 1/٣١٢

    اشهرُهذه الأقوالِ، قولان:
    القول الأول: ان مسافة القصر اربعُ بُردٍ، وهو مذهب الجمهور، مالك، والشافعي، وأحمد.
    والبرد أربع فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع، وهي مسيرة يوم تام. مسائل عبد الله ص ١١٧، الاستذكار 6/٧٩
    احتجوا بأن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم كانا يقصران ويفطران في اربعة برد، وهي ستة عشر فرسخا. أخرجه البخاري معلقا ١٠٨٦؛ وصححه غير واحد من اهل العلم. فتح الباري لابن حجر 2/٦٦٠، و إرواء العليل 17/3ـ18
    ولم تختلف الرواية في ذلك عن ابن عباس، ووقع خلاف مِن بعض مَن رواه عن ابن عمر، و الصحيح عن ابن عمر هي القصر في مسافة أربع برد، وعدم القصر فيما دون هذه المسافة، كما بينه ابن عبد البر.

    وأختلف في مقدار هذه المسافة بالمقادير الحديثة.
    فقد قدرها الشيخ ابن باز رحمه الله بمسافة ٨٠كم تقريبا.
    وقدرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بمسافة ٧٧كم تقريبا. الشرح الممتع 4/٤٩٦
    وقدرها الشيخ البسام رحمه الله بمسافة ٨٩كم. توضيح الاحكام 2/٣٠١

    القول الاخر في تقدير مسافة السفر: ان مسافة القصر هي مسيرة ثلاثة ايام، وهو مذهب ابي حنيفة وغيره. بدائع الصنائع 1/312
    احتجوا في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر ان تسافر ثلاثة أيام إلا مع محرم.

    قال ابن عبد البر: ليس في هذا حجة؛ لانه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر امراة مسيرة ثلاثة أيام، وروي عنه مسيرة يومين؛ وروي عنه يوما وليلة؛ وروي عنه: بريدا إلا مع ذي محرم. الاستذكار 6/٩٠
    واحتجوا أيضاً بقول ابن مسعود رضي الله عنه: لا تغتروا بتجارتكم، وأجشاركم، تسافرون إلى آخر السواد، وتقولون: إنا قوم سفر! انما المسافر من أفق الى أفق. اخرجه عبد الرزاق2/٥٢٢
    وأقل ذلك عندهم ثلاثة أيام كاملة. الاستذكار 6/٨٧
    وضعف الامامُ أحمدَ أثرَ ابنِ مسعودٍ بالاختلافِ في سنده، وبما روي عن ابن مسعود خلافه.مسائل عبدالله ص ١١٨
    وبهذا يتبين قوة القول الاول، وهو تحديد مسافة القصر بمقدار اربع برد، وهو الراجح.

    اتفق جمهور العلماء على انه لا فرق في قطع هذه المسافة بالأقدام، او الجمال، او السفن، ويقاس عليها وسائل المواصلات الاخرى، كالسيارات، والطائرات، والقطارات. المجموع 4/٢١٢
    وكذلك اذا سافر في الجبال والعقبات انه يعتبر مسيره فيها لا في السهل. بدائع الصنائع 1/٣١٤،والمغني 2/٢٥٨، والكافي لابن عبد البر ص ٦٧

    ثانيا مما يصير المقيم به مسافرا: النية.
    النية شرط لقصر الصلاة في السفر باتفاق الأئمة الاربعة، وجمهور أهل العلم.المجموع4/٢١٦، والمغني 2/٢٥٨، الكافي لابن عبدالبر ص ٦٧
    قال الكاساني: لأنّ السير قد يكون سفرا، وقد لا يكون. بدائع الصنائع 1/٣١٥
    والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات " متفق عليه.
    فلا بد لقصر الصلاة في السفر من وجود نية السفر، قبل انشاء السفر، واستمرارها مع السفر.

    من صور السفر بدون نية، التي ذكرها الفقهاء: من خرج في طلب عدو، أو طلب عبد آبق، أو إبلٍ شاردة، أو شخص هائم، ونحو ذلك، فلا يقصر ولو بلغ مسيرة أيام وليال؛ لعدم وجود نية السفر؛ ولأنه لا يعلم بالمكان الذي يريده، فقد يكون قريبا وقد يكون بعيدا.
    فإذا بلغ مسافة القصر وهي أربع برد كما تقدم، و أراد الرجوع لبلده فله القصر في رجوعه؛ لوجود النية ومسافة السفر.

    تنقطع النية بأمور منها:
    نية الإقامة، أو نية الرجوع أثناء السفر فيما دون أربع برد أي 80كم، أو التردد بين الإقامة والسفر، او التردد بين إكمال السفر او الرجوع منه، وحينئذ تنقطع نيته ويصبح كالمقيم. بدائع الصنائع 1/341، المجموع 4/217، المغني 2/266
    فإن نوى بعد ذلك السفر أبتدأت نيته من موضعه الذي نوى فيه، فإن كان بقي بينه وبين المكان الذي يريده مسافة اربع برد وهي ٨٠ كم، قصر الصلاة.
    وإن كانت المسافة المتبقية أقل من ذلك فلا يقصر.
    أونوى السفر لبلد تبلغ نصف مسافة القصر ويقيم فيها أكثر من ثلاثة أيام، ثم بعد ذلك يسافر لأخرى مثلها في المسافة، فلا يقصر في سفره لهما لان النية ابتدأت بعدالإقامة.

    الثالث مما يصير المقيم به مسافرا: مفارقة مكان إقامته.
    قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم من كل من نحفظ عنه على ان الذي يريد السفر ان يقصرالصلاة اذا خرج عن بيوت القرية التي منها يخرج اهـ الإشراف على مذاهب العلماء 2/٢٠٤
    استدل جمهور العلماء على وجوب مفارقة عمران البلد، بقول علي رضي الله عنه لما خرج الى البصرة رأى خُصّاً، فقال: لولا هذا الخص لصلينا ركعتين. أخرجه عبد الرزاق 2/٥٢٩
    والخص:بيت من قصب.

    فإن كان مقيما في بلدة او قرية فإنما يترخص بعد مفارقة آخر عمران البلد، وهي البيوت ونحوها مما أُعِدَ للسكن، ما لم تكن خرابا غير مسكونة، فحينئذ لا يشترط تجاوزها.
    وان كان مقيما في الصحاري، فإنما يترخص بعد مفارقة البقعة التي أقام بها.
    وان كان مقيما في قوم أهل خيام فإنما يترخص اذا فارق آخر خيمة منها؛ وهي بمثابة أبنية البلدة والقرية. الاستذكار 6/٧٩، العزيز للرافعي 2/٢٠٩-٢١١، والمجموع 4/٢٢٥،والمغني 2/٢٦١

    رابعا مما يصير المقيم به مسافرا: ان يكون السفر سفر طاعة، أو يكون السفر مباحا.
    أجمع العلماء على جواز القصر في سفر الطاعة، كالجهاد، والحج، والعمرة، وما شابه ذلك من الطاعات، من صلة رحم، وإحياء نفس.
    واتفق الجمهور على جواز القصر والفطر في السفر المباح، كالتجارة، ونحوها.
    واختلفوا في سفر المعصية، فذهب جماهير العلماء، كمالك والشافعي واحمد، لعدم جواز القصر، أوالفطر، ونحوهما من الرخص في سفر المعصية.

    قال الامام مالك: لا يقصر الصلاة مسافر إلا ان يكون سفره في طاعة، أو ما أباح الله له السفر فيه، ولم يحظره عليه.
    ومن سافر في معصية لم يجز له أن يقصر اهـ لاستذكار 6/٥٥، والمنتقى شرح الموطأ للباجي 2/٢٤٩
    وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبيل سئل عن التاجر يقصر، ويفطر في السفر؟ قال: نعم، إلا أن يكون في معصية اهـ مسائل أبي داود ص 107
    وقال النووي: مذهبنا جواز القصر في كل سفر ليس معصية، سواء الواجب والطاعة والمباح، كسفر التجارة ونحوها، ولا يجوز في سفر المعصية؛ وبهذا قال مالك، وأحمد، وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. المجموع 4/٢٢٤

    ومن صور سفر المعصية التي ذكرها الفقهاء، وما يقاس عليها:
    مثل أن يخرج المسافر باغيا على مسلم، أو معاهد، أو يقطع طريقا، أو التجارة في الخمر والمحرمات، أو لشرب الخمر، والزنا، أوحضور حفلات الغناء، ونحو ذلك مما هو محرم شرعا.

    استدل الجمهور على عدم جواز العمل بالرخص في سفر المعصية بالمنقول، والمعقول.
    أما المنقول، فقوله تعالى: ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهلَّ به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ان الله غفور رحيم ) سورة البقرة أية ١٧٣
    قال ابن قدامة: أباح الأكل لمن لم يكن عاديا ولا باغيا، فلا يباح لباغ ولا عاد، قال ابن عباس: غير باغ على جماعة المسلمين، مفارق لجماعتهم يخيف السبيل، ولا عاد عليهم.المغني ٢٦٣/٢، وبنحوه قال القرطبي في الجامع لأحكام القران 2/٢٣٣

    وأما الاستدلال بالمعقول:
    فقد قال ابن قدامة: الترخص شُرع للإعانة على تحصيل المقصد المباح، توصلا إلى المصلحة، فلو شرع ها هنا لشرع إعانة على المحرم، تحصيلا للمفسدة، والشرع منزه عن هذا، والنصوص وردت في حق الصحابة، وكانت أسفارهم مباحة، فلا يثبت الحكم فيمن سفره خالف أسفارهم، ويتعين حمله على ذلك، جمعا بين النصين، وقياس المعصية على الطاعة بعيد لتضادهما اهـ المغني 2/263، وبنحوه قال الشيرازي، وأقره النووي في المجموع 4/223

    وبناءعلى ما تقدم فلا يجوز القصر في سفر المعصية، ولا الترخص بأي رخصة أخرى، والله أعلم.
    يتبع

  3. #3

    افتراضي رد: صلاة المسافر

    المبحث الثالث: بيان ما يصير به المسافر مقيما، وما يبطل به السفر ويعود الى حكم الإقامة،وهي ثلاثة أمور:
    الرجوع لبلده، أو نية الإقامة أكثر من ثلاثة أيام في البلد الذي سافر إليه، أو الوصول لبلد له فيه أهل أو مال.

    الامرالاول: الرجوع لبلده الذي خرج منه، سواء سافر ثم عاد لبلده، أو عاد لبلده بعد خروجه منه لأي سبب كان.

    الامرالثاني: نية الإقامة.
    قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافا فيمن سافر سفرا يقصر فيه الصلاة لا يلزمه ان يتم في سفره، إلا أن ينوي الإقامة في مكان من سفره، ويجمع نيته على ذلك. الاستذكار 6/٩٨

    اختلف العلماء في المدة التي اذا نوى المسافر ان يقيم فيها لزمه الإتمام.
    وأشهرهذه الأقوال قولان:
    أحدهما: أن من نوى إقامة أربعة أيام في بلد ما فقد أصبح مقيما، وحينئذ لا يجوز له الترخص برخص السفر؛ وهذا هو مذهب الجمهور مالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم. التمهيد 11/١٨١،والمنتقى للباجي 2/٢٥٧و٢٦٠، والمجموع 4/٢٤٠-٢٤٤، والمغني 2/٢٨٨
    استدلواعلى ذلك بحديث العلاء بن الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه جعل للمهاجر ان يقيم بمكة ثلاثة أيام، ثم يصدر. متفق عليه.
    قال ابن عبد البر: لانها لم تكن دار مقام، فإذا لم يكن كذلك فما زاد على الثلاثة أيام إقامة لمن نواها، وأقل ذلك أربعة أيام. التمهيد 11/١٨٥، وبنحوه قال النووي في شرح مسلم 9/١٢٢
    واستدلوا أيضاً بأن عمر رضي الله عنه لما أجلى أهل الذمة ضرب لمن قدم منهم تاجرا ثلاثا.المغني لابن قدامة 2/٢٨٨
    قال ابن عبد البر: فوجب بهذا أن يكون من نوى المقام أكثر من ثلاث، فهو مقيم، ومن كان مقيما لزمه الإتمام. ومعلوم أن أول منزلة بعد الثلاث: الأربع. الاستذكار 6/١٠٢
    وقال ابن حجر: يستنبط من ذلك ان اقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها عن حكم السفر. فتح الباري 7/٣١٣

    القول الآخر: أن من نوى الإقامة خمس عشرة ليلة أتم الصلاة، وإن كان دون ذلك قصر، وهو مذهب الثوري، وأبي حنيفة. بدائع الصنائع 1/321
    دليلهم: ما روي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما قالا: إذا دخلت بلدة وأنت مسافر وفي عزمك أن تقيم بها خمسة عشر يوما، فأكمل الصلاة، وإن كنت لا تدري متى تظعن فأقصر.
    وهذا باب لا يوصل إليه بالاجتهاد، لأنه من جملة المقادير، ولا يظن بهما التكلم جزافا، فالظاهر أنهما قالاه سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ بدائع الصنائع1/324
    قلت: وليس الأمر كما ذكره، إذ وقع الخلاف بين الصحابة في تحديد المدة التي يعتبر المسافربعدها مقيما، بل وقع الخلاف على ابن
    عباس، وابن عمر، أنفسهما. المغني 2/389

    ويستثنى من اشتراط تحديد مدة الإقامة، مَن ينتظر حاجة أو رفقة ثم يخرج، ولم ينو الإقامة، وهو يرى أنه سيخرج اليوم، أو غدا، ولم يتيسر له الخروج، ولم ينو الإقامة، ثم في اليوم الثاني كذلك، وهكذا، فلا يصير مقيما، و يترخص برخص السفر إلى أن يخرج، ولو طالت مدة انتظاره.
    نُقل ذلك عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم، وهو مذهب الجمهور، أبي حنيفة، ومالك، واحمد؛ وحمل الآثار المطلقة في القصر على من لا نية له في الإقامة. بدائع الصنائع 1/321، التمهيد11/١٨٤، والمغني 2/٢٨٨و٢٩٣

    وذهب الشافعي إلى أنه يقصر إلى ثمانية عشر يوما. المجموع 4/244

    والراجح:ما ذهب إليه الجمهور.

    وأما إذا نوى المسافر إقامة مطلقة، غير مقيدة بزمن مخصوص، فإنه يلزمه أن يتم، لزوال السفر المبيح للقصر بنية الإقامة. العزيز شرح الوجيز 2/212ـ213، معونة أولى النهى 2/428
    وروي في هذا المعنى أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا قدمت بلدة فلم تدرِ متى تخرج، فأتم الصلاة، وإن قلت: أخرج اليوم، أخرج غدا، فأقمت عشرا، فأتم الصلاة. المغني 2/288

    الامر الثالث مما يصير به المسافر مقيما: أن يصل المسافر لبلد له فيها زوجة، أو مال كالمزرعة، أوالبيت، أو الماشية. مسائل أبو داود ص ١٠٧، بدائع الصنائع1/339، والكافي لابن عبد البر ص ٦٨
    استدلوا بقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن قدمت على أهلٍ، أو على ما شيةٍ، فأتم الصلاة. اخرجه عبدالرزاق 2/٥٢٤
    وقد روي نحوه أيضاً عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما،عبدالرزاق 2/٥٢٧
    يتبع

  4. #4

    افتراضي رد: صلاة المسافر

    المبحث الرابع: الجمع بين الصلاتين.
    اختلف العلماء في مسألة الجمع بين الصلاتين في السفر، على قولين:
    أحدهما: جواز الجمع، وهو مذهب الجمهور مالك، والشافعي، وأحمد. الاستذكار 6/16، المجموع 4/249، المغني 2/271
    استدل الجمهور بأدلة عدة، منها:
    1/ حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء، إذا جد به السير. متفق عليه.
    2/ حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب. متفق عليه.
    3/ حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخرالظهر حتى ينزل العصر، وفي المغرب مثل ذلك، إذا غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وان ارتحل بعد ان تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل العشاء، ثم جمع بينهما" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والبيهقي وقال: هو محفوظ صحيح.
    وغير ذلك من الأدلة، الصحيحة الصريحة.

    القول الآخر: عدم جواز الجمع بين الصلاتين إلا في عرفة، ومزدلفة فقط، وهو مذهب أبي حنيفة، وغيره. بدائع الصنائع 1/406
    استدلواعلى ذلك بأمور منها:
    1/ أن الجمع بين الصلاتين من الكبائر، والدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جمع بين صلاتين في وقت واحد فقد أتى بابا من الكبائر" وعن عمر رضي الله عنه نحوه.
    2/ أن أوقات الصلوات عرفت مؤقتة بأوقاتها بالدلائل المقطوع بها، من الكتاب والسنة المتواترة والإجماع، فلا يجوز تغييرها عن أوقاتها بضرب من الاستدلال، أو بخبر الواحد.
    3/ أن السفر والمطر لا أثر لهما في إباحة تفويت الصلاة عن وقتها، بدليل أنه لا يجوزالجمع بين الفجر والظهر مع وجود عذر السفر أو المطر.
    4/ قول ابن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها، إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع" متفق عليه. بدائع الصنائع 1/407، رد المحتار على الدرالمختار 2/57

    مناقشة الأدلة:
    أجاب الحنفية عن أدلة الجمهور بما يلي:
    1/ ما روي من أحاديث تدل على التأخير محمول على الجمع فعلا لا وقتا، أي فعل الأولى في آخر وقتها، والثانية في أول وقتها.
    2/ حمل تصريح حديث معاذ بخروج وقت الأولى على التجوز. رد المحتار على الدر المختار2/56

    وأجاب الجمهور على أدلة الحنفية بما يلي:
    1/ أن أحاديث المواقيت عامة في الحضر والسفر، وأحاديث الجمع خاصة بالسفر فقدمت، وتخصيص المتواتر بالخبر الصحيح جائز بالإجماع.
    2/ وأما حديث ابن مسعود فإنه نفي، ومن أثبت معه زيادة علم، ومن حفظ وشهد حجة على من لم يحفظ، ولم يشهد.
    3/ وأما قولهم بالجمع في أخر وقت الأولى وأول وقت الثانية، فإنه فاسد من وجهين:
    أحدهما: أنه قد جاء الخبر صريحا في أنه كان يجمعهما في وقت إحداهما.
    الثاني:أن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقا، وأعظم حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن الإتيان بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين.
    ولوكان الجمع كما ذكروه لجاز الجمع بين العصر والمغرب، والعشاء والصبح، ولا خلاف بين الأمة في تحريمه.
    ولا معنى للجمع الذي ذهب إليه أبو حنيفة ومن قال بقوله، لأن ذلك جائز في الحضر، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في طرفي وقت الصلاة: "ما بين هذين وقت".الاستذكار6/20، والمجموع 4/252، والمغني 2/272

    مما تقدم يتضح قوة أدلة واعتراضات الجمهور، على من خالفهم، وهو الراجح إن شاء الله.

    خلاصة البحث:
    يشترط جمهور الأئمة للترخص برخص السفر خلال سير المسافر ثلاثة أمور:
    أولا: وجود نية السفر، واستمرارها الى ان يعود المسافر لبلده، أو يقيم في البلد الذي ذهب إليه أو غيره أكثر من ثلاثة أيام.
    ثانيا: وجود مسافة السفر المقدرة شرعا، وهي أربع برد، أي ما يقارب ٨٠كم.
    ثالثا: ان يكون السفر في طاعة كحج أو عمرة، أو مباح كتجارة او نزهة؛ واما سفر المعصية فلايجوز الترخص فيه بشيء من رخص السفر.

    ويشترط جمهور الأئمة الفقهاء للترخص برخص السفر عندما يصل المسافر لبلد ما، ثلاثة أمورأيضا:
    أولا: أن لا ينوي إقامة أكثر من ثلاثة أيام في البلد الذي سافر إليه.
    ثانيا: أن لا ينوي إقامة مطلقة في البلد الذي سافر إليه.
    ثالثا:أن لا يكون له في ذلك البلد، مال، أو زوجة، ونحوهما.
    هذاما تيسر طرحه، وأسال الله التوفيق، والسداد؛ والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    قاله وكتبه راجي عفو ربه
    فؤاد بن عبد الله الحاتم
    الرياض 17/7/1433هـ

  5. #5

    افتراضي رد: صلاة المسافر

    ..

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •