الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا بحث في أحكام صلاة المسافر، أذكر فيه بعض المسائل المتعلقة بأحكام السفر، من أقوال الأئمة الفقهاء الاربعة، وأدلة كل قول، والراجح منها باختصار، واللهَ أسأل ان ينفعني به، ومن قرأه من اخوانى.
وذلك بمناسبة بدأ الإجازة الصيفية، إذ تكثر في هذه الفترة الأسفار، ومن ثم تكثر الحاجة لمعرفة بعض الأحكام المهمة، المتعلقة بصلاة المسافرين، ثم أختم هذا البحث بذكرخلاصته، وبالله التوفيق.
ترجم العلماء هذا الباب بصلاة المسافر، لا على أن للمسافر صلاة يختص بها، ولكن على معنى أن له كيفية في إقامة الفرائض لا تعم كل مصل، وإنما شرعت تخفيفا عليه؛ لما يلحقه من تعب السفر.
والتخفيف نوعان:
أحدهما: تخفيف في نفس السفر، وهو القصر.
والثاني: تخفيف في رعاية وقتها، وهو الجمع.
والأصل في قصر الصلاة، الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب، فقوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) قال يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) وقد أمن الناس؟ فقال: تعجبتُ مما تعجبتَ منه، فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته" أخرجه مسلم.
وأما السنة: فقد تواتر الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر في أسفاره، حاجا، ومعتمرا، وغزايا.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض، يعني في السفر، وكان لا يزيد على ركعتين، وأبا بكر حتى قبض، وكان لا يزيد على ركعتين، وعمر، وعثمان كذلك. متفق عليه.
وأجمع أهل العلم أن من سافر سفرا تقصر في مثله الصلاة، في حج، أو عمرة، أو جهاد، أن له أن يقصر الرباعية، فيصليها ركعتين اهـ المغني لابن قدامة باختصار يسير 2/255
وقال ابن المنذر: وأجمعوا على أن لا يقصر في صلاة المغرب، وصلاة الفجر اهـ الإشراف على مذاهب العلماء 2/193
الكلام في صلاة المسافر يقع في أربعة مباحث:
أحدها: بيان المقدار المفروض من الصلاة في حق المسافر.
وقدحذفت تفاصيل هذا المبحث هنا، خشية الإطالة، والملل.
الثاني: بيان ما يصير المقيم به مسافرا.
الثالث:بيان ما يصير به المسافر مقيما، وما يبطل به السفر، ويعود الى حكم الإقامة.
الرابع: الجمع بين الصلاتين.
المبحث الأول: بيان المقدار المفروض من الصلاة في حق المسافر.
اختلف العلماء في قصر الصلاة الرباعية، هل هو جائز أم واجب؟ وهو ما يعبر عنهما بالرخصة والعزيمة، على قولين:
القول الأول: ذهب جماعة من الصحابة والتابعين الى ان القصر والاتمام جائزان، والأفضل القصر، وهو مذهب الجمهور مالك، والشافعي، واحمد، وهو الصحيح ان شاء الله. المجموع 4/٢٢٠
القول الثاني: ذهب ابو حنيفةَ وأصحابُه الى ان القصرَ واجبٌ، وهو قول مرجوح.
يتبع