تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 40 من 40

الموضوع: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    كتاب " موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من
    الأشاعرة "
    ......
    سبب اختياري للكتاب
    " الخلط الكبير لكثير من الناس في مجمل الاعتقاد في تحديد مذهب السلف أهل السنة والجماعة الذي يميزهم عن غيرهم من أهل البدع والأهواء فلعل هذه الدراسات استوقفتني على مجمل هذا وأتت على ما اردت توضيحه ولم شتاته وبالرغم من أن مذهب الاشاعرة قد اشتهر بين كثير من الناس على انه مذهب أهل السنة والجماعة وان اعتقادهم يمثل اعتقاد السلف وهذا المفهوم للأسف سائد الى الآن في كثير من البلاد الإسلامية ومن ابرز العلماء الذين عملوا بشكل قوي ودافعوا ونافحوا على بيان الحق وتمييز مذهب السلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى والرد عليهم في أكثر من كتاب وأكثر من موطن في رد ضلالاتهم والأمر الثاني إني قد تتبعت موقف شيخ الإسلام من الاشاعرة ي أكثر من موطن ورأيت فيه أسباب رده عليهم وأمورا أحببت نقلها للجميع لتعم الفائدة "
    .....
    موضوع الكتاب
    قال المؤلف في مقدمة كتابه
    ( ج1/ ص 9-11 )
    " أن مذهب الأشاعرة قد انتشر في العالم الإسلامي، قبل ابن تيمية ) ، وقد حدثت له عدة تطورات قربته كثيرا من المعتزلة والفلاسفة والمتصوفة، ولم يأت عهد ابن تيمية إلا وقد بلغ أوجه في التطور والانتشار بعد الجهود الكبيرة التي قام بها علماء كبار من هذا المذهب كالغزالي والرازي وغيرهما، فلما جاء شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذلك ممثلا لمذهب السلف ومدافعا عنه ورادا على هؤلاء، تميز عهده بأمرين:-
    أحدهما: بروزه على أنه أول من تصدى بقوة للمذهب الأشعري- خاصة بعد تطوره الأخير- ولذلك يقول المقريزي- بعد عرضه لنشأة المذهب الأشعري وانتشاره على يد بعض العلماء والسلاطين: " فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعري وانتشاره في أمصار الاسلام، بحيث نسي غيره من المذاهب وجهل، حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه إلا أن يكون مذهب الحنابلة- أتباع الامام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل- رضي الله
    .......
    ( ص 10 )
    يقول عبد الحليم محمود- وهو صوفي-:ولايزال هذا الجدل حول تحديد مذهب السلف مستمرا إلى الآن بين مدرسة الأشعري ومدرسة ابن تيمية، كل منهما يزعم انتسابه للسلف ومتابعته لمالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما!، التفكير الفلسفي في الإسلام (ص: ١٣٥)

    .....
    ( ص 12 )
    ما كان شيخ الإسلام ليشغل نفسه بالرد على الفلاسفة مثلا لولا أن كثيرا من أصولهم صارت جزءا من كتب أهل الكلام، يعتمدون عليها، ويشرحونها في كتببهم، ويبنون عليها كثيرا من أدلتهم، حتى أصبحت هذه الأصول هي الأصل، وما جاء به الكتاب والسنة وأقوال السلف فرعأ لا حجة فيه ولاقيمة له إلا في حدود ضيقة.
    فهذه الأمور وغيرها تبين أهمية بحث موقف! ابن تيمية من الأشاعرة، ولا شك أن البحوث حول كل من ابن تيمية وجهوده العلمية المختلفة ، وحول الأشاعرة وأعلامهم وعقائدهم كثيرة جدا، كما أن لعلمائنا الأفاضل
    ردود متنوعة على الأشاعرة وبيان ما خالفوا فيه مذهب السلف (.
    وهذا البحث الذي أقدمه اليوم- على ضعف مني وقلة حصيلة وقصر باع إنما هو محاولة لبيان الحق في هذه المسألة العظيمة من خلال ما كتبه شيخ الاسلام ابن تيمية-رحمه الله- تعالى
    ....

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع / كتاب " موقف شيخ الاسلام ابن تيمية من الأشاعرة


    ( ص 85 )
    بدأ المؤلف بذكر عصر ابن تيمية
    عاش شيخ الإسلام ابن تيمية في النصف الثاني من القرن السابع والنصف الأول من القرن الثامن الهجري، وبالتحديد بين عامي ٦٦١- ٧٢٨ هـ، وقد كان هذا العصر امتدادا لعصور سابقة اعتورتها أحداث كبار ومتغيرات كثيرة في العالم الإسلامي،
    ١- الغزو الصليبي للعالم الإسلامي.
    ٢ - ظهور التتار واجتياحهم للعالم الإسلامي.
    ٣ - المماليك يخلفون الأيوبيين في حكم مصر والشام.
    ٤ - سقوط الخلافة العباسية في بغداد، وانتقال مركز القيادة والثقل في العالم
    الإسلامي إلى مصر.
    ٥ - الباطنيون والرافضة.
    ٦ - بداية ظهور التقنين والتحاكم إلى غير الشريعة الإسلامية.
    ٧ - الجوانب العلمية والعقائدية:
    أ- أهل الذمة.
    ب - التصوف والشركيات.
    جـ - المذهب الأشعري.
    كلها كانت في عصر ابن تيمية الذي هو شبيه بزماننا الى حد ما
    ولم يكن باستطاعة النصارى أن يفعلوا ما فعلوا لولا الواقع المؤسف الذي كان يعيشه العالم الإسلامي: فالدولة العباسية كانت مقسمة وسلطات الحلفاء كانت شكلية، والدويلات المتفرقة تتقاسم أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي: فالسلاجقة (١) في بغداد، والفاطميون في المغرب ومصر، والشام والجزيرة في كل مدينة إمارة. ولم يقتصر الأمر على هذا التفرق فقط وإنما كان الصراع محتدما بين هؤلاء، فالفتن والحروب فيما بينهم مشتعلة، والتفرق والتباين المذهبي كان يجعل مسألة الوحدة مسألة شبه مستحيلة. أما في الأندلس فيكفي أنها كانت تعيش عهد دول الطوائف (٢) .
    ومع هذا التفرق والانقسام فقد وقعت معركتان فاصلتان بين المسلمين والنصارى إحداهما في المشرق والأخرى في المغرب، انتصر فيها المسلمون انتصارا عظيما:
    أولاهما: معركة ملازكرد (١) في عام ٤٦٣ هـ انتصر فيها ألب أرسلان السلجوقي على إمبراطور الروم مما أدى إلى انهزام الروم في الأناضول واستيلاء السلاجقة على غالب تلك المنطقة، حتى أصبحت مدينة القسطنطينية مهددة من جانب السلاجقة (٢) .
    والأخرى: معركة الزلاقة (٣) التي كانت بين يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين وبين النصارى. وكانت عام ٤٧٩ هـ. وقد كان من نتائج هذه المعركة تأخر إجلاء المسلمين عن الأندلس عدة قرون (٤) .
    ولكن مع هذا فإن الضعف والتفرق المحيط بالمسلمين كان قد وصل إلى حالة مؤسفة، بحيث لم تكن مثل تلك المعارك الفاصلة التي انتصر فيها المسلمون بداية لتحركهم وزيادة فتوحاتهم واسترداد ما احتله أعداؤهم من بلادهم أو على الأقل إيقاف الخصوم عند حدودهم. لكن الذى حدث هو العكس تماما فبعد سنوات محدودة تجمعت أوربا الصليبية وسارت بحملات رهيبة إلى داخل العالم الإسلامي ليكونوا فيه دويلات لهم ويحتلوا القدس الشريف، وقد بدأت هذه الحملات عام ٤٩٠ هـ. والذى يلفت الانتباهـ في مسألة نشوء هذه الحملات- ما يذكره ابن الأثير في الكامل من رواية تقول: " إن أصحاب مصر من العلويين لما رأوا قوة
    لدولة السلجوقية وتمكنها واستيلائها على بلاد الشام إلى غزة، ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم، ودخول أقسيس إلى مصر وحصرها، خافوا وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام! لكوه، ويكونوا بينهم وبين المسلمين، واللة أعلم"
    وقال المؤلف ( ص 88 )
    بينما يظهر التعاون بين الباطنية والنصارى في حربهم على الإسلام
    وهذه القضية بحاجة إلى إبراز، لأن تعاون الدولة العبيدية الباطنية وتعاون الحركات الباطنية بعد ذلك مع النصارى أمر مشهور. ومما يجدر ملاحظته أن معركة ملازكرد التي أشرنا إليها قبل قليل كان من أهم آثارها وقف تعاون قوي بدت معالمه بين العبيديين والبيزنطين ضد السلاجقة السنيين. أما تعاون الدولة العبيدية مع النصارى- زمن الحروب الصليبية- فأحداث تاريخ تلك الحقبة تحمل حقائق مذهلة، حتى أن صاحب النجوم الزاهرة (ج- ٥ ص ١٤٧) - يأسى لتقاعس صاحب مصر عن مناصرة السلاجقة في مواجهتهم للصليبيين. ولما انشغل السلاجقة في حرب الصليبيين شمال الشام انقض الباطنيون من مصر على بيت المقدس واحتلوه وقد أرسل الأفضل الوزير الفاطمي إلى الصليبيين وهم يحاصرون انطاكية سفارة عرضت التعاون معهم للقضاء على السلاجقة واقتسام الشام بينهم. وما هذه إلا أمثلة، وانظر الحركة الصليبية- عاشور (١/١٩١،٢٢٧) ، وكتاب " الفاطميون والصليبيون (ص: ٥٣) وما بعدها، والحروب الصليبية: سميل (ص: ٨١
    ولما احتل النصارى. بيت المقدس أغاروا على ما حوله من المدن الساحلية وغيرها وتكونت لديهم عدة إمارات. أما المسلمون فقد قابلوا هذه الحملات بحركة جهاد عظيمة قادها أبطال عظام، كان لهم في إحياء روح الجهاد بين المسلمين، وتوحيد كلمتهم وبعث الغيرة على دين الله ومحارمهـ ما صار فيما بعد- غرة في جبين تاريخ المسلمين، فقاوم السلاجقة أولا ثم بدأ الجهاد آل زنكى

    = فيه المسلمين، وقتل بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا" وانظر مصادر أخرى افرنجية في الحركة الصليبية (١/٢٣٧-٢٣٨) والعجيب أن افتخار الدولة- حاكم بيت المقدس العبيدى عند احتلال النصارى لهـ خرج هو وجنده وحدهم سالمين- لم يصابوا بأذى- بعد أن أعطاهم الفرنج الأمان! الحركة الصليبية (١/٢٣٦-٢٣٧) .
    .....
    ( ص 90)
    وعلى رأسهم عماد الدين زنكي، وابنه نور الدين محمود، ثم جاء صلاح الدين الأيوبي وأولاده (١) ليوجهوا إلى الافرنج ضربات موجعة ويسترجعوا بيت المقدس بعد أن بقى في يد النصارى قرابة تسعين عاما
    ....
    ( ص 91 )
    نحن نعرض لعصر ابن تيمية ما يلي:-
    أ- واصل المماليك- الذين حكموا الشام ومصر بعد الأيوبيين- جهادهم ضد النصارى، فالظاهر بيبرس وجه إليهم حملات متتابعة، واستطاع أن يسترجع كثيرا من المدن التي احتلوها، ومنها أنطاكية - تلك المدينة المهمة بالنسبة للأفرنج وكان ذلك سنة ٦٦٦ هـ (٢) . ثم بعد ذلك جاء المنصور قلاوون - الذي عقد سنة ٦٨٠ هـ مع النصارى صلحا ليقطع تحالفهم مع المغول الذين كانت قوتهم وخطرهم شديدا (٣) -، ولكنه لم يمض على هذا الصلح أربع سنوات حتى نقض النصارى الصلح باعتدائهم على قافلة من تجار المسلمين، وهنا هاجم المنصور قلاوون الصليبيين فاستولى سنة ٦٨٤ هـ على حصن المرقب الذي كان " في غاية العلو والحصانة، ولم يطمع أحد من الملوك الماضين في فتحه " (٤) ثم استولى على مدينة طرابلس سنة ٦٨٨ هـ (٥) . وأخيرا جاء عهد ابنه الأشرف خليل الذي تولى تصفية الوجود الصليبى في بلاد الشام، والذى استهل عهده بفتح عكا سنة ٦٩٠ هـ والتي شارك في فتحها كثير من العلماء
    ....
    ( ص 92)
    والفقهاء (١) ومنهم شيخ الاسلام ابن تيمية-رحمه الله- تعالى (٢) - أما بقية معاقل الصليبيين فقد سقطت في أيدي المسلمين دون مقاومة. وبذلك أسدل الستار على قرنين من الزمان عاشتها بلاد الشام في ظل هذه الحروب والمعارك المتلاحقة فعادت بلاد الشام إلى حكم المسلمين.
    ٢- بقيت قبرص في يد النصارى، وقد كان حكامها من أشد أعوان الصليبيين حيث كانوا يمدونهم بالمؤن والسلاح والرجال. وقد لجأ إليها من فر من النصارى من بلاد الشام- وقد بقيت في أيديهم إلى ما بعد عهد ابن تيمية، ولذلك رأينا شيخ الإسلام يرسل رسالة إلى ملكها يأمره بالرفق في أسارى المسلمين
    ظهور التتار (٢) .
    اذا كان العالم الاسلامي قد مني بتلك الحملات الصليبية- على بلاد الشام - في أواخر القرن الخامس الهجري [٤٩٠ هـ] ، فإن هذه الحروب لم تكد تنتهي حتى فجع العالم الإسلامي بمصيبة أخرى أشد وأفظع وأعظم خطرا. فقد اكتسح التتار (المغول) العالم الإسلامى من الشرق، وساروا في بلاد الاسلام يقتلون ويأسرون ويحرقون ويدمرون بطريقة همجية لم يشهد لها التاريخ مثيلا. وقد عبر عن ذلك المؤرخون المسلمون، وكان أصدقهم تعبيرا ابن الأثير- صاحب التاريخ- الذي عاصر بداية هجومهم ولم يعاصر سقوط بغداد [فقد توفي سنة ٦٣٠ هـ] فقد قال- عن خروج التتر- في حوادث سنة ٦١٧ هـ: " لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها، كارها لذكرها
    فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيا منسيا " (١) . أما السيوطي فقد نقل قائلا: " هو حديث يأكل الأحاديث وخبر يطوي الأخبار، وتاريخ ينسى التواريخ، ونازلة تصغر كل نازلة، وفادحة تطبق الأرض وتملؤها ما بين الطول والعرض
    ( ص 93 )
    تنسب الدولة الخوارزمية إلى نوشتكين أحد الأتراك في بلاط ملكشاه السلجوقي، ثم اشتهر ولده محمد الذي عين حاكم على خوارزم ولقب خوارزم شاة، وبدأت هذه الدولة في التوسع، وصار صراع بينها وبين السلاجقة الذين تفرقوا وانهارت دولتهم بمقتل طغرلبك بعد معركة قرب الري سنة ٥٩٠ هـ
    حتى إنه لما قتل السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه سنة ٦٢٨ هـ دخل جماعة على الملك الأشرف موسى- صاحب دمشق (٢) فهنأوه بموتهـ لما كان بينهما من العداوة- فقال الأشرف: تهنئوني بموته وتفرحون، سوف ترون غبه، واللة لتكونن هذه الكسرة سببا لدخول التتار إلى بلاد الإسلام. ما كان الخوارزمي إلا مثل السد الذي بيننا وبين يأجوج ومأجوج " (٣) . وكان كما قال، فإنه لما قضى على الدولة الخوارزمية تهيأ التتار لاجتياح بغداد
    ....
    ( ص 94)
    قضى التتار- بقيادة هولاكو الذي عهد إليه أخوه قيادة الحملة إلى إيران- على الاسماعيلية المتمركزين في حصونهم في إيران وكان ذلك سنة ٦٥٤ هـ، وقد كان هؤلاء الباطنيون يراسلون المغول ويحضونهم على القضاء على الخوارزميين ويدلونهم على عوراتهم. ولكن المغول يعرفون حقيقة هذه الطائفة وفسادها وأساليبها في حرب أعدائها، فلم يعبأوا بتلك العلاقات، بل سارعوا إلى القضاء عليهم حتى لا يكونوا شوكة في ظهورهم وهم سائرون إلى بغداد (٤) . ومما تجدر ملاحظته أن نصير الدين الطوسى كان مقيما عند الاسماعيلية لما هاجمهم هولاكو، لكنه خرج سالما لممالأته له بل أدخله في خدمته واستوزره
    .

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع / كتاب " موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الإشاعرة "


    تابع
    ( ص 95-96 )
    ما قضى التتار على الدولة الخوارزمية، وعلى الإسماعيلية اتجهوا إلى بغداد. وقد وقعت في سنة ٦٥٥ هـ فتنة مهولة ببغداد بين أهل السنة والرافضة وقتل عدد من الفريقين، ونهب الكرخ- موطن الرافضة وذوي ابن العلقمى- فحنق ابن العلقمي (٢) وزير المستعصم وكاتب التتار وأطمعهم في العراق، وعمل على تهيئة الأجواء فسرح جند الخلافة فلم يبق منهم إلا القليل، وحجب عن الخليفة الرسائل التي ترد إليه من صاحب الموصل وغيره، وبذلك تهيأت الأجواء لهؤلاء التتار، فجاءوا وأحاطوا ببغداد سنة ٦٥٦ هـ فخرج إليهم ابن العلقمى واستوثق لنفسه من هولاكو، فرجع هو ونصير الدين الطوسى- وهما رؤوس الرافضة الخبثاء- إلى بغداد ليكملوا بقية دورهم في تخذيل الناس والخليفة بأساليب خادعة- حتى لا يبقى في وجه التتار مقاومة تذكر، يقول صاحب ذيل مرآة الزمان: " وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي عن دجلة وهو البر الذي فيه مدينة بغداد ودور الخلافة، وضرب سورا على عسكره، وأحاط ببغداد، فحينئذ أشار ابن العلقمي الوزير على الخليفة بمصانعة ملك التتر ومصالحته، وسأله أن يخرج إليه في تقرير ذلك، فخرج وتوثق منه لنفسه ثم رجع إلى الخليفة وقال له: إنه قد رغب أن يزوج ابنته من ابنك الأمير أبي بكر، ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى سلطان الروم في سلطنة الروم، لا يؤثر إلا أن يكون الطاعة له، كما كان أجدادك [مع] السلاطين السلجوقية، وينصرف بعساكره عنك فتجيبه إلى هذا فإن فيه حقن دماء المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن تفعل ما تريد، وحسن له الخروج إليه
    وكان ابن العلقمي
    وكان من نيته لما اتصل بالتتار أن يقيم دولة رافضية في بغداد، فلم يتحقق له ما أراد، بل لقى أشد الاهانة من التتار فهلك غما وهما وكمدا في نفس هذا العام ٦٥٦ هـ. انظر الوافي (١/١٨٤) ، وشذرات الذهب (٥/٢٧٢) ، والبداية والنهاية (١٣/ ٢١٢)
    قلت
    مثل ما فعل الامريكان في وقتنا المعاصر بتسليم العراق الى الرافضة ويحكمها منذ ثلاثين عاما الرافضة
    ولابد للفجر ان ينجلي ويبرز الحق وينتصر بإذنه تعالى ولقد طمس الرافضة معالم بغداد ولكن لله يبتلى القوم إلا ان يرجعوا الى كتابه وسنة نبيه "
    تابع /
    فخرج في جمع من أكابر أصحابه فأنزل في خيمة، ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا عقد النكاح فيما أظهره، فخرجوا فقتلوا وكذلك صار يخرج طائفة بعد طائفة " (١) وقتل المستعصم قيل: إنه رفس حتى مات، "وبقى السيف في بغداد بضعة وثلاثين يوما، فأقل ماقيل: قتل فيها ثمانمائة ألف نفس، واكثر ما قيل بلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف، وجرت السيول من الدماء فإنا لله وإنا إليه راجعون" (٢) ولم ينج من بطشهم في بغداد إلا الرافضة وأهل الذمة (٣) ، كا لم ينج من بطش النصارى لما فتحوا بيت المقدس إلا أتباع الدولة الفاطمية وولاتها على بيت المقدس
    قلت توضع تحت لم ينج من بطش الكفار إلا
    الرافضة
    وأهل الذمة
    ......
    وهكذا فضي على الخلافة العباسية، وأصبح العالم الإسلامي بلا خلافة - وكان للأساليب الوحشية التي قام بها التتار في قتل المسلمين آثار نفسية شديدة على بقية المسلمين بحيث أصبح ذكر التتار يثير الرعب في النفوس، وغلب على الناس مقولة: إن التتار لا يغلبون. وسارع الأمراء في الشام كصاحب الموصل وصاحب حلب وكذا سلاطين سلاجقة الروم- إلى إعلان الولاء لهولاكو وتهنئته بفوزه على الخليفة في بغداد (٤) .
    د- اتجه المغول بعد ذلك إلى الشام لاحتلاله، وكان يقتسمه النصارى من الفرنج، والأرمن، والأمراء الأيوبيون. وكان أول عمل عمله التتار عقد التحالف مع النصارى في أرمينية وأنطاكيا ضد الأمراء الأيوبيين وضد المماليك فيما بعد (٥) . ثم ساروا إلى الشام والجزيرة فاحتلوا ميافارقين ثم ماردين

    كمااحتلوا نصيبين وحران والرها، وفي سنة ٦٥٨هـ هاجموا حلب وقتلوا فيهاخلقا كثيراحتى امتلأت الطرقات بالقتلى وأسروا النساء ونهبوا الأموال. وأحرق النصارى الجامع الكبير فيها (١) ثم في نفس هذه السنة أخذ التتار دمشق، وصار لحلفائهم النصارى صولة وجولة، وتقدموا بالهدايا لهولاكو وعملوا أعمالا منكرة، من ذلك أنهم حملوا الصليب فوق الرؤوس وهم ينادون بشعارهم: ظهر الدين الصحيح دين المسيح ويذمون دين الإسلام وأهله، بل ألزموا المسلمين بالقيام في دكاكينهم للصليب وأهين القضاة والفقهاء لما جاءوا يشكون إلى متسلمها النصراني
    ...
    ( ص 96)
    ي هذه الأجواء التى عاشها العالم الإسلامي انقرضت دولة الأيوبيين ونشأت دولة المماليك، وكان السلطان وقت سقوط بغداد: المنصور نور الدين على بن المعز أيبك، وكان صبيا صغيرا، فلما ظهر الخطر المغولي خاصة بعد احتلالهم الشام رأى المماليك أن السلطان صبى لا يستطيع تدبير المملكة، ومن ثم أعلن السلطان قطز (٤) سلطانا سنة ٦٥٧ هـ، وقد أرسل هولاكو - قبل رجوعهـ رسالة إلى الملك المظفر ملؤها التهديد والوعيد والغطرسة وفيها يطلب منه
    لخضوع لسلطة المغول الذين لا تقف أمام قوتهم وسيوفهم أية قوة- كما يزعم-. وقد عقد السلطان مجلسا استشار فيه الأمراء، وبعد مداولات قرروا أنه لا مفر من الجهاد في سبيل الله ومقاومة التتار، وكان للملك المظفر دور في الخروج بهذه النتيجة، وأعلن الجهاد في سبيل الله في القاهرة وبقية أقاليم مصر، وأخذ يجمع المال اللازم للجهاد (١) . ولما تكامل العسكر طلب من الأمراء الرحيل فتلكأوا. ولكن الملك المظفر قال لهم: " وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين " (٢) . وسار السلطان وقال: أنا ألقى التتار بنفسي فلما رأى الأمراء مسير السلطان ساروا معه وسار الجيش إلى غزة ثم تقدم عن طريق الساحل فمر على عكا- وقد أوقع الله الخلف بين المغول والنصارى (٣) - فلم يتعرض النصارى للمسلمين بل استقبلوهم وفرحوا بمقدمهم- وتجمعت الجيوش في عين جالوت (٤) ،
    وجرت تلك المعركة المشهورة، التى انتصر فيها المسلمون على التتار انتصارا ساحقا، وهزم التتار شر هزيمة، وقتل قائدهم، وطاردهم المسلمون يقتلونهم في كل مكان إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب، وفر منهم من كان بدمشق فتبعهم المسلمون يطاردون فلولهم، ودقت بشائر النصر في قلعة دمشق وغيرها وفرح المسلمون فرحا شديدا وكبت الله اليهود والنصارى ومن مالأ التتار من المنافقين. ودخل الملك المظفر قطز دمشق في موكب عظيم ثم أخضع بقية الشام الذي كان بأيدي الأيوبيين، فصفا الشام لحكم المماليك.

    (١) كان للعز بن عبد السلام موقف عظيم، إذ أنه عارض أن يجبى شىء من المال من عامة الناس إلا بعد أن يحضر السلطان والأمراء ما عندهم وما عند حريمهم من المال والحلى، وإذا لم تكف جاز أن يقترض من أموال التجار وأن يفرض ضرائب على الرعية. النجوم الزاهرة (٧/٧٢) ، وطبقات السبكى (٨/٢١٥) ، وكتاب العز بن عبد السلام: رضوان الندوى (ص: ٤٩ ا- ١٥١) .
    .....
    ( ص 99-100)
    مسألة تأثر التتار واعتناق بعضهم الإسلام تحتاج إلى تفصيل، لأن بعض التتار- من أبناء عم هولاكو- دخلوا في الإسلام قبل معركة عين جالوت ولذلك يمكن توضيح هذا الأمر كما يلي:
    أ- قسم جنكزخان مملكته بين أولاده، فكان من نصيب أحدهم وهو جوشى أكبر أبنائه؛ البلاد الواقعة بين نهر أرتش والسواحل الجنوبية لبحر قزوين، وكانت تلك البلاد تسمى القبشان، ويطلق عليها اسم القبيلة الذهبية- نسبة إلى خيام معسكراتها ذات اللون الذهبي- فلما مات جوشى خلفه أحد أولاده الذي تلقب بخان القبائل الذهبية ثم تولى بعده ولده، ثم تولى بعده بركة خان سنة ٦٥٤ هـ (٢) ، وكان بركة هذا مسلما لذلك عمل على نشر الاسلام بين قبيلته وأتباعه، وأظهر شعائر الإسلام واتخذ المدارس وأكرم الفقهاء وكان يميل إلى المسلمين ميلا شديدا. وقد بدا هذا في ظاهرتين:
    أولاهما: محاربته لابن عمه هولاكو، خاصة بعد استيلائه على بغداد وقتله
    أما دولة المغول الكبرى في إيران وما جاورها والتي منها انطلقت جحافلهم لغزو العراق والشام فقد حدث في عام ٦٨٠ هـ أن أسلم أحد أولاد هولاكو وهو السلطان تكودار بن هولاكو الذي تسمى بعد إسلامه باسم أحمد، فصار اسمه: أحمد بن هولاكو، وقد أعلن إسلامه في منشور أصدره لما جلس على العرش ووجهه إلى أهل بغداد، كما أرسل رسالة إلى السلطان المنصور قلاوون يعلن اهتداءه إلى الإسلام، ويدعو إلى المصالحة ونبذ الحرب، ولم يتخل- كما هو واضح من رسالته هذهـ عن افتخاره واستعلائه على سلطان المماليك، وقد رد عليه السلطان قلاوون، ثم تبودلت الرسائل بينهم، ولكن لم تكن العلاقات بينهم جيدة كما يظهر من صيغة الرسائل المتبادلة. ومما يجدر ذكره أن السلطان أحمد دخل لوحده في الإسلام، ولم يستطع أن يفرضه على أتباعه ولا على أمراء المغول من حوله، فصار دخوله في الإسلام فرديا، وهذا ما يفسر سرعة القضاء عليه وقتله من جانب منافسيه من أمراء المغول الذين تآمروا عليه فقتلوه سنة ٦٨٣ هـ
    .....
    (ص 102)
    في سنة ٦٩٣ هـ تولى محمود قازان عرش المغول، ثم في سنة ٦٩٤هـ دخل في الإسلام، يقول الذهبي عن هذه السنة: " وفيها دخل ملك التتار غازان ابن أرغون في الإسلام وتلفظ بالشهادتين بإشارة نائبه نوروز، ونشر الذهب واللؤلؤ على رأسه، وكان يوما مشهودا، ثم لقنه نوروز شيئا من القرآن، ودخل رمضان فصامه، وفشا الإسلام في التتار " (١) ، وقد أعلن غازان الإسلام دينا رسميا للدولة المغولية في إيران، كما غير المغول زيهم فلبسوا العمامة، كما أمر بتدمير الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية، والأصنام البوذية، كما أمر أهل الذمة بأن يتميزوا بلباس خاص بهم. وهكذا اختلف إسلام قازان عن إسلام السلطان أحمد بأن إسلامه لم يكن فرديا وإنما حوله إلى دين رسمي للدولة.
    لكن هذه الصورة التي قد تبدو جميلة سرعان ما تتغير حين يتابع المرء الأحداث التي تمت في عهد هذا السلطان، فقد هاجم وجيشه الشام مرات ودارت بينهم وبين أله الشام - ومعه سلاطين مصر- معارك كبيرة، وانتصر المغول في أولاها وهزموا فيما تلاها، وقد عاث الجيش التتري فسادا في الأرض وفعلوا - كما قال ابن تيمية لقازان نفسه لما التقى بهـ ما لم يفعله أسلافه من حكام التتار الوثنيين. وقد بقيت الأمور على هذه الحال إلى ما بعد وفاة غازان سنة٧٠٣هـ
    عد وفاة قازان تولى من بعده أخوه أولجاتيو، خدابنده، وصار اسمه محمد بن أرغون، وقد تولى عرش المغول سنة ٧٠٣ هـ إلى سنة ٧١٦ هـ، وقد بدأ عهده بتحسين العلاقة مع سلطان المماليك، فأرسل إليه هدية وكتابا خاطب فيه السلطان بالأخوة " وسأله إخماد الفتن، وطلب الصلح، وقال في آخر كلامه: عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه، فأجيب، وجهزت له الهدية، وأكرم رسوله " (١) .
    ولكن لم يكد يمضي سنة من توليه سلطة المغول حتى حدث تحول خطير عند محمد بن أرغون هذا، فقد اعتنق مذهب الشيعة، وعمل على نشره في الجهات الغربية من دولته حتى إنه غير الخطة وأسقط اسم الخلفاء سوى علي - رضي الله عنهـ، وأظهر عداءه للمماليك السنيين، وطلب من النصارى أن يساعدوه ضدهم، ثم هاجم الشام سنة ٧١٢ هـ (٢) .
    ومما ينبغي ملاحظته أن تشيع هذا السلطان كان بتأثير من أحد كبار الرافضة وهو ابن المطهر الحلي الذي صارت له منزلة كبيرة في عهده، وقد أقطعه عدة بلاد (٣) ، ولعل نفوذ وشهرة هذا الرافضي- وهو صاحب كتاب منهاج الكرامة- دعا ابن تيمية-رحمه الله- إلى إفراد الرد على كتابه هذا بكتابه العظيم: " منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ".
    وقد استمر سلطان المغول على تشيعه حتى مات، ثم تولى ابنه أبو سعيد- وهو صغير- الذي لعب كثير ممن حوله به، ثم لما كبر مال إلى العدل وإقامة السنة وإعادة الخطبة بالترضي عن الشيخين ثم عثمان ثم علي- وفرح الناس بذلك (٤) .
    هذه خلاصة تاريخ المغول، وما يتعلق منه بأحوال العصر الذي عاش فيه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد كانت له جهود عظيمة في صد هذا الخطر الزاحف، كما كانت له مواقف عظيمة منهم.
    ......

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع / " موقف شيخ الاسلام ابن تيمية من الأشاعرة


    ( ص 104 )

    عاصر ابن تيمية دولة المماليك، التي امتدت من سنة ٦٤٨ هـ إلى سنة ٩٢٣ هـ لما سقطت مصر بأيدي العثمانيين.
    أما أصل التسمية بالمماليك فالمعروف أن " المملوك عبد يباع ويشترى، غير أن التسمية اقتصرت في معظم الدول المتأخرة على فئة من الرقيق الأبيض يشتريهم الحكام من أسواق النخاسة البيضاء لتكوين فرق عسكرية خاصة في أيام السلم، وإضافتها إلى الجيش أيام الحرب، ثم صار المملوك الأداة الحربية الوحيدة في بعض الدول مثل دولة المماليك في مصر والشام
    ....
    ( ض 105)
    وقد عاصر ابن تيمية سلطنة عدد من المماليك بلغوا عشرة خلال فترة حياته وقد برز منهم أربعة:
    الأول: الظاهر ركن الدين بيبرس [٦٥٨-٦٧٦ هـ] الذي تولى بعد وقعة عين جالوت وقتله للملك المظفر قطز، وتعتبر ولايته البداية الحقيقية لسلطة المماليك كحكام قاموا وعملوا على صد المغول ومقاومة الصليبيين عن بلاد الشام ومصر. وقد تميز عهده بمايلي:
    أ- مقاومة وصد العدوان المغولي على الشام.
    ٢- مقاومة وحرب الصليبيين في بلاد الشام وتطهير بعض المدن من رجسهم-كما تقدم-.
    ٣- إعادة وإحياء الخلافة العباسية في مصر سنة ٦٥٩ هـ.
    ٤- وفي ما يتعلق بالقضاء تميز عصره ببداية تولية أربعة قضاة للمذاهب الأربعة (٣) بدل قاض واحد كما كان في السابق، وكان ذلك سنة ٦٦٣ هـ
    ...
    ومن الأمور الجليلة التي عملها الظاهر بيبرس، القضاء على الاسماعيلية في بلاد الشام، واحتلال حصونهم حصنا بعد آخر من سنة ٦٦٨ هـ إلى سنة ٦٧١ هـ (٥) .
    الثاني: المنصور سيف الدين قلاوون، وهو أول السلاطين من أسرة قلاوون التي حكمت فترة طويلة، وقد استمر حكم المنصور من سنة ٦٧٨ هـ إلى سنة ٦٨٩ هـ.
    .....
    ( ص 107)
    ومما يلاحظ أن محن ابن تيمية جاءت في عهد الناصر، مع وجود فترات تقوى صلة الناصر بابن تيمية ويتبنى آراءه ويستجيب لمطالبه خاصة ما يتعلق منها بالجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الموقف من أهل الذمة.
    وقد تميز عهد الناصر بما يلي:
    ١- مقاومة التتار الذين هجموا على بلاد الشام، وعاثوا فيه فسادا مع أنهم يعلنون الاسلام وينتسبون إليه.
    ٢- مقاومة الرافضة في بلاد الشام أيضا.
    ٣- العناية بالمنشآت
    .....
    ( ص 112 )
    وقد انتشر في عهد المماليك دفع الرشوة أو البرطلة، للوصول إلى المناصب، ولذلك أحيانا تصدر الأوامر بأن لا يولى أحد بمال ولا رشوة لأن ذاك يفضى إلى ولاية من لا يستحق
    انظر: االبداية والنهاية (١٤/٦٦) ، ويذكر ابن كثير أن سبب صدور هذا الأمر ابن تيمية -رحمه الله-. وانظر كتاب: البذل والبرطلة زمن سلاطين المماليك (ص!: ٢٥) وما بعدها.
    .....

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع
    ( ص 115)
    خامسا: الباطنية والرافضة]
    تعتبر الحركات الباطنية من أخطر الحركات في تاريخ العالم الإسلامى، وكذلك الرافضة، والطائفتان متداخلتان في المنهج والاعتقاد والموقف من أهل السنة، ولا عجب، إذ كلها قائمة على مبدأ التشيع ومنطلقة منه، وإن كان التطور في بعضها قد يصل إلى الغلو أو الإباحة كما حدث للإسماعيلية والقرامطة، إلا أن القاسم المشترك بينها هو دعوى موالاة أهل البيت والقيام بالواجب نحوهم، واستخلاص حقوقهم المغتصبة- من الإمامة وغيرها- من أعدائهم.
    وهذه الحركات لا تزال- حتى الآن- تقوم بدور خطير في عالمنا الاسلامى وتحظى- كما يحظى من يتبناها من دول وغيرها- بدعم كبير من اليهود والنصارى والملاحدة- من شيوعيين ولا دينيين-؛ إذ أدرك أعداء الإسلام أن حرب المسلمين- ويقصد أهل السنة- لا تتم إلا بإحياء الطائفية بينهم ودعم تلك الفرق والحركات المناهضة للإسلام الحق.
    .....
    ( ص 117 )
    ونوجز الكلام حول هذه الحركات بمايلي:
    أولا: برز التشيع كظاهرة في وقت مبكر، في عهد علي بن أبي طالب - رضى الله عنهـ بل قبله بقليل حين ظهرت السبئية- أتباع عبد اللة بن سبأ - وكان التشيع في عمومه قد بدا معتدلا إلا أنه في هذه الظواهر بدا غاليا أشد ما يكون الغلو، وليسى تأليه علي بن أبى طالب الذي قال به أناس في عهده إلا نواة لتلك الحركات الباطنية التي أخذت أشكالا مختلفة في الظاهر، وهي متفقة في الحقيقة والباطن.
    أما ما قد يتبادر إلى الذهن من تفاوت بينها اعتدالا وغلوا فليس هذا إلا أمر عارض ينشأ في بعض الأحوال حسب ما يقتضيه مبدأ التقية، أو التدرج في المدعوين أو حين التطيق العملى لمبادئهم، إضافة إلى مبدأ السرية والعلنية في عقائدهم التى يجعلون جزءا مهما منها يبقى تحت دائرة الكتمان إلا عن القلة القليلة من أكابرهم وعلمائهم، ولذلك صدقت فيهم مقولة أبي حامد الغزالي: " إنه مذهب ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم " (١) .
    ثانيا: حدثت انقسامات داخل هذه المذاهب الرافضية الباطنية:
    ومنها: الانقسام الذي وقع حول من يكون الإمام بعد جعفر الصادق -رحمه الله-.
    فطائفة: قالت: الإمام بعده ابنه موسى واستمرت الإمامة بعده إلى الإمام الثاني عشر- المهدي المنتظر عندهم- وهؤلاء هم الرافضة الموسوية، الجعفرية، الاثنى عشرية، ومن يطلع على عقائدهم ومذاهبهم يرى أنه لا يمكن أن يكونوا طائفة معتدلة بحال من الأحوال، إلا حال التقية
    وطائفة: قالت: الإمام بعده أى- بعد جعفر الصادق- ابنه إسماعيل- الذي مات في عهد أبيهـ وهؤلاء هم طائفة الإسماعيلية التي انبثقت منها حركة القرامطة، والدولة الفاطمية في المغرب ومصر، والإسماعيلية في بلاد فارس وغيرها.
    ومنها:- أى من الانقسامات التي حدثت- ما حدث سنة ٤٨٧ هـ- لما مات الخليفة المستنصر باللهـ الفاطمى العبيدى- فقد افترقت الإسماعيلة إلى فرقتين:
    إحداهما: قالت بأن الإمام بعده ولده نزار، وأن المستنصر نص على ذلك قبل وفاته، و" الإسماعيلية"، وملاحدة العجم وملاحدة الشام تعتقد إمامته، وتزعم أن المستنصر كان قد عهد اليه وكتب اسمه على الدينار والطرز، وأن المستنصر قال للحسن بن صباح: إنه الخليفة من بعده" (١) وهؤلاء ينكرون إمامة المستعلى الذكط تولى الخلافة- بعد أبيهـ ويرون أن خلافته ومن بعده باطلة.
    والأخرى: المستعلية، يرون صحة إمامة المستعلي ومن قام بعده من الخلفاء بمصر، وبسبب ذلك حدثت فتن بين الطائفتين (٢) .
    ثالثا: لم تكن هذه الحركات الباطنية بعيدة عن الأحداث- خلال تاريخنا الإسلامي- وإنما أخذت تعمل سرا لنشر أفكارها، وتكوين أتباع لها- وذلك خوفا من الخلافة العباسية السنية- وكان بداية ذلك لما ظهرت حماعة من الملاحدة يتزعمهم رجل فارسي مجوسى اسمه: ميمون بن ديصان المعروف بالقداح، وكان قد تظاهر بالإسلام والتشيع، ثم قبض عليه مع جماعة من أصحابه وسجنوا في الكوفة أواخر عهد المنصور العباسى سنة ١٤٥ هـ. وفي السجن بدأوا وضع مذهبهم وأسس دعوتهم ثم ظهرت على أثر ذلك حركتان كان لهما دور في التاريخ الإسلامى، إحداهما: ظهور القرامطة، والأخرى: قيام الدولة الفاطمية.

    .....
    ( ص 120)
    جاء عهد المماليك واصلوا حربهم للصليبيين والباطنيين وخاصة بعد القضاء على حصونهم في بلاد فارس الذي تم على يد هولاكو. فالظاهر بيبرس قضى عليهم- حصنا بعد الآخر- سنة ٦٧٠ هـ، وكانوا قبل ذلك يدفعون له الجزية وكان مسيطرا عليهم يعزل وينصب من يريد من زعمائهم، يقول المقريزي في حوادث سنة ٦٧١ هـ " وفي ثاني عشر ذي الحجة استولى السلطان على بقية حصون الدعوة الاسماعيلية وهي المينقة والقدموس والكهف، وأقيمت هناك الجمعة وترضى عن الصحابة بها، وعفيت المنكرات منها، وأظهرت شرائع الإسلام وشعائره " (١) .
    لكن هل انتهى دور الباطنين في بلاد الشام (٢) بالقضاء على الاسماعيلية (٣) ؟
    لقد بقى من طوائفهم طائفتان كان لهم نفوذ في ذلك الوقت، واستمر نفوذهم في بلاد الشام إلى العصر الحاضر. وهما:
    أ- النصيرية:
    وهؤلاء سموا بذلك نسبة إلى محمد بن نصير النميرى (٤) الذي عاش في القرن الثالث زمن الأئمة الثلاثة الأخيرين من أئمة الشيعة الاثنى عشرية، وزعم أنه الباب للإمام الحادي عشر " الحسن العسكري " وأنكر إمامة المهدي الثاني عشر، وبذلك انفصل عن الاثنى عشرية، وللنصيرية عقائد غالية مشهورة أهمها تأليه علي ابن أبي طالب- رضي الله عنهـ وفي عهد المما ليك كانوا يسكنون السواحل الشامية، وبعض الجبال في الكسروان وغيره، وكانوا موالين أتم الموالاة للنصارى وللتتار، وقد حرص الظاهر بيبرس على القضاء عليهم عن طريق إلزامهم ببناء المساجد
    المطلع على رحلة ابن بطوطة (١/٩٣) ، حين زار الشام سنة ٧٢٧ هـ يرى أنه يشير إلى قلاع الإسماعيلية والفداوية ويقول أنهم سهام الناصر قلاوون يصيب بهم أعداءه وعلى هذا الأساس يكرن الظاهر إنما قضى عليهم سياسيا، بحيث لم يصبع لهم دور مستقل
    .....
    ( ص 121 )
    هم طائفة يقولون بتأليه الحاكم بأمر الله الفاطمي والتناسخ والحلول. وكان أول من دعا إلى ذلك سنة ٤٠٨ هـ حمزة بن علي بن أحمد الزوزني، وفي نفس الوقت ظهر عدة دعاة على شاكلته منهم: حسن بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأخرم، ومحمد بن إسماعيل الروزي، وفي سنة ٤١١ هـ قتل الحاكم بأمر الله - ويزعم الدروز أنه اختفى- فانتقلت هذه الطائفة إلى مناطق أخرى في بلاد الشام، أما في مصر فلم يبق لهم بعد هلاك الحاكم وجود حقيقى (٣) . وقد استجاب لهذه الدعوة من القبائل العربية في الشام: بنو تنوخ وآل بحتر، وآل أرسلان، وبعد اعتناقهم لهذا المذهب الباطني تحركوا في سنة ٤٢٣ هـ إلى جبل السماق، وجاهروا بمذهبهم وأخربوا المساجد، واعتدوا على المسلمين المجاورين، وكثر شرهم، ولكن أهل أنطاكية خافوا من تفاقم أمرهم، فجاءوهم وتلطفوا لهم حتى قبضوا على دعاتهم وأكابرهم وقتلوهم جميعا
    .....
    ( ص 121 )
    وكان الدروز متوزعين في أماكن متفرقة من لبنان، ولذلك فقد انضم جزء منهم- من التنوخيين- إلى موالاة المماليك، وصاروا ينخرطون في جنود الحلقة (٢) - الذين كانوا فرسانا يأتمرون بأمر السلطان دون أن يكونوا ملكا لهـ وعلى الرغم من سجن ثلاثة من زعمائهم في القاهرة فقد ردت إليهم إقطاعاتهم وصاروا مسؤولين عن الحفاظ على منطقة غرب بيروت (٣) .
    والعجيب أنه حين هاجم جيش السلطان الناصر قلاوون سنة ٧٠٥ هـ جبل الكسروان- وكان يسكنه النصيرية والرافضة والدروز- كان من ضمن الجيش الذي هاجمهم: التنوخيون الدروز مما أثار جدلا بين بعض الباحثين (٤) .
    ج-- إن الرافضة الاثنى عشرية كانت لهم بعض الأدوار الإفسادية ولذلك تحدث عنهم ابن تيمية حينما ذكر غزوه لجبل الكسروان وهذا الجبل كانت تسكنه طوائف مختلفة من النصيرية والدروز والشيعة وأصحاب العقائد الفاسدة- ففي سنة ٧٠٤ هـ ذهب إليهم شيخ الإسلام ابن تيمية ومعه نقيب الأشراف زين الدين ابن عدنان وألزموهم شرائع الإسلام، واستتابوا خلقا منهم، كما ذهب إليهم ومعه الأمير قراقوش المنصور وألزموهم بالطاعة وأن يصلحوا ما بينهم وبين التنوخين،
    ذكر المقريزى في السلوك (١/٩٠٢ - ٩٠٣) ، وابن تيمية كما في رسالته إلى السلطان الناصر - العقود الدرية (ص: ١٩٣) أن الحملة على أهل كسروان كانت حملة على الدروز- حساهم ابن تيمية الحاكمية- فإذا علم أن الجيش الذي قاتلهم فيه مئات من التنوخية الدروز فكيف يتم هذا؟ كمال الصليبي- وهو ماروني- أنكر ذلك- كا أنه دافع عن الذين كانوا في الجبل. وقد رد عليه زكي النقاش في كتابه: أضواء توضيحية على تاريخ المارونية (ص: ٤٦- ٥٠) ، و (ص: ٦٣) وما بعدها. كما رد عليه صاحب كتاب التنوخيون (ص: ١٣٠) - ومؤلفه درزي.
    ....
    ( ص 123 )
    يقول ابن كثير في حوادث سنة ٧٠٥ هـ: " وفي ثانيه [أي المحرم] خرج نائب السلطة بمن بقى من الجيوش الشامية، وقد كان تقدم بين يديه طائفة من الجيش مع ابن تيمية في ثاني المحرم (٢) ، فساروا إلى بلاد الجرد والرفض والتيامنة، فخرج نائب السلطنة بنفسه بعد خروج الشيخ لغزوهم، فنصرهم الله عليهم وأبادوا خلقا كثيرا منهم، ومن فرقتهم الضالة ووطئوا أراضى كثيرة من صنع بلادهم، وعاد نائب السلطنة إلى دمشق في صحبته الشيخ ابن تيمية والجيش، وقد حصل بسبب شهود الشيخ هذه الغزوة خير كثير، وأبان الشيخ علما وشجاعة في هذه الغزوة، وقد امتلأت قلوب أعدائه حسدا له وغما (٣) .
    ويقول ابن تيمية بعد هذا النصر المبين عليهم- في كتابه إلى السلطان الناصر قلاوون في مصر- وقد ذكر بعد المقدمات شيئا من عقائدهم: " فأعان الله ويسر بحسن نية السلطان وهمته في إقامة شرائع الاسلام، وعنايته بجهاد المارقين أن غزوا غزوة شرعية كما أمر الله ورسوله، بعد أن كشفت أحوالهم، وأزيحت عللهم، وأزيلت شبههم، وبذل لهم من العدل والإنصاف ما لم يكونوا يطمعون به، وبين لهم أن غزوهم اقتداء بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضى الله عنهـ في قتال الحرورية المارقين الذين تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بقتالهم ... " (٤) . ثم ذكر السبب في أخذ أموالهم وأنه كونهم خارجين عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وسنته، ثم ذكر أنهم شر من التتار من وجوه متعددة، لكن التتر أظهر وأقوى
    .....

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع / ملخص كتاب
    " موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة "


    .....
    ( ص 126)
    وإذا وجد من الدول من حكم بعض بلاد المسلمين وفرض عقائد وسن شرائع مخالفة للاسلام وفرضها عليهم، فهؤلاء خارجون عن الإسلام، وذلك كالدولة الفاطمية التي قال عنها ابن تيمية:
    فإن القاهرة بقي ولاة أمورها نحو مائتي سنة على غير شريعة الإسلام، وكانوا يظهرون أنهم رافضة، وهم في الباطن إساعيلية ونصيرية وقرامطة باطنية، كما قال فيهم الغزالي-رحمه الله- تعالى- في كتابه الذي صنفه في الرد عليهم " ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض ". واتفق طوائف المسلمين: علماؤهم وملوكهم وعامتهم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم على أنهم كانوا خارجين عن شريعة الإسلام، وأن قتالهم كان جائزا، بل نصوا على أن نسبهم كان باطلا.... والذين يوجدون في بلاد الإسلام من الاسماعيلية والنصيرية والدرزية وأمثالهم من أتباعهم، وهم الذين أعانوا التتر على قتال المسلمين (١) ، وكان وزير هو! والنصير الطوسى من أئمتهم
    من العجيب- وابن تيمية يشير إلى تعاون الرافضة مع التتر- أن من نصوص قانون التتار الياسق الذي ذكرهـ أو بعضهـ المقريزي في خططه نصا يأمر بتمييز ولد علي بن أبي طالب- رضي الله عنهـ وأن لا يكون عليهم كلفة ولا مؤنة: يقول: " وشرط أن لا يكون على أحد من ولد علي ابن أبي طالب- رضى الله عنهـ مؤنة ولا كلفة
    ......
    ( ض 128)
    وقد نقل القلقشندى (٢) عن علاء الدين الجويني (٣) - الذى كان أحد خواص كتبة أرغون زعيم التتار وكان هجوم هولاكو على بغداد في عهدهـ أنه قال: " ومن عادة بني جنكزخان؛ أن كل من انتحل منهم مذهبا لم ينكره الآخر عليه " (٤) ، ثم ذكر القلقشندي الياسة فقال: " ثم الذي كان عليه جنكزخان في التدين وجرى عليه أعقابه بعده الجرى على منهاج ياسة التي قررها، وهي قوانين ضمنها من عقله وقررها من ذهنه، رتب فيها أحكاما وحدد فيها حدودا ربما وافق القليل منها الشريعة المحمدية وأكثرها مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى، وقد اكتتبها وأمر أن تجعل في خزانته تتوارث عنه في أعقابه وأن يتعلمها صغار أهل بيته " (٥) ،
    ويقول ابن كثير " وأما كتابه الياسة فإنه يكتب في مجلدين بخط غليظ، ويحمل على بعير عندهم
    هذه أحوال التتار وأنظمتهم لما هاجموا العالم الاسلامي، ولكن حدث لهم تطور- أشرنا إليه عند الحديث عنهم-، وذلك بدخولهم في الإسلام، وإعلان زعيمهم قازان الإسلام، ودخل كثير من التتار الإسلام. ولكن صاحب إسلام هؤلاء التتر عدة أمور- مخالفة لما يجب أن يكون عليه المسلم- ومنها:
    أ- مهاحمتهم لبلاد المسلمين ف! الشام وغيره، ومقاتلتهم ونهب أموالهم وغير ذلك من الفساد.
    ( ص 129)
    تعطل بعض شرائع الإسلام، مثل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والكف عن دماء المسلمين، وضرب الجزية على اليهود والنصارى، وغير ذلك.
    د- إقرار المنكرات، مثل أماكن الخمور والزنا، والسماح للنصارى بتعليق الصلبان، كما حدث في بيت المقدس والخليل زمن التتار.
    ولكنهم مع هذا يعلنون إسلامهم وإقرارهم بالشهادتين، بل ويزعم قازان في رسائله إلى السلطان الناصر قلاوون أنهم كلهم أهل ملة واحدة، شرفهم الله بدين الإسلام وأنه دافع عن أهل ماردين الذين هاجمهم بعض جنود المماليك، وأنه إنما يقاتلهم لما أخذته الحمية الإسلامية، وفي مرسوم آخر أصدره لما احتل دمشق يتهم فيه حكام مصر والشام بأنهم خارجون عن طريق الدين، غير متمسكين بأحكام الإسلام
    مام هذه الأوضاع والدعاوي، ومع نشوب الحرب بين أهل الشام والتتار وقع الناس في حيرة من هذه المسألة، كيف يقاتلون التتر وهم يدعون الإسلام، ويعلنون الشهادتين؟، ولم تقتصر هذه الحيرة على عامة الناس، بل إن العلماء والفقهاء أيضا وقعوا في حيرة، واحتاج الأمر إلى وضوح الحكم في هذه المسألة الواقعية، وبيان الحق فيها، حتى يسير الناس وهم على الهدى، فكان ممن انتدب، وندب نفسه لبيانها شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- تعالى- وجاء ذلك على محورين:
    محور علمي: يبين حكم هؤلاء التتار، وقد وردت عدة أسئلة وجهت إلى ابن تيمية حول هؤلاء الذين يعلنون الشهادتين، ويقتلون المسلمين، ويسبون بعض ذراري المسلمين ويهتكون حرمات الدين من إذلال المسلمين، وإهانة المساجد لاسيما بيت المقدس.... وادعوا مع ذلك تحريم قتال مقاتلهم
    ( ص 130-131)
    ما زعموا من اتباع أصل الإسلام فهل يجوز قتالهم؟ وفي سؤال آخر إضافة إلى ما سبق: وما حكم من يكون من عسكرهم من المنتسبين إلى العلم والفقه والفقر والتصوف ونحو ذلك؟ ومايقال فيمن زعم أنهم مسلمون، والمقاتلون لهم مسلمون، وكلاهما ظا لم فلا يقاتل مع أحدهما.... أفتونا في ذلك بأجوبة مبسوطة شافية، فإن أمرهم قد أشكل على كثير من المسلمين، بل على أكثرهم، تارة لعدم العلم بأحوالهم، وتارة لعدم العلم بحكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في مثلهم، وفي سؤال آخر: سئل عن أجناد يمتنعون عن قتال التتار، ويقولون: إن فيهم من يخرج مكرها معهم، وإذا هرب أحدهم هل يتبع أم لا؟ وفي سؤال سئل عن أموالهم هل أخذها حلال أو حرام؟.
    وقد أجاب ابن تيمية عن هذه الأسئلة بأجوبة واضحة كل الوضوح، وبناها على قاعدة في الفتوى عزيزة، لازمة لكل من يتصدى للفتوى- خاصة في المسائل المستجدة- فقال في أحد الأجوبة: " نعم، يجب قتال هؤلاء بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق أئمة المسلمين، وهذا مبني على أصلين:
    أحدهما: المعرفة بحالهم.
    والثاني: معرفة حكم الله في مثلهم.
    فأما الأول: فكل من باشر القوم يعلم حالهم، ومن لم يباشرهم يعلم ذلك بما بلغه من الأخبار المتواترة وأخبار الصادقين، ونحن نذكر جل أمورهم بعد أن نبين الأصل الآخر الذي يختص بمعرفته أهل العلم بالشريعة الإسلامية فنقول: كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت في الشهادتين، فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة، وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش، أو الزنا، أو الميسر، أو الخمر، أو غير ذلك من محرمات الشريعة، وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة،
    وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وكذلك إن أظهروا البدع الخالفة للكتاب والسنة واتباع سلف الأمة وأئمتها: مثل أن يظهروا الالحاد في أسماء الله وآياته، أو التكذيب بأحماء الله وصفاته، أو التكذيب بقدره وقضائه، أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين، أو الطعن في السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا في طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام، وأمثال هذه الأمور.... " (١) ، ثم ذكر الأدلة من الكتاب والسنة وفعل الصحابة مع المرتدين والخوارج وغيرهم، ثم قال: " وأما الأصل الآخر وهو معرفة أحوالهم [أي التتار] فقد علم أن هؤلاء القوم جازوا على الشام في المرة الأولى عام تسعة وتسعين [بعد الستمائة] وأعطوا الناس الأمان وقرأوه على المنبر بدمشق، ومع هذا فقد سبوا من ذراري المسلمين ما يقال: إنه مئة ألف أو يزيد عليه وفعلوا ببيت المقدس وبجبل الصالحية ونابلس وحمص وداريا وغير ذلك من القتل والسبي ما لا يعلمه إلا الله، حتى يقال: إنهم سبوا من المسلمين قريبا من مئة ألف، وجعلوا يفجرون بخيار نساء المسلمين في المساجد وغيرها، كالمسجد الأقصى والأموي وغيره، وجعلوا الجامع الذي العقبه دكا؛ وقد شاهدنا عسكر القوم، فرأينا جمهورهم لا يصلون ولم نر في معسكرهم مؤذنا ولا إماما، وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله.... وهم يقاتلون على ملك جنكزخان، فمن دخل في طاعتهم جعلوه ولما لهم، وإن كان كافرا، ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم وإن كان من خيار المسلمين، ولا يقاتلون على الاسلام ولا يضعون الجزية والصغار " (٢) ،
    ثم بين كيف أنهم يعظمون جنكزخان ويقرنونه بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويقدسون تعاليمه، ثم قال: " ومعلوم بالاضطرار من دين الاسلام باتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام،
    ( مجموع الفتااوى 28/510-515)
    ....
    ( ص 133)
    أما المحور الثاني فهو: المحور العملي، وذلك بالحض على جهاد هؤلاء التتار وإعلان جهادهم، حتى انه ذهب من الشام إلى مصر ليلتقى بالسلطان ومن حوله من الأمراء والوزراء ليحضهم على جهادهم، وجمع الجيوش لقتالهم، وكان لابن تيمية في هذا الجهاد والإعداد له، وقيادة بعض فصائله ما هو مشهور ومسطور وقد أشار إلى هذه المسألة- مسألة شبهة مقاتلة التتار مع ادعائهم الاسلام- ابن كثير-رحمه الله- وهو يعرض لبعض وقائعهم، فقال عن وقعة " شقحب ": " وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو؟ فإنهم يظهرون الإسلام وليسوا بغاة على الإمام، فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه "، فقال الشيخ تقي الدين [ابن تيمية] : " هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية، ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما. وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصى والظلم، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة، فتفطن العلماء والناس لذلك، وكان يقول للناس: إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسى مصحف فاقتلوني، فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم ولله الحمد " (٣) ، وابن كثير يقول لما ذكر الياسة وبعض أحكامه، " وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحام إلى الياسة وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإحماع المسلمين "
    ....
    ( ص 134 )
    وقد وجد في هذا العصر من كانت له مواقف مشهودة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كالإمام النووي [توفي سنة ٦٧٦ هـ] الذي كتب إلى السلطان الظاهر بيبرس من ضمن ما كنب يقول- في جواب على جواب السلطان الذي يحمل التوبيخ والتهديد-: " وأما أنا في نفسي فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه، ولا يمنعنى ذلك من نصيحة السلطان فإني أعتقد أن هذا واجب علي وعلى غيري، وما ترتب على الواجب فهو خير وزيادة عند الله تعالى.... "
    .....
    ( ص 138-139)
    وكان من أبرز المراسيم الصارمة الصادرة في حق أهل الذمة المرسوم الصادر سنة ٧٠٠هـ - في عهد السلطان قلاوون - بالزامهم بأحكام أهل الذمة من لباس ومركوب، وعدم استخدامهم في الوظائف الديوانية، وكان لنائب السلطان: الجاشنكير دور كبير في ذلك (٢) .
    وفي سنة ٧٠٩هـ لما عاد السلطان محمد بن قلاوون في سلطنته الثالثة، وأمر بإطلاق ابن تيمية - من السجن - وقدمه - فلما جلس ومعه العلماء والقضاة عرض الوزير (٣) على السلطان أن أهل الذمة قد عرضوا أن يدفعوا للديوان سبعمائة ألف في كل سنة زيادة على الحالية، على أن يعودوا إلى لبس العمائم البيض - كالمسلمين - فاستشار السلطان العلماء " فقال لهم: ما تقولون؟ يستفتيهم في ذلك، فلم يتكلم احد، فجثى الشيخ تقي الدين على ركبتيه، وتكلم مع السلطان في ذلك بكلام غليظ ورد على الوزير ما قاله ردا عنيفا، وجعل يرفع صوته والسلطان يتلافاه ويسكنه بترفق وتؤدة وتوقير، وبالغ الشيخ في الكلام وقال ما لا يستطيع أحد أن يقوم بمثله ولا بقريب منه، وبالغ في التشنيع
    لى من يوافق فى ذلك، وقال للسلطان: حاشاك أن يكون أول مجلس جلسته في أبهة الملك تنصر فيه أهل الذمة لأجل حطام الدنيا الفانية، فاذكر نعمة الله عليك إذ رد ملكك إليك وكبت عدوك ونصرك على أعدائك " (١) ، ولما كان للجاشنكير- الذي كان نائبا لقلاوون ثم اغتصب السلطة منه وتولى بدلهـ دور في صدور قرار إلزام أهل الذمة بشروط عمر- رضى الله عنهـ سنة ٧٠٠ هـ قال السلطان قلاوون لابن تيمية لما كلمه بما سبق: إن الجاشنكير هو الذي جدد عليهم ذلك- والجاشنكير كما أنه آذى السلطان وعزله وتولى بدله فقد آذى ابن تيمية أذى شديدا وسجنهـ لكن ابن تيمية لم ينظر إلى الأمر من هذه الزاوية وإنما قال للسلطان: " والذي فعله الجاشنكير كان من مراسيمك لأنه إنما كان نائبا لك، فأعجب السلطان ذلك واستمر بهم على ذلك " (٢) . وقد وقعت الفتن بين المسلمين والنصارى الذين ضايقهم هدم بعض كنائسهم مما تسببوا في إشعال الحرائق في القاهرة سنة ٧٠٢ هـ، وسنة ٧٢١ هـ (٣) .
    ويبدو أن مثل القضايا في مصر والشام كانت سببا في ظهور المناقشات العلمية حول أحكام أهل الذمة، وكيف يعاملون؟، وحكم كنائسهم التي كانت موجودة عند الفتح الإسلامي لمصر والشام، وحكم الكنائس التى أحدثت في أمصار المسلمين ومنها- القاهرة- التي بنيت بعد الفتح الإسلامى بقرون، وقد أجاب العلماء على مثل هذه الأسئلة: ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أجاب بعدة فتاوى حول أهل الذمة وإلزامهم الشروط العمرية، وحكم كنائسهم وهدمها، وقد بين ذلك بكل قوة ووضوح حتى قال، وهو يعرض لحكم سبهم للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -: " وهنا (٤) الشروط على أهل الذمة حق لله، لا يجوز للسلطان ولا لغيره أن يأخذ منهم الجزية ويعاهدهم على المقام بدار الإسلام

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع / كتاب موقف شيخ الاسلام من الاشاعرة


    ( ص 140 )
    جاء عهد المماليك وكثير من هذه المشاهد والأضرحة موجودة، قبور بني عبيد، وقبر الشافعي، وقبر الحسن- الذي بناه بنو عبيد- وغيرها، فلم يحرك السلاطين ساكنا، بل الأمر على العكس أخذوا يبنون لأنفسهم ولأقاربهم الأضرحة والقبب وتفننوا فيها بحيث جعلوا عليها مساجد ومدارس، يأتيها العلماء وطلاب العلم وتلقى فيها الدروس المنتظمة، وأوقفوا عليها الأوقاف الكثيرة، فالظاهر بيبرس [توفي سنة ٦٧٦ هـ] بنى على قبر أبى عبيدة- رضى الله عنه - مشهدا، وجدد قبة الخليل عليه السلام، كما وسع مشهد جعفر الطيار، وعمر تربة لزوجته (٢) ، والمنصور قلاوون- ت ٦٨٩ هـ- بنى في سنة ٦٨٣ هـ تربة على قبر والدة السلطان الملك الصالح بن المنصور قلاوون (٣) .
    أما أشهر المدارس فهى المدرسة المنصورية، وقد وضع فيها قبة سميت القبة المنصورية وفيها قبر المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد، وهي من أكبر القباب وأشهرها، وصارت معظمة عند المماليك إلى حد أن السلطان إذا أمر أحدا
    من أمراء الشام أو مصر، فإن الأمير الجديد ينزل من قلعة الجبل إلى القبة المنصورية ثم يحلف عند القبر المذكور ويحضر تحليفه صاحب الحجاب (١) . وتليها المدرسة الناصرية التى بناها الناصر قلاوون وبنى فيها قبة دفن والدته وأحد أولاده (٢) . ولما انتصر قلاوون سنة ٧٠٢ هـ في وقعة شقحب وقدم إلى مصر كان أول عمل عمله أن زار قبر والدهـ في ضريحهـ والقراء يقرؤون القرآن عند القبر (٣) .
    أما على المستوى العام فقد انتشر عند الناس تعظيم القبور والسفر لزيارتها، كما شاع عندهم تعظيم بعض الأماكن التي تنسب- كذبا- إلى نبي أو ولي، ففي دمشق كانت هناك صخرة عند مسجد التاريخ يعظمها الناس ويقبلونها، ويزعمون أن فيها أثر قدم النبى - صلى الله عليه وسلم -، كما كان هناك عند الباب الصغير العمود الخلق يتبرك به الناس وقد هدمهما ابن تيمية-رحمه الله- تعالى- (٤) .
    أما موقف أكثر العلماء من هذه الشركيات فكان أحسن أحواله السكوت عنها - خاصة وأن كثيرا ممن تولى القضاء كانوا يميلون إلى التصوف- ويرون السفر لزيارة القبور، وهؤلاء هم الذين وقفوا ضد فتاوى ورسائل ابن تيمية حول هذه المسائل حتى سجن ومات فيه.
    أما موقف ابن تيمية من هذه الشركيات فقد كان موقفا عظيما، وقد قام على ثلاثة محاور:
    الأول: بيان حقيقة هذه المشاهد، وأن الكثير منها كذب، وليست قبورا لمن نسبت إليه
    .......
    ( ص 143 )
    ما التصوف فيعتبر هذا العصر- القرن السابع والثامن- العصر الذهبي له، ولعل الضعف والتفرق الذي أصاب العالم الاسلامي قبل ذلك، والحروب الصليبية التى صدمت المسلمين نفسيا قبل أن تصدمهم عسكريا، كانت من أسباب انتشاره في هذا العصر.
    والتطور الذي حدث للتصوف في هذا العصر تطور خطير، إذ أنه تحول من تصوف فردى في الغالب يقوم على جهود الأفراد واتباعهم الى تصوف منظم، له مدارسه التي يينيها الحكام وغرهم وتهيأ لهذه المدارس والأماكن كل ما يحتاجه ساكنو هذه المدارس ومرتادوها، ولأ تنقطع بموت الشيخ أو الصوفي وإنما يتوارثها من بعده ممن اشتهروا وزعم الناس فيهم الولاية وشاعت لهم الكرامة.
    وقد برز التصوف من خلال ممايلي:
    أ- بناء الخوانق والربط والزوايا (٢) ،
    وقد انتشرت انتشارا عظيما في عصر الأيوبيين والمماليك، ومن المحزن حقا ما ذكره بعض الكتاب من أن أول خانقاه بنيت في الشام كانت برملة بيت المقدس بناها أمير النصارى حين استولى
    ....
    ( ص 144 )
    عاش في هذا العصر طائفة من كبار الصوفية الذين كان لهم أتباع ومريدون ولا شك أن وجود هؤلاء في أماكن مختلفة يؤدي إلى أن يصبح التصوف ظاهرة اجتماعية حيثما حل الإنسان في بلد يجد هذه الفئات المتزهدة المظهرة للفقر والحاجة، ومن أهم رجال التصوف المشهورين في هذا العصر:
    ١ - ابن عربي محيي الدين محمد بن علي بن محمد، توفي سنة ٦٣٨هـ.
    ٢ - ابن الفارض، عمر بن علي بن مرشد الحموي، توفي سنة ٦٣٢هـ.
    ٣ - أبو الحسن الشاذلي، علي بن عبد الله بن عبد الجبار، توفي سنة٦٥٦هـ.
    ٤ - أبو القاسم بن منصور بن يحيى المالكي الأسكندري المعروف بالقباري، توفي سنة ٦٦٢هـ.
    ٥ - خضر بن أبي بكر المهراني، كان الظاهر بيبرس يعتقد فيه ويخضع له، توفي سنة ٦٧٦هـ.
    ٦- أحمد البدوي، أحمد بن علي بن إبراهيم القدسي الملثم، توفي سنة٦٧٥هـ
    ٧- التلمساني المرسي، محمد بن موسى بن النعمان، توفي سنة ٦٨٦هـ.
    .....
    لقد كان لشيخ الإسلام ابن تيمية مع كثير من هؤلاء وأتباعهم صولات وجولات فبين الحق في هذه الأمور وفضح أصحابها وبين المداخل الشيطانية لهؤلاء، ووضع أصولا للفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. وقد حكى في مناسبات كثيرة من كتبه قصصا شاهدها أو رواها له الثقات عن كثير ممن يدعي أو يدعى له الولاية والكرامة وبين كيف تجيء الشياطين وتصنع هذه الأمور الخارقة فيظن من شاهدها أو وقعت له أنها كرامة وليست كذلك.
    فمما ذكره وقد سئل عن الحلاج- المقتول على الكفر والزندقة سنة ٣٠٩ هـ- فبين حاله وأحواله الشيطانية ثم قال: " ومثل هذا يحدث كثيرا لغير الحلاج ممن له حال شيطاني، ونحن نعرف كثيرا من هؤلاء في زماننا وغير زماننا مثل شخص هو الآن بدمشق كان الشيطان يحمله من جبل الصالحية إلى قرية حول دمشق، فيجىء من الهواء إلى طاقة البيت الذي فيه الناس فيدخل وهم يرونه،
    ....
    ( 145-146)
    ويجئ بالليل إلى باب الصغير [أحد أبواب دمشق] فيعبر منه هو ورفيقه، وهو من أفجر الناس. وآخر كان بالشويك (١) من قرية يقال لها الشاهدة يطير في الهواء إلى رأس الجبل والناس يرونه، وكان شيطانه يحمله وكان يقطع الطريق، وأكثرهم شيوخ الشر ... وشيخ آخر أخبرني نفسه أنه كان يزني بالنساء ويتلوط بالصبيان الذين يقال لهم الحوارات، وكان يقول يأتيني كلب أسود بين عيينه نكتتان بيضاوان فيقول لي: فلان ابن فلان نذر لك نذرا وغدا نأتيك به ... فلما تاب هذا الشيخ وصار يصلي ويصوم ويجتنب المحارم ذهب الكلب الأسود ... وشيخ آخر كان له شياطين يرسلهم يصرعون بعض الناس فيأتي أهل ذلك المصروع إلى الشيخ يطلبون منه إبراءه، فيرسل إلى أتباعه فيفارقون ذلك المصروع، ويعطون ذلك الشيخ دراهم كثيرة، وكان أحيانا تأتيه الجن بدراهم وطعام تسرقه من الناس.... وآخر كان مشتغلا بالعلم والقراءة فجاءته الشياطين أغوته وقالوا له: نحن نسقط عنك الصلاة ونحضر لك ما تريد، فكانوا يأتونه بالحلوى والفاكهة، حتى حضر عند بعض الشيوخ العارفين بالسنة فاستتابه، وأعطى أهل الحلاوة ثمن حلاوتهم التي أكلها ذلك المفتون بالشيطان ... " (٢) .
    بل إن ابن تيمية نفسه تعرص ر لمثل هذا فتمثلت بشخصه الشياطين وأغاثوا أقواما فجاءوا يخبرونه بما وقع لهم، يقول: " ذكر غير واحد أنه استغاث بي من بلاد بعيدة وأنه رآني قد جئته، ومنهم من قال: رأيتك راكبا بثيابك وصورتك، ومنهم من قال: رأيتك على جبل، ومنهم من قال غير ذلك، فأخبرتهم أني لم أغشهم، وإنما ذلك شيطان تصور بصورتي ليضلهم لما أشركوا بالله ودعوا غير الله " (٣) . و! قول: " وأعرف من ذ! ك وقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي، وبغيري في حال غيبتنا عنهم، فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به
    .....
    ( ص 147)
    وقد ذكر واقعة غريبة له وهو في السجن بمصر، قال: " كما جرى مثل هذا لي، كنت في مصر في قلعتها، وجرى مثل هذا إلى كثير (٢) من الترك من ناحية المشرق، وقال له ذلك الشخص: أنا ابن تيمية، فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو، وأخبر بذلك ملك ماردين (٣) وأرسل بذلك ملك ماردين إلى ملك مصر رسولا، وكنت في الحبس فاستعظموا ذلك وأنا لم أخرج من الحبس، ولكن كان هذا جنيا يحبنا فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم لما جاءوا إلى دمشق، كنت أدعوهم إلى الإسلام فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ماتيسر، فعمل معهم مثل ما كنت أعمل، وأراد بذلك إكرامي ليظن ذلك أني أنا الذي فعلت ذلك.
    قال لي طائفة من الناس: فلم لا يجوز أن يكون ملكا؟، قلت: لا، إن الملك لا يكذب وهذا قد قال: أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب في ذلك (٤) .
    والتصوف لم يقتصر على هذه الأمور، وإنما كان تصوفا يؤول في الغالب إلى الغلو من الوحدة والاتحاد والحلول، والوقوع في الشركيات بأنواعها، وتعظيم الملاحدة وتصحيح أقوالهم وكفرياتهم. وقد واجه ابن تيمية من هؤلاء أعدادا
    قول ابن تيمية في بيان حكم طلب الحاجات في القبور والاستغاثة بها: " والاستغاثة بالميت والغائب سواء كان نبيا أو وليا ليس مشروعا ولا هو من صالح الأعمال، إذ لو كان مشروعا أو حسنا من العمل لكانوا به أعلم وإليه أسبق، ولم يصح عن أحد من السلف أنه فعل ذلك، فكلام هؤلاء يقتضي جواز سؤال الميت والغائب، وقد وقع دعاء الأموات والغائبين لكثير من جهال الفقهاء والمفتين حتى لأقوام فيهم زهد وعبادة ودين ترى أحدهم يستغيث بمن يحسن به الظن حيا كان أو ميتا، وكثير منهم تتمثل له صورة المستغاث به وتخاطبه وتقضي بعض حوائجه وتخبره ببعض الأمور الغائبة، ويظن الغير أنه المستغاث به أو أن ملكا جاء على صورته وإنما هى شياطين تمثلت له به وخيالات باطلة فتراه يأتي قبر من يحسن به الظن إن كان ميتا فيقول: أنا في حسبك أنا في جوارك أنا في جاهك قد أصابنى كذا وجرى على كذا، ومقصوده قضاء حاجته إما عن الميت أو به، ومنهم من يقول للميت: اقض ديني واغفر ذنبي وتب على، ومنهم من يقول: سل لي ربك، ومنهم من يذكر ذلك في نظمه ونره، ومنهم من يقول: يا سيدي الشيخ فلان أو يا سيدي يا رسول الله نشكو إليك ما أصابنا من العدو وما نزل بنا من المرض وما حل بنا من البلاء، ومنهم من يظن أن الرسول أو الشيخ يعلم ذنوبه وحوائجه وإن لم يذكرها وأنه يقدر على غفرانها وقضاء حوائجه، ويقدر على ما يقدر عليه الله ويعلم ما يعلمه الله، وهؤلاء قد رأيتهم وععت هذا منهم ومن شيوخ يقتدى بهم ومفتين وقضاة ومدرسين " (٢) .
    ويقول: " وكان بعض الشيوخ الذين أعرفهم وله فضل وعلم وزهد إذا نزل به أمر خطا جهة الشبخ عبد القادر خطوات معدودات واستغاث به " (
    ؟؟؟؟؟؟
    ......

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع / كتاب موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة


    ( ص 150 )
    المذهب الأشعري:
    انتشر المذهب الأشعري- في تطوره العقدي- في القرن الرابع والخامس، ولما جاء عهد الأيوبيين- وعلى رأسهم صلاح الدين الأيوبي- تبنوا المذهب الأشعري، وقربوا علماء الأشاعرة، وصلاح الدين نشأ على هذا المذهب؛ فقد حفظ " في صباه عقيدة ألفهاله قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري (٣) ، وصار يحفظها صغار أولاده فلذلك عقدوا الخناصر وشدوا البنان على مذهب الأشعري، وحملوا في أيام دولتهم كافة الناس على التزامه فتمادي الحال على ذلك جميع أيام الملوك من بنى أيوب ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك " (٤) ، ولما تولى صلاح الدين حكم مصر ولى على القضاء صاحبه صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس الماراني (٥) ، الذي ألف "رسالة في الذب
    عن ابي الحسن الاشعري "
    ....
    ( ص 176)
    عرض مختصر للمحن التي مر بها:
    ١- محنته بسبب " الحموية ":
    وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة ٦٩٨ هـ، في آخر سلطة المنصور حسام الدين لاجين-[٦٩٦- ٦٩٨ هـ] وذلك بين سلطة الناصر قلاوون الأولى والثانيةوكان نائب الشام سيف الدين قبج المنصورى، فلما كان في أول عام ٦٩٨ هـ بلغ النائب والأمراء أن السلطان غاضب عليهم، فعزموا على الذهاب إلى بلاد التتر والنجاة بأنفسهم (١) ، فوقع اضطراب شديد، ففى هذه الأثناء وقعت محنة ابن تيمية حول الحموية، رلعل الفقهاء استغلوا هذه الفوضى فحملوا على عقيدة الشيخ، وملخص هذه المحنة أنه كتب جوابا سئل عنه من حماه (٢) في الصفات
    قول ابن تيمية: (كنت سئلت من مدة طويلة بعيدة سنة تسعين وستمائة عن الآيات والأحاديث الواردة في صفات الله، في فتيا قدمت من حماه فأحلت السائل على غيرى فذكر أنهم يريدون الجواب مني، فكتبت الجواب في قعدة بين الظهر والعصر، نقض التأسيس المخطوط

    .....
    ( ص 179 )
    محنته ومناظرته حول " الواسطية ":
    وبداية هذه المحنة في يوم الاثنين ٨ رجب سنة ٧٠٥ هـ حين ورد مرسوم من السلطان في مصر إلى نائب الشام أن يسأل الشيخ عن عقيدته، فجمع النائب القضاة والفقهاء وابن تيمية- وهم لا يدرون لماذا جمعوا- فقال النائب: هذا المجلس عقد لك لمساءلتك عن عقيدتك، يقول ابن تيمية: " فقلت: أما الاعتقاد فلا يؤخذ عني، ولا عمن هو أكبر مني، بل يؤخذ عن الله ورسوله، وما أجمع عليه سلف الأمة، فما كان في القرآن وجب اعتقاده، وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة مثل صحيح البخاري ومسلم. وأما الكتب فما كتبت إلى أحد كتابا ابتداء أدعوه به إلى شيء من ذلك، ولكنني كتبت أجوبة أجبت بها من يسألني من أهل الديار المصرية وغيرهم. وكان قد بلغني أنه زور على كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير (١) - أستاذ دار السلطان- يتضمن ذكر عقيدة محرفة، ولم أعلم بحقيقته، لكن علمت أن هذا مكذوب، وكان يرد علي من مصر وغرها من يسألني مسائل في الاعتقاد أو غيره، فأجبته بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة " (٢) ثم طلبوا منه أن يملي عقيدته فأملاها، ثم قال للأمر والحاضرين: " أنا أعلم أن أقواما يكذبون علي كما قد كذبوا علي مرة
    قضية الكذب على ابن تيمية والتزوير عليه أمر مشهور حتى قبل: أنه رجع إلى عقيدة الأشاعرة وأنه كتب ذلك بخطه. وكل ذلك كذب- وليس العجب أن يقع الكذب عليه وإنما العجب أن يقوم مؤرخ ثقة فاضل- كابن حجر العسقلاني- فينقل ترجمته في الدرر الكامنة (١/١٥٤) ترجمة مطولة لابن تيمية وينقل عن غيره ويذكر هذه الأمور- التى هي في الحقيقة كذب عليهـ ثم يسكت عنها..ومن نماذج الكذب على ابن تيمية: أنه في سنة: ٧٠٢ هـ وقع في يد نائب السلطنة كتاب مزور فيه أن ابن تيمية وجماعة يناصحون التتر ويكاتبوهم، ثم فضح المزورون ووجد معهم مسودة الكتاب وعوقبوا. البداية والنهاية (١٤/٢٢) ، وكذلك وقع الكذب عليه أنه رجع عن عقيدته.
    محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموى الهندى ولد سنة ٦٤٤ هـ وتوفي سنة ٧١٥ هـ، وكان من الذين حضروا المجلس الثاني في مناظرة الواسطية، واستعان به العلماء لزعمهم أنه من محققي المذهب الأشعري لكن كا قال ابن كثير (البداية: ١٤/٣٦) ساقيته لاطمت بحرا. ويذكر ابن تيمية أن الثقة حدثه بعد المناظرة أنه اجتمع به فقال: قلت لهم: مالك على الرجل اعتراض، فإنه نصر ترك التأويل، وقال أنا أختار قول ترك التأويل، وأخرج وصيته التي أوصى بها وفيها قول ترك التأويل. لكن ييدو أن الصفي رجع فإنه ألف " الرسالة التسعينية في الأصول الدينية نصر فيها مذهب الأشاعرة وقال في أولها " أما بعد فهذه رسالة مشتملة على تسعين مسألة من مسائل أصول الدين ألفها لما رأيت طلبة أهل الشام المحروس مقبلين على تحصيل هذا الفن بعد ما جرى من الفتنة المشهورة بين أهل السنة والجماعة، وبين بعض الحنابلة ٠٠" (التسعينية للأرموى الهندى ورقة ٢ مخطوطة) .
    .....
    180
    بسبب كلام سمعه من كمال الدين ابن الزملكاني (٤) (٤) ، ثم جاء مرسوم السلطان بإعادته إلى منصبه وفي الكتاب: " إنا كنا سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين ابن تيمية، وقد بلغنا ما عقد له من المجالس وأنه على مذهب السلف وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نسب إليه " (٥) .
    وكان سبب هذه المناظرات- حول الواسطة- وأمر السلطان بذلك ما قام به ابن تيمية- أول هذا العام ٧٠٥ هـ- من غزو الروافض والنصيرية في الكسروان، ثم بعد ما قام في جمادى الأولى من مناظرة الأحمدية المتصوفة وإنكاره عليهم،

    ملاحظة : اعتذر للقراء من الإطالة لكثرة الفوائد النافعة في الكتاب وهو بمثابة مرجع لمواقف شيخ الاسلام ورده على الأشاعرة "

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع /


    ( ص 188)
    وفي الإسكندرية خرج خلق يودعونهـ فاجتمع السلطان يوم الجمعة في مجلس فيه القضاة والفقهاء، وقد زالت دولة الجاشنكير وأتباعه، وعرض الناصر على ابن تيمية أن ينتقم له من أعدائه ولكنه رفض ذلك، وهنا يسجل للشيخ موقف عظيم ومعرفة بواقع الأمر، فالناصر لما عرض عليه أن يفتيه في قتل بعض الفقهاء والقضاة كان يريد أن ينتقم منهم بسبب موقفهم منه لما تسلطن الجاشنكير، ففطن ابن تيمية لمراده وأخذ يعظم القضاة والعلماء وينكر أن ينال أحدا منهم سوء، وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له: إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارا فقال الشيخ: من آذاني فهو في حل ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه وأنا لا أنتصر لنفسي، وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح (٣) ، وإنه لموقف عظيم ينبغي أن يتفكر فيه العلماء مرارا، إذ كثيرا ما تأتي بعض القضايا مما لها وجه في الشرع ولكن الحكام يحرصون عليها لا لأجل ذاتها واتباعا للشرع فيها، وإنما لأنها تخدم أغراضا أخرى لهم، والدليل على ذلك أنهم لا يرجعون إلى الشرع دائما وإنما عند الحاجة.
    ....
    ( ص 189)
    ثم أقام ابن تيمية في القاهرة إلى سنة ٧١٢ هـ يفتي ويدرس ويؤلف والناس والأكابر يترددون عليه، وكتب إلى أقاربه بدمشق يقول: " والحق دائما في انتصار وعلو وازدياد، والباطل في انخفاض وسفال ونفاد، وقد أخضع الله رقاب الخصوم وأذلهم غاية الذل، وطلب أكابرهم من السلم والانقياد ما يطول وصفه. ونحن- ولله الحمد- قد اشترطنا عليهم في ذلك من الشروط ما فيه عز الإسلام والسنة، وانقماع الباطل والبدعة، وقد دخلوا في ذلك كله وأقنعنا حتى يظهر ذلك إلى الفعل، فلم نثق لهم بقول ولا عهد ولم نجبهم إلى مطلوبهم حتى يصير المشروط معمولا والمذكور مفعولا، ويظهر من عز الإسلام والسنة للخاصة والعامة ما يكون من الحسنات التي تمحو سيئاتهم، وقد أمد الله من الأسباب التى فيها عز الإسلام والسنة وقمع الكفر والبدعة بأمور يطول وصفها في كتاب!
    ...
    189
    وكتب الشيخ- إلى والدتهـ كنابا يمتلىء رقة وحنانا ويعتذر لها عن بقائه في مصر، وعدم عودته إلى الشام ومما قاله لها:" وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد إنما هو لأمور ضرورية متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا ولسنا والله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، وأنخ لو اطلعغ على باطن الأمور، فإنكم ولله الحمد ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهرا واحدا، بل كل يوم نستخير الله لنا ولكم، وادعوا لنا بالخيرة
    .....
    ( ص 190)
    جرت على الشيخ بعض الأحداث في مصر (١) ، ثم لما كانت سنة ٧١٢ هـ خرج لجهاد التتر صحبة الجيش المصري، فلما وصلوا إلى عسقلان توجه إلى بيت المقدس لأنه علم أن التتار رجعوا إلى بلادهم فتحقق من عدم الغزاة، وأقام في القدس أياما، ثم قدم إلى دمشق أول ذي القعدة سنة ٧١٢ هـ، ثم استقر في دمشق زمنا طويلا تفرغ فيه للتأليف وكتابة الرسائل، وكانت من أخصب فترات عمره التى ألف! فيها كثيرا من كتبه (٢) .
    ٦- محنته بسبب " الطلاق ":
    كان استقرار ابن تيمية في دمشق بعد عودته من مصر-؟ يشير مترحموه
    - عاملا على تفرغه للبحث والتنقيب في مسائل العقيدة، والأحكام، وكان من نتيجة ذلك ترجيحه في بعض مسائل الأحكام ما يخالف فقهاء عصره، ومن هذه المسائل مسألة الحلف بالطلاق هل يكون طلاقا إذا حنث فيه؟ يرى الجمهور، أم يكون يمينا إذا كان القصد به ا! ين؟ رجحه ابن تيمية وصار يفتى فيه، ومسألة اعتبار الثلاث بكلمة واحدة طلاقا رجعيا، وكان لمنزلة الشيخ ومكانته عند الناس أبعد الأثر في ظهور وانتشار مثل هذه الفتاوى والاقتناع بها، بل ومناقشة من يعارضها ولو كان من العلماء.
    فاجتمع جاعة من كبار العلماء إلى القاضى الحنبلي كمالدين بن مسلم
    الحنبلي وكلموه في أن يكلم الشيخ وأن يشير عليه بترك الإفتاء في الحلف في الطلاق، فقبل الشيخ ابن تيمية إشارته ونصيحمه وترك الإفتاء بها وكان ذلك في منتصف ربيع الآخر سنة ٧١٨ هـ، فلما كان يوم السبت مستهل جمادى الأولى من هذه السنة
    ...
    ( ص 191)
    محنته بسبب فتواه في " شد الرحال إلى القبور ":
    وهذه المحنة من أعظم المحن التى مرت على الشيخ وعلى أتباعه والذي يبدو أن أعداء الشيخ والحاقدين عليه والحاسدين له لم يجدوا في مسألة الطلاق- كل ما يأملونهـ وإن كان قد سجن بسببها الشيخ ابن تيمية، فصاروا يبحثون وسيلة وقضية أخرى يدخلون من خلالها على إيذاء شيخ الاسلام وأتباعه، فعثروا على فتوى لهـ منذ سبع عشرة سنة- حول شد الرحال وإعمال المطي إلى قبور الأنبياء والصالحين، ومنها قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت الفتوى تتضمن ذكر القولين الواردين وترجيح أحدهما- وهو التحريم- مع الأدلة على ذلك. ففرحوا بذلك وكثر الكلام حولها، واشتد الأمر، يقول ابن عبد الهادى:
    " وكان للشيخ في هذه المسألة كلام متقدم أقدم من الجواب المذكور بكثير ذكره
    ....
    ( ص 192 )
    ي كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم " (١) وغيره، وفيه ما هو أبلغ من هذا الجواب الذي ظفروا به، وكثر الكلام، والقيل والقال بسبب العثور على الجواب المذكور، وعظم التشنيع على الشيخ، وحرف عليه، ونقل عنه ما لم يقله، وحصل فتنة طار شررها في الآفاق واشتد الأمر، وخيف! على الشيخ من كيد القائمين في هذه القضية بالديار المصرية والشامية وكثر الدعاء والتضرع والابتهال إلى اللة تعالى، وضعف من أصحاب الشيخ من كان عنده قوة، وجبن نهم من كانت له همة. وأما الشيخ-رحمه الله- فكان ثابت الجأش قوي القلب، وظهر صدق توكله واعتماده على ربه " (٢) .
    وفي يوم الاثنين ٦ شعبان سنة ٧٢٦ هـ جاء مرسوم السلطان بإقامته في القلعة (٣) فأحضر له مركوب وسار إليها، وأخليت له فيها قاعة حسنة أجرى عليها الماء، وأقام معه أخوه زين الدين يخدمه بإذن السلطان، ويلاحظ مايلي:
    أ- سرور شيخ الإسلام العظيم بذلك، وقال: أنا كنت منتظرا ذلك، وهذا فيه خير عظيم.
    ب- مع أن الأمر السلطاني جاء بحبس شيخ الإسلام فقط، إلا أن نائب السلطنة وقاضى القضاة أصدروا أمرهم بحبس جماعة من أصحاب الشيخ والتضييق عليهم، بل عزر جماعة منهم على دواب ونودي عليهم، ثم أطلقوا سوى ابن القيم الذي بقى في حبس القلعة (٤) (٤) ، فما الداعى لذلك وقد حبس شيخ الإسلام.
    ....
    ( ص 193 )
    أخذ ابن تيمية يؤلف ويكتب وتنتشر رسائله ومنها رده على الاخنائي المسماة " الاخنائية ". ولذلك صدر أمر السلطان قبل وفاة شيخ الاسلام بأشهر باخراج ما عنده من الكتب، فكان ذلك من أعظم المصائب عليه وصار يكتب رسائله بالفحم (١) .
    د- أما علامة الاستفهام هنا فهي: لماذا تغير السلطان الناصر على ابن تيمية بعد تلك العلاقات الكبيرة بينهما في مصر؟ ومن خلال تتبع الأحداث تتبين أمور لعلها تفي بالجواب:
    ا- الكذب والتحريف على الشيخ وعلى فتواه، حتى حملت عباراته ما لم تحتمل، يقول ابن عبد الهادى بعد ذكره لنص فتوى شيخ الإسلام: " ولما ظفروا في دمشق بهذا الجواب كتبوه، وبعثوا به إلى الديار المصرية، وكتب عليه قاضى الشافعية: " قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية فصح- إلى أن قال- وإنما الخزى (٢) جعله زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبور الأنبياء صلوات الله عليهم معصية بالاجماع متطوعا بها " يقول ابن عبد الهادى: هذا كلامه فانظر إلى هذا التحريف على شيخ الاسلام والجواب ليس فيه المنع من زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما ذكر فيه قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور.." (٣)
    ٢- دور القضاة والمفتين في مصر والشام، الذين بادروا بأن كتبوا وشنعوا على ابن تيمية تشنيعا شديدا حتى كتب السلطان بحبسه وكذلك قد يكون للرافضة أو الصوفية دور في ذلك.
    ٣- بعد السلطان عن ابن تيمية، ولو كان عنده لعرف حقيقة الأمر ولسمع من رأيه وأدلته مباشرة، ولكنه وهو في مصر إنما يسمع ما يقوله من حوله

    ....
    ( ص 194)
    أن ابن تيمية لما مرض- مرض الوفاة- دخل عليه شمس الدين الوزير بدمشق فاعتذر له واقس منه أن يحلله فأجابه الشيخ: " إني قد أحللتك وجميع من عاداني وهو لا يعلم أني على الحق، وقال ما معناه: إني قد أحللت السلطان المعظم الملك الناصر من حب! سه إياي، كونه فعل ذلك مقلدا غيره، معذور، أو لم يفعله بحظ نفسه بل لما بلغه، مما ظنه حقا من مبلغه واللة يعلم أنه بخلافه " (١) .
    ٤- انتصر لشيخ الإسلام علماء بغداد وكتبوا بما يوافق قوله في مسألة شد الرحال وسجلوا ذلك بخطوطهم- نقل بعضها ابن عبد الهادي (٢) - بل وكتب علماء بغداد للملك الناصر- مع نفس الأجوبة- كتابا يثنون فيه على ابن تيمية ويستنكرون ما جرى له وكان مما قالوه في خطابهم هذا " أحمد ابن تيمية درة يتيمة يتنافس فيها، تشترى ولا تباع، ليس في خزائن الملوك درة تماثلها وتؤاخيها ... وليس يقع من مثله أمر ينقم منه عليه إلا أن يكون أمرا قد لبس عليه، ونسب إلى ما لا ينسب مثله إليه " (٣) كما كتب إلى السلطان كتاب آخر، ويعلق صاحب الكواكب الدرية بقوله: " قلت والظاهر أن هذه الكتب لم تصل للسلطان الملك الناصر، إما لعدم من يوصلها أو لموت الشيخ قبل وصولها، وإلا لظهر لها نتيجة " (٤)
    .....
    ( ص 198)
    مدرسة ابن تيمية
    تسير على وفق منهج السلف أهل السنة والجماعة، ومن ثم فهى لا تنتنسب إلى شخص أو طائفة، بل تحصر انتسابها في متابعة الكتاب والسنة والسير على طريق الرسول - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح، فليس لابن تيمية ولا لمن بعده إلا فضيلة تجديد ما اندرس أو نسى منها، وبذل الجهد في الدفاع عنها والدعوة إليها.
    وشيخ الإسلام ابن تيمية كثرت في عصره الطوائف والفرق وصار لكل طائفة شيوخ وأتباع، ومنهج وكتب يتداولونها، فعظمت مصيبة الأمة الإسلامية بهذه الفرقة، خاصة وأن كل طائفة تدعي أنها على الحق، وكان من أعظم ما دخل على المسلمين- وخفي على كثير منهم- اختلاط الحق بالباطل، وامتزاج العقيدة السلفية بعلم الكلام والفلسفة، حتى وصل الأمر إلى أن قعدت قواعد وأصلت أصول كلامية ونسبت إلى مذهب أهل السنة والجماعة، فكان دور شيخ الإسلام دور المميز لمذهب ومنهج السلف، والمصفى له عن تلك الشوائب، مضيفا إلى ذلك نقد تلك الأصول الكلامية ونقض أسسها التي قامت عليها، فظهر- منهج السلف- واضحا بينا لمن أراده، وتبين أن غيره ما هى إلا أصول كلامية وقواعد فلسفية جاء بها أصحابها واستقوها بعيدا عن المنابع الصافية من الكتاب والسنة.

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع /


    ( ص 203 )
    كتب ابن تيمية في الرد على الاشاعرة
    ونحن هنا نقصر الكلام على بعض مؤلفاته التي أفردها في العقيدة وفيها ردود على الأشاعرة:
    [١- العقيدة الحموية]
    وهي جواب لسؤال ورد من حماه، وموضوع السؤال آيات الصفات كالاستواء وأحاديث الصفات كالأصابع والقدم، فأجاب شيخ الإسلام بهذه الرسالة التى حميت: الفتوى الحموية الكبرى، وقد يكون هناك فتوى حموية صغرى قبلها، وكان قد كتبها في قعدة بين الظهر والعصر.
    والحموية خالصة في الرد على الأشاعرة، وقد جاءت بأسلوب تقريري قوي، فهي على اختصارها- بالنسبة للكتب الأخرى- مليئة بالقواعد الأصولية
    ...
    ( ص 204)
    نقض أساس التقديس]
    ويسمى أحيانا: كتاب تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ويسمى نقض تأسيس الجهمية، والذين تحدثوا عنه قديما ذكروا أنه في ست مجلدات، وأنه أكبر من درء تعارض العقل والنقل (٢) .
    والكتاب من أهم كتب ابن تيمية لأنه جعله خاصا بالرد على كتاب من أعظم كتب الأشاعرة، وقد عول عليه من جاء بعده، وهو كتاب " أساس التقديس للرازي " والمطلع على كتاب الرازى هذا يرى خطورة هذا الكتاب لأنه حشد فيه خلاصة أدلة الأشاعرة وشبههم بأسلوب عقلى قوى، خاصة وأنه أفرده
    في مسائل الصفات فقط. يقول ابن تيمية مبينا ظروف تأليفه لهذا الكتاب وأسبابه: (اأما بعد فإني كنت سئلت من مدة طويلة بعيدة سنة تسعين وستمائة عن الآيات والأحاديث الواردة في صفات الله في فتيا قدمت من حماه، فأحلت السائل على غيري، فذكر أنهم يريدون الجواب مني زائد، فكتبت الجواب في قعدة بين الظهر والعصر وذكرت فيه مذهب السلف والأئمة المبني على الكتاب والسنة، المطابق لفطرة اللة التي فطر الناس عليها ... وحصل بعد ذلك من الأهواء والظنون ما اقتضى أن اعترض قوم على خفي هذه الفتيا بشبهات مقرونة بشهوات، وأوصل الى بعض الناس مصنفا لأفضل القضاة المعارضين، وفيه أنواع من الأسئلة والمعارضات، فكتبت جواب ذلك وبسطته في مجلدات، ثم رأيت أن هؤلاء المعترضين ليسوا مستقلين بهذا الأمر استقلال شيوخ الفلاسفة والمتكلمين، فالاكتفاء بجوابهم لا يحصل ما فيه المقصود للطالبين ... واستشعر المعارضون لنا أنهم عاجزون عن المناظرة التي تكون بين أهل العلم والايمان، فعدلوا إلى طريق أهل الجهل والظلم والبهتان، وقابلوا أهل السنة بما قدروا عليه من البغي باليد عندهم واللسان، نظير ما فعلوه قديما من الامتحان، وإنما يعتمدون على ما يجدونه في كتب المتجهمة المتكلمين، وأجل ما يعتمدون كلامه هو أبو عبد اللة الرازي إمام هؤلاء المستأخرين، فاقتضى ذلك أن أتم الجواب عن الاعتراضات المصرية الواردة على الفتيا الحموية بالكلام على ما ذكره أبو عبد الله الرازى في كتابه الملقب بتأسيس التقديس، لتبيين الفرق بين البيان والتلبيس، ويحصل بذلك تخليص التلبيس، ويعرف فصل الخطاب فيما في هذا الباب من أصول الكلام، التى كثر بسيها بين الأمة النزاع والخصام " (١) ثم تحدث عن منزلة الرازي عند المتكلمين.
    وهذا الكتاب- للأسف الشديد- لم يصل إلينا كاملا وإنما وصل بعضه، وقد طبع جزء من هذا الذي وصل (٢) ، وبعضه لا زال مخطوطا (٣) ،
    .....
    ( 206)
    درء تعارض العقل والنقل]
    وهذا الكتاب من أعظم كتب ابن تيمية، وقد ألفه في الرد على الأشاعرة الذين يقولون بوجوب تقديم العقل على النقل إذا تعارضا، وجعلوا ذلك قانونا كليا لهم، ومن الذين قالوا بهذا القانون الرازي (٢) وأتباعه، والغزالي (٣) ، والجويني (٤) ، والقاضي أبو بكر بن العربى (٥) ، وغيرهم.
    وقد ألف ابن تيمية هذا الكتاب بعد تأليفه لنقض أساس التقديس، وقد رجح المحقق-رحمه الله- أنه ألفه بعد وصوله إلى الشام من مصر أي بين عامي ٧١٢- ٧١٨ هـ (٦) ، ويقول ابن تيمية مشيرا إلى ذلك " وهذه الطريقة هي ثابتة في الأدلة الشرعية والعقلية، فإنا قد بينا في الرد على أصول الجهمية النفاة للصفات في الكلام على تأسيس التقديس وغيره " (٧) ، فهذا النص أخر تأليف هذا الكتاب عن كتابه الآخر الذي ألفه في مصر نقض أساس التقديس، ونلمح هنا التدرج التأليفي في نقض أصول الأشاعرة، فهو في البداية رد على أدلتهم مباشرة وأجاب عن الاعتراضات الواردة عليها، ثم رأى أن هؤلاء إنما يعتمدون في شبههم واعتراضاتهم على ما كتبه شيخهم ومقدمهم الرازي فرأى أن من تمام الكلام في نقض كلامهم نقض كلام شيوخهم- كالرازي- فألف نقض أساس التقديس
    ....
    ( ص 207)
    القاعدة المراكشية]
    وهي أيضا في الرد على الأشاعرة في مسألة " العلو " والاستواء على العرش، وقد ألفها في السنة الأخيرة من سنوات مقامه في مصر ٧١٢ هـ، وسبب تأليفها حدوث نزاع بين بعض المغاربة المالكيين حول مسألة العلو، واختلافهم حول معنى ما جرى للإمام مالك مع السائل له عن الاستواء حين قال له " وما أراك إلا رجل سوء "، وهل معنى ذلك أنه لا يجب معرفة هذا الأمر بل من تكلم فيه فهو مبتدع مجسم؟، وقد ورد سؤال في ذلك وجه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية فأجاب بهذه القاعدة العظيمة التي سيبت ب " القاعدة المراكشية " (١) ، وقد ذكر فيها أصولا مهمة تتعلق بإكمال الدين، وفهم النصوص، ثم تكلم عن العلو وثبوته والرد على شبه الخالفين، ثم رد على " الواقفة " (٢) - الذين أوحى بهم ظاهر السؤال واحتجوا بقول الإمام مالك- وبين خطأهم من وجوه، وبين أن قول الإمام مالك صريح في الإثبات وأنه لم يكن من الواقفة بحال، ثم نقل أقوال العلماء في ذلك من المغاربة وغيرهم
    ....
    ( ص 208)
    لرسالة التدمرية]
    وهي من الرسائل- ذات القواعد العظيمة- في إثبات الصفات والشرع والقدر، والرد على الخالفين من الأشاعرة وغيرهم، وهي رسالة مشهورة لكن لم يتبين تاريخ كتابة هذه الرسالة، وإن كان فيها ما يدل على أن السائلين كانوا من تدمر وقد وصفهم ابن تيمية بقوله: " أما بعد فقد سألني من تعينت إجابتهم أن اكتب لهم مضمون ماسمعوه مني في بعض المجالس " (١) فالظاهر من حالهم أنهم من تلاميذه، أو ممن قدموا إليه وتتلمذوا عليه زمنا وحضروا مجالسه، ويرد ذكر مجموعة من المشايخ التدامرة- في مصر- ولهم محاولات للوساطة بين شيخ الإسلام ومناوئيه (٢)
    [٧- شرح الأصفهانية]
    والأصفهانية متن في العقيدة مختصر لشمس الدين الأصبهاني، محمد ابن محمود بن عباد (٣) ، قدم القاهرة وتولى القضاء ثم استقر بها، وقد ورد في مقدمة شرح ابن تيمية تاريخ ومكان كتابتها، ففيها: " سئل شيخ الاسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه.... وهو مقيم بالديار المصرية في شهور سنة اثنتي عشرة وسبعمائة أن يشرح العقيدة، التي ألفها الشيخ ثهس الدين محمد بن الأصفهاني، الإمام المتكلم المشهور الذمم! قيل: إنه لم يدخل
    ......
    ( ص 210)
    إلى الديار المصرية أحد من رؤوس علماء الكلام مثله، وأن يبين ما فيها " (١) . فأجاب إلى ذلك واعتذر بأنه لابد عند شرح ذلك الكلام من مخالفة بعض مقاصده لما توجبه قواعد الإسلام فإن الحق أحق أن يتبع والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين " (٢) .
    وتد شرح ابن تيمية هذه العقيدة، ورد الأصول الكلامية فيها، وبين
    ما فيها من انحراف عن منهج أهل الحق، وقد ذكر شيخ الإسلام أن المصنف سلك في الصفات مسلك الرازي (٣) .
    وقد اشتمل الشرح على مباحث العقيدة كلها ومنها الصفات والإيمان، والمعاد، واليوم الآخر والقدر والنبوات وغيرها.
    [٨- المناظرة حول الواسطية]
    وهي تسجيل لما جرى حول " الواسطية " من مجالس ناقشه فيها الأشاعرة وجوابه لهم، وقد سجلها ابن تيمية بنفسمه وذكر ما ورد فيها من اعتراضات ومناقشات حول التحريف والتأويل، ومسألة الحرف والصوت، والإيمان وأت قول وعمل، والاستواء، والأشعري ومذهبه في الصفات الخبرية.
    [٩- الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز في الصفات]
    وقد لخص فيها ابن تيمية مناظرة جرت له مع بعض الأشاعرة حول: وصف
    اللة بالعلو على العرش، ومسألة القرآن، ومسألة تأويل الصفات، وتكلم على مقولة: هل الظاهر مراد أو غير مراد، وبين أنه لا يجوز صرف النصوص عن ظاهرها اللائق بجلال الله تعالى، وقد كتبها الزاهد شمس الدين من أهل المدينة (٤) .
    ....
    ( ص 210)
    لتسعينية]
    وهي في الرد عك الأشاعرة في مسألة " الكلام النفسي " رد فيها عليهم من أوجه عديدة، وهذه الرسالة كتبها في مصر في محنته الأولى سنة ٧٠٦ هـ (١) ، وذلك حينما ناقشه علماء الأشاعرة في مسائل العلو والكلام، وجرى في ذلك فصول سطرها ابن تيمية في مقدمته للتسعينية، وقال: " وقد كتبت هنا بعض ما يتعلق بهذه المحنة التي طلبوها مني في هذا اليوم، وبينت بعض ما فيها من تبديل الدين واتباع غير سبيل المؤمنين لما في ذلك من المنفعة للمسلمين وذلك من وجوه محميرة نكتب منها ما يسره الله تعالى " (٢) ، وهذه الرسالة من رسائل ابن تيمية الفريدة التي ذكر فيها أمورا مهمة ومسائل قد لا توجد في كتبه الأخرى.
    [١١- النبوات]
    وهو في الرد على الأشاعرة- ومنهم الباقلاني (٣) - في مسألة معجزات الأنبياء والفرق بينها وبين الكرامات والخوارق الشيطانية، وهو مطبوع لكن فيه نقص ولعل الله أن ييسر مخطوطات هذا الكتاب ليحقق ويخرج بشكل جيد.
    [١٢- الإيمان]
    وفيه الرد على المرجئة، ومنهم الأشاعرة، ونقل أقوالهم في الإيمان وأدلتهم ثم ناقشها (٤) . وهو مطبوع.
    [١٣-
    ....
    هذه المصنفات الرئيسية والمهمة في الرد على الأشاعرة وهناك كتبا تضمنت ردودا على الاشاعرة

  11. #31
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع /


    ( ص 286)
    وكثيرا ما يركز على منشأ البدع واختلاط الحق بالباطل فيها" فإن البدعة لو كان باطلا محضا لظهرت وبانت، وما قبلت، ولو كانت حقا محضا لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة، فإن السنة لا تناقض حقا محضا لا باطل فيه، ولكن البدعة تشتمل على حق وباطل" (٢) ، وبعد ما يبين شيخ الإسلام لبس الحق بالباطل وكيف يكون (٣) يقول:" والبدع التي يعارض بها الكتاب والسنة التي يسميها أهلها كلاميات وعقليات وفلسفيات، أو ذوقيات ووجديات، وحقائق وغير ذلك، لا بد أن تشتمل (٤) على لبس حق بباطل وكتمان، وهذا أمر موجود يعرفه من تأمله، فلا تجد قط مبتدعا إلا وهو يحب كتمان النصوص التي تخالفه، ويبغضها، ويبغض إظهارها وروايتها والتحدث بها، ويبغض من يفعل ذلك"
    ...
    ( ص 289)
    وكثيرا ما يقرن شيخ الإسلام بين الأحداث التاريخية والبدع التي صاحبتها، والشواهد على ذلك من كتابات شيخ الإسلام كثيرة، ففي إحدى رسائله يتحدث بشكل موسع عن ظهور البدع، وتاريخها، فيذكر أنه في آخر خلافة علي - رضي الله عنه - ظهرت بدعة الخوارج والرافضة لأنها متعلقة بالإمامة والخلافة، ثم حدثت فتنة أهل الحرة، وقصة ابن الزبير بمكة، وظهور المختار بن أبي عبيد بالعراق، وذلك في أواخر عهد الصحابة فحدثت بدعة القدرية والمرجئة، وتكلموا في مسائل القدر ومسائل الإيمان والوعد والوعيد، أما نفي الصفات فلم يحدث
    ....
    ( ص 290)
    لا في أواخر عصر صغار التابعين، وذلك في أواخر عهد الدولة الأموية، وبداية الدولة العباسية، وكيف أنه لما تولى الأعاجم، وعربت الكتب العجمية من كتب الفرس والهند والروم، حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتصوف. وحدث التجهم ونفي الصفات، وبإزائه التمثيل، وكان جمهور الرأي في الكوفة، وجمهور الكلام والتصوف في البصرة، ويذكر أول دويرة بنيت للصوفية في البصرة. وهكذا - بهذا الأسلوب - يستمر في عرض أحوال البلاد الإسلامية وانتشار البدع فيها (١) . والمعرفة التاريخية أوصلت شيخ الإسلام إلى استنتاجات وتحليلات مهمة، فمثلا: أحاديث السفر لزيارة القبور والمشاهد أول من أحدثها أهل البدع من الروافض (٢) ، ونسبة رسائل إخوان الصفا إلى جعفر الصادق ليست صحيحة، ويرى أنها صنفت بعد المئة الثالثة (٣) ، وأحيانا ينقد متون بعض الروايات التاريخية من خلال الاستقراء والمعرفة بالتاريخ

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع / موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة


    ( ص 291 )
    ولما عرض لمسألة: أفعال العباد، وهل هي قديمة قال:" ولم يقل قط أحد لا من أصحاب أحمد المعروفين، ولا من غيرهم من العلماء المعروفين: إن أفعال العباد قديمة، وإنما رأيت هذا [قولا] لبعض المتأخرين بأرض العجم وأرض مصر من المنتسبين إلى مذهب الشافعي وأحمد فرأيت بعض المصريين يقولون: إن أفعال العباد من خير وشر قديمة، ويقولون: ليس مرادنا بالأفعال نفس الحركات ولكن الثواب الذي يكون عليها" (٢) . وكثيرا ما يمحص الأقوال التي تنسب إلى الخوارج (٣) ، أو بعض طوائف النصارى (٤) ، بل قال عن الزبور:" وقد رأيت أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - باسمه ورأيت نسخة أخرى "من الزبور" (٥) ، فلم أر ذلك فيها، وحينئذ فلا يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ليس في أخرى" (٦) . ومن علمه بحال الخصوم معرفته بالبلدان التي يكثر فيها الكفر والشرك والأحوال الشيطانية والتي يقل فيها ذلك
    شار في الوصية الكبرى إلى جوامع من أصول أهل الباطل فقال:" وأنا أذكر جوامع من أصول الباطل التي ابتدعها طوائف ممن ينتسب إلى السنة وقد مرق منها وصار من أكابر الظالمين، وهي فصول: الفصل الأول: أحاديث رووها في الصفات زائدة على الأحاديث التي في دواوين الإسلام مما نعلم باليقين القاطع أنها كذب وبهتان، بل كفر شنيع ... فصل: وكذلك الغلو في بعض المشايخ ... فصل: وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله ... " (١) ، ويقول عن أهل البدع: إنهم على عكس منهج الرسل، فالرسل" يأمرون بالغايات المطلوبة من الإيمان بالله ورسوله وتقواه، ويذكرون من طرق ذلك وأسبابه ما هو أقوى وأنفع، وأما أهل البدع المخالفون لهم فبالعكس يأمرون بالبدايات والأوائل، ويذكرون من ذلك ما أضعف وأضر، فمتبع الأنبياء لا يضل ولا يشقى، ومتبع هؤلاء ضال شقي ... " (٢) . ومن منهج أهل الباطل أنهم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، وهؤلاء أصناف (٣) .
    ويذكر شيخ الإسلام أن من منهج أهل الباطل التلبيس على أتباعهم والتدرج بهم، حيث يبدأون بالألفاظ المتشابهة ثم يؤلفون أقوالهم ويعظمونها في النفوس ويهولونها، حتى يستجيب لهم من يدعونه ولو لم يكن مقتنعا بأقوالهم، ويشبه هذا ما تفعله القرامطة من التدرج في دعوتهم، يقول شيخ الإسلام:" ولكن هؤلاء عمدوا إلى ألفاظ مجملة مشتبهة تحتمل في لغات الأمم معاني متعددة، وصاروا يدخلون فيها من المعاني ما ليس هو المفهوم منها في لغات الأمم، ثم ركبوها، وألفوها تأليفا طويلا بنوا بعضه على بعض، وعظموا قولهم وهولوه في نفوس من لم يفهمه
    .......
    ( ص 205)
    يقول شيخ الإسلام:" ولابد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة الألفاظ على المعاني، فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون أنه دال عليه، ولا يكون الأمر كذلك
    ....
    ( ص 304 )
    رده على ابن سينا والفلاسفة الملاحدة
    لما تكلم ابن سينا في أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة ووصفهم بأنهم أهل الوبر، وأنهم لا يستطيعون فهم المعاني الغامضة التي تحتاج من هو أفضل منهم من المبرزين المتفلسفة إلى مزيد إيضاح وشرح لفهمها؛ هجم عليه شيخ الإسلام هجوما شديدا لأن هذا استخفاف بأفضل الخلق بعد الرسل وهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:" فإذا قدرت بعض الناقصين من ذلك القرن، فقابله بإخوانك القرامطة الباطنية وعوام الفلاسفة الدهرية، وأمثالهم من عوام النصيرية والإسماعلية وأمثالهم فإنك تجد بين أدنى أولئك وخيار هؤلاء في الذهن والعلم من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق، أليس أصحابك هم المستجيبين لدعوة بني عبيد، الذين راج عليهم مكرهم وكيدهم في الدنيا والدين، حتى اعتقدوا فيمن هو أكفر الناي وأكذبهم أنه أمام معصوم، يعلم علم الأولين والآخرين، بل عوام النصارى مع فرط جهلهم وضلالهم أحذق وأذكى من عوام أصحابك المستجيبين لمثل هؤلاء المنقادين لهم، وهل وجد في العالم أمة أجهل وأضل وأبعد عن العقل والعلم من أمة يكون رؤوسها فلاسفة؟ أو لم تكن أئمتكم اليونان - كأرسطو وأمثاله - مشركين يعبدون الأوثان، ويشركون بالرحمن، الذي غايته أن يعبد الإنسان شيطانا من الشياطين ويصوم له ويصلي....وأما أئمتكم البارعون - كأرسطو وذويه - فغايته أن يكون مشركا سحارا وزيرا لملك مشرك سحار ... " (٢) ، ثم يقول شيخ الإسلام:" وهذا الكلام وأمثاله
    إنما قيل للمقابلة لما في كلام هؤلاء من الاستخفاف بأتباع الأنبياء، وأما أئمة العرب وغيرهم من أتباع الأنبياء - عليهم الصلاة -، كفضلاء الصحابة مثل: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عباس، ومن لا يحصى عدده إلا الله تعالى، فهل سمع في الأولين والآخرين بعد الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بقوم كانوا أتم عقولا، وأكمل أذهانا، وأصح معرفة، وأحسن علما من هؤلاء؟ " (١) ، ثم يقول:" ثم يقال لهذا الأحمق ... " (٢) . وفي مناسبة أخرى يقول عن مذهبه:" وكل ذلك فضيحة من الفضائح" (٣) . ويقول في معرض مناقشته لابن رشد وأقواله:" قلت: ليتأمل اللبيب كلام هؤلاء الذين يدعون من الحذق والتحقيق ما يدفعون به ما جاءت به الرسل، كيف يتكلمون في غاية حكمتهم ونهاية فلسفتهم بما يشبه كلام المجانين ...
    .....
    ( ص 206 )
    وفي معرض رده على الطوسي الذي رد على ابن سينا
    وفي رده على الطوسي الذي رد على ابن سينا وما رضي برجوعه إلى إثبات الصفات:" قلت: فليتدبر العاقل - الذي هداه الله تعالى وفهمه ما جاءت به الرسل، وما قاله غيرهم - كلام هذا الذي هو رئيس طائفته في وقته، وما قرر به كلام سلفه الملحدين في علم الله تعالى، لما كان ابن سينا - وهو أفضل متأخريهم - قد قال في ذلك بعض الحق الذي يقتضيه العقل الصريح مع موافقته للنقل الصحيح، فأراد هذا الطوسي أن يرد ما قاله ابن سينا من الحق انتصارا لطائفته الملاحدة، فقال في الكلام الذي عظم قدره وتبجح به ما يظهر لمن فهمه أنه من أفسد أقوال الآدمين وأشبه الأشياء، بأقوال المجانين، ولا ريب أن هذه عقول كادها باريها، لما ألحدت في صفات الله تعالى، وأرادت نصر التعطيل وقعت في هذا الجهل الطويل ..
    ......
    ( ص 206)
    تقرير شيخ الإسلام حول مسألة الإنصاف
    ومعلوم أن الحكم بين الناس في عقائدهم وأقوالهم أعظم من الحكم بينهم في مبايعهم وأموالهم " (١) . ثم هو يقسم الطوائف إلى طبقات فالفلاسفة والصوفية وأتباع الفلاسفة، هم أبعد عن الحق من المعتزلة، والمعتزلة أقرب منهم، ومتكلمة أهل الإثبات من الكلابية والكرامية والأشعرية والسالمية أقرب من المعتزلة، والسلف وأهل الحديث أقرب الطوائف إلى الحق
    .....

  13. #33
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع / فوائد ومقتطفات علمية من كتاب " موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة "


    ( ص 309 )
    ننتقل الآن إلى ذكر نماذج من إنصافه لخصومه، والفلاسفة هم أشد خصوم ابن تيمية ومع ذلك يقول فيهم "نعم، لهم في " الطبيعيات" كلام غالبه جيد، وهو كلام كثير واسع، ولهم عقول عرفوا بها ذلك، وهم يقصدون الحق لا يظهر عليهم العناد، لكن جهال بالعلم الالهي إلى الغاية، ليس عندهم منه إلا قليل كثير الخطأ
    ......
    ويعترف للمعتزلة ويميزهم عن غيرهم من أهل البدع فيقول: " ولا ريب أن المعتزلة خير من الرافضة والخوارج، فإن المعتزلة تقر بخلافة الخلفاء الأربعة ... ويعظمون الذنوب، فهم يتحرون الصدق كالخوارج، لا يختلقون الكذب كالرافضة ولا يرون أيضا اتخاذ دار الاسلام كالخوارج، ولهم كتب في التفسير القرآن ونصر الرسول، ولهم محاسن كثيرة يترجحون على الخوارج والروافض ... ) (٣) ، ويرى أنه لم يكن أصل دينهم تكذيب الرسول لكنهم احتجوا بحجج عقلية أدت الى هذا (٤) .
    أما الشيعة فيرى أنه "ليس كل ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلا بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعض، والصواب مع من وافقهم، ولكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها " (٥) ، ولما ذكر تفضيل الخوارج والمعتزلة عليهم ذكر " أن الزيدية من الشيعة خير منهم [أي من الرافضة] ، وأقرب إلى الصدق والعدل والعلم)
    ....
    ( ص 310)
    إذا انتقلنا إلى إنصافه للأفراد، فابن سينا الذى رد عليه كثيرا وذكر عبارات قاسية في الرد عليه يقول عنه: إنه أفضل متأخرى الفلاسفة (٣) ، ولما نقل من كلامه في الإشارات والتنبيهات حول مقامات العارفين، ذكر أن فيه حقا وباطلا، وأن ما فيه من حق يقبل، ولما نقل كلامه قال: إنه كلام صحيح (٤) . ولما خالف ابن سينا بقية الفلاسفة في مسألة علم الله مدحه شيخ الإسلام وقال:
    " وكون ابن سينا خالفهم في هذا هو من محاسنه وفضائله، التي علم فيها ببعض الحق، والحجة معه عليهم، كما أن أبا البركات كان أكثر إحسانا منه في هذا الباب فكل من أعطى الأدلة حقها، وعرف من الحق ما لم يعرفه غيره كان ذلك مما يفضل ويمدح " (٥) ويذكر أن "الصواب في هذا الباب أن يقرر ما ذكره ابن سينا من الطريق الدال على كونه عالما بالمخلوقات فإنها طريق صحيحة ... " (٦) . ويمدح أبا البركات البغدادي (٧) صاحب المعتبر ونحوه ويرى أنهم " كانوا بسبب عدم تقليدهم لأولئك [أى الفلاسفة] ، وسلوكهم طريقة النظر العقلي
    ...
    ( ص 312)
    وابن عربى- الصوفي- يرى أنه أقرب الاتحادية إلى الاسلام " لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيرا، ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره، بل هو كثير الاضطراب فيه، وإنما هو قائم مع خياله الواسع الذى يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى، والله أعلم بما مات عليه " (٣) ، ويرى أنه أقرب إلى الإسلام لأنه " يفرق بين الظاهر والمظاهر، فيقر الأمر والنهي والشرائع على ما هي عليه" (٤) ومع ذلك فقد رد عليه وبين ما في كلامه وأقواله من الكفر.
    والطوسى لما بين مخازيه، وتآمره مع هولاكو ضد أهل الإسلام قال:"ومع هذا فقد قيل: إنه كان آخر عمره يحافظ على الصلوات ويشتغل بتفسير البغوي والفقه ونحو ذلك، فإن كان قد تاب من الإلحاد فالله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات والله تعالى يقول: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر: ٥٣] " (٥) .
    هذه نماذج لمواقفه من خصومه وإنصافه لهم، وهنا يرد السؤال الذى يطرحه بعض من يترجم لابن تيمية وهو: كيف يوجه شدة ابن تيمية على " خصومه في مواضع، ثم رفقه بهم في مواضع أخرى؟.
    .....
    وابن عربى- الصوفي- يرى أنه أقرب الاتحادية إلى الاسلام " لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيرا، ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره، بل هو كثير الاضطراب فيه، وإنما هو قائم مع خياله الواسع الذى يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى، والله أعلم بما مات عليه " (٣) ، ويرى أنه أقرب إلى الإسلام لأنه " يفرق بين الظاهر والمظاهر، فيقر الأمر والنهي والشرائع على ما هي عليه" (٤) ومع ذلك فقد رد عليه وبين ما في كلامه وأقواله من الكفر.
    والطوسى لما بين مخازيه، وتآمره مع هولاكو ضد أهل الإسلام قال:"ومع هذا فقد قيل: إنه كان آخر عمره يحافظ على الصلوات ويشتغل بتفسير البغوي والفقه ونحو ذلك، فإن كان قد تاب من الإلحاد فالله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات والله تعالى يقول: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر: ٥٣] " (٥) .
    هذه نماذج لمواقفه من خصومه وإنصافه لهم، وهنا يرد السؤال الذى يطرحه بعض من يترجم لابن تيمية وهو: كيف يوجه شدة ابن تيمية على " خصومه في مواضع، ثم رفقه بهم في مواضع أخرى؟.
    .....
    ( ص 315)
    ويرى أن بعض المسائل الفرعية التى وقع فيها الخلاف لا ينبغي مفاتحة عوام المسلمين فيها وامتحانهم حولها، ومن ذلك مسألة رؤية الكفار لله، فهو يقول في رسالته إلى أهل البحرين حول هذه المسألة وغيرها " وهنا آداب تجب مراعاتها ... ومنها،: " وكذلك لا يفاتحوا فيها عوام المسلمين، الذين هم في عافية وسلام من الفتن، ولكن إذا سئل الرجل عنها، أو رأى من هو أهل لتعريفه ذلك ألقى إليه مما عنده من العلم ما يرجو النفع به، بخلاف الايمان بأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة، فإن الإيمان بذلك فرض واجب، لما قد تواتر فيها عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وسلف الأمة
    ...( ص 314 )
    ولذلك لما ذكر مناظرة الإمام أحمد للجهمية حين سألوا عن كلام الله أهو الله أو غير الله، فقال لهم أحمد: ما تقولون في علم الله، أهو الله أو غيره فعارضه أحمد بالعلم فسكت مناظرة- قال ابن تيمية- معلقا: " وهذا من حسن معرفة أبي عبد الله بالمناظرة-رحمه الله- فإن المبتدع الذي بنى مذهبه على أصل فاسد، فينبغي إذا كان المناظر مدعيا أن الحق معه، أن يبدأ بهدم ما عنده، فإذا انكسر وطلب الحق فأعطه إياه، والا فما دام معتقدا نقيض الحق لم يدخل الحق إلى قلبه، كاللوح الذي كتب فيه كلام باطل، امحه أولا، ثم اكتب فيه الحق، وهؤلاء كان قصدهم الاحتجاج لبدعتهم فذكر لهم الإمام أحمد -رحمه الله- من المعارضة ما يبطلها " (٢) . وهذا يدل على براعة علماء السلف - رحمهم الله تعالى
    ....
    ( ص 315 )
    و ومن قواعد شيخ الإسلام مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك فيما إذا ولد الأمر بالمعروف ترك معروف اكبر، أو ولد النهي عن المنكر منكرا اكبر، وبني ذلك على مسألة المصالح والمفاسد اذا تعارضت، أو تزاحمت الحسنات والسيئات، "فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد؛ فإن الأمر والنهي- وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة- فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد: اكثر، لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الانسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الأحكام.
    وعلى هذا: إذا كان الشخص والطائفة جامعين بين معروف ومنكر، بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعا، أو يتركوهما جميعا، لم يجز أن يؤمروا بمعروف، ولا ينهوا عن منكر، بل ينظر: فإن كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وزوال فعل الحسنات.
    وإن كان المنكر أغلب نهى عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه: أمرا بمنكر وسعيا في معصية الله ورسوله.
    وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان: لم يأمر بهما، ولم ينه عنهما.
    فتارة يصلح الأمر، وتارة لا يصلح لا أمر ولانهى، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة، وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا، وينهى عن المنكر مطلقا" ، ويمثل لذلك في مكان آخر فيقول: " ولهذا لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه، ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمر بالسيف، لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن ما يحصل بذلك من فعل المحرمات وترك واجب، أعظم مما يحصل بفعلهم المنكر والذنوب، وإذا كان قوم على بدعة أو فجور، ولو نهوا عن ذلك وقع بسبب ذلك شر عظيم مما هم عليه من ذلك- ولم يمكن منعهم منه، ولم يحصل بالنهي مصلحة راجحة،-لم ينهوا عنه" .
    وهذه مسألة مهمة، ينبغي دراستها بعمق، ودراسة أصولها الشرعية لئلا يؤدي الأمر إلى نوع من الافراط أو التفريط في هذه المسألة التي اعتبرها بعض العلماء من أصول الدين

  14. #34
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    ( 330 ص )
    يتطرق المؤلف في الفصل الثالث
    " عصر الأشاعرة "
    ثم ذكر الفئة والطائفة السائدة في عصر الخلافة "
    قال[H1] :
    كما كان للحنابلة أحيانا نفوذ في بغداد، وكانت تقع بينهم وبين غيرهم بعض الفتن (٢) ، وفي سنة ٣٢٣ هـ كان لهم نفوذ عظيم في عهد عالمهم البربهاري- أبو محمد الحسن بن على بن خلف الذي توفي سنة ٣٢٨ هـ (٣) - ثم خرج توقيع الخليفة الراضى ضدهم بتهمة التشبيه حتى اختفى واستتر شيخهم وتوفى وهو مستتر (٤) .
    هذا عصر الأشعري الذي عاش فيه، وهو يدل على قوة أهل السنة بأعلامهم الكبار، الذي كان لهم نفوذ كبير وصل إلى أن يصدر الأمر من المعتضد إلى الوراقين ببغداد- سنة ٢٧٩ هـ- أن يحلفوا أن لا يبيعوا كتب الكلام والفلسفة، وأن لا يمكن أحد من القصاص والطرقية والمنجمين ومن أشبههم من الجلوس في المساجد ولا في الطرقات
    ........
    ( ص 350 )
    والكلام حول كتاب " الإبانة " لأبي الحسن الأشعري
    إذا كان ابن فورك قد توفي سنة ٤٠٦ هـ فإن تلميذه الذى يروى عن شيخه ابن فورك في أسانيدهـ الإمام الحافظ أبا بكر البيهقي المولود سنة ٣٨٤ هـ- أثبت نسبة الإبانة للأشعرى ونقل عنه في بعض - والبيهقي- المحدث الفقيهـ أجل من ابن فورك الذي غلب عليه علم الكلام
    ولابن تيمية كلام مهم حول هذا الموضوع- نثبته هنا لعلاقته بكتاب الإبانة ونسبته إلى الأشعري، فإنه قال بعد ذكره للعلماء الذين أثبتوه ونقلوا عنه - " فإن قيل: فابن فورك وأتباعه لم يذكروا هذا؟، قيل له سببان:
    أحدها: أن هذا الكتاب ونحوه صنفه ببغداد في آخر عمره لما زاد استبصاره في السنة، ولعله لم يفصح في بعض الكتب القديمة بما أفصح به فيه وفي أمثاله وإن كان لم ينف فيها ما ذكره هنا في الكتب المتأخرة، ففرق بين عدم القول وبين القول بالعدم ... ثم نقل ابن تيمية ماذكره ابن عساكر عن ابن فورك وماذكره من مؤلفات الأشعري وتعقب ابن عساكر له،....
    السبب الثاني: أن ابن فورك وذويه كانوا يميلون الى النفي في مسألة الاستواء ونحوها، وقد ذكرنا فيما نقله هو من ألفاظ ابن كلاب- وهو من
    ......
    ( ص 358)
    ويرى الدكتور فاروق دسوقي أن الأشعري، رجع مرة واحدة الي مذهب السلف، ولم يتغير موقفه ولا منهجه، ولا فرق بين الإبانة واللمع، انظر: رأيه وحججه بالتفصيل في كتابه القضاء والقدر (٢/٢٨٦-٣٠٤) ، وهو رأي الدكتورة فوقية محمود، الإبانة- الدراسة- (ص: ٩١) .
    (٢) من الذين نصوا على أن الأشعري مر بثلانة أطوار آخرها الرجوع الي مذهب السلف ابن كثير كما نقل عنه الزبيدى في إتحاف السادة المتقين (٢/٤) ، والشيخ محب الدين الخطيب في حواشيه عل الروض الباسم (ص: ١٧٤) ، ومعارج القبول (١/٣٤٦) ، والمنتقي (ص: ٤١، ٤٣) ، والشيخ أحمد بن حجر أبو طامي في العقائد السلفية (١/١٤٣) ، والشيخ محمد الصالح العثيمين في القواعد المثلى (ص: ٨٠-٨١) ، ومصطفي حلمي في ابن تيمية والتصوف (ص: ١٦) وفي قواعد المنهج السلفي - ط الثانية (ص: ٣٠) وغيرهم، ومن الباحثين: هادى طالبي في رسالته أبو الحسن الأشعري بين المعتزلة والسلف (ص: ٣٩) ومابعدها، وخليل إبراهيم الموصلى في رسالته بين أبي الحسن الأشعري والمنتسبين اليه في العقيدة (ص: ٣٩) ومابعدها، ومحمد باكريم باعبد الله في مقدمة تحقيقه لكتاب الرد على من أنكر الحرف والصوت للسجزي (ص: ٨) من الدراسة ومابعدها.
    ......
    ( ص 359)
    هذه أهم الأقوال الواردة في مسألة رجوع الأشعري-رحمه الله- ويمكن تلخيصها كما يلي:
    ١- إن الأشعري تحول عن الاعتزال إلى التوسط، أو ما يسمي بمذهب الأشعري، وان ما رجع إليه هو الحق.
    ٢- أنه رجع الى مذهب السلف والقول الحق- الذي هو مذهب الإمام أحمد -ولم تختلف أقواله ولا كتبه.
    ٣- أنه رجع الى المذهب الحق لكنه تابع ابن كلاب وبقيت عليه بقايا اعتزالية.
    ٤- أنه رجع أولا إلى التوسط ومتابعة ابن كلاب، ثم رجع إلى مذهب السلف رجوعا كاملا..
    ٥- أنه رجع أولا إلى مذهب السلف، ثم انتقل إلى التوسط واست
    ....
    ( 381 )
    ا رواه ابن عساكر عن ابن عذرة في قصة رجوع الأشعري وفيها:
    " فبعد ذلك خرج إلى الجامع فصعد المنبر وقال: يا معشر الناس: إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة، ولم يترجح عندي حق علي باطل، ولا باطل على حق، فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني الى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ئوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب إلى الناس فمنها كتاب "اللمع" وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سماه بكتاب " كشف الأسرار وهتك الأستار وغيرهما" (٣) ، فهذا دليل على تقدم اللمع على الإبانة.
    .....

  15. #35
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع / موقف شيخ الإسلام من الأشاعرة

    .......
    ( ص 4
    لما عرض شيخ الإسلام ابن تيمية لنشأة المذهب الكلابي في كلام الله ربطه بابن كلاب ومدرسه، فقال: " وكان ... قد نبغ في آواخر عصر أبي عبد الله [أحمد ابن حنبل] من الكلابية ونحوهم؛ أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد ابن كلاب البصري، الذي صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم، وهو من متكلمة الصفاتية، وطريقته يميل فيها إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن فيه نوع من البدع، لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته، ولكن له في الرد على الجهمية - نفاة الصفات والعلو - من الدلائل والحجج وبسط القول ما بين به فضله في هذا الباب، وإفساده لمذاهب
    فاة الصفات بأنواع من الأدلة والخطاب، وصار ما ذكره معونة ونصيرا وتخليصا من شبههم لكثير من أولي الألباب، حتى صار قدوة وإماما لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات، وناقضوا نفاتها، وإن كانوا قد شاركوهم في بعض أصولهما الفاسدة، التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول ومخالفته لسنة الرسول ".
    " وكان ممن اتبعه الحارث المحاسبي وأبو العباس القلانسي، ثم أبو الحسن الأشعري، وأبو الحسن بن مهدي الطبري، وأبو العباس الصبغي، وأبو سليمان الدمشقي، وأبو حاتم البستي، وغير هؤلاء، المثبتين للصفات المنتسبين إلى السنة والحديث، المتلقبين بنظار أهل الحديث ".
    " وسلك طريقة ابن كلاب - في الفرق بين الصفات اللازمة كالحياة، والصفات الاختيارية، وإن الرب يقوم به الأول دون الثاني - كثير من المتأخرين، من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، كالتيميين أبي الحسن التيمي، وابنه أبي الفضل التيمي، وابن ابنه رزق الله التيمي، وعلى عقيدة الفضل التي ذكر أنها عقيدة أحمد اعتمد أبو بكر البيهقي فيما ذكره من مناقب أحمد بن الاعتقاد".
    " وكذلك سلك طريقة ابن كلاب هذه أبو الحسن بن سالم وأتباعه " السالمية" والقاضي أبو يعلي وأتباعه كابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني، وهي طريقة أبي المعالي الجويني، وأبي الوليد الباجي، والقاضي أبي بكر بن العربي، وغيرهم، لكنهم افترقوا في القرآن، وفي بعض المسائل على قولين - بعد اشتراكهم في الفرق الذي قرره ابن كلاب -" (١) .
    فالأصل الذي قرره ابن كلاب قال به هؤلاء كلهم، وفيه الأشاعرة وغيرهم ممن لا ينسب إليهم كالسالمية وبعض الحنابلة.
    ومع مرور الزمن بدأت تنقرض النسبة إلى ابن كلاب لتحل محلها النسبة

    الى الأشعري
    .....
    ( ص 496)
    والمفاجأة إذا وقعت بهذا المستوى ينسي الناس معها تفاصيل الأمور، من مثل أن الأشعري لم يكن رجوعه إلى مذهب السلف كاملا، وأن لديه بعض البقايا من أصول المعتزلة - وتنحصر القضية في رد العدو الأكبر " المعتزلة " ولا شك أن الرد عليهم وكشف ضلالاتهم في ذلك الوقت جهاد وأي جهاد، يقول ابن عساكر - فيما رواه عن ابن عذرة - في قصة رجوع الأشعري وصعوده المنبر وإعلان ذلك على الملأ: " ودفع الكتب إلى الناس فمنها كتاب اللمع وكتاب أظهر فيها عوار المعتزلة سماه بكتاب " كشف الأسرار وهتك الأستار " وغيرها، فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة أخذوا بما فيها، وانتحلوه، واعتقدوا تقدمه، واتخذوه إماما، حتى نسب مذهبهم إليه، قال لي أبو بكر - أي ابن عذرة - فصار عند المعتزلة ككتابي أسلم وأظهر عوار ما تركه فهو أعدي الخلق إلى أهل الذمة، وكذلك الأشعري أعدي الخلق إلى المعتزلة، فهم يشنعون عليه من الأشانيع ونيسبون إليه الأباطيل
    ....
    ( ص 499)
    أهم أسباب انتشار مذهب الأشاعرة في العالم الإسلامي فيمكن تلخيصها في الأمور التالية:
    ١- أفول نجم المعتزلة، مع ظهور المذهب الأشعري كخصم لمذهبهم (٢) .
    ٢- نشأة المذهب في حاضرة الخلافة العباسية " بغداد "، ولا شك أن أنظار الناس في شتى الأقطار تتجه في الغالب إلى دار الخلافة، ففيها الفقهاء والمحدثون والمقرئون، كما أنها من أهم البلدان التي يرحل إليها العلماء ليسمعوا الروايات أو يحدثوا فيها بمروياتهم، فلما نشأ المذهب الأشعري في بغداد وهي على هذه الحالة كثر المتلقون لهذا المذهب، الناقلون له إلى كل مكان، وهذا - مثلا - بخلاف مذهب الماتريدي الذي نشأ في زمن الأشعري لكنه كان في بلاد ما وراء النهر فلم ينتشر كانتشار المذهب الأشعري (٣) .
    ٣- تبني بعض الأمراء والوزراء لمذهب الأشاعرة واحتضان رجالهم له، ومن أبرز هؤلاء:
    - الوزير نظام الملك (٤) ، الذي تولى الوزارة لسلاطين السلاجقة، فتولى الوزارة لالب أرسلان وملكشاة مدة ثلاثين سنة، من سنة ٤٥٥-٤٨٥هـ،
    السلاجقة جاءوا على أثر البويهيين الشيعة الذين كانوا يوالون الدولة الفاطمية الباطنية، ولما استولى السلاجقة على بغداد وقضوا عليهم سنة ٤٤٧هـ لم تمض سنوات قليلة حتى حدثت فتنة البساسيري - أحد القواد الأتراك الموالين لبني بويه - وكان ذلك سنة ٤٥٠ هـ، وكان من آثارها أن احتل بغداد وأعلن الخطبة للخليفة المستنصر بالله العلوي العبيدي، وأمر بأن يؤذن بحي على خير العمل، وعزل الخليفة العباسي القائم بأمر الله وكتب عليه عهدا أن لا حق له في الخلافة ولا لبني العباس وأرسل العهد إلى الخليفة الفاطمي في القاهرة، وقد استمرت فتنة البسايري سنة كاملة حتى قضي عليها السلاجقة وأعيد الخليفة العباسي. لذلك جاءت دولة السلاجقة لتنصر أهل السنة ضد أهل الرفض والبدعة، والوزير نظام الملك من اعظم وزرائهم أثرا وخطرا وكانت له جهود عظيمة في حرب الحركات الباطنية والإسماعلية وتحدث عنها طويلا في كتابه المشهور سياست تامة أو سير الملوك (١) ،
    ومن أهم آثاره المدارس النظامية التي أنشئت في مدن عديدة منها: البصرة، أصفهان، وبلخ، وهراة، ومرو، والموصل، وأهمها وأكبرها المدرسة النظامية في نيسابور وفي بغداد، وقد جعلهما مع أوقافهما وقفا على أصحاب الشافعي أصلا وفرعا (٢) ، وكان نظام الملك معظما للصوفية وللقشيري والجويني وغيرهما من أعلام الأشعرية، وقد كان هؤلاء يلقون دروسهم في هذه المدارس على المذهب الشافعي، ويدرسون أصول العقيدة الأشعرية، فكان لذلك دور عظيم في نشرها (٣) .
    - المهدي بن تومرت، مهدي الموحدين، توفي سنة ٥٢٤ هـ، فقد دعا إلى المذهب الأشعري وتبناه وكان له دور عظيم في نشره (٤) .
    .....
    ( ص 500 )
    نور الدين محمود بن زنكي، الذي جاهد الصلبيين، وقد ولد سنة ٥١١ هـ وتوفي سنة ٥٦٩هـ (١) ، وكان من آثاره أنه بنى أكبر دار للحديث في دمشق ووكل مشيختها إلى ابن عساكر صاحب " تبيين كذب المفتري" (٢) ، كذلك أنشأ في حلب سنة ٥٤٤هـ المدرسة النفرية النورية، وكانت للشافعية، وتولى التدريس فيها قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري (٣) ، وكان أحد أساتذة المدرسة النظامية في نيسابور، وكان أحد أعلام أهل الكلام على المذهب الأشعري، وفي عهد نور الدين بدأت صلة قطب الدين مسعود بصلاح الدين الأيوبي، وتوثقت فيما بعد - كما سيأتي -.
    ولا شك أن لهذه المدارس، والمدارس النظامية (٤) ، متمثلة بأولئك العلماء الذين درسوا فيها أثرا عظيما في مقاومة التيار الباطني الإسماعيلي، ومعلوم أن من أعظم آثار نور الدين وصلاح الدين القضاء على الدولة الفاطمية الباطنية في مصر، حيث حلت محلها دولة سنية حكمها صلاح الدين الأيوبي نائبا لنور الدين ثم مستقلا بعد وفاته - رحمهم الله -.
    د- صلاح الدين الأيوبي: يقول المقريزي: " وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري تلميذ أبي علي الجبائي، وشرط ذلك في أوقافه التي بديار مصر كالمدرسة الناصرية بجوار قبر الإمام الشافعي من القرافة، والمدرسة الناصرية التي عرفت بالشريفية" (٥) ،ثم يقول عن المذهب الأشعري: " فلما ملك السلطان الملك الناصر صلاح
    الدين يوسف بن أيوب ديار مصر كان هو وقاضيه صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس الماراني (١) ، على هذا المذهب قد نشأ عليه منذ كانا في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، وحفظ صلاح الدين في صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري، وصار يحفظها صغار أولاده، فلذلك عقدوا الخناصر وشدوا البنان على مذهب الأشعري، وحملوا في أيام دولتهم كافة الناس على التزامه، فتمادى الحال على ذلك جميع أيام الملوك من بني أيوب، ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك (٢) ، وإذا كان قطب الدين مسعود قد ألف لصلاح الدين عقيدة (٣) ، فإن الفخر الرازي قد ألف كتابه المشهور " أساس التقديس " - الذي نقضه شيخ الإسلام ابن تيمية- للملك العادل محمد بن أيوب بن شادي أخو صلاح الدين. المتوفى سنة ٦١٥ هـ (٤) ،
    أما ابنه الأشرف بن العادل فقد مال إلى الحنابلة وأهل السنة في العقيدة، وجرت بينه وبي العز بن عبد السلام- وهو أشعري - مناقشة ومحنة طويلة (٥) .
    ٤- ومن أسباب انتشار المذهب الأشعري أن جمهرة من العلماء اعتمدوه ونصروه، وخاصة فقهاء الشافعية والمالكية المتأخيرن (٦) ، والأعلام الذين تبنوه: الباقلاني، وابن فورك، والبيهقي، والإسفراييني، والشيرازي،
    والجويني، والقشيري، والبغدادي، والغزالي، والرازي، والآمدي، والعز ابن عبد السلام، وبدر الدين ابن جماعة، والسبكي، وغيرهم كثير، ولم يكن هؤلاء أشاعرة فقط، بل كانوا مؤلفين ودعاة إلى هذا المذهب، ولذلك ألفوا الكتب العديدة، وتخرج على أيديهم عدد كبير من التلاميذ.
    كما انتشر في أنحاء عديدة بواسطة هؤلاء، ففي الحجاز انتقل إليه المذهب الأشعري بواسطة أبي ذر الهروي (١) ، كما انتقل عن طريقه إلى المغرب عن طريق المغاربة الذين كانوا يأتون إلى الحج، وكان ممن له أثر في نشره في المغرب بين المالكية أبو بكر الأبهري، والباقلاني وتلامذته (٢) ، والباجي وابن العربي (٣) ، وغيرهم، كما دافع كل من ابن أبي زيد القيرواني، وأبي الحسن القابس عن الأشعري (٤) .
    ويذكر المقريزي أنه قد انتشر في العراق نحو سنة ٣٨٠هـ وانتقل منه إلى الشام (٥) ، وممن انتشر على يديه في الشام أبو الحسن عبد العزيز بن محمد الطبري المعروف بالدمل (٦) .
    وفي العصور المتأخرة كان لتبني كثير من دور العلم والجامعات عقيدة ومذهب الأشاعرة دور في نشره، ومن أهمها الجامع الأزهر في مصر مع ماله من مكانة علمية في العالم الإسلام
    .....
    انتهى الجزء الأول
    ويليه الجزؤ الثاني
    من كتاب
    موقف شيخ الإلام ابن تيمية من الأشاعرة

  16. #36
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    ........
    ( ج2/ ص 506)
    اهم ما ورد من عقيدة الأشعري
    وأبرز سمات عقيدته:
    ١- إثبات أن الله موجود واحد، أزلي، وأن العالم حادث.
    ٢- إثبات صفات الله تعالى، دون تفريق بين الخبرية والعقلية، ومن ذلك إثبات صفات السمع والبصر، والحياة، والإرادة، والكلام، والقدرة، والعلم، واليدين والوجه، والعين، والاستواء والنزول، والعلو والمجيء، وغيرها مما هو ثابت في الكتاب أو السنة.
    ٣- أما الصفات الإختيارية فلا يثبتها صفات قائمة بالله تتعلق بمشيئته واختياره، بل إما أن يؤولها أو يثبتها أزلية وذلك خوفا من حلول الحوادث بذات الله.
    ٤- الإيمان بكلام الله، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، لكن الكلام -عنده - أزلي، لا يتعلق بمشيئته وإرادته.
    ٥- إثبات الرؤية، وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة.
    ٦- الإيمان بالقدر، مع القول بالكسب، وأن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل.
    ......
    ( ص 515)
    وكان الباقلاني ذا شهرة واسعة، ولذلك استقدمه عضد الدولة البويهي إلى شيراز وناظر المعتزلة في مجلسه، كما أرسله سنة ٣٧١هـ، رئيساً للبعثة التي أوفدها إلى ملك الروم، وجرت له أمور كثيرة
    ....
    ( ص 529)
    وأهم كتبه الكلامية الباقلاني - التي دعم فيها المذهب الأشعري-:
    1- التمهيد: ويسمى تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، وقد ألفه لابن عضد الدولة وولي عهده لما طلب منه أن يعلمه مذهب أهل السنة.
    .....
    والتمهيد من أهم كتب الأشاعرة، وقد ركز فيه الباقلاني على الحجاج العقلي، ولذلك تضمن الردود الطويلة على المنجمين، والثنوية، والديصانية، والمجوس، والبراهمة، واليهود، والنصارى، وغيرهم.. مع أبواب أخرى في تفصيل مسائل الصفات والقدر وغيرها على وفق مذهب الأشاعرة.
    والكتاب طبع في القاهرة وبيروت، وكل واحدة من الطبعتين ناقصة، وإحداهما تكمل الأخرى، وقد طبع أخيراً في بيروت طبعة تجمع بين الطبعتين، ولكن الذي سمى نفسه محققاً لهذه الطبعة وهو الشيخ عماد الدين حيدر ارتكب خطأ علمياً شنيعاً حين حذف من الكتاب نصاً للباقلاني يتعلق بإثباته للعلو والاستواء والرد على من أوله بالاستيلاء، وهو خطأ مقصود لأن الذي حذفه لا يناسب اعتقاده خاصة وأن له تعليقات يهاجم فيها المثبتة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية
    ( ص 530
    رسالة الحرة، وقد طبع باسم " الإنصاف فيما يحب اعتقاده ولا يجوز الجهل به" وهذا الاسم خطأ، بل الاسم الصحيح "الحرة" وقد ذكره في مقدمة كتابه فقال: " أما بعد فقد وقفت على ما التمسته الحرة الفاضلة الدينية.." (٢) ، وبهذا الاسم ذكره القاضي عياض (٣) ، ونقل عنه ابن القيم (٤) ، ورسالة الحرة رسالة جامعة ذكر فيها الباقلاني مسائل العقيدة أولاً بإجمال ثم فصلها، وتوسع كثيراً في مسألة القرآن وكلام الله وما يتعلق بذلك [ص:٧١-١٤٣] ، كما توسع في مسائل القدر والكسب [ص: ١٤٤-١٦٨] ، ثم ذكر مسائل الشفاعة والرؤية.
    ( ص 531)
    ٣- كتاب البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسحر والنارنجات، وهو في إثبات النبوات، والفرق بين معجزات الأنبياء وخوارق السحرة والكهان وغيرهم، وهو من أوسع ما كتب في هذا الباب.
    وقد طبع الكتاب بتحقيق مكارثي، وذكر أنه طبعه على المخطوط الوحيد المعروف لهذا الكتاب (١) ، ولما كان المخطوط ناقصاً رجح أن الباقلاني لم يتمه لأنه ربما ألفه في آخر عمره (٢) ، أما كونه من آواخر كتبه فهو صحيح لأن الباقلاني في كتابه هذا يشير إلى كتبه الأخرى مثل التمهيد وأصول الديانات وكتبه في أصول الفقه، كما أشار إلى أنه قد ألف منذ سنين حول هذا الموضوع - المعجزات والفرق بينها وبين الكرامات والسحر - وأنه قد انتسخ في الحرم (٣) ، وهذا يدل على أنه قد بلغ من الشهرة مبلغاً، أما دعوى مكارثي أن الباقلاني لم يتم كتابه هذا، لأن المخطوط انتهى عند قوله: " يتلوه إن شاء الل باب القول في الإبانة عن وجود الشياطين وذكر الأدلة على ذلك.." (٤) ، فهي دعوى غير صحيحة لأن شيخ الإسلام ابن تيمية نقل نصوصاً من هذا الكتاب في كتابه " النبوات "، ومنها نصوص ليست موجودة في المطبوعة من البيان (٥) ، مما يدل على أنه قد اعتمد على نسخة كاملة وأن الباقلاني قد أتمه.
    وكتاب النبوات رد على الباقلاني في كتابه هذا.
    ٤- كتاب هداية المسترشدين والمقنع في معرفة أصول الدين، وهو كتاب كبير بقي منه مجلد واحد من الجزء السادس إلى الجزء السابع عشر بتجزئة
    ....
    ( ص 533)
    دقائق الكلام والرد على من خالف الحق من الأوائل ومنتحلي الإسلام وهي في الرد على الفلاسفة والمنجمين، وقد أشار إليه ابن تيمية في درء التعارض (٥) .
    ٦- الإبانة عن إبطال مذهب أهل الكفر والضلالة، وقد نقل منه ابن تيمية نصاً حول الصفات في الفتوى الحموية (٦) ، وابن القيم في اجتماع الجيوش (٧) ، كما أشار إليه ابن تيمية في درء التعارض (٨) .
    ٧- شرح اللمع لأبي الحسن الأشعري، ولم يصل إلينا هذا الكتاب، لكن نقل منه شيخ الإسلام نصوصاً كثيرة في درء التعارض، وكتاب (٩) ، " اللمع " للأشعري يحمل مكانة عند الأشاعرة، ولذلك لما قدم الباقلاني إلى شيراز لمقابلة عضد الدولة البويهي استقبله فيها عبد الله بن خفيف - أحد تلامذة الأشعري - في جماعة من الصوفية وأهل السنة، يقول الباقلاني: " فلما جلسنا في موضع كان ابن خفيف يدارس فيه أصحابه اللمع للشيخ أبي الحسن الأشعري، فقلت له: تماد على التدريس كما كنت، فقال لي: أصلحك الله، إنما أنا بمنزلة المتيمم عند عدم الماء
    .....

    ارجو تثبيت الموضوع

  17. #37
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    ونشير الى بعض معتقدات بعض الأشاعرة الكبار
    من معتقدهم وأهم ما جرى في حياتهم والأمور العقدية
    ابن فورك
    وفي آواخر عمره أنهى إلى السلطان محمود بن سبكتكين أنه يعتقد أن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليس نبياً اليوم، وأن رسالته انقطعت بموته، وقد امتحن وجرت له مناظرات مع محمود بن سبكتكين، وممن نسب إليه هذا القول ابن حزم حيث قال في الفصل: [حدثت (٦) ] فرقة مبتدعة تزعم أن محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب - صلى الله عليه وسلم - ليس هو الآن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه كان رسول الله، وهذا قول ذهب إليه الأشعرية، وأخبرني سليمان بن خلف الباجي - وهو من مقدميهم اليوم - أن محمد بن الحسن ابن فورك الأصبهاني على هذه المسألة قتله
    بالسم محمود بن سبكتكين، صاحب ما دون وراء النهر من خراسان -رحمه الله- " (١) ، ثم ذكر ابن حزم السبب الذي أدى إلى هذه المقالة (٢) ، وقد نفى السبكي بشدة نسبة هذه المقالة وشنع على ابن حزم والذهبي بسبها، وقال إن ابن فورك لما سأله ابن سبكتكين كذب الناقل، وإن السلطان عندما وضح له الأمر أمر بإعزازه وإكرامه، فلما أيست الكرامية دست له السم (٣) ، وقول ابن حزم سبق نقله قريباً وقد نسبه إلى الباجي، أما الذهبي فقال: " ونقل أبو الوليد الباجي أن السلطان محموداً سأله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان رسول الله، وأما اليوم فلا، فأمر بقتله بالسم " (٤) ، وهذه المسألة من المسائل التي كانت سبباً في محنة الأشعرية زمن القشيري والجويني، وقد رد القشيري نسبتها إلى الأشعرية وبين بطلان نسبتها إليهم (٥) .
    والذي يظهر أنه قد وقعت بين ابن فورك وابن سبكتكين مناظرات في موضوعات متعددة ولذلك ذكر ابن رجب مناظرة بينهما حول العلو، فروى في أثناء ترجمته لأبي الحسن العكبري أنه قال: " سمعت أبا مسعود أحمد بن محمد البجلي الحافظ قال: دخل ابن فورك على السلطان محمود، فتناظرا، قال ابن فورك لمحمود، لا يجوز أن تصف الله بالفوقية، لأنه يلزمك أن تصفه بالتحتية، لأنه من جاز أن يكون له فوق جاز أن يكون له تحت. فقال محمود: ليس أنا وصفته بالفوقية، فتلزمني أن أصفه بالتحتية، وإنما هو وصف نفسه بذلك، قال: فبهت
    .....
    ( ص 580 )
    البيهقي: مجدد المذهب الشافعي في الفقه، وأحد أعلام المحدثين، كان له دور في ربط المذهب الأشعري بالفقه الشافعي، ثم في دعم الأشاعرة من خلال حرصه على الحديث وروايته، ولبيان أن ذلك لا يخالف منهج الأشاعرة الكلامي.
    ب - والقشيري أدخل التصوف في منهج وعقائد الأشاعرة.
    جـ - والجويني خطا خطوات بالمذهب نحو الاعتزال.
    والبيهقي هو أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، الخسروجردي، البيهقي
    قال الذهبي ممن " بورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة" (٢) ، وقال: " تصانيف البيهقي عظيمة القدر، غريزة الفوائد، قل من جوّد تواليفه مثل الإمام أبي بكر" (٣) ، وقال فيه إمام الحرمين: " ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه" (٤) ،
    قال الذهبي معلقاً: " قلت: أصاب أبو المعالي، هكذا هو، ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهباً يجتهد فيه لكان قادراً على ذلك، لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل مما صح فيه الحديث
    .....
    ( ص 583 )
    عقيدة البيهقي
    إذا كان البيهقي من المبرزين في الحديث والفقه فلماذا اهتم بالعقيدة، والتأليف فيها، ثم تأويل النصوص الواردة في الصفات؟، وإذا كان قد ألف
    في إثبات عذاب القبر، والرؤية، وما يتعلق بالبعث من الشفاعة والميزان والحوض، وهذه الأمور مما أنكرته أو أوّلته المعتزلة - والرد عليهم من سمات أهل السنة -، فلماذا حرص على التأليف في الأسماء والصفات واستقصاء جميع ما ورد في ذلك من الألفاظ والروايات وغالبها مما يؤول الأشاعرة؟ لقد ذكر البيهقي في ثنايا كتابه " الأسماء والصفات " إشارة إلى سبب تأليفه إذ قال:- في معرض تأويله الصورة- " ومعنى هذا فيما كتب إليّ الأستاذ أبو منصور محمد بن الحسن ابن ايوب الأصولي -رحمه الله- الذي كان يحثني على تصنيف هذا الكتاب، لما في الأحاديث المخرجة فيه من العون على ما كان فيه من نصرة السنة وقمع البدعة، ولم يقدر في أيام حياته لاشتغالي بتخريج الأحاديث في الفقهيات على مبسوط أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي -رحمه الله- الذي أخرجه على ترتيب مختصر أبي ابراهيم المزني -رحمه الله- ولكل أجل كتاب " (١) ،
    وهذا الذي أوصى البيهقي بتأليف كتاب في الأسماء والصفات هو أحد أعلام الأشاعرة، كان من أخص تلاميذ ابن فورك حتى أنه زوجه من ابنته الكبرى ومما قيل في ترجمته أنه: " الأستاذ الإمام، حجة الدين، صاحب البيان، والحجة والبرهان، واللسان الفصيح، والنظر الصحيح، أنظر من كان في عصره، ومن تقدمه، ومن بعده على مذهب الأشعري، واتفق له أعداد من التصانيف المشهورة المقبولة عند أئمة الأصول مثل تخليص الدلائل، تتلمذ للأستاذ أبي بكر بن فورك في صباه، وتخرج به، ولزم طريقته، وجد واجتهد في فقر وقلة من ذات اليد ... وكان أنفذ من الاستاذ وأشجع منه، توفي في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة " (٢) ، وعلى هذا فالبيهقي ألف كتابه استجابة لطلب أستاذه خدمة للمذهب الأشعري - الذي كان أحد أعلامه - ولذلك حشاه بالنقول من أقوالهم وتأويلاتهم إضافة إلى تأويلاته هو، وما أدري
    .......
    (ج2/520)
    رجوع الجويني في النظامية.
    اشتهر عن الجويني أنه رجع في النظامية وأبرز ما رجع فيه مسألتان:
    أ - مسألة القدرة الحادثة وقوله: إنه مؤثرة بعد أن كان يرى أنها غير مؤثرة - وقد سبقت الإشارة إلى ذلك -.
    ب - مسألة الصفات الخبرية، فإنه قال: " اختلفت مسالك العلماء في الظواهرالتي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها، وإجراؤها على موجب ما تبتدره أفهام أرباب اللسان منها، فرأى بعضهم تأويلها والتزام هذا المنهج في أي الكتاب وما يصح من سنن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله وسلم، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقلاً أتباع سلف الأمة، فالأولى الأتباع وترك الابتداع، والدليل السمعي
    .....
    (ج2/ 523 )
    أما أشهر مؤلفات الغزالي الأشعرية فهي:
    ١- الأربعين في أصول الدين، وهذا الكتاب هو الجزء الثاني من كتابه الآخر " جواهر القرآن ".
    ٢- قواعد العقائد - وكتابه العقيدة القدسية جزء منه - وقد ضم الغزالي قواعد العقائد إلى كتابه الآخر " إحياء علوم الدين " وهو ضمن المجلد الأول منه.
    ٣- الاقتصاد في الاعتقاد.
    ٤- تهافت الفلاسفة، نقض فيه أقوال الفلاسفة من منطلق أشعري.

  18. #38
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    ( ج2/ ص 532 )
    الغزالي
    الباطنية (١) ، والقسطاس المستقيم (٢) - الذي هو عبارة عن مناقشة ومحاورة بينه وبين أحد دعاة التعليم من الباطنية -، وهو بهذا الكتاب يحيل على كتابيه المنطقيين " محك النظر" و " معيار العلم" (٣) .
    فالغزالي ينطلق في ذلك من منطلق عقيدة العوام التي هي عقيدة الأشاعرة، ولذلك يقول في جواهر القرآن عن علم محاجة الكفار ومجادلتهم: " ومنه يتشعب علم الكلام المقصود لرد الضلالات والبدع وإزالة الشبهات، ويتكفل به المتكلمون، وهذا العلم شرحناه على طبقتين: سمينا الطبقة القريبة منهما الرسالة القدسية، والطبقة التي فوقها الاقتصاد في الاعتقاد، ومقصود هذا العلم حراسة عقيدة العوام من تشويش المبتدعة، ولا يكون هذا العلم ملياً (٤) بكشف الحقائق، وبجنسه يتعلق الكتاب الذي صنفناه في تهافت الفلاسفة، والذي أوردناه في الرد على الباطنية في الكتاب الملقب بالمستظهري وفي كتاب حجة الحق، وقواصم الباطنية، وكتاب مفصل الخلاف في أصول الدين، ولهذا العلم آلة يعرف بها طريق المجادلة، بل طرق المحاجة بالبرهان الحقيقي، وقد أودعناه كتاب " محك النظر "، وكتاب معيار العلم على وجه لا يلفي مثله للفقهاء والمتكلمين ولا يثق بحقيقة الحجة والشبهة من لم يحظ بهما علماً"
    ميزان العمل من كتب الغزالي الصوفية - يقول في آخره: " لعلك تقول: كلامك في هذا الكتاب انقسم إلى ما يطابق مذهب الصوفية، وإلى ما يطابق مذهب الأشعرية وبعض المتكلمين، ولا يفهم الكلام إلا على مذهب واحد، فما الحق من هذه المذاهب؟ فإن كان الكل حقاً فكيف يتصور هذا؟ وإن كان بعضه حقاً فما ذلك الحق؟ فيقال لك: إذا عرفت حقيقة المذهب لا تنفعك قط
    وكثرت المقارانات بينه وبين ديكارت (٢) ، صاحب الفلسفة المعروفة التي قال فيها: " أنا أفكر، إذن فأنا موجود " (٣) ، بل أثبت أحد الباحثين أن ديكارت قد اطلع على كتاب الغزالي "المنقذ من الضلال" وأنه اقتبس منه فكرة الشك (٤) ، والكلام حول شك الغزالي وكنهه وإلى أي مدى كان يطول، ولكن الثابت أن منهج الشك عند الغزالي تمثل في أمرين:
    أحدهما: عملي، وهو ما عايشه وسطره بوضوح في كتابه المنقذ من الضلال (٥) ، ويلاحظ هنا أن الغزالي يشرح ما جرى له، ولذلك سماه داءً ومرضاً.
    والثاني: شك منهجي، وهو الذي أشار إليه في بعض كتبه، ومن ذلك قوله: " ولو لم يكن في مجاري هذه الكلمات إلا ما يشكك في اعتقادك الموروث، لتنتدب للطلب، فناهيك به نفعاً، إذ الشكوك هي الموصلة إلى الحق، فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال، نعوذ بالله من ذلك " (١) ، وهذا الشك هو الذي يذكر في أول واجب على المكلف، هل هو النظر أو القصد إلى النظر أو الشك، وإذا كان الأول والثاني قد أخذ به بعض الأشاعرة فإن الثالث - وهو الشك- إنما يؤثر القول به عن أبي هاشم الجبائي المعتزلي
    إن هناك من يدافع عن الغزالي، ويرى أن تصوفه تصوف سني، وأنه هاجم الفلاسفة والمتكلمين لنصرة طريق الصوفية (٢) ، ولكن المطلع على كتبه - وما ألفه منها للخاصة - كمشكاة الأنوار، والمعارف العقلية، وميزان العمل، ومعارج القدس، وروضة الطالبين، والمقصد الأسني، وجواهر القرآن، والمضنون به على غير أهله، يرى شيئاً آخر غير التصوف المعروف.
    ويقول في كتابه مشكاة الأنوار وهو من كتبه التي ألفها للمخاصة ولذلك يقول في مقدمته: " أما بعد فقد سألتني أيها الأخ الكريم.. أن أثبت إليك أسرار الأنوار الإلهية، مقرونة بتأويل ما يشير إليه ظواهر الآيات المتلوة والأخبار المروية "، ثم يقول: " ولقد ارتقيت بسؤالك مرتقى صعباً تنخفض دون أعاليه أعين الناظرين، وقرعت باباً مغلقاً لا يفتح إلا للعلماء الراسخين، ثم ليس كل سر يكشف ويفشى، ولا كل حقيقة تعرض وتجلى، بل صدور الأحرار قبور الأسرار، ولقد قال بعض العارفين: إفشاء سر الربوبية كفر ... " (٣) ، وبعد أن يذكر تأويلات باطنية وفلسفية عجيبة يقسم الناس - في آخر الكتاب - إلى أصناف، ومنهم المحجوبون بمحض الأنوار، وهؤلاء أيضاً أصناف وبعد أن يذكر الصنف الأول والثاني يقول: " والصنف الثالث ترقوا عن هؤلاء وقالوا: إن تحريك الأجسام بطريق المباشرة ينبغي أن يكون خدمة لرب العالمين، وعبادة له وطاعة من عبد من عباده يسمى: ملكاً، نسبته إلى الأنوار الإلهية المحضة نسبة القمر في الأنوار المحسوسة
    ....
    (ج2/ ص 535
    وفي معارج القدس - وهو من كتبه الفلسفية الخاصة - ينهج فيه نهج الفلاسفة في بحوثهم عن النفس الإنسانية، ويذكر خصائص النبوة، وأنها ثلاث: قوة التخيل وقوة العقل، وقوة النفس (٣) - وهذا نفسه هو كلام الفلاسفة الذين يقولون: إن النبوة مكتسبة -، ويفسر الغزالي آية النور {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ} (النور:٣٥) ، بقوله: " فالمشكاة مثل العقل الهيولاني، فكما أن المشكاة مستعدة لأن يوضع فيها النور فكذلك النفس بالفطرة مستعدة لأن يفيض عليها نور العقل ... ثم إذا حصلت له المعقولات فهو نور على نور، نور العقل المستفاد على نور العقل الفطري، ثم هذه الأنوار مستفادة من سبب هذه الأنوار بالنسبة إليه كالسرج بالنسبة إلى نار عظيمة طبقت الأرض، فتلك النار هي العقل الفعال المفيض لأنوار المعقولات على الأنفس البشرية " (٤) ، وهذا لا يحتاج إلى تعليق، ومنها يتضح ما يقصده الغزالي بالأسرار، والتي يقول فيها في كتابه المعارف العقلية: " وهذا القدر الذي كتبنا وذكرنا في هذه الأوراق نخبة أسرار غير مكتوبة، وإشارات مكنونة ورموز مستورة.. ولا يحل أن يوضع الورد بين الحمير، ويطرح الدر في فم الخنزير" (٥) ، وقد صرح في كتابه هذا بأمور غريبة وعجيبة حقاً (٦) .
    ٤- ويقول الغزالي في كتابه - جواهر القرآن - " وهذه العلوم الأربعة أعني علم الذات والصفات والأفعال وعلم المعاد أودعنا من أوائله ومجامعه القدر
    .....
    ( ج2/ 535)

    هناك جمهرة من العلماء المائلين إلى المذهب الأشعري ردوا على الغزالي في كتبه، خاصة الإحياء، كما ردوا عليه بسبب ميله إلى الفلاسفة، ومن هؤلاء: محمد بن علي بن حمدين المتوفى سنة ٥٠٨ هـ، الذي اطلع على كتاب الإحياء فسعي إلى الأمير علي بن يوسف تاشفين فأمر بإحراقه، فتم ذلك في سنة ٥٠٣هـ، بل وأصدر أمراً إلى سائر البلاد بالأمر وإحراقه، وقد ألف ابن حمدين كتاباً في الرد على الغزالي، انظر في ترجمته: (الصلة لابن بشكوال ٢/٥٧٠، وسير أعلام النبلاء ١٩/٤٢٢) ، وفي مسألة الإحراق الحال الموشية ص: ١٠
    ومن العلماء الذين ردوا على الغزالي: أبو بكر الطرطوشي المتوفى سنة ٥٢٠هـ، حيث كتب رسالة حط فيها من الغزالي وبرر قصة إحراق كتابه، (انظر: هذه الرسالة في المعيار المعرب ١٢/١٨٦-١٨٧، وانظر سير أعلام النبلاء ١٩/٤٩٠) ، ترجمة الطرطوشي، وفي (ص: ٤٩٥) ، ذكر الذهبي عنه أنه قال عن إحياء علوم الدين: " وهو لعمرو الله أشبه شيء بإماتة علوم الدين"، ومن العلماء أيضاً: الإمام المازري المتوفى سنة ٥٣٦هـ، الذي رد على الغزالي وألف كتاباً سماه: الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء، وقال عن الغزالي: إنه: " قرأ علم الفلسفة قبل استبحاره في فن أصول الدين، فكسبته قراءة الفلسفة جراءة على المعاني، وتسهيلاً للهجوم على الحقائق "، ثم إن له عكوفاً على رسائل إخوان الصفا، وإنه يعول على كتب ابن سينا (انظر: طبقات السبكي ٦/٢٤١، وانظر: كتاب: المازري، الفقيه والمتكلم وكتابه المعلم، لمحمد الشاذلي النيفر ص: ٦٧ وما بعدها) ، ومنهم ابن صلاح كما في سير أعلام النبلاء ١٩/٣٢٩، ومنهم القاضي عياض كما في السير أيضاً (١٩/٣٢٧) ، ومنهم أبو بكر بن العربي

    المصادر والمراجع
    تبيين كذب المفتري (ص: ٢٤٩) ، وانظر في ترجمته أيضاً سير: أعلام النبلاء (١٧/٥٧٣) ، واسمه فيهما محمد بن الحسن، وانظر: طبقات السبكي (٤/١٤٧) ، والوافي (٣/١٠) ، ومعجم المؤلفين (٩/٢٣٥) ، وهو فيها كلها: محمد بن الحسين
    .....
    ( ج2/ 545)
    [أعلام الأشاعرة في الفترة بين الغزالي والرازي]
    - ابن تومرت ت ٥٢٤هـ.
    - أبو بكر بن العربي ت ٥٣٤هـ.
    - الشهرستاني ت ٥٤٨هـ.
    - ابن عساكر ت ٥٧١هـ
    ....
    ( ج2/ ص 546)
    ما ابن تومرت (١) فشهرته جاءت كمؤسس لدولة الموحدين، التي قامت على أنقاض دولة المرابطين - التي كانت دولة سنية -، وحادثة إحراق كتب الغزالي، وعلى رأسها الإحياء - مشهورة (٢) ، وسبب إحراقها ما حوته من تأويل وأقوال مخالفة لمذهب السلف، فلما جاء ابن تومرت- الذي ذكر أنه لقي بعض الأشاعرة في رحلته إلى المشرق ومنهم الغزالي (٣) - وبدأ ثورته
    ضد المرابطين أخذ يستخدم في حربهم أساليب متعددة منها رميهم بالتجسيم، وألف عقيدته المسماة المرشدة، ونجح في تأسيس دولة الموحدين فاشتهر على أنه أحد أعلام الأشاعرة، والظاهر أن تصنيفه كأحد الأعلام الذين نشروا المذهب الأشعري جاء لسببين:
    أحدهما: حربه للمرابطين السنة، وكان من الأشياء التي حاربهم بها اتهامه لهم بالتجسيم والتشبيه، فهو بهذا فتح الباب لدخول التأويل الكلامي لبلاد المغرب، ولم يقتصر الأمر على هذا بل تبنى - بصفته إماماً مطاعاً - هذا الجانب، فكان لسلطته الدور الأكبر في انحسار مذهب السلف، وفشو مذاهب المتكلمين.
    الثاني: تأليفه للمرشدة (١) ، وهي عقيدة - مختصرة - مستقاة من مذهب الأشاعرة، ولم يقتصر الأمر على هذا بل كان يفرض هذه العقيدة على الناس، بحيث تدرس للعوام، مما جعلها تشتهر بسرعة.
    وفيما عدا ذلك فابن تومرت يبدو أقرب ما يكون إلى مذهب المعتزلة، ومذهب الشيعة (٢) ، وقد كان أحد أتباعه لما كتب تاريخ ابن تومرت لا يسميه إلا الإمام المعصوم (٣) وليس قربه من هؤلاء بأقل من قربه من الأشاعرة

  19. #39
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    تابع ./ موقف شيخ الاسلام من الاشاعرة


    ( 555)
    .....
    الذين انتقدوه فكثيرون جداً، منهم ابن جبير الذي قال عنه في رحلته - كما نقل الصفدي -: " دخلت الري فوجدت ابن خطيبها قد التفت عن السنة وشغلهم بكتب ابن سينا وأرسطو " ، ونقل أبو شامة أن الشناعات عليه قائمة بأشياء منها " أنه كان يقول: قال محمد التازي يعني العربي: يريد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال محمد الرازي، يعني نفسه، ومنها أنه كان يقرر في مسائل كثيرة مذاهب الخصوم وشبههم بأتم عبارة فإذا جاء إلى الأجوبة اقتنع بالإشارة " ، ثم مدحه ودافع عنه، وقال في بعض المغاربة: " يورد الشبه نقداً، ويحلها نسيئة " ، وقال الطوفي الصرصري المتوفى سنة ٧١٦هـ: " وأجمع ما رأيته من التفاسير لغالب علم التفسير كتاب القرطبي، وكتاب مفاتيح الغيب، ولعمري كم فيه من زلة وعيب، وحكى لي الشيخ شرف الدين
    لمالكي صنف كتاب المآخذ على مفاتيح الغيب، وبين ما فيه من البهرج والزيف في نحو مجلدين، وكان ينقم عليه كثيراً، خصوصاً إيراده شبه المخالفين في المذهب والدين على غاية ما يكون من القوة وإيراد جواب أهل الحق منها على غاية ما يكون من الوحي (٣) ، ولعمري إن هذا لدأبه في غالب كتبه الكلامية والحكمية، كالأربعين، والمحصل، والنهاية، والمعالم، والمباحث المشرقية، ونحوها، وبعض الناس يتهمه في هذا وينسبه إلى أنه ينصر بهذا الطريق ما يعتقده ولا يجسر على التصريح به، ولعمري إن هذا ممكن، لكنه خلاف ظاهر حاله، فإنه ما كان يخاف من قول يذهب إليه، أو اختيار ينصره، ولهذا تناقضت آراؤه في سائر كتبه، وإنما سببه عندي، أنه كان شديد الاشتياق إلى الوقوف على الحق كما صرح به في وصيته التي أملاها عند موته، فلهذا كان يستفرغ وسعه ويكد قريحته في تقرير شبه الخصوم، حتى لا يبقى لهم بعد ذلك مقال، فتضعف قريحته عن جوابها على الوجه، لاستفراغه قوتها في تقرير الشبه ... " (٤) ، وقال الذهبي عنه - وقد ترجم له في الميزان في حرف الفاء باسم الفخر -: " رأس في الذكاء والعقليات لكنه عرى عن الآثار، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث الحيرة نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وله كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم، سحر صريح، فلعله تاب من تأليفه إن شاء الله تعالى " (٥) .
    أما الشهرزوري المتوفى سنة ٣٨٧هـ، تقريباً - فقد نقده نقداً لاذعاً - من منطلق فلسفي إشراقي (٦) وقال عنه " له مصنفات في أكثر العلوم
    الفلسفة الإشراقية تجمع بين الفلسفة والتصوف، وكان على رأسها السهروردي المقتول سنة ٥٨٧هـ، وأشهر كتبه كتابه حكمة الأشراف الذي شرحه الشهرزوري - محمد بن محمود- انظر في نشأة فلسفة الإشراق وترجمة الشهرزوري، مقدمة تحقيق نزهة الأرواح (ج- ١ص: د- كز) وأصول الفلسفة الإشراقية، محمد على أبو ريان، والأعلام للزركلي (٧/٨٧)
    إلا أنه لا يذكر في زمرة الجكماء المحققين، ولا يعد في الرعيل الأول من المدققين، أورد على الحكماء شكوكاً وشبهاً كثيرة وما قدر أن يتخلص منها، وأكثر من جاء بعده ضل بسببها، وما قدر على التخلص منها" (١) ، ويقول عنه أيضاً: " هو شيخ مسكين، متحير في مذاهبه التي يخبط فيها خبط عشواء

  20. #40
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,720

    افتراضي رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول

    عز الدين بن عبد السلام (٤) : ت ٦٦٠هـ.
    الإمام العلم المشهور، وهو أحد تلامذة الآمدي، ويلاحظ أن وفاته كانت قبل ولادة شيخ الإسلام ابن تيمية بسنة واحدة تقريباً، وقد تميز العز بن عبد السلام بكونه من أعلام العلماء العاملين المجاهدين، الذين يقتدى بهم فئات عظيمة من الناس من العلماء وغيرهم، ولذلك فدفاعه عن مذهب الأشاعرة وتقريره له في كتبه له أثره في الناس، وقد كانت إحدى محنة الكبار بسبب مسألة الحرف والصوت، وقد ألف في ذلك عقيدته المسماة "الملحة في اعتقاد أهل الحق" قرر فيها مذهب الأشاعرة في كلام الله وإنكارالحرف والصوت وشنع على مخالفيه من الحنابلة، ووصفهم بالحشو وأغلظ عليهم، وقد أفرد ولده عبد اللطيف ما جرى له في رسالة (٥) ، ونقلها السبكي، الذي نقل أيضاً
    الملحة " بكاملها (١) ، ومما تجدر ملاحظته أن شيخ الإسلام رد على العز في رسالته هذه -وأغلظ عليه أحياناً - مع أنه مدحه في أول الجواب عن الفتوى (٢) .
    والأدلة على أشعرية العز واضحة، وقد سجل خلاصة لعقيدته في كتابه المشهور قواعد الأحكام (٣) ، أما تأويله لبعض الصفات، فواضح في كتابه الإشارة إلى الإيجاز فقد أول صفات المجيئ، والقبضة، واليدين، والنزول، والضحك، والفرح، والعجب، والاستواء، والمحبة، والغضب، والسخط وغيرها (٤) ، وهو ممن ينفي العلو والفوقية ويتأولهما (٥) ، كما أن الشيخ له ميل إلى التصوف، فقد ذكر في كتابه القواعد أنواع العلوم التي يمنحها الأنبياء والأولياء فذكر منها: " الضرب الثاني: علوم إلهامية، يكشف بها عما في القلوب، فيرى أحدهم من الغائبات ما لم تجر العادة بسماع مثله..
    قال ابن تيمية في نقض المنطق (ص: ١٤) ، [وهو في مجموع الفتاوي ٤/١٥) ، " وكذلك رأيت في فتاوي الفقيه أبي محمد فتوى طويله فيها أشياء حسن ... " ثم رد عليه في (ص: ٧٤) ، وكونه مع الجويني يعيبون بتسميتهم حشوية، وفي (ص: ١١٨) ، نقل نصاً من " الملحمة " ورد عليه إلى (ص: ١٣٥) ، - من نقض المنطق - والمقصود بأبي محمد العزّ بن عبد السلام وليس أبا محمد الجويني، والد إمام الحرمين - كما ظن البعض، لأن ابن تيمية أشار (ص: ١٥) ، إلى الفتنة القشيرية والتي وقعت سنة ٤٦٩هـ، وأن اللعن للأشعرية انتشر بعدها، وأبو محمد الجويني توفي سنة ٤٣٨هـ، إضافة إلى أن شيخ الإسلام أعاد ذكره في (ص: ٥٤) ، بقوله " الفقيه أبو محمد بن عبد السلام "، وفي (ص: ٧٤) ، ذكر أن أبا محمد كان يتبع أبا المعالي في فقهه وكلامه، وهذا دليل قاطع، مع أنه ذكره بقوله " أبو محمد" فقط بدون الفقيه، إضافة إلى أن مترجمي الجويني لم يذكروا له فتاوي جمعت له، أما العز فله عدة فتاوي لها نسخ خطية موجودة، وقد طبع بعضها، والله أعلم.
    ......
    ص 587)
    صفي الدين الهندي (٢) : ت ٧١٥هـ
    وقد سمى كتابه " الرسالة التسعينية في الأصول الدينية" لأنها مشتملة على تسعين مسألة، وقد أشار في أولها إلى ما جرى بين ابن تيمية والأشاعرة (٣) ، وقد حذا في رسالته هذه حذو الرازي (٤) ، وذكر القانون الكلي الذي يقدم فيه العقل على النقل عند التعارض (٥) ، كما أوّل حديث الجارية " أين الله " بتأويل عجيب (٦) ، وفي مسألة حلول الحوادث رد على الرازي حين قال إن أكثر العقلاء قالوا به (٧) ، وفي مسألة حوادث لا أول لها ناقشها وكأنه يعرض بشيخ الإسلام ابن تيمية (٨) ، كما أنه رد على الرازي في قوله في الرؤية: وإنها حالة انكشاف بنوع من العلم (٩) ، وفي الجملة فليس في هذه الرسالة جديد لا في الأدلة ولا في العرض، ويغلب عليه فيها المنهج العقلي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •