بسم الله الرحمن الرحيم
العلمانيون المعتدلون


كان التخلف الفكري والحضاري الذي أصاب المجتمعات الإسلامية في العقود الأخيرة أكبر عامل ساعد على وجود بيئة خصبة لنمو العلمانية، حيث غرس الاستعمار الغربي إبّان احتلاله للأمة الإسلامية البذور الأولى لهذا الفكر الغريب وما ترك ديارنا إلا بعد أن حصد من ثمارها بضعة أجيال تولت قيادة التوجيه في أغلب القطاعات بعد رحيله.
وهلل العلمانيون من أبناء أمتنا لفكرهم الوليد في ديارنا، وصاحوا في الناس بأن الرخاء قادم بعد أن نبذوا –بزعمهم- رداء التخلف والجمود، وعلت صيحةٍ هنا بنبذ اللغة الفصحى -لغة القرآن- وصيحة هناك باتباع الغرب وحضارته المادية في كل خير وشر حلو ومر، وانتشر التبرج السافر والاختلاط تحت شعار حرية المرأة، وأصبح الشغل الشاغل لكثير من قطاعات الإعلام هو عرض روايات وأغاني الحب والغرام تحت ستار الحرية الفكرية وكسر القيود بين الرجل والمرأة، وكأن القيم الإسلامية واللغة العربية وحجاب المرأة كانوا أهم عوائق مسيرة البناء والتقدم.
إلا أن الأيام تكفلت بإثبات فشل الفكر العلماني في تحقيق الرخاء، وظهر لكل ذي لب زيف الدعوة العلمانية كمنهج بديل تقوم عليه مسيرة البناء والتقدم المنشود .. ففي غياب القيم الإسلامية والتشريعات الربانية زادت معدلات الجريمة والإدمان، وتفشت الرشوة وسوء الإدارة في قطاعات عديدة، وأسفرت الرذيلة عن وجهها، كما ظهرت طائفة لا يستهان بها من الوصوليين والانتهازيين والماديين الذين شكلوا أكبر معاول للهدم في بنيان الأمة الإسلامية، وفي الوقت الذي قامت فيه من حولنا تكتلات صناعية وزراعية ونمور آسيوية واتحاد أوروبي اقتصادي ونقدي، مازال المسلمون يغطون في نوم عميق ليس لهم حديث إلا عن حضارتهم القديمة ومجد الآباء وعبقريتهم عبر قرون مضت.
ولقد كان هذا الواقع المرير أكبر درس لقنته الأيام للعلمانيين من أبناء جلدتنا، وأيقن المنصفون منهم بعد طول تجربة أن بناء الأمة لا يكون إلا بترسيخ القيم الإسلامية والتعاليم الربانية في النفوس، وتربية المسلمين على معاني الإيمان والتقوى التي تخلق فيهم الضمائر الحية فتأبى معصية الله والوطن حتى ولو في الخفاء وفي غياب الرقابة والقوانين ثم يأتي بعد ذلك الأخذ بالأسباب المادية والنواحي العلمية.
وهكذا عادت طائفة من العلمانيين إلى رشدها، وأقرت بدور الدين في التوجيه الأمثل لشئون الحياة، إلا أن عودتهم إلى رحاب التعاليم الإسلامية لم تكن كاملة مائة في المائة .. فلقد أعرضوا عن بعض النقاط في الشريعة الإسلامية، تارة لأنهم رأوا فيها عدم ملائمتها للواقع الحالي (كتطبيق الحدود وتعدد الزوجات)، وتارة لأنهم وجدوها لا تتجانس مع المناطق العقلية والقوانين المادية (كقضية الحسد).
وأطلق هؤلاء العلمانيون الجدد على أنفسهم – تحت دعوى الرؤية المستنيرة للشريعة الإسلامية – لقب «العلمانيون المعتدلون» ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نناقشهم في هذه النقاط مناقشة هادئة، نجلو فيها وجه الحقيقة، ونبين موقف الإسلام تجاه هذه القضايا.
نظام الحدود في الشريعة الإسلامية
نظر العلمانيون ورجال التشريع الوضعي إلى نظام الحدود في الإسلام نظرة استفظاع، ظهر الإسلام فيها متعطشا إلى إراقة الدماء، مما دفعهم إلى رفض الأخذ بأحكامه في الحدود، وأخذوا بأحكام ظاهرها فيها الرحمة، ولكنها تنطوي في الواقع على شر كبير، ونتائج سيئة على المجتمع وأفراده.
فالقوانين والدساتير التي من صنع البشر تنظر للفرد باعتباره عنصرا هاما في الحياة، وتغفل أنه جزء من كل هو الجماعة .. فكثيرا ما تشتط وتغالي في حرية الفرد، ولا تقيد حقوقه بمصلحة المجموع، ولكن التشريع الإسلامي يلائم بين المثالية والواقعية، حيث يقرر للفرد حقوقه كاملة، بشرط ألا يضار الغير باستعمال صاحب الحق حقه .. فشرع المولى الحكيم العليم القصاص، وأوجب تنفيذه على الحكام صيانة لدماء الناس، ومحافظة على أرواح الأبرياء وأموالهم، وقضاء على الفتنة في مهدها، ذلك لأن أخذ الجاني بجنايته يكون زاجرا له ولغيره، ورادعا لأهل البغي والعدوان، فإذا هم أحد بقتل أخيه وعلم يقينا أن عقوبة المجتمع له هي القتل كف عن إزهاق روح بريئة، فكان في ذلك حياة له، وحياة لمن أراد قتله، وحياة لأفراد المجتمع .. وإلى هذا المعنى أشار القرآن الكريم، فقال تعالى: { ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون } [البقرة:179]
أما التراخي مع جناية الجاني، والنظر إليه بعين الرحمة والشفقة، أو أنه شطط نفسي، من أكبر الخطأ لأن المقتول ظلما الذي أزهقت روحه ورملت زوجته ويتمت أولاده أولى بالرحمة والشفقة، وقس على ذلك من سرق ماله أو هتك عرضه، كما أن هذا التراخي سيؤدى لا محالة إلى إثارة الفتن، وتعريض المجتمع إلى سفك الدماء البريئة أخذا بالثأر، فإن الغضب للدم المراق فطرة في الإنسان، والإسلام راعى ذلك فقرر شريعة القصاص حتى يستل الأحقاد من القلوب، ويقضى على أسباب البغي والخصام والعدوان، فرحمة المجتمع أهم بكثير من رحمة فرد لا يستحقها.
ولو نظرنا إلى نظام العقوبات في التشريعات الوضعية نجد أنه أخفق في تقليل معدلات الجريمة، فالسجون لم تحل المشكلة، لأن السنة في السجون تحسب تسعة أشهر فقط، فضلا على أن المجرم يخرج بعد قضاء ثلثي المدة إذا ثبت حسن سيره وسلوكه أثناء قضاءه فترة العقوبة، وبالتالي يصبح صافي المدة التي يستغرقها المحكوم عليه النصف أو أقل .. وهكذا سرعان ما يخرج للنور مرة أخرى، ويرتع في المجتمع الذي لم يوقع عليه العقوبة الرادعة له، والكفيلة بأن تكفه عن مجرد التفكير في ظلم الناس والبغي عليهم.
وتشير أحدث الإحصاءات إلى أن 70% من المجرمين يعودون إلى ارتكاب جرائمهم بعد خروجهم من السجن، وفي تقرير لهيئة الأمم المتحدة سنة 1979م عن معدلات الجريمة في البلاد التي تطبق فيها الشريعة الإسلامية بالمقارنة بالبلاد الأخرى، نجد أنه من بين كل مليون نسمة يرتكب الجريمة في السعودية 22 شخص، وفي فرنسا 32 ألف، وفي كندا 75 ألف، وفي فلندا 63 ألف، وفي ألمانيا 42 ألف.
فالإسلام بنظامه الرباني قد نجح في خلق مجتمع متوازن، في حين أن غيره من المجتمعات أضحت الجريمة فيه مشكلة استعصت على الحل، وكفي أن نعلم أن في أمريكا وحدها ينفق 26 مليار دولار سنويا لمكافحة الجريمة، وليت هذه المليارات عالجت المشكلة وأوجدت لها مخرج.
الإسلام وتعدد الزوجات
قضية تعدد الزوجات في الإسلام ليست عورة نسترها أو تهمة نتكتمها أو مسألة نتوارى بها خجلا وندخل معها في قفص الاتهام، نتلمس البراءة لديننا أمام أعداء الإسلام والمسلمين، فتعدد الزوجات بمثابة الدواء والعلاج لكثير من المشكلات الاجتماعية التي قد تعرض للأسرة، وهو أمر مباح، ويسن إذا حسنت النوايا وروعيت فيه الضوابط الشرعية، وقد ينقلب حراما إذا ما خاف الإنسان الجور وعدم العدل.
فقد تمرض الزوجة مرضا مزمنا يطول برؤه أو يستعصى على العلاج مما لا يمكنها من أن تقوم بواجباتها تجاه أسرتها وزوجها الأمر الذي يدفع الزوج إلى طلاقها إن لم يجد سعة وحلا في إباحة التعدد له.
وبعض الرجال يغلب عليهم سلطان الشهوة، ولا تندفع حاجته بزوجة واحدة، فلو سد عليه باب التعدد لفتح لنفسه باب الزنا واتخاذ الخليلات بدل الحليلات، وهذا شر مستطير يُهلك المجتمعات ويفسد الأخلاق.
وكذلك إذا كانت الزوجة عقيما لا تلد، فغياب الأطفال في بعض الأسر سببا يجعل محيط تلك الأسرة تسوده الكآبة والبهجة، خاصة وإن كان الزوج شديد التعلق بالأطفال، وله رغبة ملحة في الإنجاب .. ففي رحاب التعدد كان الزواج بأخرى من أسلم الحلول لاستمرار الحياة بينهما، والحفاظ على أواصر الوفاء تجاهها، وفي نفس الوقت تحقق رغبة الزوج في أنجاب طفل يملأ عليه الحياة سعادة وسرورا.
كما أنه من المشاهد أن الإناث كلهن مستعدات للزواج، وكثير من الرجال لا قدرة لهم ماديا على القيام بلوازم الزواج لفقرهم، فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء، لأن المرأة لا عائق لها، والرجل يعوقه الفقر وعدم القدرة على لوازم النكاح، فلو قصر الواحد على الواحدة لضاع كثير من المستعدات للزواج لعدم وجود أزواج، فيكون ذلك سببا لضياع الفضيلة وتفشى الرذيلة والانحطاط الخلقي وضياع القيم.
أما في البلاد التي خرجت من الحروب، فإن للتعدد فوائد عظيمة في استقرار المجتمع وأمنه القيمي، فالحروب تخلف دائما وراءها جيشا جرارا من النساء الأرامل الذين يزيد عددهن بكثير على عدد الرجال، ويصبح في تلك الظروف الاقتصار على زوجة واحدة يحرم كثيرا من النساء من حياة عائلية مستقرة، ولا يجدن طريقا لهن إلا الرهبنة وما أقساها، وقد تكون ستارا لأمور شنيعة، وإما يلجأن إلى ركوب الفاحشة وما أتعسه من حل.
بالإضافة إلى كل هذا قد يصبح التعدد علاجا ناجعا لكثير من الدول التي تعانى من نقص في المواليد وقلة كثافة سكانها، مما يضعف شوكتها ويطمع فيها جيرانها، فكان التعدد من أهم العوامل التي تساعد على بناء قوتها البشرية وتوفير الأيدي العاملة التي تستخرج خيراتها وتدعم اقتصادها وكيانها.
ومن هذه المنطلقات كان التعدد في الإسلام، وكانت الاستفادة من مزاياه لحل كثير من المشكلات الاجتماعية، وسد باب الفاحشة والرذيلة، فيقول تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) [النساء:3]
قال العلامة الشنقيطي عليه -رحمة الله تعالى-: (وقد أباح القرآن تعدد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطيل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا، فهو تشريع حكيم خبير لا يطعن فيه إلا من عمى الله بصيرته بظلمات الكفر، وتحديد الزوجات بأربع تحديد من حكيم خبير، وهو أمر وسط بين القلة المفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل، وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية للجميع).
ولقد فشلت النظم الغربية في إيجاد حلول منطقية للمشكلات الناتجة من غياب نظام (تعدد الزوجات)، وأدى تفاقم هذه المشكلات إلى زيادة عدد البغايا على عدد المتزوجات، وكثرة عدد المواليد من السفاح بنسبة تصل إلى الملايين، كما عزف الرجال عن الزواج حيث أصبحت المرأة سهلة المنال بلا تكاليف ولا مسؤوليات، وانحلت عرى الصلات الوثيقة بين الزوجين مما جعل الحياة الزوجية في اضطراب دائم، ووصل الأمر ببعض الرجال إلى أن يتهم زوجته بالزنا حتى يتيسر له الخلاص منها بالطلاق، أما عن الأمراض الجنسية فحدث ولا حرج حيث أصبحت خطرا يهدد حياة المواطن الغربي.
كل هذه الأزمات جعلت المنصفين من مفكري الغرب ينادون بالعودة إلى نظام تعدد الزوجات حفاظا على المجتمع من عوامل التردي التي تفشت فيه.
يقول الفيلسوف الإنجليزي (برناردشو): «إن أوربا لو أخذت بهذا النظام لوفرت على شعوبها كثيرا من أسباب الانحلال والسقوط الخلقي والتفكك العائلي».
ويقول الفيلسوف الألماني (شوبنهاور): «إن قوانين الزواج في أوربا قوانين فاسدة بمساواتها المرأة بالرجل، فقد جعلتنا نقتصر على زوجة واحدة، فأفقدت الرجال نصف حقوقهم، وضاعفت على النساء واجباتهن» ثم يقول: «إن المرأة في الأمم التي تجيز تعدد الزوجات لا تعدم زوجا يتكفل بشؤونها ..إن المتزوجات من بناتنا عددهن قليل، أما غير المتزوجات فلا يحصى عددهن، تراهن هنا وهناك بغير كفيل بين فتاة بكر من الطبقات العليا وقد هرمت وشاخت تهيم على وجهها متحسرة، ومخلوقات أخرى ضعيفة وفقيرة من الطبقات الأدنى، يتجشمن الصعاب ويتحملن مشاق الأعمال، وربما اضطررن إلى الابتذال فيعشن تعيسات متلبسات بالخزي والعار، ففي مدينة لندن وحدها آلاف الفتيات اللاتي فقدن شرفهن ضحية نظام الاقتصار على زوجة واحدة».
الإسلام والحسد
يقول ابن القيم: (تأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة، وتقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصية، ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية).
ويقول ابن خلدون: (ومن قبيل التأثيرات النفسية الإصابة بالعين، وهو تأثير من نفس المعيان عندما يستحسن بعينه، مدركا من الذوات أو الأحوال، ويفرط في استحسانه، وينشأ عن ذلك الاستحسان حينئذ أنه يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به، فيؤثر فساده وهو جبلة فطرية).
ولقد ذكر الحسد في القرآن الكريم تارة باللفظ الصريح (في خمسه مواضع) وتارة بالمعنى، ومثال النوع الأول قوله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء:54] وقوله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} [الفلق:5] ومثال النوع الثاني، قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام لأبنائه: {وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا الله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون} [يوسف:67]
قال القرطبي: (لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، وكانت مصر لها أربعة أبواب، وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلا لرجل واحد، وكانوا أهل جمال وكمال وبسطة)
وقوله تعالى: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} [القلم:51] .. قال ابن كثير: (ليزلقونك) لينفذوك (بأبصارهم) أي يعينوك بأبصارهم، بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم، وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة.
أما في السنة النبوية فما أكثر الأحاديث الصحيحة عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم- التي تثبت الحسد وتأثيره، ومنها:
حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا) [رواه مسلم]
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن العين حق تدخل الرجل القبر والجمل القدر) [رواه أبو نعيم]
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: (استرقوا لها فإن بها النظرة) [رواه البخاري]
إن الذين ينكرون وقوع الحسد من الماديين الذين لا يؤمنون إلا بكل ما هو محسوس، محجوجون بكل الظواهر من حولنا التي ندرك آثارها ولا نشاهدها، كالروح التي تسرى في أجسادنا وتهب لنا الحياة، فإذا فارقت الجسد صار جثة هامدة، رغم سلامة أجهزته وأعضائه. وكالكهرباء التي تسرى في الأسلاك ويدار بها أعظم الأجهزة والآلات .. كلها ظواهر تؤكد عدم استحالة وجود الحسد، وخطأ من ينكر حقيقته، رغم أن آثاره يراها الفرد من حوله في العديد من المواقف، ممالا يدع مجالا للشك في الإيمان به.
وفي النهاية نقول للعلمانيين أصحاب (الرؤية المستنيرة للشريعة الإسلامية): «لستم على شيء حتى تقيموا شرائع الإسلام كاملة، وتعضوا عليها بالنواجذ، معتقدين اعتقادا جازما بأنها سبيل النجاة، والتقدم»
فهذه الرؤية القائمة على الأخذ ببعض أحكام الإسلام وترك البعض الآخر –رغم عدم صحتها- ستؤدى لا محالة إلى فقد المصداقية في تعاليم الوحي وصلاحيته لقيادة البشرية، مما ينعكس على الأحكام التي أخذتم بها نفسها، فيذهب العمل بها سدى مع الأيام من الأجيال القادمة تحت نفس الدعوى.
ولقد وبخ الله تعالى في كتابه الكريم أمثالكم من الأمم السابقة الذين نهجوا نفس النهج، فقال جل شأنه: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}[البقرة:85]
كما أوضح الله تعالى حكمه في تلك الدعوات، فقال جل شأنه: {يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافه ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} [البقرة:208]
(ولما دعا الله الذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة، حذرهم أن يتبعوا خطوات الشيطان، فإنه ليس هناك إلا اتجاهان اثنان: إما الدخول في السلم كافة، وإما إتباع خطوات الشيطان. إما هدى وإما ضلال، إما إسلام وإما جاهلية، إما طريق الله وإما طريق الشيطان، وإما هدى الله وإما غواية الشيطان، وبمثل هذا الحسم ينبغي أن يدرك المسلم موقفه فلا يتلجلج ولا يتردد ولا يتحير بين شتى السبل وشتى الاتجاهات. إنه ليس هنالك مناهج متعددة للمؤمن أن يختار واحدة منها أو يخلط واحدا منها بواحد .. كلا، إنه من لا يدخل في السلم بكليته، ومن لا يسلم نفسه خالصة لقيادة الله وشريعته، ومن لا يتجرد من كل تصور آخر ومن كل منهج آخر ومن كل شرع آخر .. إن هذا في سبيل الشيطان سائر على خطوات الشيطان، ليس هنالك حل وسط ولا منهج بين بين، ولا خطة نصفها من هنا ونصفها من هناك، إنما هناك حق وباطل، هدى وضلال، إسلام وجاهلية، منهج الله أو غواية الشيطان).
المصادر:
- تفسير آيات الأحكام/ للصابوني - الجامع لأحكام القرآن / القرطبى

الغرب يطالب بالتعدد / رفعت محمد طاحون
- الحسد مجدي محمد الشهاوي - نظرات في مسألة تعدد الزوجات /سعيد عبد العظيم
- تفسير القرآن العظيم /ابن كثير
د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com