تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب.....

  1. #1

    افتراضي سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب.....

    سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب:
    قال الإمام ابن أبي العز الحنفي:
    فإنه قد يعفى لصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره فإن فاعل السيئات يسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب عرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة :

    السبب الأول : التوبة: قال تعالى : { إلا من تاب } { إلا الذين تابوا } وغيرها والتوبة النصوح وهي الخالصة لا يختص بها ذنب دون ذنب لكن هل تتوقف صحتها على أن تكون عامة ؟ حتى لو تاب من ذنب وأصر على آخر لا تقبل ؟
    والصحيح أنها تقبل وهل يجب الإسلام ما قبله من الشرك وغيره من الذنوب وإن لم يتب منها ؟ أم لا بد مع الإسلام من التوبة من غير الشرك ؟ حتى لو أسلم وهو مصر على الزنا وشرب الخمر مثلا هل يؤاخذ بما كان منه في كفره من الزنا وشرب الخمر ؟ أم لا بد أن يتوب من ذلك الذنب مع إسلامه ؟ أو يتوب توبة عامة من كل ذنب ؟ وهذا هو الأصح : أنه لا بد من التوبة مع الإسلام وكون التوبة سببا لغفران الذنوب وعدم المؤاخذة بها - مما لا خلاف فيه بين الأمة وليس شيء يكون سببا لغفران جميع الذنوب إلا التوبة قال تعالى :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } وهذا لمن تاب ولهذا قال : { لا تقنطوا } .
    وقال بعدها : {وأنيبوا إلى ربكم } الآية.

    السبب الثاني : الاستغفار: قال تعالى : { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } لكن الاستغفار تارة يذكر وحده وتارة يقرن بالتوبة فإن ذكره وحده دخلت معه التوبة كما إذا ذكرت التوبة وحدها شملت الاستغفار فالتوبة تتضمن الاستغفار والاستغفار يتضمن التوبة وكل واحد منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى فالاستغفار : طلب وقاية شر ما مضى.والتوبة : الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله ونظير هذا : الفقير والمسكين إذا ذكر أحد اللفظين شمل الآخر وإذا ذكرا معا كان لكل منهما معنى قال تعالى : { إطعام عشرة مساكين } { فإطعام ستين مسكينا } { وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } لا خلاف أن كل واحد من الاسمين في هذه الآيات لما أفرد شمل المقل والمعدم ولما قرن أحدهما بالآخر في قوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية - : كان المراد بأحدهما المقل والآخر المعدم على خلاف فيه وكذلك : الإثم والعدوان والبر والتقوى والفسوق والعصيان ويقرب من هذا [ المعنى ] : الكفر والنفاق فإن الكفر أعم فإذا ذكر الكفر شمل النفاق وإن ذكرا معا كان لكل منهما معنى وكذلك الإيمان والإسلام على ما يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.


    السبب الثالث : الحسنات : فإن الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها فالويل لمن غلبت _آحاده عشراته _ وقال تعالى :{ إن الحسنات يذهبن السيئات } وقال صلى الله عليه و سلم "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"( 1) .


    السبب الرابع : المصائب الدنيوية: قال صلى الله عليه و سلم : "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا غم ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها - إلا كفر بها من خطاياه" وفي المسند: أنه لما نزل قوله تعالى : { من يعمل سوءا يجز به} - قال أبو بكر : يا رسول الله نزلت قاصمة الظهر وأينا لم يعمل سوء ؟ فقال : يا أبا بكر ألست تنصب ؟ ألست تحزن ؟ ألست يصيبك اللأواء ؟ فذلك ما تجزون به"(2 ).

    فالمصائب نفسها مكفرة وبالصبر عليها يثاب العبد وبالسخط يأثم والصبر والسخط أمر آخر غير المصيبة فالمصيبة من فعل الله لا من فعل العبد وهي جزاء من الله للعبد على ذنبه ويكفر ذنبه بها وإنما يثاب المرء ويأثم على فعله والصبر والسخط من فعله وإن كان الأجر قد يحصل بغير عمل من العبد بل هدية من الغير أو فضلا من الله من غير سبب قال تعالى:{ ويؤت من لدنه أجرا عظيما } فنفس المرض جزاء وكفارة لما تقدم وكثيرا ما يفهم من الأجر غفران الذنوب وليس ذلك مدلوله وإنما يكون من لازمه.

    السبب الخامس : عذاب القبر: وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.


    السبب السادس : دعاء المؤمنين واستغفارهم في الحياة وبعد الممات.


    السبب السابع : ما يهدى إليه بعد الموت من ثواب صدقة أو قراءة أو حج ونحو ذلك وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى.

    السبب الثامن : أهوال يوم القيامة وشدائده.


    السبب التاسع : ما ثبت في الصحيحين :" أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة".


    السبب العاشر : شفاعة الشافعين كما تقدم عند ذكر الشفاعة وأقسامها.


    السبب الحادي عشر : عفو أرحم الراحمين من غير شفاعة: كما قال تعالى : {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فإن كان ممن لم يشأ الله أن يغفر له لعظم جرمه فلا بد من دخوله إلى الكير ليخلص طيب إيمانه من خبث معاصيه فلا يبقى في النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان بل من قال : لا إله إلا الله كما تقدم من حديث أنس رضي الله عنه وإذا كان الأمر كذلك امتنع القطع لأحد معين من الأمة غير من شهد له الرسول صلى الله عليه و سلم بالجنة ولكن نرجو للمحسنين ونخاف عليهم .


    (شرح العقيدة الطحاوية ج2_ص498_ ص500/ ط (2) الإصدار الثاني مؤسسة الرسالة). واصل الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ينظر مجموع الفتاوى (ج7_ ص487_501) .

    ______________________
    ([1]) رواه احمد برقم (21392) ورواه الترمذي (1987) وقال حديث حسن صحيح . وحسنه الالباني فيه وفي المشكاة ( 5083 ) الروض النضير ( 855 ) .
    ([2]) قال الشيخ الألباني في تعليقه على الطحاوية "ضعيف" لكن حسنه في صحيح الترغيب للمنذري برقم (3430) .

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  2. #2

    افتراضي رد: سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب.....

    قَالَ تَعَالَى:{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ}[النحل: 32].

    قال العلامة ابن القيم في معرض كلامه عن _منزلة اليقظة_ :" فَيَنْظُرُ إِلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ مِنَ الْإِسَاءَةِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ فِيهَا، وَأَنَّهُ مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَاكِ بِمُؤَاخَذَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ بِمُوجِبِ حَقِّهِ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مَنْ نَسِيَ مَا تُقَدِّمُ يَدَاهُ، فَقَالَ:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [الكهف: 57]. فَإِذَا طَالَعَ جِنَايَتَهُ شَمَّرَ لِاسْتِدْرَاكِ الْفَارِطِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَتَخَلَّصَ مِنْ رِقِّ الْجِنَايَةِ بِالِاسْتِغْفَا رِ وَالنَّدَمِ وَطَلَبِ التَّمْحِيصِ، وَهُوَ تَخْلِيصُ إِيمَانِهِ وَمَعْرِفَتِهِ مِنْ خُبْثِ الْجِنَايَةِ، كَتَمْحِيصِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَهُوَ تَخْلِيصُهُمَا مِنْ خُبْثِهِمَا، وَلَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ الْجَنَّةَ إِلَّا بَعْدَ هَذَا التَّمْحِيصِ، فَإِنَّهَا طَيِّبَةٌ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا طَيِّبٌ، وَلِهَذَا تَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73]. وَقَالَ تَعَالَى:{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} [النحل: 32]. فَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ ذَرَّةُ خُبْثٍ. وَهَذَا التَّمْحِيصُ يَكُونُ فِي دَارِ الدُّنْيَا بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:

    1_ بِالتَّوْبَةِ.

    2_ وَالِاسْتِغْفَا رِ.

    3_ وَعَمَلِ الْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ.

    4_ وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ.

    فَإِنْ مَحَّصَتْهُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ وَخَلَّصَتْهُ كَانَ مِنَ:{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ} [النحل: 32]. يُبَشِّرُونَهُم ْ بِالْجَنَّةِ، وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ:{أَنْ لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعِدُونَ - نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ - نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30 - 32].

    وَإِنْ لَمْ تَفِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ بِتَمْحِيصِهِ وَتَخْلِيصِهِ، فَلَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ نَصُوحًا وَهِيَ الْعَامَّةُ الشَّامِلَةُ الصَّادِقَةُ وَلَمْ يَكُنِ الِاسْتِغْفَارُ النَّافِعُ، لَا اسْتِغْفَارَ مَنْ فِي يَدِهِ قَدَحُ السُّكْرِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ إِلَى فِيهِ، وَلَمْ تَكُنِ الْحَسَنَاتُ فِي كَمِّيَّتِهَا وَكَيْفِيَّتِهَ ا وَافِيَةً بِالتَّكْفِيرِ، وَلَا الْمَصَائِبُ، وَهَذَا إِمَّا لِعِظَمِ الْجِنَايَةِ، وَإِمَّا لِضَعْفِ الْمُمَحَّصِ، وَإِمَّا لَهُمَا - مُحِّصَ فِي الْبَرْزَخِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

    أَحَدُهَا: صَلَاةُ أَهْلِ الْإِيمَانِ الْجِنَازَةَ عَلَيْهِ، وَاسْتِغْفَارُه ُمْ لَهُ، وَشَفَاعَتُهُمْ فِيهِ.

    الثَّانِي: تَمْحِيصُهُ بِفِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَرَوْعَةِ الْفَتَّانِ، وَالْعَصْرَةِ وَالِانْتِهَارِ ، وَتَوَابِعِ ذَلِكَ.

    الثَّالِثُ: مَا يُهْدِي إِخْوَانُهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِ مِنْ هَدَايَا الْأَعْمَالِ، مِنَ الصَّدَقَةِ عَنْهُ، وَالْحَجِّ، وَالصِّيَامِ عَنْهُ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَنْهُ، وَالصَّلَاةِ، وَجَعْلِ ثَوَابِ ذَلِكَ لَهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى وُصُولِ الصَّدَقَةِ وَالدُّعَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَمَا عَدَاهُمَا فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالْأَكْثَرُون َ يَقُولُونَ بِوُصُولِ الْحَجِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ، وَأَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ مَذْهَبُهُمْ فِي ذَلِكَ أَوْسَعُ الْمَذَاهِبِ، يَقُولُونَ: يَصِلُ إِلَيْهِ ثَوَابُ جَمِيعِ الْقُرَبِ، بِدَنِيِّهَا وَمَالِيَّهَا، وَالْجَامِعُ لِلْأَمْرَيْنِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ " يَا رَسُولَ اللَّهِ،هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ:نَعَمْ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ " وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» .

    فَإِنْ لَمْ تَفِ هَذِهِ بِالتَّمْحِيصِ، مُحِّصَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ فِي الْمَوْقِفِ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:

    1_ أَهْوَالُ الْقِيَامَةِ.

    2_ وَشِدَّةُ الْمَوْقِفِ.

    3_ وَشَفَاعَةُ الشُّفَعَاءِ.

    4_ وَعَفْوُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

    فَإِنْ لَمْ تَفِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِتَمْحِيصِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دُخُولِ الْكِيرِ، رَحْمَةً فِي حَقِّهِ لِيَتَخَلَّصَ وَيَتَمَحَّصَ،و َيَتَطَهَّرَ فِي النَّارِ،فَتَكُ ونَ النَّارُ طُهْرَةً لَهُ وَتَمْحِيصًا لِخَبَثِهِ، وَيَكُونَ مُكْثُهُ فِيهَا عَلَى حَسَبِ كَثْرَةِ الْخَبَثِ وَقِلَّتِهِ،وَش ِدَّتِهِ وَضَعْفِهِ وَتَرَاكُمِهِ، فَإِذَا خَرَجَ خَبَثُهُ وَصُفِّيَ ذَهَبُهُ، وَصَارَ خَالِصًا طَيِّبًا، أُخْرِجَ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ".

    فالذَّنْبَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَثَرٍ، وَأَثَرُهُ يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ تَارَةً، وَبِالْحَسَنَات ِ الْمَاحِيَةِ تَارَةً، وَبِالْمَصَائِب ِ الْمُكَفِّرَةِ تَارَةً، وَبِدُخُولِ النَّارِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ أَثَرِهِ تَارَةً، وَكَذَلِكَ إِذَا اشْتَدَّ أَثَرُهُ، وَلَمْ تَقْوَ تِلْكَ الْأُمُورُ عَلَى مَحْوِهِ، فَلَا بُدَّ إِذًا مِنْ دُخُولِ النَّارِ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَكُونُ فِيهَا ذَرَّةٌ مِنَ الْخَبِيثِ، وَلَا يَدْخُلُهَا إِلَّا مَنْ طَابَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ خُبْثِ الذُّنُوبِ أُدْخِلَ كِيرَ الِامْتِحَانِ، لِيُخَلِّصَ ذَهَبَ إِيمَانِهِ مِنْ خُبْثِهِ، فَيَصْلُحُ حِينَئِذٍ لِدَارِ الْمُلْكِ.

    إِذَا عُلِمَ هَذَا فَزَوَالُ مُوجَبِ الذَّنْبِ وَأَثَرُهُ تَارَةً يَكُونُ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَهِيَ أَقْوَى الْأَسْبَابِ، وَتَارَةً يَكُونُ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ وَتَطْهِيرِهِ فِي النَّارِ، فَإِذَا تَطَهَّرَ بِالنَّارِ، وَزَالَ أَثَرُ الْوَسَخِ وَالْخَبَثِ عَنْهُ، أُعْطِيَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَإِذَا تَطَهَّرَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَزَالَ عَنْهَا بِهَا أَثَرُ وَسَخِ الذُّنُوبِ وَخُبْثِهَا، كَانَ أَوْلَى بِأَنْ يُعْطَى مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، لِأَنَّ إِزَالَةَ التَّوْبَةِ لِهَذَا الْوَسَخِ وَالْخَبَثِ أَعْظَمُ مِنْ إِزَالَةِ النَّارِ، وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، وَإِزَالَةُ النَّارِ بَدَلٌ مِنْهَا، وَهِيَ الْأَصْلُ، فَهِيَ أَوْلَى بِالتَّبْدِيلِ مِمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ(1 ).

    فَلِأَهْلِ الذُّنُوبِ ثَلَاثَةُ أَنْهَارٍ عِظَامٍ يَتَطَهَّرُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا، فَإِنْ لَمْ تَفِ بِطُهْرِهِمْ طُهِّرُوا فِي نَهْرِ الْجَحِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
    1_ نَهْرُ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ.

    2_ وَنَهْرُ الْحَسَنَاتِ الْمُسْتَغْرِقَ ةِ لِلْأَوْزَارِ الْمُحِيطَةِ بِهَا.

    3_ وَنَهْرُ الْمَصَائِبِ الْعَظِيمَةِ الْمُكَفِّرَةِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا أَدْخَلَهُ أَحَدَ هَذِهِ الْأَنْهَارِ الثَّلَاثَةِ، فَوَرَدَ الْقِيَامَةَ طَيِّبًا طَاهِرًا، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّطْهِيرِ الرَّابِعِ( 2).

    قلت: ولعِظَمِ هذه الأمور كان دعاء الرسل ذلك اليوم اللهم سلم سلم فنسأل الله العفو والعافية.





    _____________
    ( 1) انظر مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين : (ج1_ص273_ص536).
    ( 2) المدارج : (ج1_ص549).

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  3. #3

    افتراضي رد: سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب.....

    قال العلامة ابن القيم _رحمه الله تعالى_:" ودلت الآية على أن من لم يطهر الله قلبه فلا بد أن يناله الخزى فى الدنيا والعذاب فى الآخرة، بحسب نجاسة قلبه وخبثه. ولهذا حرم الله سبحانه الجنة على من فى قلبه نجاسة وخبث، ولا يدخلها إلا بعد طيبه وطهره. فإنها دار الطيبين. ولهذا يقال لهم:{طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] .أى ادخلوها بسبب طيبكم. والبشارة عند الموت لهؤلاء دون غيرهم، كما قال تعالى:{الّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجنَّةَ بِمَا كُنْتمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32].
    فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شىء من الخبث. فمن تطهر فى الدنيا ولقى الله طاهراً من نجاساته دخلها بغير معوق، ومن لم يتطهر فى الدنيا فإن كانت نجاسته عينية كالكافر، لم يدخلها بحال. وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر فى النار من تلك النجاسة، ثم يخرج منها، حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهَذَّبون وينقَّون من بقايا بقيت عليهم، قصرت بهم عن الجنة، ولم توجب لهم دخول النار، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم فى دخول الجنة.
    والله سبحانه بحكمته جعل الدخول عليه موقوفا على الطهارة، فلا يدخل المصلى عليه حتى يتطهر. وكذلك جعل الدخول إلى جنته موقوفا على الطيب والطهارة، فلا يدخلها إلا طيب طاهر.


    فهما طهارتان:
    * طهارة البدن.
    * وطهارة القلب.
    ولهذا شرع للمتوضئ أن يقول عقيب وضوئه:"أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحّمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِى مِنَ المُتَطَهِّرِين َ".
    فطهارة القلب بالتوبة، وطهارة البدن بالماء. فلما اجتمع له الطهران صلح للدخول على الله تعالى، والوقوف بين يديه ومناجاته.
    وسألت شيخ الإسلام عن معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:"الّلهُمَّ طَهِّرْنِى مِنْ خَطَايَاىَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ". كيف يطهر الخطايا بذلك؟ وما فائدة التخصيص بذلك؟ وقوله فى لفظ آخر "والماء البارد" والحار أبلغ فى الإنقاء؟
    فقال: الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا، فيرتخى القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه، فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذى يمد النار ويوقدها ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه، والماء يغسل الخبث ويطفئ النار، فإن كان باردا أورث الجسم صلابة وقوة، فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوى فى التبريد وصلابة الجسم وشدته، فكان أذهب لأثر الخطايا.
    هذا معنى كلامه، وهو محتاج إلى مزيد بيان وشرح .


    إغاثة اللهفان : (ج1_ص119).

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  4. #4

    افتراضي رد: سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب.....

    فانظر إلى كم تُيَسر لك أسباب تكفير الخطايا لعلك تطهر منها قبل الموت فتلقاه طاهراً، فتصلح لمجاورته في دار السلام.


    وأنت تأبى إلا أن تموت على خبث الذنوب فتحتاج إلى تطهيرها في كير جهنم.


    يا هذا! أما علمت أنه لا يصلح لقربنا إلا طاهر؟!


    فإن أردت قربنا ومناجاتنا اليوم فطهر ظاهرك وباطنك لتصلح لذلك، وإن أردت قربنا ومناجاتنا غداً فطهر قلبك من سوانا لتصلح لمجاورتنا (يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بَنُونَ * إلا مَنْ أتى الله بقلبٍ سليمٍ) ، القلب السليم الذي ليس فيه غير محبة الله، ومحبة يحبه الله، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، فما كل أحد يصلح لمجاورة الله تعالى غداً، ولا كل أحد يصلح لمناجاة الله اليوم، ولا على كل الحالات تحسن المناجاة:
    الناسُ من الهوى على أصنافِ ... هذا نقضَ العهدَ وهذا وافي
    هيهاتَ مِنَ الكدورِ تبغي الصافي ... ما يصلِحُ للحضرةِ قلبٌ جافي
    (1 ).





    _____________________
    (1 ) اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى: (ص49) المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي:المتوفى: 795هـ.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب.....

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو العبدين البصري مشاهدة المشاركة

    الثَّالِثُ: مَا يُهْدِي إِخْوَانُهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِ مِنْ هَدَايَا الْأَعْمَالِ، مِنَ الصَّدَقَةِ عَنْهُ، وَالْحَجِّ، وَالصِّيَامِ عَنْهُ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَنْهُ، وَالصَّلَاةِ، وَجَعْلِ ثَوَابِ ذَلِكَ لَهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى وُصُولِ الصَّدَقَةِ وَالدُّعَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَمَا عَدَاهُمَا فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالْأَكْثَرُون َ يَقُولُونَ بِوُصُولِ الْحَجِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ، وَأَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ مَذْهَبُهُمْ فِي ذَلِكَ أَوْسَعُ الْمَذَاهِبِ، يَقُولُونَ: يَصِلُ إِلَيْهِ ثَوَابُ جَمِيعِ الْقُرَبِ، بِدَنِيِّهَا وَمَالِيَّهَا، وَالْجَامِعُ لِلْأَمْرَيْنِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ " يَا رَسُولَ اللَّهِ،هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ:نَعَمْ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ " وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» .

    أخي الفاضل .
    هل من أدلة صريحة على الكلام أعلاه .

    وجزاك الله خيرا على الموضوع الجميل .

  6. #6

    افتراضي رد: سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب.....

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المعيصفي مشاهدة المشاركة
    أخي الفاضل .
    هل من أدلة صريحة على الكلام أعلاه .

    وجزاك الله خيرا على الموضوع الجميل .
    بارك الله فيك لا يخفى على طالب علم مثلك أن الكلام اعلاه لابن القيم .
    كما لا يخفى عليك الخلاف في هذه المسألة .
    أما بالنسبة لما أدين الله به أنه يقتصر في مسألة وصول الاعمال على ما ورد فقط بدون توسع وقياس.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب.....

    أخي الفاضل حفظك الله .
    ينبغي علينا أن ندعو المسلمين بشرع الله ( الكتاب والسنة ) والعلماء وسيلة لفهم أدلة الشرع .
    فالواجب اقتصار دعوتنا على القول المستند على الدليل الشرعي الصحيح فهو الطريق الذي يجنبنا الخلاف أو يقلل من احتمال وقوعه .
    والمتصفحون للأنترنت كما تعلم . ما هم إلا صورة لواقع الأمة حيث يكثر الجهل ويندر طلاب العلم الذين قد يحتاجون لمعرفة مواضع الخلاف أما الأكثر والمعظم فالذي ينفعهم هو معرفة أصح وأرجح وأقرب الأقوال لمراد الشرع .
    ولا يخفى عليك ذلك أيضا . ولكنه من باب التواصي بالحق .
    فجزاك الله خيرا .
    ونفع بك .
    ومعذرة إليك أخي الحبيب .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب.....

    أرجو أن تسامحني أخي .
    عندي ملحوظتان حول كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى .
    فهو قد جاء بالضمير ( الهاء ) بدلا عن لفظ الجلالة في قوله
    فتلقاه طاهراً، فتصلح لمجاورته في دار السلام.
    ثم أورد كلاما يخاطب فيه صاحب الذنوب وأتى فيه بضمير المتكلم ( نا ) وكأنه هو الذي يخاطب !.
    أو أن الكلام عبارة عن حديث قدسي !!! .
    وذلك بقوله
    " يا هذا! أما علمت أنه لا يصلح لقربنا إلا طاهر؟!


    فإن أردت قربنا ومناجاتنا اليوم فطهر ظاهرك وباطنك لتصلح لذلك، وإن أردت قربنا ومناجاتنا غداً فطهر قلبك من سوانا لتصلح لمجاورتنا "

    وكذلك ربما سقط من العبارة التالية الاسم الموصول ( ما ) فإن العبارة كما هي لا تستقيم .
    "ومحبة يحبه الله " .
    والعبارة الصحيحة هي " ومحبة ما يحبه الله "

    وأخيرا فإن عنوان الموضوع فيه خطأ والصحيح هو .
    " سقوط العقوبة عن المسيء بأحد عشر سببا "
    والله أعلم

  9. #9

    افتراضي رد: سقوط العقوبة عن المسيء بأحد بعشر اسباب.....

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المعيصفي مشاهدة المشاركة
    أرجو أن تسامحني أخي .
    عندي ملحوظتان حول كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى .
    فهو قد جاء بالضمير ( الهاء ) بدلا عن لفظ الجلالة في قوله
    فتلقاه طاهراً، فتصلح لمجاورته في دار السلام.
    ثم أورد كلاما يخاطب فيه صاحب الذنوب وأتى فيه بضمير المتكلم ( نا ) وكأنه هو الذي يخاطب !.
    أو أن الكلام عبارة عن حديث قدسي !!! .
    وذلك بقوله
    " يا هذا! أما علمت أنه لا يصلح لقربنا إلا طاهر؟!


    فإن أردت قربنا ومناجاتنا اليوم فطهر ظاهرك وباطنك لتصلح لذلك، وإن أردت قربنا ومناجاتنا غداً فطهر قلبك من سوانا لتصلح لمجاورتنا "

    وكذلك ربما سقط من العبارة التالية الاسم الموصول ( ما ) فإن العبارة كما هي لا تستقيم .
    "ومحبة يحبه الله " .
    والعبارة الصحيحة هي " ومحبة ما يحبه الله "

    وأخيرا فإن عنوان الموضوع فيه خطأ والصحيح هو .
    " سقوط العقوبة عن المسيء بأحد عشر سببا "
    والله أعلم
    بارك الله فيك ونفع بك أخي الكريم.
    وبالنسبة لتصحيح العنوان فليت أحد الأخوة المشرفين يفعل ذلك.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •