( الدرس السادس والعشرون )
تتمة أقسام النسخ
قد مرّ عليك أن النسخ يقسّم عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة وقد قسمناه في الدرس السابق باعتبار نوع المنسوخ وسنقسمه هنا قسمة أخرى، وهي تقسيمه باعتبار نوع الناسخ وهو ينقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
1- نسخ كتاب بكتاب، مثل ما ذكرناه من آيتي العدة عن الوفاة.
2- نسخ سنة بسنة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم.
فالحكم الأول المنسوخ تحريم زيارة القبور، والحكم الثاني الناسخ جواز زيارة القبور، وكلا الحكمين ثبت بالسنة.
3- نسخ سنة بكتاب، مثل ما ذكرناه من نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة بآية استقبال القبلة.
أما نسخ الكتاب بالسنة فهو غير واقع.
ثم إن السنة منها آحاد ومنها متواتر، أما القرآن فهو متواتر.
فالمتواتر هو: ما رواه جمع عن جمع يحيل العقل تواطئهم على الكذب.
مثل: أن هارون الرشيد كان أحد خلفاء بني العباس فهذا الأمر رواه وحدث به جمع من الناس عن جمع من الناس وكانوا من الكثرة بحيث يقول العقل: إن اتفاقهم على الكذب أمر محال، وذلك لاختلاف بلدانهم وأماكنهم مع عدم وجود الداعي إلى الكذب فمثل هذا يعد متواترا.
وكذا في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يرويه عنه جماعة من الصحابة ويرويه عنهم جماعة من التابعين ويرويهم عنهم جماعة من تابع التابعين وهكذا بحيث يصل الناظر والمحدث إلى أن هذا الحديث لا شك ولا ريب في صدروه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما من الأئمة.
أما حديث الآحاد فهو: ما ليس بمتواتر.
مثل أن يروي الحديثَ واحدٌ عن واحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أكثر من واحد ولكن لا يبلغ مبلغ التواتر.
والحديث المتواتر يفيد القطع واليقين، وحديث الآحاد يفيد الظن الراجح في النفس، وكلما ازداد رواته الثقات كلما اطمأنت النفس.
فإذا علم أن السنة تنقسم إلى متواتر وآحاد فحينئذ ينقسم نسخ السنة بالسنة إلى أربعة أقسام محتملة عقلا وهي:
1- نسخ متواتر من السنة بمتواتر من السنة.
2- نسخ آحاد من السنة بآحاد من السنة.
3- نسخ متواتر من السنة بآحاد من السنة.
4- نسخ آحاد من السنة بمتواتر من السنة.
وهذه الحالات الأربع لم يذكروا لها أي مثال سوى نسخ الآحاد بالآحاد مثل حديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور وغيره، أما البقية فليست بواقعة وحالة نسخ المتواتر بالآحاد رفضها كثير من العلماء لأن المتواتر قطعي فكيف ينسخ بظني وهو الآحاد!. والله أعلم.
فإذا رجعنا إلى الحالات الثلاث السابقة فنجد ما يلي:
1- نسخ الكتاب بالكتاب ( لا يكون فيه إلا نسخ متواتر بمتواتر؛ لأن القرآن متواتر ).
2- نسخ السنة بالسنة ( تحتمل أربع أقسام ذكرناها ولكن الواقع منها حالة واحدة وهي نسخ آحاد بآحاد )
3- نسخ السنة بالكتاب ( تحتمل حالتين أن تكون السنة المنسوخة متواترة وأن تكون آحادا)
مثل: نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة المتواترة بآية قرآنية، فهنا قرآن نسخ سنة متواترة.
ومثل نسخ حرمة الأكل والشرب بعد النوم في ليالي رمضان الثابت بحديث الآحاد بقوله عزّ وجلّ ( أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) فهنا قرآن نسخ سنة آحاد.
وذلك أنه كان في مبدأ الأمر أن الصائم إذا صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع كما قال ابن عباس رضي الله عنهما (كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة ) رواه أبو داود، والعتمة صلاة العشاء، والقابلة أي إلى الليلة التالية.
فهذا حديث آحاد نسخ بقرآن.
( تعليقات على النص )
(ويجوزُ نسخُ المتواترِ بالمتواترِ منهما) أي من الكتاب والسنة فينسخ القران بالقرآن، وينسخ متواتر السنة بالقرآن، وينسخ متواتر السنة بالمتواتر من السنة ولم يعلم له مثال وأما نسخ متواتر القرآن بالمتواتر من السنة فلا يقع ( ونسخُ الآحادِ بالآحادِ ) كحديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور ( وبالمتواترِ ) أي وينسخ الآحاد بالمتواتر كنسخ النهي عن الأكل والجماع بعد العشاء في رمضان الثابت بحديث الآحاد بقوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ( ولا يجوزُ نسخُ المتواترِ بالآحاد ِ) لأن الآحاد دون المتواتر في القوة.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم قسّم النسخ باعتبار نوع المنسوخ ؟
2- قسّم النسخ باعتبار نوع الناسخ ؟
3- مثل بمثال للنسخ ؟
( التمارين )
بيّن موضع النسخ ونوعه في النصوص التالية؟
1- قال الله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) وقال تعالى: ( الآن خففَ الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين).
2- ( رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أَوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها). رواه مسلم.
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الماء من الماء ) رواه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) رواه البخاري.
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وادخروا ما بدا لكم) رواه الترمذي.
.............................. .............................. .............................. .....................
1- نسخ وجوب مصابرة العدو إذا كانوا عشرة أضعاف إلى وجوب مصابرتهم إذا كانوا ضعفا واحدا، ونوع النسخ باعتبار المنسوخ هو نسخ حكم ببدل أخف منه، وباعتبار الناسخ هو نسخ كتاب بكتاب.
2- نسخ إباحة المتعة إلى حرمة المتعة، ونوع النسخ باعتبار المنسوخ هو نسخ حكم ببدل أغلظ منه، وباعتبار الناسخ هو نسخ سنة بسنة.
3- نسخ عدم وجوب الغسل إذا لم ينزل إلى وجوب الغسل، ونوع النسخ باعتبار المنسوخ هو نسخ حكم ببدل أغلظ منه، وباعتبار الناسخ هو نسخ سنة بسنة.
4- نسخ حرمة ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث إلى إباحة ذلك، ونوع النسخ باعتبار المنسوخ هو نسخ حكم ببدل أخف منه وباعتبار الناسخ هو نسخ سنة بسنة.