بسم الله الرحمن الرحيم
الرياضة ومليارات العرب النفطية

لسنا من أعداء الرياضة التي تعني الرشاقة واللياقة والصحة والعافية، خاصة وأن رفاهية العصر الحديث أصابت أجسامنا بالترهل وأبداننا بالعلل في ظل غياب الحركة التي باتت مطلبا ملحا للجميع.
هذا الحديث بالطبع يشمل الممارسين للرياضة لا المشاهدين لها كما هي عادتنا الغالبة في عالمنا العربي!! لكن الأعجب من مسألة المشاهدة دون الممارسة، هذا الكم الرهيب من الأموال التي تنفق من قادة ووجهاء العرب –خاصة الخليجيين- على مهرجانات رياضية لاحظ لهم فيها إلا التفاخر والتباهي بينما يحصد الرياضيون الأجانب كل المكاسب الفلكية على مرأى ومسمع من المشاهد العربي المتأزمة أحواله بداية من محاصري غزة ومرورا بأهلنا بالعراق وسوريا وانتهاء بالآلاف من ساكني المقابر في وسط قاهرة المعز، ولا يفوتني جوعا الصومال ومشردي أفغانستان ... والقائمة تطول.
ويكاد يطير عقلك دهشا وعجبا وأنت تتابع بعض أخبار البانورامات الرياضية العربية وقد أنفقت فيها الأموال المكدسة وحظنا منها التصفيق والتهليل، حيث اللاعبون كلهم من ذوي المهارات الأجنبية، الذين أحسنوا استثمار مواهبهم وجهودهم في حصد الملايين من جيوب العرب السذج المهووسين بفخر الجاهلية العربية القديم.
فعلى أحد المواقع الإلكترونية الرياضية تطالع الخبر التالي: بدأت فعاليات كأس (مكتوم الإماراتي) للتحدي للخيول العربية الأصيلة والخيول المهجنة الأصيلة، ويتنافس خلاله 14 خيلاً في الجولة الأولى والتي يبلغ مجموع جوائزها 55 ألف دولار. ويتوقع أن يشهد الشوط صراعاً شرساً بين الفرس «إيه اف الغبرا» لخالد خليفة النابودة بقيادة [ريتشارد مولين] بإشراف [جوليان دوفيلد] والفرس «كندار دو فالجاس» لسمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم بقيادة الفارس [ريتشارد هيلز] وإشراف [دوغ واتسون]. ويتصدر الفرس «باريس جاجنر» لسمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم المشاركين في الشوط بقيادة الفارس [تاغ أوشى]. وأقوى المرشحين للقب الفرس «تيوريتكاللي» لأسطبل عذبة بقيادة الفارس [واين سميث]. وآخر مشاركاته يوم 2 أكتوبر الماضي في مضمار لونشامب بفرنسا حيث حل في المركز الثامن خلف الفرس «أريج» إلى جانب الفرس «صاحب دو كلوز» لفيصل الرحماني بقيادة [رويستون فرنش] والفرس «داريا» لسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان بقيادة [تيد دوركان] والفرس «فريفولوس» لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بقيادة الفارس [ميركو ديمورو] والفرس «البر لوتوا» لعلي الحداد بقيادة الفارس [اوليفيه بيلييه].
فلو كان فرسان هذه الخيول من العرب لهان الخطب، خاصة وأن الفروسية فن عربي أصيل، ورياضة راقية، بل كنت أتمنى على الأقل أن تكون مجموعة الفرسان سالفة الذكر خليط من العرب والأجانب حتى نقول إنها المنافسات والاستفادات من الخبرات الأجنبية عن طريق المشاركة والاحتكاك المباشر.. لكن للأسف وبكل أسى نلحظ الفشل العربي متوغلا حتى النخاع، إلا أنه يرافقه في هذه المرة نوعا من الهبل والخبل في إنفاق النخبة ثروات الأمة النفطية المستأمنين عليها من قبل شعوبهم.
وفي زمن الإنجازات العربية الزائفة تطالع الخبر التالي عن السباق الأغنى في العالم الذي تبلغ إجمالي جوائزه المالية 27.25 مليون دولار: فاز الحصان «مونتروسو لجودلفين» ببطولة كأس دبي العالمي في نسخته السابعة عشرة، وقد تلقى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله التهاني والتبريكات بهذا الفوز الكبير!! لخيول الإمارات من الشيوخ والحضور الذين باركوا لسموه هذا الانجاز العالمي الذي تحقق لخيول الإمارات!!. وقد فاز الحصان بالجائزة الأولى وقدرها 6 ملايين دولار أميركي!!. وقال سموه: «إنها ليلة فرح عشناها وعاشها معنا أكثر من ثلاثة وستين ألف متفرج هنا على أرض ميدان، إضافة إلى عشرات ملايين المشاهدين عبر شاشات التلفزة العالمية، ما يعد مبعث فخر لنا ولكل شعب الإمارات العزيز»!!.
وحدث ولا حرج عن (دورة أبو ظبي للتنس) حيث تأهل الصربي [نوفاك ديوكوفيتش] المصنف أول عالميا إلى نهائي دورة أبو ظبي الاستعراضية للتنس بعدما سحق السويسري [روجيه فيدرر] في الدور نصف النهائي. ويلتقي [ديوكوفيتش] في النهائي مع الإسباني [ديفد فيرر] الفائز على مواطنه [رافايل نادال]. ويلعب أيضا [نادال] مع [فيدرر] لتحديد صاحب المركز الثالث. وكانت مباراتا الدور الأول التي أعفي [نادال وفيدرر] من خوضها، شهدت الخميس فوز [ديوكوفيتش] على الفرنسي [غايل مونفيس]، و[فيرر] على الفرنسي [جو ويلفريد تسونغا] .. يذكر أن هذه البطولة الإماراتية يحصل الفائز فيها على 250 ألف دولار، كما يُذكر أن اللاعب [فيدرر] يحمل الرقم القياسي بعدد الألقاب في دبي برصيد أربعة ألقاب أعوام 2003 و2004 و2005 و2007، وكان خسر أيضاً نهائي 2006 أمام [نادال]. وعلى نفس الدرب سار القطريون في بطولة (قطر إكسون موبيل) المفتوحة التي تبلغ قيمة جوائزها 1.49مليون دولار، يحصل منها الفائز باللقب على 183 ألف دولار و250 نقطة في الترتيب العالمي، وصاحب المركز الثاني على 96 ألف دولار و150 نقطة، وحصد جوائزها تقريبا نفس الحاضرون بدورة أبو ظبي من نجوم التنس العالميين.
لقد غابت الأسماء العربية في ظل حالة الترهل العربي والتفوق الرائع للمهارات العالمية، وكما يقول المصريون: «مولد وصاحبه غائب» لكن مع الفارق أن أصحاب المولد من الأشاوس العرب حاضرون بدراهمهم ودنانيرهم، حيث يصفق لهم بالأيدي ويشار لهم بالبنان في صناعة مجد زائف لا ناقة لهم فيه ولا جمل إلا الإنفاق من فوائض ميزانيات النفط الذي يوشك أن ينضب ويعودوا لركوب الناقة وأكل التمر وسكنى الخيام، وحينها سينفض الناس من حولهم، ولا يبقى لهم إلا أحاديث الذكريات.
كما أن الفساد المتغلغل في الأفق العربي باقتدار ربما كان هو دورنا الفاعل في عالم الرياضة العربي، فبسبب الفساد المالي في البحرين أفادت التقارير أن حلبة البحرين الدولية -التي تستضيف سباقات الفورمولا 1 سنويا- تكبدت خسائر مالية متراكمة وصلت إلى 86.8 مليون دينار (الدينار البحريني يساوي 2.6 دولار أميركي) الأمر الذي أدى إلى تآكل رأس مال الحلبة البالغ 75 مليون دينار.
أليس أولى بقادة وأثرياء العرب أن ينفقوا هذه الملايين على تدعيم البرامج الرياضية المحلية لتخريج أبطال عرب يضارعون المستويات العالمية؟ أليس أولى بقادة العرب أن يعملوا لأممهم لا لشخوصهم ورغباتهم ونزواتهم؟ أليس أولى بدولة قطر التي دفعت ربع مليار دولار في لوحة فنية تعود للقرن الماضي تمهيدا لأن تصبح مقرا للثقافة العالمية .. أولى بها أن تضخ هذه الملايين في «البحث العلمي العربي» لصنع إنجازات من عقول وسواعد أبنائها، علما بأنه أعلى سعر دفع في عمل فني معاصر، ويذكر أن هذه اللوحة للفنان الفرنسي [بول سيزان] لأناس يلعبون القمار!! الذي هو ضد تقاليدنا وديننا.
رحم الله الشاعر محمد إقبال الذي قال: «الرجل القوي يكوّن البيئة المحيطة، والرجل الضعيف يؤقلم نفسه معها» فاللهم هب لنا قادة كبار يكونون لأمتنا العربية واقعا جميلا، ويرسمون معالم حضارتنا المعاصرة، ويبقى الواحد منهم علماً حقيقيا لأبناء شعبه.
د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com