الشيخ: محمد بن محمد المهدي
تعريف الاختطاف:
لغة: يأت على عدة معانٍ منها:
1- بفتح الخاء، وسكون الطاء: هو سرعة أخذ الشيء.. ومر يخطَف خطفاً منكراً أي: مر مراً سريعاً.
2- ويأتي بمعنى: الاستلاب، ومنه قوله تعالى: {...فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ...} [الحج:31]، وفيه: {...وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ...} [العنكبوت:67].
3- وخَطَفَه واخْتَطَفَه: نَزَعه وانتزعه.
4- وخَطَفَه ويخْطِفَه: أذهب به. ومنه قوله تعالى: {يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ...} [البقرة:20].
[لسان العرب لابن منظور (4/142) مادة: خطف].
علاقة الاختطاف بالإرهاب:
له علاقة جزئية بالإرهاب غير المشروع؛ لأنه فيه ترويع وتخويف للآمنين والأبرياء -من مسلمين كانوا أو كافرين-.
فإذا كان الإرهاب هو: "العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه أو ماله أو عرضه أو عقله، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق..".
فإن الاختطاف من الظلم الذي هو عدوان على بريء, وهو من أنواع الإرهاب كما في التعريف السابق، وقد ظلم المسلمون تحت محاربة ما يسمى بالإرهاب.
حكمه في الشرع:
لقد بعث الله نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة قال الله عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا...} [الأعراف:158], وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا...} [سبأ:28].
فرسالته عامة وصالحة للناس كلهم مؤمنهم وكافرهم؛ لأنه خاتم المرسلين؛ ولأن الإيمان والكفر سنة من سنن الله في خلقه. وهذا الواقع البشري جاءت الشريعة الإسلامية بوضع القواعد الضابطة للتعامل معه.
فالإسلام عندما أعطى للمؤمن حقوقه،لم يجعل الكافر بدون حقوق؛ لأنه لن يخرج عن نطاق الإنسانية، وجعل الكفار أنواعاً: فمنهم أهل الكتاب، ومنهم المشركون، ومنهم المجوس، والوثنيون، والدهريون.. وكل فريق جعل له من التعامل ما يناسبه بميزان الإسلام.
فجريمة الاختطاف مما لا يجوز في شريعة الإسلام؛ لأنها تخالف قواعده العامة في الأمن والسلام.
فالمختطَفون على نوعين:
أ- المختطَفون من المؤمنين، فالخاطفون للمؤمنين حدهم حد الحرابة المذكور في سورة المائدة.
ب- المختطَفون من الكفار: من خلال استقراء الفقهاء لنصوص الشرع جعلوهم أقساماً:
- منهم أهل الذمة.
- ومنهم المستأمنون.
- ومنهم الحربيون.
ولكل من هؤلاء ما يناسبه من الحقوق والواجبات:
أولاً: حقوق وواجبات أهل الذمة:
أهل الذمة هم: المعاهدون من الكفار.
أ- حقوق الذمي:
1- حرية المعتقد وأداء الشعائر: فلا يُكره الذمي على الدخول في الإسلام، ودلت على ذلك النصوص منها قوله تعالى: {...أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]، وقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ...} [البقرة:256].
2- حق الحماية والأمان: فالإسلام حفظ لهم عهدهم وذمتهم، فمنع التعرض عليهم بأذى في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وأوجب القيام بذلك على ولاة الأمر.
وقد دلت عليه النصوص منها حديث: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً»(1).
ب- واجبات أهل الذمة:
من واجباتهم ألا يتعرضوا للإسلام والمسلمين بسوء، وأن يدفعوا الجزية، والخراج، والعشور، وأن يلتزموا بالأحكام الشرعية في العقود والمعاملات وغرامات المتلفات(2).
وقد ذكر الإمام الماوردي وغيره (3) لهم شروطاً منها:
1- ألا يذكروا كتاب الله تعالى بطعن ولا تحريف له.
2- ألا يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكذيب له ولا ازدراء.
3- ألا يذكروا دين الإسلام بذم ولا قدح فيه.
4- ألا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح.
5- ألا يفتنوا مسلماً عن دينه ولا يتعرضوا لماله.
6- ألا يعينوا أهل الحرب ولا يؤووا للحربيين جاسوساً.
ثانياً: حقوق وواجبات المستأمنين:
(أ) حقوقهم: يقول ابن القيم -رحمه الله- (في أحكام أهل الذمة 2/ 476): "وأما المستأمن: فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها وهؤلاء أربعة أقسام: رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن فإن شاءوا دخلوا فيه، وإن شاءوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة وغيرها".
وهؤلاء يشبههم في عصرنا ما يطلق عليهم اليوم بالسفراء والمستثمرين والسواح وأصحاب البعثات والحاجات المتنوعة.
فلهم حق الأمان في بلاد الإسلام، وحرية المعتقد لقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ...} [التوبة:6]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم»(4).
(ب) واجباتهم: عليهم نفس واجبات أهل الذمة إلا أن هؤلاء تسقط عنهم الجزية والخراج؛ ولهذا عاش أولئك المعاهدون في الدولة المسلمة آمنين ومطمئنين ويتمتعون بحريتهم أثناء الخلافة الراشدة، والدول الإسلامية، وقد شهدوا على هذا من قرارة أنفسهم في ذلك.
يقول القس "برسوم شحاته" -وكيل الطائفة الإنجيلية بمصر-: "في كل عهد أو حكم إسلامي التزم المسلمون فيه بمبادئ الدين الإسلامي، كانوا يشملون رعاياهم من غير المسلمين -والمسيحيين على وجه الخصوص- بكل أسباب الحرية والأمن والسلام.."(5).
ويقول الأنبا "غريغور يوس" -أسقف البحث والدراسات العليا اللاهوتية بالكنيسة القبطية وممثل الأقباط الأرثوذكس-: "ولقد لقيت الأقليات غير المسلمة -والمسيحيين بالذات- في ظل الحكم الإسلامي الذي كان تتجلى فيه روح الإسلام السمحة كل حرية وسلام وأمن في دينها، ومالها، وعرضها"(6).
ومع تحريم الاختطاف وإزعاج السابلة في الطرقات من المسلمين من باب أولى، ووجوب حماية أهل الذمة والمستأمنين في بلاد المسلمين، فإن الخطف للمسلمين في الآفاق في طول الأرض وعرضها موجود وكائن وقلّ من ينكره تحت مسمى مواجهة التطرف والتشدد والإرهاب، فالواجب حماية الأبرياء جميعاً من المسلمين وغيرهم.
التوصيات:
1- لابد من نشر العلم الشرعي في ربوع البلاد ليعرف المسلم حق الله عليه، وحقوق المسلمين والمستأمنين، فإن الجهل أساس كل شر وبلاء.
2- أهمية إقامة الحدود الشرعية، فهي رادعة لكل فساد قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]. فالمجتمعات الإسلامية أحسن أحوالاً من المجتمعات الغربية في قلة الجريمة بسبب الخوف من الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود.
3- دعوة الكفار الداخلين إلى بلاد المسلمين أن يبتعدوا عن أي سبب يؤدي إلى الإضرار بهم، كالدعوة إلى النصرانية وغيرها أو نشر الأمراض أو الكتابة المسيئة عن الإسلام.
والله الموفق..
المصدر: موقع المهدي
_____________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 65) كتاب الجزية والموادعة باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم، (8/ 47) كتاب الديات، باب إثم من قتل ذمياً بغير جرم. وابن ماجه في سننه (2/ 896، رقم 2686، 2687) كتاب الديات، باب من قتل معاهداً. وأحمد في مسنده (5/ 36، 38، 50، 51، 52).
(2) ينظر: المهذب للشيرازي 2/ 255، بدائع الصنائع 5/ 143، والأحكام السلطانية 145.
(3) الأحكام السلطانية ص145 وبدائع الصنائع 7/ 211 - 213 والمهذب 2/ 255.
(4) رواه البخاري من حديث إبراهيم التيمي عن أبيه قال: قال علي رضي الله عنه ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب غير هذه الصحيفة... وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم... (6755)، الفرائض باب: إثم من تبرأ من مواليه. ورواه مسلم (1370) و (1371) في كتاب الحج.
(5) نقلاً عن بينات الحل الإسلامي (265).
(6) المصدر السابق (264، 265).


موقع منبر علماء اليمن:
http://olamaa-yemen.net/main/article...rticle_no=1071