لا كيد أشد وأعظم على الأمة الإسلامية أشد وأعظم من كيد المنافقين، لأن الكافر يعرفه المسلمون فيحذرونه ويتقونه، وأما المنافق فيظهر خلاف ما يبطن، فجسده مع المسلمين وقلبه مع أعدائهم ؛ ومن هنا كان التحذير من المنافقين في القرآن الكريم مكررا في كثير من السور الطوال كالبقرة وآل عمران والتوبة، وخصوا بسورة سميت بهم، جاء فيها قول الله تعالى {هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} لقد ذكر الله تعالى أوصافهم ، وبين لنا أفعالهم ، وحذرنا من مكرهم ومكايدهم حتى قال ابن القيم رحمه الله تعالى: « كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم ». وقد ظهر النفاق في هذه الأمة بعد غزوة بدر حين ذل الشرك وكسر المشركون وعز الإيمان وانتصر المؤمنون ، على يد عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه ، واستمر هذا النوع من النفاق في الأمة إلى يومنا هذا . وأقرب طائفة تمثله اليوم في بلاد المسلمين هي الطائفة الليبرالية وهدفهم هو : التمرد على الشرائع الربانية، وإسقاط الواجبات، وإباحة المحرمات تحت شعار المطالبة بالحرية . ونشأ في الأمة نفاق آخر على يد عبدالله بن سبأ اليهودي، ظهر في عصر الخلافة الراشدة، واستمر إلى يومنا هذا. ويمثله حق التمثيل الفرق الباطنية وخصوصا الروافض ومن تأمل المفردات الفكرية لنوعي النفاق الليبرالي والرافضي ، ثم نظر في أفعال المنتسبين إليهما فسيجد اشتراكا بينهما في القضايا ، واتفاقا في الأهداف والغايات ، وتقاربا في الأمزجة والأهواء ، حتى قال أحد أساطين الليبرالية: " أقبل جميع الفرق والطوائف إلا الإسلام السني فإني لا أقبله " . إنهما يشتركان في البداية، ولا يختلفان في النهاية ؛ فبداية مشروع النفاقين كليهما هدم الإسلام وطمس نوره . وأما في النهاية فلكل منهما وجهته ، ولكنهما يتفقان ولا يختلفان؛ فالنفاق السلولي الليبرالي مشروع شهواني يريد طغيان الشهوة ، وتحرير الإنسان من العبودية لله تعالى ليكون عبدا لهواه ، وأما النفاق السبئي الباطني فمشروعه العقائدي محصور في المسلمين؛ فهم لا جهاد عندهم للكفار، ولا دعوة لغير المسلمين كي يعتنقوا الإسلام . ومن تأمل تاريخ الروافض الطويل لم يجد لهم ذكرا في الجهاد والفتوح، إلا في الغدر بالمسلمين وخيانتهم ، ولديهم من المرونة في تحليل المحرمات وإسقاط الواجبات ما يوافق الهوى الليبرالي الشهواني؛ فليس غريبا أن يتحالف الليبراليون في الدول الإسلامية مع الروافض الباطنيين ؛ لأن أوجه الاتفاق بين النفاق السلولي الليبرالي والنفاق السبئي الباطني الرافضي أكثر من أوجه الاختلاف بينهم فهم يشتركون في كثير من القضايا . فعندما وجدنا النصيريين الباطنيين يؤلهون زعيمهم ويشتمون الله تعالى، وجدنا كذلك الليبراليين يؤلهون عقولهم وشهواتهم ويجحدون الله تعالى ويسخرون منه تعالى . وعندما وجدنا الروافض الباطنيين يطعنون في الصحابة رضي الله عنهم ، وجدنا كذلك الليبراليين يطعنون في الصحابة ويتهمونهم بالإرهاب والعداء للحرية في حروبهم للمرتدين . وعندما وجدنا الروافض الباطنيين يستبيحون المحرمات ، ويجعلونها من صميم دينهم ، ويخترعون لها روايات يلصقونها بآل البيت أو بأئمتهم وجدنا كذلك الليبراليين يستبيحون المحرمات تحت شعار الحرية ، ويتلمسون فهما شاذا لنصوص لا يؤمنون بها ولا يعظمونها ، ولكن ليشرعوا منكراتهم في الناس . ويشترك النفاقان النفاق السلولي الليبرالي والنفاق السبئي الرافضي في استفزاز المسلمين بالطعن في مقدساتهم ، والاعتداء على حرمات دينهم دون مراعاة لمشاعرهم . ويشترك النفاقان في انتحال التقية ؛ فأرباب النفاق السلولي اليبرالي يدعون أنهم معظمون لله تعالى، ملتزمون بالإسلام ، ويستدلون بما قال الله وقال رسوله ومع ذلك يصادرون الشريعة لصالح المشاريع التغريبية ولذا تمتد حبال الغرب إليهم سريعا بالنصرة والتأييد تحت شعارات حقوق الأقليات ، وحماية الحريات . وأما أرباب النفاق السبئي الرافضي الباطني فهم يعتبرون التقية من أصول دينهم ولذلك يقولون " من لا تقية عنده فلا دين عنده " والمتأمل في أرباب النفاقين السلولي الليبرالي والسبئي الرافضي يجد أنهم كانوا من قبل لا يظهرون نفاقهم ، ويستخفون بعقائدهم وأفكارهم ، ولكن لما قضي على الشيوعية ، واستفرد الغرب الليبرالي بالعالم ظهر نوعا النفاق ، وقويت مراكزهما ، مما يدل على أن الغرب يغذيهما ويقوي مراكزهما في العالم الإسلامي ، ولقد تجاوزت قوة النفاقين حد الإفصاح عن أفكارهم ، وإظهار شعائرهم، إلى حد الاستفزاز بالطعن في مقدسات المسلمين، ومن تتبع حركة النفاقين السلولي الليبرالي والسبئي الباطني تبين له أن ثمة اقتساما في الأدوار لتحطيم مقدسات المسلمين، وتهوينها في نفوسهم، حتى وصل بهم الأمر إلى الطعن في الله تعالى، وفي رسوله عليه الصلاة والسلام . حمى الله تعالى المسلمين من شرهم ، ورد كيدهم في نحورهم وأرانا فيهم عجائب قدرته .