بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله وحده، وبعد:
هذه مشاركات لي حول الحديث، مستلَّة من موضوع (سنن نبوية مهجورة في الصيف):
هذا الحديث الذي فيه فطر الصيف والشتاء لا يصح، فالإسناد الأول مما ساقه ابن خزيمة ضعيف على أقل الأحوال:
فيه راويان مجهولان: زكريا بن يحيى بن أبان، ومسكين بن عبدالرحمن.
ويحيى بن أيوب الراوي عن حميد نفسُه فيه ضعف.
وقد تفرد يحيى عن حميد، ومسكين عن يحيى، وزكريا عن مسكين، كما حكم الطبراني في الأوسط.
ثم حميدٌ يدلس أحاديث أنس عن ثابت، وقد روى جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، الحديث بلفظ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن رطبات، فتمرات، فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء"، وليس فيه ذكر فطر الشتاء، إلا أن حديث جعفر عن ثابت فيه نظر.
وأما رواية حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن حميد، فربما أوهم عطفُ ابنِ خزيمة إياها أنها متابعةٌ ليحيى بن أيوب، عن حميد، لكن هذا يدفعه أمران:
أولهما: أنه قد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن حسين بن علي، به، بلفظ: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يصلي حتى يفطر ، ولو بشربة من ماء".
ورواه عن ابن أبي شيبة بنحو هذا اللفظ أربعة أئمة: أبو يعلى في موضعين من مسنده -وعنه ابن حبان في موضعين من صحيحه-، وابن أبي عاصم، وجعفر بن محمد الفريابي، ومحمد بن وضاح القرطبي.
فلا يظن والحال هذه أن ابن أبي شيبة اختصره في مصنفه.
ثانيهما: أن الطبراني قد حكم بتفرد يحيى بن أيوب به كما سبق، وهذا يشير إلى أنه لم يعتبر زائدةَ متابعا ليحيى، وبقي حكمه بالتفرد نظرا للفظ التام.
فالظاهر أن لفظ الرواية التي عطفها ابن خزيمة مختصرٌ كلفظ ابن أبي شيبة، وإنما أراد ابن خزيمة بالعطف: الاتفاق في القدر المشترك، وهو رواية الحديث عن حميد، عن أنس، وعدم انفراد يحيى بن أيوب عن حميد بأصل الحديث لا بتمامه.
ولو صح أن لفظ رواية حسين بن علي، عن زائدة، عن حميد، التي عطفها ابن خزيمة على رواية يحيى بن أيوب= لفظٌ تام فيه ذكر فطر الشتاء، فإن شيخ ابن خزيمة الراوي عن حسين بن علي (محمد بن محرز) مجهول، وقد خالفه ابن أبي شيبة فرواه باللفظ المختصر، وابن أبي شيبة حافظ إمام.
فالخلاصة أن اللفظ الطويل ضعيف، إن لم يكن منكرا.
هذا، وقد وقع في إسناد ابن أبي شيبة خلافٌ آخر، فرواه محمد بن يحيى بن ضريس، عن حسين بن علي، عن زائدة، عن أبان، عن أنس، به، فجعل مكان حميدٍ: أبان.
ومحمد بن يحيى بن ضريس صدوق -فيما قال أبو حاتم-، وقد خالف الحافظَ ابنَ أبي شيبة، ويُعتبر برواية محمد بن محرز (شيخ ابن خزيمة) في هذا وإن كان مجهولا، لموافقته ابنَ أبي شيبة في هذا القدر خاصة.
ولفظ ابن ضريس مختصرٌ كلفظ ابن أبي شيبة.
ثم بحثت بشكل سريع عمّن عمل بهذا أو رآه سنة من السلف، فلم أقف، فليُنظر هل بهذه السنة قائل أو عامل؟
والله أعلم.
رأيت كلامه أثناء بحث الحديث، وقد:
- خفي عليه إسناد ابن أبي شيبة الذي هو علة الحديث الرئيسة،
- وسارع إلى اعتبار إسناد ابن خزيمة الثاني متابعةً،
- وردَّ به حكم الطبراني بالتفرد،
وهذه بعض مداخل الخلل في تقوية الحديث -كما ذكرتُ آنفا-، خاصةً الأول منها، كما أن في بحثه فواتا وملحوظاتٍ أخر.
* كتبتُ هذا، ثم انتبهت إلى أن الشيخ ماهرا قد أحال في حاشيته إلى إتحاف المهرة 1/626 (924)، هكذا، وهذا من عجيب ما يقع للباحث، فإن ابن حجر قد خرَّج رواية ابن أبي شيبة (علّة الحديث) في هذا الموضع الذي أحال إليه الشيخ، فذكرها من صحيح ابن حبان، وساق لفظها المختصر بتمامه، وذكر أن ابن حبان أعادها في موضع آخر، فهل كان الشيخ وقف على إسناد ابن أبي شيبة فأغفله؟ أم فاته سهوا؟ ولا شك أن الظن به -رعاه الله- أنه فاته بطريق السهو والغفلة، وقد يفوت الفاضل ما يطلع عليه المفضول.
والله أعلم.