ومات العلماء :
ما دورونا نحن عندما نسمع بموت العلماء ، والأدباء ، والكتاب الذين يغذون العقول ، ويزكّون النفوس بالتعليم والتصنيف ونشر العلوم والآداب ؟
البعض يفرط في الثناء ، والرثاء ، والحزن ، والتأسف على موتهم فقط.
والبعض الآخر يقول : بضياع الدين والدنيا بعد موتهم .
والبعض يقف عند هذا الحد ولا يتجاوزه .
وهذا والله ليس هو حق الإسلام ، ولا حق الأمة ، ولا حق العلماء علينا .
صحيح أننا ـ والله يشهد ـ نحزن على فراقهم ، ونتألم كثيراً على رحيلهم وبعدهم عنا وعن أمتهم ، وتتضاعف المصيبة بهم في مثل هذا الزمان ؛ لأن العلماء العاملين أصبحوا ندرة قليلة بين الناس ، وكَثُرَ الجهل والتشكيك والإلباس بين الناس .
وهذا الحزن يشتد أكثر وأكثر حينما نكون قد عرفنا هذا العالم أو عاصرناه ، ولمسنا فضله واستفدنا علمه .
نعم : نترحم عليهم كما قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ عن بعض مشايخه : « ما لكم تأخذون العلم عنا وتستفيدون منا ، ثم تذكروننا فلا تترحمون علينا » .
ونرثيهم ، ونذكرهم بالخير ، ونجمع ونحي علمهم وآثارهم لكي تستفيد الأمة منها وتسير على خطاهم ومنهجهم في العلم والدعوة إلى الله ـ كما قال السخاوي : « من ورخ مؤمناً فكأنما أحياه » ، ولاسيما وقد رحلوا بخير ما عندهم ، ونعلم أن سبب فقد العلم موت العلماء . أن سبب قبض العلم موت العلماء ، فإذا ذهب العلماء واتخذ الناس رؤساء جهالاً، وسألوهم وأخذوا بفتواهم ، ضلوا وأضلوا ، عياذا بالله .
لكن يجب أن نعلم أن دورنا عظيم ، ويعظم عند رحيل العلماء خاصة ، الأمة بحاجة إلى من يخلف هؤلاء العلماء ، الأمة بحاجة إلى من يبين لها أحكام دينها ، ويرفع عنها الجهل ، ويقضي على رؤوس الجهل حتى لا يَضلوا ويُضلوا ، الأمة بحاجة إلى علماء صادقين يخلفون هؤلاء العلماء كما قاموا هم ـ رحمهم الله ـ بالدور نفسه عندما خلفوا مشايخهم وعلمائهم في عصرهم ووقتهم .
فقد العلماء مصيبة على الإسلام والمسلمين لا يعوض عنهم إلا أن ييسر الله من يخلفهم بين العالمين فيقوم بمثل ما قاموا به من الجهاد ونصرة الحق .

وأضرب مثلاً قريباً ، سمعت من بعض كبار السن أنه لما توفي الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم آل الشيخ ـ رحمه الله ـ حزن الناس ، وقالوا : من بعد الشيخ ابن ابراهيم ، فظهر سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ الذي ظهر علمه في العالم كله . وظهر غيره من إخوانه المشايخ ممن تتلمذ على يد الشيخ ابن ابراهيم .
وفي القصيم ، لما مات الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي ، لسان حال الناس يقول : من بعد الشيخ ابن سعدي ، فظهر العلامة الشيخ صالح بن محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ الذي وصل علمه الآفاق . وظهر غيره من إخوانه المشايخ .
فالذي يجب على طلاب العلم الجد والاجتهاد في طلب العلم مع التقوى لله ، و الصدق والإخلاص وكثرة العبادة لله ، حتى يخلفوا هؤلاء المشايخ بخير ، فإن حال الأمة اليوم يعج بالفتن وأهل الهوى ، وممن يبغونها عوجاً .
فالموت الحقيقي للعلماء عندما يموت من يخلفهم من طلابهم طلبة العلم ، حين يموت العلم بموتهم ، موت العلماء وموت الفقهاء .
قَالَ سُلَيْمَانُ : لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ الْأَوَّلُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ الْآخِرُ، فَإِذَا هَلَكَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْآخِرُ هَلَكَ النَّاسُ .
تفسير البغوي (4/327)
« ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك » .
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع ، والعمل الصالح ، وأن ييسر لهذه الأمة ما يحفظ به عليها دينها ، وينصر به أهل طاعته ، ويذل به أهل معصيته ، إنه جواد كريم رؤوف رحيم