السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته ...
من كتاب .. بأيِّ قلبٍ نلقاهُ لفضيلة الشيخ الدكتور خالد أبو شادي وبإذنه أنقلُ إليكم هذا السَّبب الذي ذكرهُ ضمنَ أسبابٍ تسعةٍ لقسوة القلب ..
بسمِ الله ..
تعليمُ العلمِ دونَ استعماله
قالَ ذو النُّونِ وقد سُئِل : ما أسأسُ قسوةِ القلبِ للمُريد ؟! فقال : "ببحثِهِ عن علومَ رضيَ نفسَهُ بتعليمِها دونَ استعمالِها والوُصولِ إلى حقائِقِها".
والسَّبَبُ في هذهِ العُقوبةِ أنَّهُ رغَّبَ النَّاسَ في بضاعةٍ زهدَ هوَ فيها ، وأرشدَ النَّاسَ إلى دواءٍ لم يستعْمِله ، وحملَ بينَ يديهِ الهناءَ فاختارَ الشَّقاءَ ؛ ومنَ العجائِبِ أعمشُ كحَّال ؛ ولذا كانت عقوبتُهُ إماتةُ قلبِهِ وحرمانُهُ من الحياة .
إنَّ كثرةَ الوعظِ قد تذهبُ بتأثيرِهِ في قلبِ الواعظِ لاعتيادِهِ إيَّاهُ
وتكرارهِ لهُ مرَّاتٍ كثيرةٍ وفي محافلَ شتّى .
والأمرُ يحتاجُ إلى نوبةِ إفاقةٍ مُتكرِّرةٍ وعلى الدَّوام ، وإتقانِ مهارةِ التأثيرِ في النفسِ إضافةً إلى مهارةِ التأثيرِ في الغير ، وإلَّا كانَ حظُّ الإنسانِ من وعظِهِ : لسانُه ، ونصيبُهُ من موعِظَتِهِ : دموعُ غيرِه ، ودورُهُ معَ كلامِهِ هدايةُ المُستمعينَ إليه ، وهو ما حذَّرَ منهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : " مَثلُ العالمِ الذي يُعلِّمُ النَّاسَ الخيرَ وينسى نفسَهُ ؛ كمَثَلِ السِّراجِ يُضيءُ للنَّاسِ ويُحرِقُ نفسَه ".
كانَ السّريُّ السقطيُّ يُعجَبُ مِمَّا يرى مِن علمِ الجنيدِ وحُسنِ خطابَتِه وسرعةِ جوابِه ، فقالَ لهُ يومًا وقد سألَ مسألةً فأجابَ وأصاب : أخشى أن يكونَ من الدُّنيا ، فكانَ الجُنيدُ لا يزالُ يبكي من تِلكَ الكلمة .
وتأَمَّلوا رقَّةَ قلبِ وحياةِ روحِ سيِّدِ الوُعَّاظِ الواعظُ الكوفيُّ ابنُ السَّماكِ فقد ذكَرَ النَّارَ في بعضِ مجالِسِهِ فبَكى وأبكَى ووَعَظَ وذَكَّرَ وجرى مجلِسٌ حَسنٌ جميل ، فلمَّا كانَ في المجلِسِ الثَّاني دُفِعت إليهِ رُقعَةٌ كان فيها :
يا أيُّها الرَّجلُ المعلِّمُ غيرَهُ .. هلَّا لنفسِكَ كانَ ذا التَّعليمُ
تصِفُ الدَّواءَ مِنَ السِّقامِ لذي الضَّنا .. كي ما يصحَّ بهِ وأنَ سقيمُ
وأراكَ تملَأُ بالرَّشادِ عُقُولَنا .. نُصحًا وأنتَ مِنَ الرَّشادِ عديمُ
فمرِضَ من ذلِكَ مرَضًا شديدًا ، وتُوُفِّيَ منهُ رحمَهُ الله !!.
ومثلما كانَ في الكوفةِ أحياءُ قلوبٍ كان لهُم إخوانٌ في أقصى المَغرِبِ في الأرضِ الأندَلُس يخافونَ نفسَ المَصيرِ ويتَّهمونَ النَّفسَ بالتَّقصير ، ومنهُمُ المُنذِرُ بنُ سعيدٍ القاضي الأندّلُسيِّ الذي خطَبَ يومًا وأرادَ التَّواضُعَ ؛ فكانَ من فُصولِ خُطبَتِهِ أن قالَ : " حتَّى متى ؟ وإلى متى ؟ فكمِ الذي أعظُ ولا أتَّعِظ ؛ وأزجُرُ ولا أزدَجِر ، أدلُّ الطَّريقَ على المُستَدِلِّينَ ، وأبقى مُقِيمًا معَ الحائِرينَ ! كلَّا إنَّ هذا لهُوَ الضَّلالُ المُبيْنُ ! {إن هِيَ إلَّا فِتنَتُكَ تُضِلُّ بها من تَشَاءُ وتُهدِي من تَشَاءُ}[الأعراف 155] اللَّهُمَّ فرِّغْنِي لما خلَقْتَني له ! ولا تَشْغَلْني بما تكََفَّلتَ لي بِه ! ولا تَحرِمني وأنا أسأَلُك ! ولا تُعَذِّبْني وأنا أستَغْفِرُك ! يا أرحمَ الرَّاحِمِينَ " .
تمّ بفضلِ الله