حياة الإرادة والهمة:إن ضعف الإرادة والطلب من ضعف حياة القلب، وكلما كان القلب أتم حياة كانت همته أعلى، وإرادته ومحبته أقوى، فإن الإرادة والمحبة تتبع الشعور بالمراد المحبوب، وسلامة القلب من الآفة التي تحول بينه وبين طلبه وإرادته، فضعف الطلب وفتور الهمة إما من نقصان الشعور والإحساس وإما من وجود الآفة في القلب، وعلى قدر علو الهمة وصدق الإرادة والطلب تكون الحياة الطيبة، وأخس الناس حياة أخسهم همة وأضعفهم محبة وطلبا، حتى إن حياة البهائم خير من حياته، وانظر إلى المسلمين كيف آل أمرهم إلى الذل والهوان لما ضعفت هممهم وأطبقت عليهم الغفلة من كل جانب وأحاط بهم الجهل من كل حدب وصوب، ومن علامة كمال العقل علو الهمة! والراضي بالدون دنيء! ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام! وكما قيل: نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم وتكدح فيما سوف تنكر غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم تسر بما يفنى وتفرح بالمنى كما غر باللذات في النوم حالموالمقصود أن للإنسان قوة علمية فكرية وقوة عملية إرادية وسعادته التامة موقوفة على استكمال القوتين، أما العلمية فلا تكون ولا تتم إلا بمعرفة فاطره وبارئه، ومعرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة الطريق التي توصل إليه، ومعرفة قواطعها، ومعرفة نفسه ومعرفة عيوبها، ومعرفة الشيطان ومداخله على القلب، وأعلم الناس أعرفهم بها وأفقههم فيها، وأما القوة العملية الإرادية فلا تحصل إلا بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد، والقيام بها محبة، وإخلاصا، وصدقا، ونصحا، وإحسانا، ومتابعة، واستعانة به، وشهودا لمنّته عليه، وصبرا فيه وله.والسعادة تابعة للمحبة والشوق، تقوى بقوتها وتضعف بضعفها، وهما تابعان لمعرفته والعلم به، وكلما كان العلم به أتم كانت محبته أكمل والشوق إليه أشد فكانت سعادته أعظم، فمن كان يؤمن بالله وأسمائه وصفاته ودينه وبه أعرف كان له أحب، وكانت سعادته ولذته بالوصول إليه ومجاورته والنظر إلى وجهه الكريم وسماع كلامه أتم، وكل لذة ونعيم وسرور وبهجة بالإضافة إلى ذلك كقطرة في بحر، فكيف يؤثر من له عقل لذة آنية ضعيفة قصيرة مشوبة بالآلام على لذة عظيمة دائمة أبد الآباد؟! والله المستعان.