الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :
فقد تمادى أهل الزيغ في ضلالهم، واستدرجتم البدعة في أوحالها المشينة، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم على السنة وأهلها، وطبل لهم الشيطان سوء أفعالهم ؛ فشتموا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتحوا أبواب النقد عليهم وهذا باب زندقة سبقهم إليها الملاحدة الأوائل من الرافضة والجهمية وأذنابهم ومن يضلل الله فماله من هاد .
وتثبيتاً لقلوب عباد الله الصادقين، السائرين على سنن السلف الماضين، اجتزأت صفحات من كتاب شيخنا العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي /ص133- 139 في بيان شأن الصحابة من كلام السلف وأئمة الدين :
الإمام مالك بن أنس (179هـ) رحمه الله:
قال البغوي في شرح السنة (1/229) : ((قال مالك: مَن يبغض أحداً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان في قلبه عليه غِلٌّ فليس له حقٌّ في فَيءِ المسلمين، ثم قرأ قولَه سبحانه وتعالى: {مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى} إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} الآية، وذُكر بين يديه رجلٌ ينتقص أصحابَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقرأ مالكٌ هذه الآية {مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} إلى قوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ، ثم قال: مَن أصبح من الناس في قلبه غِلٌّ على أحدٍ من أصحاب النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقد أصابته هذه الآية)) .
الإمام أحمد بن حنبل (241هـ) رحمه الله:
قال في كتابه السنة: ((ومن السنَّة ذكرُ محاسن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلِّهم أجمعين، والكفّ عن الذي جرى بينهم، فمَن سبَّ أصحابَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو وأحداً منهم فهو مبتدعٌ رافضيٌّ، حبُّهم سنَّةٌ والدعاءُ لهم قربةٌ والاقتداءُ بهم وسيلةٌ والأخذُ بآثارهم فضيلةٌ)) .
وقال: ((لا يجوز لأحدٍ أن يذكر شيئاً من مساوئهم ولا يطعن على أحدٍ منهم فمَن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبُه وعقوبتُه ليس له أن يعفوَ عنه بل يعاقبُه ثمَّ يستتيبُه فإن تاب قبِلَ منه وإن لَم يتب أعاد عليه العقوبة وخلَّده في الحبس حتى يتوب ويراجع)) .
الإمام أبوزرعة الرازي (264هـ) رحمه الله:
روى الخطيبُ البغدادي في كتابه الكفاية (ص:49) بإسناده إليه قال: ((إذا رأيت الرجلَ ينتقصُ أحداً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاعلم أنَّه زنديقٌ؛ وذلك أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندنا حقٌّ والقرآن حقٌّ، وإنَّما أدَّى إلينا هذا القرآنَ والسننَ أصحابُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنَّما يريدون أن يجرحوا شهودَنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرحُ بهم أولى وهم زنادقةٌ)) .
الإمام أبوجعفر الطحاوي (322هـ) رحمه الله:
قال في عقيدة أهل السنة والجماعة: ((ونحبُّ أصحابَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نفرط في حبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرَّأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلاَّ بخيرٍ، وحبُّهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبغضُهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيانٌ)) .
الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (327هـ) رحمه الله:
قال في كتابه الجرح والتعديل (1/87) : ((فأمَّا أصحابُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهم الذين شهدوا الوحيَ والتنزيلَ، وعرفوا التفسيرَ والتأويلَ، وهم الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ لصحبة نبيِّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونصرتِه وإقامةِ دينه وإظهارِ حقِّه، فرضيهم له صحابةً، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوةً، فحفظوا عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما بلَّغهم عن الله عزَّ وجلَّ، وما سنَّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدّب، ووعَوْه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمرَ الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومشاهدتهم منه تفسيرَ الكتاب وتأويله، وتلقّفهم منه واستنباطهم عنه، فشرَّفهم الله عزَّ وجلَّ بما مَنَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إيَّاهم موضع القدوة)) ، إلى أن قال: ((فكانوا عدولَ الأمَّة وأئمَّةَ الهدى وحججَ الدِّين ونقلةَ الكتاب والسنة.
وندب الله عزَّ وجلَّ إلى التمسُّك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم، فقال: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} الآية.
ووجدنا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد حضَّ على التبليغ عنه في أخبار كثيرة، ووجدناه يخاطبُ أصحابَه فيها، منها أن دعا لهم فقال: (نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتّى يبلِّغها غيرَه) ، وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خطبته: (فليبلِّغ الشّاهدُ منكم الغائبَ) ، وقال: (بلِّغوا عنِّي ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) .
ثمَّ تفرَّقت الصحابةُ رضي الله عنهم في النَّواحي والأمصار والثغور، وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام، فبثَّ كلُّ واحدٍ منهم في ناحيته وبالبلد الذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحكموا بحكم الله عزَّ وجلَّ وأمضوا الأمور على ما سنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأفتوا فيما سُئلوا عنه مِمَّا حضرهم من جواب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نظائرها من المسائل، وجرّدوا أنفسهم مع تقدمة حسن النيّة والقربة إلى الله تقدّس اسمُه، لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام، حتّى قبضهم الله عزَّ وجلَّ رضوانُ الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين)) .
الإمام ابن ابن أبي زيد القيرواني (386هـ) رحمه الله:
قال في مقدَّمة رسالته: ((وأنَّ خيرَ القرون القرنُ الذين رأوا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآمنوا به، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، وأفضل الصحابة الخلفاءُ الراشدون المهديّون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وأن لا يُذكر أحدٌ من صحابة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلاَّ بأحسن ذكرٍ، والإمساك عمَّا شجر بينهم، وأنَّهم أحقُّ الناس أن يُلتمس لهم أحسن المخارج، ويُظنَّ بهم أحسنَ المذاهب)) .
الإمام أبوعثمان الصابوني (449هـ) رحمه الله:
قال في كتابه عقيدة السلف وأصحاب الحديث: ((ويَرون الكفَّ عمَّا شجر بين أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمَّن عيباً لهم أو نقصاً فيهم ويرون التَّرحُّم على جميعهم والموالاة لكافَّتهم)) .
الإمام أبو المظفَّر السمعاني (489هـ) رحمه الله:
نقل الحافظ في الفتح (4/365) عنه أنَّه قال: ((التعرُّضُ إلى جانب الصحابة علامةٌ على خذلان فاعله، بل هو بدعةٌ وضلالةٌ)) .
شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ) رحمه الله:
قال في كتابه العقيدة الواسطية: ((ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما وصفهم الله في قوله: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ، وطاعة للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنَّ أحدَكم أنفق مثلَ أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) إلى أن قال: ويتبرَّءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبّونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهلَ البيت بقول أوعملٍ، ويُمسكون عمَّا جرى بين الصحابة، ويقولون إنَّ هذه الآثار المرويّة في مساوئهم منها ما هو كذبٌ ومنها ما قد زِيد فيه ونُقص وغُيِّر عن وجهه، والصحيحُ منه هم فيه معذورون إمَّا مجتهدون مصيبون وإمَّا مجتهدون مخطئون)) .
الحافظ ابن كثير (774هـ) رحمه الله:
قال في تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: {وَالسَّابِقُون الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} الآية قال: ((فقد أخبر الله العظيم أنَّه قد رضي عن السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعوهم بإحسان، فيا ويلَ مَن أبغضَهم أو سبَّهم أو أبغضَ أو سبَّ بعضَهم ولا سِيَما سيِّدُ الصحابة بعد الرَّسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخيرُهم وأفضلُهم أعني الصِّديقَ الأكبرَ والخليفةَ الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإنَّ الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضلَ الصحابة، ويبغضونهم ويسبُّونهم عياذاً بالله من ذلك، وهذا يدلُّ على أنَّ عقولَهم معكوسةٌ وقلوبَهم منكوسةٌ، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون مَن رضي الله عنهم، وأمَّا أهلُ السنة فإنَّهم يترَضَّوْن عمَّن رضي الله عنه ويسبون من سبَّه الله ورسولُه ويوالون من يوالي الله ويعادون من يعادي الله، وهم متَّبعون لا مبتدعون ويقتدون ولا يبتدون، ولهذا هم حزبُ الله المفلحون وعبادُه المؤمنون)) .
الشيخ ابن أبي العزّ الحنفي (792هـ) رحمه الله:
قال في شرح الطحاوية (ص:469) : ((فمن أضلُّ مِمَّن يكون في قلبه غلٌّ على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيِّين، بل قد فضَلهم اليهودُ والنصارى بخصلة، قيل لليهود مَن خيرُ أهل ملَّتكم؟ قالوا: أصحابُ موسى، وقيل للنصارى: من خير أهل ملَّتكم؟ فقالوا: أصحابُ عيسى، وقيل للرافضة: من شرُّ أهل ملَّتكم؟ فقالوا: أصحابُ محمد، ولم يستثنوا منهم إلاَّ القليل، وفيمن سبّوهم من هو خير مِمَّن استثنوهم بأضعافٍ مضاعفةٍ)) .
الحافظ ابن حجر العسقلاني (852هـ) رحمه الله:
قال في كتابه فتح الباري (13/34) : ((واتّفق أهلُ السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من حروبٍ ولو عُرف المحقُّ منهم؛ لأنَّهم لَم يقاتلوا في تلك الحروب إلاَّ عن اجتهادٍ وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنَّه يؤجر أجراً واحداً وأنَّ المصيبَ يؤجر أجرين)) .
الشيخ يحيى بن أبي بكر العامري (893هـ) رحمه الله:
قال في كتابه الرياض المستطابة في من له روايةٌ في الصحيحين من الصحابة (ص:311) : ((وينبغي لكلِّ صيِّنٍ متديِّنٍ مسامحة الصحابة فيما صدر بينهم من التشاجر والاعتذار عن مخطئهم وطلب المخارج الحسنة لهم وتسلِيم صحة إجماع ما أجمعوا عليه على ما علموه، فهم أعلم بالحال، والحاضرُ يرى ما لا يرى الغائبُ، وطريقةُ العارفين الاعتذارُ عن المعائب، وطريقةُ المنافقين تتبُّعُ المثالب، وإذا كان اللاَّزمُ من طريقة الدين سترُ عورات المسلمين فكيف الظنُّ بصحابة خاتم النبيّين مع اعتبار قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تسبُّوا أحداً من أصحابي) ، وقوله: (من حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه) هذه طريقةُ صلحاء السلف وما سواها مهاوٍ وتلف)) .