توضيح الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله لحقيقة التبرك بنخامة النبي_صلى الله عليه وسلم_.
أولاً:حديث صلح الحديبية الذي رواه الزهري عن مسفر بن مخرمة بن مروان بن الحكم صحيح لا ريب فيه بأقوى الأسانيد وفيه( أن عروة بن مسعود الثقفي لما جاء إلى النبي _عليه الصلاة والسلام_ لأجل أن يعمل عقد صلح أو الهدنة صلح الحديبية أتى مراقِباً ومهدِدَا ،طبعاً قبل أن يسلم فلما جلس بدأ يهدد الرسول_ عليه الصلاة والسلام_ قال: يا محمد ما أرى حولك إلا أوباشاً أو أوشاباً خليقاً أن يفروا ويدعوك،فقال أبو بكر: نحن نفر وندعه امصص بذر اللات،فقال: من هذا فتبسم النبي صلي الله عليه وسلم وقال: إنه ابن أبي قحافة_ أي أبو بكر رضي الله عنه،_ وبعد قليل جيء بوَضوء _وعروة جاء منتفخاً يرفع عضلاته ويهدد الرسولﷺ والرسول _عليه الصلاة والسلام_ سيد من سن السياسة الشرعية فعل فعلا لم يتعود أن يفعله بل كان ينهى عن أقل منه وهو القيام له كما في حديث أنس رضي الله عنه قال( ما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلي الله عليه وسلم وما كنا نقوم له من الكراهة التي نراها في وجهه ) ولما كان يصلي وهو جالس رآهم وقوفا قال تفعلون فعل الأعاجم مع ملوكها اجلسوا.
ولما قالوا أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا وهو كذلك صلي الله عليه وسلم قال لهم: ( قولوا بقولكم ولا يستجرينكم الشيطان إنما أنا عبد الله ورسوله ) ، فكل سبيل كان يؤدي إلى الغلو كان يغلقه _عليه الصلاة والسلام _فلما جاء عروة مهددا الصحابة أتوا بوَضوء فجعل يتوضأ كانوا يتقاتلون على وَضوءه،إذا تنخم نخامة فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده ولا يحدون النظر إليه تعظيما له لا يرفعون الصوت عنده، عروة بن مسعود أخذ الموقف وذهب بغير الوجه الذي جاء به،فلما خرج رفع التقرير إلى قريش قال: يا قوم والله لقد وفدت على الملوك وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي فو الله ما رأيت أصحاب ملك يعظمون مليكهم كتعظيم أصحاب محمدِ محمداً ، فو الله ما توضأ فسقطت قطرة ماء على الأرض وما تنخم نخامة فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده ولا يحدون النظر تعظيماً له ويخفضون الصوت عنده ، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها .
الرسول عليه الصلاة والسلام لما تركهم يفعلون ذلك لم يكن للتبرك إنما لهذه السياسة الشرعية ليرى عروة بن مسعود من هؤلاء،والرسول صلي الله عليه وسلم يفاوض خلفه رجال لا يستطيع أن يقف أمامهم ، أحد يحرصون على الموت كحرص أعدائهم على الحياة أراد أن يريهم ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام توضأ ألوف المرات لم نرى أحد يأخذ وضوءه،ولم تكن سنة حتى أزواجه _صلي الله عليه وسلم_ ، لا أعلم في حديث من الأحاديث أن عائشة رضي الله عنها أو أي زوج من أزواج النبي عليه الصلاة والسلام كان عندما يتوضأ تأخذ الماء بعده تتبرك به،ولا أعلم هذا عن الصحابة لا يوجد غير هذا الحديث الفذ،والحديث هذا داخل عليه أكثر من معنى المعنى الواضح يحتمل التبرك نعم لكن المعنى الواضح أن هذه سياسة شرعية وانتهت القصة بموت النبي عليه الصلاة والسلام .