الحياة حياة القلب قال الله تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ } أي من كان ميت القلب بعدم روح العلم والهدى والإيمان فأحياه الرب تعالى بروح أخرى غير الروح التي أحيا بها بدنه وهي روح معرفته وتوحيده ومحبته وعبادته وحده لا شريك له، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}، فأخبر أنه روح تحيي ونور يضيء، وقال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}، وقال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَات ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ}، فالوحي حياة الروح ومن فقدها فقد الحياة النافعة في الدنيا والآخرة، فكانت حياته في الدنيا حياة البهائم، حظه منها الأكل والشرب والجماع، وله المعيشة الضنك في مقابلة التوسيع على نفسه وبدنه بالشهوات واللذات والراحة، فإن النفس كلما وسعت عليها ضيّقت على القلب، وأما في الآخرة فله جهنم لا يموت فيها ولا يحيا، وقد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته، فقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فالحياة الطيبة حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره وسعادته بالإيمان والعمل الصالح من معرفة الله ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه والصلاة والزكاة والصيام والحج والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة الله ورسوله والمسلمين، فإنه لا حياة أطيب من هذه الحياة ولا نعيم فوق نعيمها إلا نعيم الجنة، كما كان بعض العارفين يقول: إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب، وقال غيره: إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا، وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح، فإنه ملكها إذا طاب طابت جنوده وإذا خبث خبثت جوده، ولهذا جعل الله المعيشة الضنك لمن أعرض عن ذكره، وهذه الحياة الطيبة تكون في الدور الثلاث دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار، وكذلك المعيشة الضنك، فالأبرار في النعيم هنا وهنالك والفجار في الجحيم هنا وهنالك قال الله تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ}، وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}.