الحمد لله حمداً يبلغ رضاه وصلى الله على أشرف من اجتباه وعلى من صاحبه ووالاه وسلم تسليماً لا يدرك منتهاه‏.في هذا العصر قد أعرض الناس عما أنزله الله إليهم واعتقدوا عدم كفايته وطعن فيه من طعن وعدلوا إلى الأهواء والآراء وأقوال الشيوخ والرؤساء فعرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم وأفسدت حياتهم حتى ربى فيها الصغير وهرم عليها الكبير فاستحسنوها ولم يروها منكرا فقامت البدع مقام السنن والنفس مقام العقل والهوى مقام الرشد والضلال مقام الهدى والمنكر مقام المعروف والجهل مقام العلم والرياء مقام الإخلاص والباطل مقام الحق والكذب مقام الصدق والمداهنة مقام النصيحة والظلم مقام العدل والرذيلة مقام العفة فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور وأهلها هم المشار إليهم وقلَّ العُلماء وغلب السفهاء وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر وذهبت البركات وقلّت الخيرات.ولكن لا تزالُ طائفة مِن أهل الخير المحمَّدي بالحق قائمين، ولأهل الشِّرك والكفر والأهواء مجاهدين إلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومَن عليها، وهو خير الوارثين قال الله تعالى {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} وهم الذين يصلحون إذا فسد الناس ويزيدون إذا نقص الناس الذين يحيون سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويعلمونها الناس ويصبرون على أذاهم قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة وما أكثرها اليوم، هذا والعالم يعاني من انعدام الحياة الكريمة النقية الفاضلة والناس قد اشتبه عليهم الحق والباطل والصالح والفاسد يتخبطون في جاهلية جهلاء، من مقالات يظنونها علماً وهي جهل وعمى، وأعمال يحسبونها صلاحاً وهي فساد وانحلال، وغاية البارع منهم علماً وعملاً، أن يحصل قليلاً من العلم الموروث عن الأنبياء أو يشتغل بعمل القليل منه مشروع، وأكثره مبتدع لا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلاً ناهيك عن صلاح غيره، أو أن يكدح بنظره كدح الحريص الشحيح، فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية والتقنية والأدبية وغيرها، حتى يصل - إن وصل - بعد الجهد الجهيد، إلى نزر قليل مضطرب، لا يسمن ولا يغني من جوع، باطله أضعاف حقه - إن حصل - وأنى له ذلك مع كثرة الاختلاف بين أهله والنزاع والفرقة مع البغي والعدوان ورفض الغير جملة وتفصيلا والاضطراب وتعذر الأدلة عليه، والأسباب، ولهذا جعل للمسلم الصادق في هذا الوقت أجر خمسين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك إذا آثر الحياة الحقيقية وتمسك بدينه وسنة نبيه بين ظلمات الأهواء والآراء ولا يجد مساعدا ولا معينا فهو عالم بين جهال صاحب سنة بين أهل بدع داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الكفر والأهواء آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين أقوام المعروف لديهم منكر والمنكر معروف ولا حول ولا قوة إلا بالله.