تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: عرض كتاب النشر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    2,225

    افتراضي عرض كتاب النشر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    ربما أتمكن من عرْض كتاب النشر للقراءة، عرضًا وسَطًا لا إثقالَ فيه، سوى الضَّبط الذي قد يكون كثيرًا، وشيءٍ من فوائد التحقيق الذي قام به الدكتور السالم محمد محمود الجكني، لكنَّ مستندي الأول في هذا العرض هو الطبعة التي باعتناء الشيخ علي محمد الضباع، رحمه الله تعالى.
    وقد بينتُ مواضع الصفحات بوضع رقم بين معقوفتين هكذا: [2] مثلاً.
    وأسأل الله التوفيق والعون على الإتمام.
    صورة إجازتي في القراءات العشر من الشيخ مصباح الدسوقي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    2,225

    افتراضي رد: عرض كتاب النشر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قَالَ مَوْلانَا الإِمَامُ شَيْخُ الإِسْلامِ، مُقْتَدَى العلماءِ الأَعْلامِ، مُقْرِئُ دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ، افْتِخَارُ الأَئِمَّةِ، نَاصِرُ الأُمَّةِ، أُسْتَاذُ المُحَدِّثِينَ، بَقِيَّةُ العلماءِ الرَّاسِخِينَ، شَمْسُ المِلَّةِ وَالدِّينِ، أَبُو الخَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ الجَزَرِيِّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ[1]:
    الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ القرآنَ كَلامَهُ وَيَسَّرَه، وَسَهَّلَ نَشْرَهُ لِمَنْ رَامَهُ وَقَدَّرَه، وَوَفَّقَ لِلْقِيَامِ بِهِ مَنِ اخْتَارَهُ وَبَصَّرَه، وَأَقَامَ لِحِفْظِهِ خِيرَتَهُ مِنْ بَرِيَّتِهِ الخَيِّرَة.
    وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ مُقِرٍّ بِهَا بِأَنَّهَا لِلنَّجَاةِ مُقَرِّرَة، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القَائِلُ: ((إِنَّ المَاهِرَ بِالقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَة))، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ جَمَعُوا القرآنَ فِي صُدُورِهِمُ السَّلِيمَةِ وَصُحُفِهِ المُطَهَّرَة، وَسَلَّمَ وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ.
    وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أَئِمَّةِ القِرَاءَةِ المَهَرَةِ، خُصُوصًا القُرَّاءَ العَشَرَة، الَّذِينَ كُلٌّ مِنْهُمْ تَجَرَّدَ لِكِتَابِ اللَّهِ فَجَوَّدَهُ وَحَرَّرَه، وَرَتَّلَهُ كَمَا أُنْزِلَ وَعَمِلَ بِهِ وَتَدَبَّرَه، وَزَيَّنَهُ بِصَوْتِهِ وَتَغَنَّى بِهِ وَحَبَّرَه.
    وَرَحِمَ اللَّهُ السَّادَةَ المَشَايِخَ الَّذِينَ جَمَعُوا فِي اخْتِلافِ حُرُوفِهِ وَرِوَايَاتِهِ الكُتُبَ المَبْسُوطَةَ وَالمُخْتَصَرَة ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ تَيْسِيرَهُ فِيهَا عُنْوَانًا وَتَذْكِرَة، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْضَحَ مِصْبَاحَهُ إِرْشَادًا وَتَبْصِرَة، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْرَزَ المَعَانِيَ فِي حِرْزِ الأَمَانِي مُفِيدَةً وَخَيِّرَة، أَثَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَجْمَعِينَ، وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ فِي عِلِّيِّينَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
    (وَبَعْدُ) فَإِنَّ الإِنْسَانَ لا يَشْرُفُ إِلاَّ بِمَا يَعْرِفُ، وَلا يَفْضُلُ إِلاَّ بِمَا يَعْقِلُ، وَلا يَنْجُبُ إِلاَّ بِمَنْ يَصْحَبُ، وَلَمَّا كان القرآنُ العَظِيمُ أَعْظَمَ كِتَابٍ أُنْزِلَ، كان المُنَزَّلُ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - أَفْضَلَ نَبِيٍّ أُرْسِلَ، وَكَانَتْ أُمَّتُهُ مِنَ العَرَبِ وَالعَجَمِ أَفْضَلَ [2] أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ مِنَ الأُمَمِ، وَكَانَتْ حَمَلَتُهُ أَشْرَفَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَقُرَّاؤُهُ وَمُقْرِئُوهُ أَفْضَلَ هَذِهِ المِلَّةِ.
    كَمَا أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن[2] الخَضِر الحَنَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِسَفْحِ قَاسَيُونَ ظَاهِرَ دِمَشْقَ المَحْرُوسَةِ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ نِعْمَةَ الصَّالِحِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ مُحَمَّدٍ[3] القُبَّيْطِيّ فِي آخَرِينَ إِذْنًا، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ المُقَرَّبِ الكَرْخِيُّ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِي - يَعْنِي الحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ[4] اللَّهِ العَطَّارَ - أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الفَضْلِ العِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ السَّقَطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ البُرْجُمَانِيّ ُ[5] - يَعْنِي إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ الجُرْجَانِيُّ - وَكُنَّا نَعُدُّهُ مِنَ الأَبْدَالِ - عَنْ نَهْشَلٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلَّم -: ((أَشْرَفُ أُمَّتِي حَمَلَةُ القرآنِ)).
    نَهْشَلٌ هَذَا ضَعِيفٌ.
    وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي المُعْجَمِ الكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ الجُرْجَانِيِّ هَذَا عَنْ كَامِلٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّاسِبِيِّ عَنِ الضَّحَّاكِ بِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: ((أَشْرَافُ[6] أُمَّتِي حَمَلَةُ القرآنِ)) وَلَمْ يَذْكُرْ نَهْشَلاً فِي إِسْنَادِهِ.
    وَالصَّوَابُ ذِكْرُهُ كَمَا أَخْبَرَتْنَا سِتُّ العَرَبِ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مُشَافَهَةً فِي دَارِهَا بِسَفْحِ قَاسَيُونَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ ، قَالَتْ: أنا جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، أنا أَبُو سَعْدٍ الصَّفَّارُ فِي كِتَابِهِ، أنا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ سَمَاعًا، أنا أَحْمَدُ بْنُ الحُسَيْنِ الحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَأَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ القَاسِمِ الفَارِسِيُّ إِمْلاءً، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَيْشٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ البُرْجُمَانِيّ ُ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ الجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا نَهْشَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((أَشْرَافُ أُمَّتِي حَمَلَةُ القرآنِ [3] وَأَصْحَابُ اللَّيْلِ)).
    كَذَا رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
    وَرُوِّينَا فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((ثَلاثَةٌ لا يَكْتَرِثُونَ لِلْحِسَابِ وَلا تُفْزِعُهُمُ الصَّيْحَةُ وَلا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ: حَامِلُ القرآنِ يُؤَدِّيهِ إِلَى اللَّهِ يَقْدَمُ على رَبِّهِ سَيِّدًا شَرِيفًا حَتَّى يُرَافِقَ المُرْسَلِينَ، وَمَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ لا يَأْخُذُ على أَذَانِهِ طَمَعًا، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ مِنْ نَفْسِهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ)).
    وَرُوِّينَا أَيْضًا فِي الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((خَيْرُكُمْ مَنْ قَرَأَ القرآنَ وَأَقْرَأَهُ)).
    وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَفْظُهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القرآنَ وَعَلَّمَهُ)).
    وَكَانَ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ التَّابِعِيُّ الجَلِيلُ يَقُولُ لَمَّا يَرْوِي هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عُثْمَانَ – رضي الله عنه -: "هَذَا الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا"، يُشِيرُ إِلَى كَوْنِهِ جَالِسًا فِي المَسْجِدِ الجَامِعِ بِالكُوفَةِ يُعَلِّمُ القرآنَ وَيُقْرِئُهُ مَعَ جَلالَةِ قَدْرِهِ وَكَثْرَةِ عِلْمِهِ، وَحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى عِلْمِهِ، وَبَقِيَ يُقْرِئُ النَّاسَ بِجَامِعِ الكُوفَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَعَلَيْهِ قَرَأَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - .
    وَلِذَلِكَ كان السَّلَفُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يَعْدِلُونَ بِإِقْرَاءِ القرآنِ شَيْئًا ؛ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ شَقِيقٍ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّكَ تُقِلُّ الصَّوْمَ، قَالَ: إِنِّي إِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ القرآنِ، وَتِلاوَةُ القرآنِ أَحَبُّ إِلَيَّ .
    وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَقُولُ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ -: ((مَنْ شَغَلَهُ القرآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ)) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
    وَقَدْ جَمَعَ الحَافِظُ أَبُو العَلاءِ الهَمَذَانِيُّ طُرُقَ هَذَا الحَدِيثِ، وَفِي بَعْضِهَا: ((مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ القرآنِ فِي أَنْ يَتَعَلَّمَهُ أَوْ يُعَلِّمَهُ عَنْ دُعَائِي وَمَسْأَلَتِي ...)).
    وَأَسْنَدَ الحَافِظُ أَبُو العَلاءِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أَفْضَلُ العِبَادَةِ قِرَاءَةُ القرآنِ)).
    وَرُوِّينَا عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي [4] قِرَاءَةُ القرآنِ)) أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمَانِ[7].
    وَعَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمَّانِيِّ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يَغْزُو أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ يُقْرِئُ القرآنَ ؟ فَقَالَ: يُقْرِئُ القرآنَ ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القرآنَ وَعَلَّمَهُ)).
    وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: "مَنْ قَرَأَ القرآنَ لَمْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (((ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا))) قَالَ: إِلاَّ الَّذِينَ قَرَءُوا القرآنَ".
    وَعَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ: "أَبْقَى النَّاسِ عُقُولاً قُرَّاءُ القرآنِ".
    وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ البَنَّاءُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الغَنِيِّ بْنَ عَبْدِ الوَاحِدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُرُورٍ المَقْدِسِيَّ الحَافِظَ أَخْبَرَهُ قَالَ: أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ القُوسِيَانِيُّ سَمَاعًا، أنا أَبُو شُجَاعٍ الدَّيْلَمِيُّ الحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَعْمَرٍ الأَثْوَابِيُّ الوَرَّاقُ، أنا أَبُو الحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ حَمَدِ بْنِ سَعْدَوَيْهِ الدِّهْقَانُ بِهَمَذَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ النَّيْسَابُورِ يُّ بِهَا، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ، (ح).
    وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّالِحِيُّ شِفَاهًا عَنْ أَبِي الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الفَقِيهِ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ الحَافِظُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ السَّلامِيُّ، أنا ابْنُ نَاصِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلالُ، أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، أنا[8] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيزِ بْنَ مُحَمَّدٍ النَّهَاوَنْدِي َّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - يَقُولُ: رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي النَّوْمِ فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، مَا أَفْضَلُ مَا يَتَقَرَّبُ المُتَقَرِّبُون َ بِهِ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: بِكَلامِي يَا أَحْمَدُ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ بِفَهْمٍ أَمْ بِغَيْرِ فَهْمٍ؟ فَقَالَ: بِفَهْمٍ وَبِغَيْرِ فَهْمٍ.


    [1] هذه الديباجة هي التي في المطبوع، واختار محقق الكتاب ديباجة إحدى النسخ، وهي:
    قال الشيخ الإمام شيخ مشايخ الإسلام، خاتمة مجتهدي الأنام، بقية محققي الأئمة الأعلام، أبو الخير شمس الملة والشريعة والدين، مفيد الطالبين، مرشد السالكين، محمد بن محمد بن محمد بن الجزري الشافعي رحمه الله تعالى ورضي عنه.

    [2] زيادة "بن" من التحقيق.

    [3] في المطبوع زيادة "بن" بعدها.

    [4] هذا هو الصواب، وفي المطبوع: "عبيد" مصغرًا.

    [5] ذكر المحقق أن الصواب "الترجماني" وإن لم توجد في النسخ المخطوطة.

    [6] وفي المطبوع هنا: "أشرف"، كالأول، والمثبت هو الصحيح.

    [7] لم يعثر عليه المحقق في "شعب الإيمان".

    [8] في التحقيق: ثنا.
    صورة إجازتي في القراءات العشر من الشيخ مصباح الدسوقي

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    2,225

    افتراضي رد: عرض كتاب النشر

    وقَدْ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الأُمَّةَ في كِتَابِهِمْ هَذَا المُنَزَّلِ على نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا لَمْ يَكُنْ لأُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ في كُتُبِهَا المُنَزَّلَةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى تَكَفَّلَ بِحِفْظِهِ دُونَ سَائِرِ الكُتُبِ، وَلَمْ يَكِلْ حِفْظَهُ إِلَيْنَا، قَالَ تَعَالَى: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))، وَذَلِكَ إِعْظَامٌ لأعْظَمِ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَحَدَّى بِسُورَةٍ مِنْهُ أَفْصَحَ العَرَبِ لِسَانًا وأَعْظَمَهُمْ عِنَادًا وَعُتُوًّا وَإِنْكَارًا، فَلَمْ [5] يَقْدِرُوا على أَنْ يَأْتُوا بِآيَةٍ مِثْلِهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُتْلَى آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِمِائَة ِ سَنَةٍ مَعَ كَثْرَةِ المُلْحِدِينَ وَأَعْدَاءِ الدِّينِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُعَارَضَةَ شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَيُّ دَلالَةٍ أَعْظَمُ على صِدْقِ نُبُوَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ هَذَا؟!
    وَأَيْضًا، فَإِنَّ عُلَمَاءَ هَذِهِ الأُمَّةِ لَمْ تَزَلْ مِنَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ وإِلى آخِرِ وَقْتٍ يَسْتَنْبِطُونَ مِنْهُ مِنَ الأَدِلَّةِ وَالحُجَجِ وَالبَرَاهِينِ وَالحِكَمِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمٌ وَلا يَنْحَصِرُ لِمُتَأَخِّرٍ، بَلْ هُوَ البَحْرُ العَظِيمُ الَّذِي لا قَرَارَ لَهُ يُنْتَهَى إِلَيْهِ، وَلا غَايَةَ لآخِرِهِ يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَحْتَجْ هَذِهِ الأُمَّةُ إِلى نَبِيٍّ بَعْدَ نَبِيِّهَا - صلى الله عليه وسلم - كَمَا كَانَتِ الأُمَمُ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَخْلُ زَمَانٌ مِنْ أَزْمِنَتِهِمْ عَنْ أَنْبِيَاءَ يُحَكِّمُونَ أَحْكَامَ كِتَابِهِمْ، وَيَهْدُونَهُمْ إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ فِي عَاجِلِهِمْ وَمَآبِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: (( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيّ ُونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ))، فَوَكَلَ حِفْظَ التَّوْرَاةِ إِلَيْهِمْ ؛ فَلِهَذَا دَخَلَهَا بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمُ التَّحْرِيفُ وَالتَّبْدِيلُ.
    وَلَمَّا تَكَفَّلَ تَعَالَى بِحِفْظِهِ خَصَّ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ بَرِيَّتِهِ، وَأَوْرَثَهُ مَنِ اصْطَفَاهُ مِنْ خَلِيقَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)).
    وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ) قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَهْلُ القرآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ)؛ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمْ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بإسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
    وقَدْ أَخْبَرَتْنَا بِهِ عَالِيًا أُمُّ مُحَمَّدٍ سِتُّ العَرَبِ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الصَّالِحِيَّةُ مُشَافَهَةً، أنا جَدِّي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرَةٌ، أنا أَبُو المَكَارِمِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ اللَّبَّانُ فِي كِتَابِه مِنْ أَصْبَهَانَ، أنا الحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الحَدَّادُ سَمَاعًا، أنا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، أنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُدَيْلٍ العُقَيْلِيُّ، عَنْ أَبِيه، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ[1] هُمْ ؟ قَالَ: [6] (أَهْلُ القرآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ).
    وكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُدَيْلٍ.
    ثُمَّ إِنَّ الاعْتِمَادَ في نَقْلِ القرآنِ على حِفْظِ القُلُوبِ وَالصُّدُورِ، لا على حِفْظِ المَصَاحِفِ وَالكُتُبِ، وَهَذِهِ أَشْرَفُ خِصِّيصَةٍ[2] مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ، فَفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِنَّ رَبِّي قَالَ لِي: قُمْ في قُرَيْشٍ فَأَنْذِرْهُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي حَتَّى يَدَعُوهُ خُبْزَةً، فَقَالَ: إنِّي[3] مُبْتَلِيكَ وَمُبْتَلٍ بِكَ، وَمُنْزِلٌ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ المَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، فَابْعَثْ جُنْدًا أَبْعَثْ مِثْلَهُمْ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ، وَأَنْفِقْ يُنْفَقْ[4] عَلَيْكَ).
    فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ القرآنَ لا يَحْتَاجُ في حِفْظِه إلى صَحِيفَةٍ تُغْسَلُ بِالمَاءِ، بَلْ يَقْرَؤُهُ في كُلِّ حَالٍ، كَمَا جَاءَ في صِفَةِ أُمَّتِهِ: (أَنَاجِيلُهُمْ في صُدُورِهِمْ)، وَذَلِكَ بِخِلافِ أَهْلِ الكِتَابِ الَّذِينَ لا يَحْفَظُونَهُ إِلا فِي الكُتُبِ، وَلا يَقْرَءُونَهُ كُلَّهُ إِلا نَظَرًا لا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.
    وَلَمَّا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِحِفْظِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِهِ أَقَامَ لَهُ أَئِمَّةً ثِقَاتٍ تَجَرَّدُوا لِتَصْحِيحِه، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ في إِتْقَانِهِ، وَتَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَرْفًا حَرْفًا، لَمْ يُهْمِلُوا مِنْهُ حَرَكَةً وَلا سُكُونًا، وَلا إِثْبَاتًا ولا حَذْفًا، وَلا دَخَلَ عَلَيْهِمْ في شَيْءٍ مِنْهُ شَكٌّ ولا وَهمٌ، وكَانَ مِنْهُمْ مَنْ حَفِظَهُ كُلَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَفِظَ أَكْثَرَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَفِظَ بَعْضَهُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم.
    وَقَدْ ذَكَرَ الإِمَامُ أبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بْنُ سَلاّمٍ في أَوَّلِ كِتَابِهِ في القِرَاءَاتِ مَنْ نُقِلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ وُجُوهِ القِرَاءَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، فذَكَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَسَالِمًا، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وعَمْرَو بْنَ العَاصِ، وابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ، ومُعَاوِيَةَ، وابْنَ الزُّبَيْرِ، وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ، وعَائِشَةَ، وحَفْصَةَ، وأُمَّ سَلَمَةَ، وهَؤُلاءِ كُلُّهُمْ مِنَ المُهَاجِرِينَ.
    وذَكَرَ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، ومُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وأَبَا الدَّرْدَاءِ، وزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وأَبَا زَيْدٍ، ومُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ، وأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
    [7] ولَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقَامَ بِالأَمْرِ بَعْدَهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَاتَلَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَهْلَ الرِّدَّةِ وَأَصْحَابَ مُسَيْلِمَةَ، وقُتِلَ مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوُ الخَمْسِمِائَةِ ، أُشِيرَ على أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - بِجَمْعِ القرآنِ في مُصْحَفٍ وَاحِدٍ خَشْيَةَ أَنْ يَذْهَبَ بِذَهَابِ الصَّحَابَةِ، فَتَوَقَّفَ في ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَأْمُرْ في ذَلِكَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ اجْتَمَعَ رَأْيُهُ ورَأْيُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى[5] عَنْهُمْ - على ذَلِكَ، فأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِتَتَبُّعِ القرآنِ وَجَمْعِهِ، فَجَمَعَهُ في صُحُفٍ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
    ولَمَّا كان في نَحْوِ سَنَةِ[6] ثَلاثِينَ مِنَ الهِجْرَةِ في خِلافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَضَرَ حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ فَتْحَ أَرْمِينِيَةَ وأَذْرَبِيجَانَ ، فرَأَى النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ في القرآنِ، يَقُولُ[7] أَحَدُهُمْ للآخَرِ: قِرَاءَتِي أَصَحُّ مِنْ قِرَاءَتِكَ، فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ، وقَدِمَ على عُثْمَانَ وقَالَ: أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا اخْتِلافَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إلى حَفْصَةَ أَنْ: أرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخْهَا ثُمَّ نَرُدَّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْهَا إِلَيْهِ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِ وعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ يَنْسَخُوهَا في المَصَاحِفِ، وقَالَ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدٌ في شَيْءٍ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ؛ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ.
    فَكَتَبَ مِنْهَا عِدَّةَ مَصَاحِفَ، فَوَجَّهَ بِمُصْحَفٍ إِلى البَصْرَةِ، ومُصْحَفٍ إِلى الكُوفَةِ، ومُصْحَفٍ إِلى الشَّامِ، وتَرَكَ مُصْحَفًا بِالمَدِينَةِ، وَأَمْسَكَ لِنَفْسِهِ مُصْحَفًا الَّذِي يُقَالُ لَهُ "الإِمَامُ"، وَوَجَّهَ بِمُصْحَفٍ إِلى مَكَّةَ، وبِمُصْحَفٍ إِلى اليَمَنِ، وبِمُصْحَفٍ إِلى البَحْرَيْنِ.
    وأَجْمَعَتِ الأُمَّةُ المَعْصُومَةُ مِنَ الخَطَأِ على مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ المَصَاحِفُ وَتَرْكِ مَا خَالَفَهَا مِنْ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ، وَإِبْدَالِ كَلِمَةٍ بِأُخْرَى، مِمَّا كان مَأْذُونًا فِيهِ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ، ولَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ ثُبُوتًا مُسْتَفِيضًا أَنَّهُ مِنَ القُرآنِ، وجُرِّدَتْ هَذِهِ المَصَاحِفُ جَمِيعُهَا مِنَ النَّقْطِ وَالشَّكْلِ؛ لِيَحْتَمِلَهَا مَا صَحَّ نَقْلُهُ وثَبَتَ تِلاوَتُهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم؛ إِذْ كان الاعْتِمَادُ على الحِفْظِ لا على مُجَرَّدِ الخَطِّ، وكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الأَحْرُفِ السَّبْعَةِ[8] الَّتِي [8] أشَارَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَوْلِهِ: (أُنْزِلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ).
    فَكُتِبَتِ المَصَاحِفُ على اللَّفْظِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ في العَرْضَةِ الأَخِيرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ: كَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ.
    قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "لَوْ وَلِيتُ في المَصَاحِفِ مَا وَلِيَ عُثْمَانُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ".
    وَقَرَأَ أَهْلُ كُلِّ[9] مِصْرٍ بِمَا في مُصْحَفِهِمْ، وَتَلَقَّوْا مَا فِيهِ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ تَلَقَّوْهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَامُوا بِذَلِكَ مَقَامَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ تَلَقَّوْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
    (فَمِمَّنْ كان بِالمَدِينَةِ) ابْنُ المُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ، وَسَالِمٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وَسُلَيْمَانُ وَعَطَاءٌ ابْنَا يَسَارٍ، وَمُعَاذُ بْنُ الحَارِثِ المَعْرُوفُ بِمُعَاذٍ القَارِئِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزٍ الأَعْرَجُ، وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ.
    (وَبِمَكَّةَ) عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ.
    (وَبِالكُوفَةِ) عَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ، وَمَسْرُوقٌ، وَعَبِيدَةُ، وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ، وَالحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ[10]، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ نُضَيْلَةَ، وَأَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ[11]، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وعَامرٌ[12] الشَّعْبِيُّ.
    (وَبِالبَصْرَةِ) عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، وَأَبُو العَالِيَةِ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، وَمُعَاذٌ[13]، وجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، والحَسَنُ، وابْنُ سِيرِينَ، وقَتَادَةُ.
    (وَبِالشَّامِ) المُغِيرَةُ بْنُ أَبي شِهَابٍ المَخْزُومِيُّ صَاحِبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ في القِرَاءَةِ، وخُلَيْدُ بْنُ سَعْدٍ صَاحِبُ أَبي الدَّرْدَاءِ.
    ثُمَّ تَجَرَّدَ قَوْمٌ لِلْقِرَاءَةِ والأَخْذِ، وَاعْتَنَوْا بِضَبْطِ القِرَاءَةِ أَتَمَّ عِنَايَةٍ، حَتَّى صَارُوا في ذَلِكَ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ وَيُرْحَلُ إِلَيْهِمْ وَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ، أَجْمَعَ أَهْلُ بَلَدِهِمْ على تَلَقِّي قِرَاءَتِهِمْ بِالقَبُولِ، ولَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِمْ فِيهَا اثْنَانِ، وَلِتَصَدِّيهِم ْ لِلْقِرَاءَةِ نُسِبَتْ إِلَيْهِمْ.
    (فَكَانَ بِالمَدِينَةِ) أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ القَعْقَاعِ، ثُمَّ شَيْبَةُ بْنُ نِصَاحٍ، ثُمَّ نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ.
    (وَكَانَ بِمَكَّةَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، وحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الأَعْرَجُ، ومُحَمَّدُ بْنُ مُحَيْصِنٍ.
    (وَكَانَ بِالكُوفَةِ) يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، ثُمَّ حَمْزَةُ، ثُمَّ الكِسَائِيُّ.
    (وكَانَ [9] بِالبَصْرَةِ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي إِسْحَاقَ، وعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وأبُو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ، ثُمَّ عَاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ، ثُمَّ يَعْقُوبُ الحَضْرَمِيُّ .
    (وَكَانَ بِالشَّامِ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وعَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلابِيُّ، وإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُهَاجِرِ، ثُمَّ يَحْيَى بْنُ الحَارِثِ الذِّمَارِيُّ، ثُمَّ شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ الحَضْرَمِيُّ.



    [1] في التحقيق: "ومن" بزيادة الواو.

    [2] هكذا ضبطها في التحقيق بناءً على ما في النسخ، وفي هامشه إيضاحٌ واستطراد.

    [3] من التحقيق، وهي في النسخ المخطوطة.

    [4] في التحقيق: "ننفق" ولم يذكر ما بالمطبوع، والحديث في صحيح مسلم بألفاظ تختلف عما أورده المؤلف.

    [5] ليست في التحقيق.

    [6] كلمة "سنة" من التحقيق، وفيه: في حدود سنة ثلاثين.

    [7] في المطبوع: ويقول.

    [8] من التحقيق.

    [9] في المطبوع: كل أهل.

    [10] الأودي صاحب الرواية التي في البخاري في باب القسامة في الجاهلية.

    [11] البجلي.

    [12] ليست في المطبوع.

    [13] هكذا في المطبوع وإحدى النسخ، ولم يعيِّنه المحقِّق.
    صورة إجازتي في القراءات العشر من الشيخ مصباح الدسوقي

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    2,225

    افتراضي رد: عرض كتاب النشر

    ثُمَّ إِنَّ القُرَّاءَ بَعْدَ هَؤُلاءِ المَذْكُورِينَ كَثُرُوا وَتَفَرَّقُوا فِي البِلادِ وَانْتَشَرُوا، وخَلَفَهُمْ أُمَمٌ بَعْدَ أُمَمٍ، عُرِفَتْ طَبَقَاتُهُمْ وَاخْتَلَفَتْ صِفَاتُهُمْ، فَكَانَ مِنْهُمُ المُتْقِنُ لِلتِّلاوَةِ المَشْهُورُ بِالرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ، وَمِنْهُمُ المُقْتَصِرُ على وَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الأَوْصَافِ، وَكَثُرَ بَيْنَهُمْ لِذَلِكَ الاخْتِلافُ، وَقَلَّ الضَّبْطُ، وَاتَّسَعَ الخَرْقُ، وَكَادَ البَاطِلُ يَلْتَبِسُ بِالحَقِّ، فقَامَ جَهَابِذَةُ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، وصَنَادِيدُ الأَئِمَّةِ، فبَالَغُوا في الاجْتِهَادِ، وَبَيَّنُوا الحَقَّ المُرَادَ، وَجَمَعُوا الحُرُوفَ وَالقِرَاءَاتِ، وَعَزَوُا الوُجُوهَ وَالرِّوَايَاتِ ، وَمَيَّزُوا بَيْنَ المَشْهُورِ والشَّاذِّ، والصَّحِيحِ وَالفَاذِّ، بِأُصُولٍ أَصَّلُوهَا، وأَرْكَانٍ فَصَّلُوهَا، وهَا نَحْنُ نُشِيرُ إِلَيْهَا وَنُعَوِّلُ كَمَا عَوَّلُوا عَلَيْهَا فَنَقُولُ:
    كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتِ العَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ، ووَافَقَتْ أَحَدَ المَصَاحِفِ العُثْمَانِيَّة ِ وَلَوِ احْتِمَالاً، وصَحَّ سَنَدُهَا، فَهِيَ القِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لا يَجُوزُ رَدُّهَا وَلا يَحِلُّ إِنْكَارُهَا، بَلْ هِيَ مِنَ الأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا القرآنُ، ووَجَبَ على النَّاسِ قَبُولُهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ[1] عَنِ الأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ، أَمْ عَنِ العَشَرَةِ، أَمْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الأَئِمَّةِ المَقْبُولِينَ، ومَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الأَرْكَانِ الثَّلاثَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ السَّبْعَةِ أَمْ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّانِيُّ، ونَصَّ عَلَيْهِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وكَذَلِكَ الإِمَامُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَمَّارٍ المَهْدَوِيُّ، وحَقَّقَهُ الإِمَامُ[2] الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، المَعْرُوفُ بِأَبِي شَامَةَ، وهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الَّذِي لا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلافُهُ.
    قَالَ أَبُو شَامَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كِتَابِهِ "المُرْشِدِ الوَجِيزِ": "فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُغْتَرَّ بِكُلِّ قِرَاءَةٍ [10] تُعْزَى إِلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاءِ الأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ وَيُطْلَقَ عَلَيْهَا لَفْظُ الصِّحَّةِ وَأَنَّ هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِلاّ إِذَا دَخَلَتْ في ذَلِكَ الضَّابِطِ، وَحِينَئِذٍ لا يَنْفَرِدُ بِنَقْلِهَا مُصَنِّفٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَلا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْلِهَا عَنْهُمْ، بَلْ إِنْ نُقِلَتْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ القُرَّاءِ فَذَلِكَ لا يُخْرِجُهَا عَنِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّ الاعْتِمَادَ على اسْتِجْمَاعِ تِلْكَ الأَوْصَافِ لا عَمَّنْ تُنْسَبُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ القِرَاءَاتِ المَنْسُوبَةَ إِلَى كُلِّ قَارِئٍ مِنَ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى المُجْمَعِ عَلَيْهِ والشَّاذِّ، غَيْرَ أَنَّ هَؤُلاءِ السَّبْعَةَ لِشُهْرَتِهِمْ وَكَثْرَةِ الصَّحِيحِ المُجْتَمَعِ عَلَيْهِ في قِرَاءَتِهِمْ تَرْكَنُ النَّفْسُ إِلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمْ فَوْقَ مَا يُنْقَلُ عَنْ غَيْرِهِمْ.
    (قُلْتُ): وَقَوْلُنَا في الضَّابِطِ (وَلَوْ بِوَجْهٍ) نُرِيدُ بِهِ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ النَّحْوِ، سَوَاءٌ أَكان[3] أَفْصَحَ أَمْ فَصِيحًا، مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَمْ مُخْتَلَفًا فِيهِ اخْتِلافًا لا يَضُرُّ مِثْلُهُ إِذَا كَانَتِ القِرَاءَةُ مِمَّا شَاعَ وَذَاعَ وَتَلَقَّاهُ الأَئِمَّةُ بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ؛ إِذْ هُوَ الأَصْلُ الأَعْظَمُ وَالرُّكْنُ الأَقْوَمُ، وهَذَا هُوَ المُخْتَارُ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ في رُكْنِ مُوَافَقَةِ العَرَبِيَّةِ، فَكَمْ مِنْ قِرَاءَةٍ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ النَّحْوِ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إِنْكَارُهُمْ، بَلْ أَجْمَعَ الأَئِمَّةُ المُقْتَدَى بِهِمْ مِنَ السَّلَفِ على قَبُولِهَا؛ كَإِسْكَانِ (بَارِئِكُمْ وَ يَأْمُرُكُمْ) ونَحْوِهِ، وَ (سَبَأ و يَا بُنَي و مَكْرَ السَّيِّئ ) و (نُجِّي المُؤْمِنِينَ) في الأَنْبِيَاءِ[4]، وَالجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ في تَاءَاتِ البَزِّيِّ، وإِدْغَامِ أَبِي عَمْرٍو، و (اسْطَّاعُوا) لِحَمْزَةَ، وَإِسْكَانِ (نِعمَّا و يَهدِّي)، وإِشْبَاعِ اليَاءِ فِي (نَرْتَعِي، وَيَتَّقِي وَيَصْبِرْ) و (أَفْئِيدَةً مِنَ النَّاسِ)، وَضَمِّ (لِلمَلائِكَةُ اسْجُدُوا)، وَنَصْبِ (كُنْ فَيَكُونَ)، وَخَفْضِ (وَالأَرْحَامِ)، وَنَصْبِ (لِيُجْزَى قَوْمًا)، وَالفَصْلِ بَيْنَ المُضَافَيْنِ في الأَنْعَامِ، وَهَمْزِ (سَأْقَيْهَا)، وَوَصْلِ (وَإِنَّ اليَاسَ)، وَأَلِفِ (إِنَّ هَذَانِ)، وتَخْفِيفِ (وَلا تَتَّبِعَانِ)، وقِرَاءَةِ (لَيْكَةَ) في الشُّعَرَاءِ و ص، وغَيْرِ ذَلِكَ.


    [1] الهمزة عن التحقيق، وليست في المطبوع.

    [2] هذه الكلمة في المطبوع، وليست في التحقيق.

    [3] الهمزة عن التحقيق، وليست في المطبوع.

    [4] "في الأنبياء" من المطبوع.
    صورة إجازتي في القراءات العشر من الشيخ مصباح الدسوقي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •