الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد ، فقد ابتليت هذه الأمة العظيمة بجهلاء كثيرين يقعون فيها من حيث لا يشعرون خصوصا لما يمس جهلهم رموز الأمة من الصحابة رضوان الله عليهم .
و من هؤلاء الصحابة الذين نالهم جهل كثير من الواعظين: ثعلبة بن حاطب رضي الله تعالى الذي لم يسلم عرضه من ألسنتهم
بل نسبه بعضهم إلى النفاق والعياذ بالله.
ومن أشهر القصص الضعيفة التي روجوها بجهلهم المطبق ما رواه الطبراني رحمه الله في معجمه الكبير عن أبي أمامة أن ثعلب بن حاطب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا قال ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه أما تريد أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سألت الله عز وجل أن تسيل لي الجبال ذهباً وفضة لسالت ثم رجع إليه فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا والله لئن آتاني الله مالا لأوتين كل ذي حق حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارزق ثعلبة مالا اللهم ارزق ثعلبة مالا اللهم ارزق ثعلبة مالا قال فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت عليه أزقة المدينة فتنحى بها وكان يشهد الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إليها ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة فتنحى بها فكان يشهد الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إليها ثم نمت فتنحى بها فترك الجمعة والجماعات فيتلقى الركبان فيقول ما ذا عندكم من الخبر وما كان من أمر الناس وأنزل الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم " خُذْ من أموالهم صَدقةً تطهرُهم وتزكيهم بها " واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقات رجلين من الانصار ورجلا من بني سليم فكتب لهم سنة الصدقة وأسنانها وأمرهم أن يصدقا الناس وأن يمرا بثعلبة فيأخذا منه صدقة ماله ففعلا حتى دفعا إلى ثعلبة فأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صَدِّقَا الناس فإذا فرغتم فمروا بي ففعلا فقال ما هذا إلا أخَيَّة الجزية فانطلقا حتى لحقا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم " ومنهم من عاهَدَ اللهَ لئن آتانا من فضله لنَصَّدَّقَنَّ ولنكونَن منَ الصالحينَ فلما آتاهُمْ مِنْ فَضْلهِ بخَلوُا به وتولوا وهُمْ معرضون " إلى قوله يَكذبِون، قال فركب رجل من الأنصار قريب لثعلبة راحلته حتى أتى ثعلبة فقال ويحك يا ثعلبة هلكت قد أنزل الله فيك من القرآن كذا فأقبل ثعلبة وقد وضع التراب على رأسه وهو يبكي ويقول يا رسول الله يا رسول الله فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتى أبا بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا بكر قد عرفت موضعي من قومي ومكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل مني فأبى أن يقبل منه ثم أتى عمر فلم يقبل منه ثم أتى عثمان فلم يقبل منه ثم مات ثعلبة في خلافة عثمان
وهذه القصة لا تصح وعلة ضعفها أحد رجال سندها وهو علي بن يزيد الألهاني و أدع الكلام للإمام الالباني حتى يبصرنا عن حاله :قال رحمه الله في السلسلة الضعيفة : هذا إسناد ضعيف جداً ، كما قال الحافظ ابن حجر في "تخريج الكشاف" (4/ 77/ 133) ، وعلته علي بن يزيد الألهاني ؛ قال الهيثمي في "المجمع" (7/ 31-32) :"رواه الطبراني ، وفيه علي بن يزيد الألهاني ، وهو متروك" .
ومعان بن رفاعة ؛ لين الحديث كما في "التقريب" .
وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (3/ 135) :
"إسناده ضعيف" .
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" : للبغوي والباوردي وابن قانع وابن السكن وابن شاهين عن أبي أمامة عن ثعلبة بن حاطب . وعزاه إلى غير هؤلاء أيضاً في "الدر المنثور" (3/ 260) .
وروى منه حديث الترجمة ابن أبي خيثمة في "التاريخ" (ص 26 - مصورة الجامعة الإسلامية) .
(تنبيه) : هذا الحديث من الأحاديث التي ساقها ابن كثير في "تفسيره" ساكتاً عليه ؛ لأنه ذكره بسند معان بن رفاعة ... به ، مشيراً بذلك إلى علته الواضحة لدى أهل العلم بهذا الفن ، فاغتر بسكوته مختصر تفسيره الشيخ الصابوني فأورده في "مختصره" (2/ 157-158) الذي نص في مقدمته أنه اقتصر فيه على الأحاديث الصحيحة وحذف الأحاديث الضعيفة ! وهو في ذلك غير صادق ، كما كنت بينته في مقدمة المجلد الرابع من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" داعماً ذلك بذكر بعض الأمثلة ، مشيراً إلى كثرة الأحاديث الضعيفة جداً فيه . وبين أيدينا الآن هذا المثال الجديد ، وقد زاد في الانحراف عن جادة العلماء بتصديره إياه بقوله : "وقد ورد فيه حديث رواه ابن جرير عن أبي أمامة ..." !
فأوهم قراء كتابه أنه حديث صحيح بجزمه كما هو مقرر عند العلماء ، زيادة على ما ذكره في المقدمة مما أشرت إليه آنفاً ، ثم زاد - ضغثاً على إبالة- أنه نقل تخريج ابن كثير للحديث من "تفسيره" فجعله في حاشية "مختصره" موهماً قراءه أيضاً أنه من تخريجه هو ، متشعباً بما لم يعط ! عامله الله بما يستحق . أنتهى كلامه رحمه الله
فالله الله في صحابة رسول الله
نقله أبو إسحاق البوكانوني التلمساني