[1] هكذا نص شيخنا على اسم أبي جدِّه في لقائه مع السنيدي في قناة المجد، وهكذا أخبرني ابنه المهندس عبد المجيد، ووقع بدله: ((أحمد)) في تاريخ علماء دمشق، وعنه غالب من ترجم له. وقال لي المهندس رَبيح: توجد شجرة للأسرة أظنها عند أبناء عمومتنا.
[2] تنبيه: تفرُّد شيخنا بعلو السبعة هو في بلاد الشام والمشرق، وأما في عموم العالم الإسلامي فيساويه تلامذة شيخ قراء دُسوق: الفاضلي أبو ليلة، ومنهم شيخنا مصباح وِدْن حفظه الله، على ما تحرَّر لديّ بالبحث والاستفادة من جهود بعض الزملاء، ولا سيما الشيخ مصطفى شعبان، ولكن يبقى السند الشامي إلى المقرئ العَبيدي أجلُّ رجالًا -علمًا واحتسابًا- وأمتن قوة، وأصرح من جهة النصوص.
[3] انظر للاستزادة موسوعة الأسر الدمشقية (الطبعة الثانية 2/567).
[4] انظر ترجمته في تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر (2/600)، وأعلام دمشق (200)، وتكلم عنه شيخنا في مواضع.
[5] وصفه شيخ القراء محمد سليم الحلواني: بالفاضل العلامة، التقي الفهامة، الأستاذ الشيخ. ووصفه المقرئ محمود فايز الديرعطاني: بالأستاذ العلامة.
[6] هكذا حدثنا شيخنا عن تاريخ مولده باليوم لما سألتُه، وقال إنه وجده بخط أبيه. وهكذا حدده فيما أملاه على الشيخ إلياس البرماوي، ولكن وقع في كتاب السندان الأعليان، وفي مقال الشيخ زهير الشاويش: ربيع الآخر.
[7] هكذا أخبرنا شيخنا مرارًا أن شيخه قرأ على أحمد الحلواني الكبير، ويستدرك بذلك على تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر (3/206)، وتوفي الشيخ الصباغ سنة 1368.
[8] هكذا سمعت من الشيخ، وهو الصحيح إن شاء الله، فالختم كان سنة 1942م كما كرره شيخُنا، وتوفي الشيخ الحلواني سنة 1944م، وجاء في بعض كلام الشيخ سهوًا: شهرين، بدل: سنتين، وتناقله أناس. وللفائدة فقد كان شيخنا كثير الإطراء لشيخه، ويقول: أخذ القراءات عن والده في صغره، ومن صغره كان قارئًا متقنًا هائلًا، وأبوه هو الذي أدخل القراءات للشام، وكان أخذ عن المرزوقي عالم القراءات في وقته، وكان لشيخنا أولاد ثلاثة نقل لهم القراءات، أحدهم طبيب، خلف أباه في مشيخة القراءات.
[9] أفادني بذلك الشيخ علي سيف، وأخبره بذلك شيخنا.
[10] ومن قصصه التي حدثنا إياها شيخنا مرارًا: قصته في تحديد جهة الشام من الكعبة، وقصته مع العباءة التي فيها العث، والأخرى التي بين شقيها اختلاف، وقصة تنفله ومعرفته لاتجاه القبلة.
وهذه القصص وغيرها سردتُها كاملة ضمن مقال مطول؛ فرّغتُ فيه نماذج لمجالس شيخنا رحمه الله مما حضرتُ، وسأنشره بإذن الله بعد الترجمة. وفي إحدى هذه المرات قال بحضور الشيخين الباني والصباغ: ((الشيخ الديرعطاني طالب علم قوي بكل شيء، واللهُ أعطاه ذكاءً لم أجد مثله، مثل الشاطبي ينسبونه للمعجزة، والشيخ فايز كان حجة في الفقه الشافعي، وكان يقرأ عند الشيخ صالح العقاد. ومن حيث الأداء ليس له مثيل، إلا آل الحلواني، وبالنسبة لعلمه بالقراءات ربما أقوى من آل الحلواني، فالله أعطاه ذكاء، وحَصَر تفكيره بهذه الأمور، وكان مستحضرًا لوجوه الخلافات أكثر من أي شخص آخر، وكان عفيفًا رحمه الله.. ولم يكن له مؤلفات، ومحفوظاته كبيرة جدًّا)). وكتب شيخنا بخطه في إجازته لتلميذه الأول الشيخ عبد الهادي الطباع: ((سيدي وشيخي الشيخ محمود فائز الديرعطاني الذي حباه الله ما شاء من السعة في العلم والإتقان في الأداء)).
[11] انظر كتاب: دار الحديث الأشرفية (294 و301-307).
[12] وأيضًا قام الطبيب عماد ابن شيخنا ببناء مسجدين في موريتانيا، أحدهما باسم والده: (جامع بكري الطرابيشي)، والآخر باسم والدته: (جامع عائشة عرفة)، أخبرني بذلك المهندس ربيح. فلله در هذه الأسرة التي تعمر مساجد الله عمارة مادية ومعنوية.
[13] أخبرني شيخنا غير مرة أنه لا يقرئ النساء مطلقًا. وقال: إنه ما أقرأ إلا امرأتين من حفيداته. وتكرم بإجازة زوجي مرتين -في دمشق، ثم في دبي- لما علم أنها حافظة لكتاب الله.
[14] أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد وابن حبان وغيرهم بسند أرجو أنه لا بأس به، وجوّده ابن تيمية في الفتاوى، وحسّنه الألباني، وشيخنا عبد القادر الأرناؤوط، رحمهم الله جميعًا.
[15] قال الشيخ بعد هذا الذي أملاه: ((أرجو أن تنشر كلامي حرفيًّا، فهو مهم)). قلت: صدق والله، وقد فعلتُ ما أمر على العين والرأس، بارك الله في حياته وعافيته وذريته، ونفع المسلمين به.
[16] هي أقدم منظومات التجويد، ويسّر الله لي قراءتها على شيخنا المترجم رحمه الله في دبي، مع القصيدتين: السخاوية، والجزرية، ومقدمة الشاطبية وخاتمتها، وأول حديث في صحيح البخاري.
[17] حدّثنا شيخنا المترجم بقصة يقول: ينبغي أن تُذكر وتُعرف. -مرة في مجلس شيخنا العقيل رحمهما الله تعالى، ومرة أمام الشيخين الباني والصباغ- فقال: كنت جالسًا في مكتب أحد مدراء المخابرات اسمه بختيار، فجاء أحد المشايخ المعروفين زائرًا، ومعه باقة ورد أهداها للمسؤول، وخلع عمامته وجبّته، وعلّقهما، وجلس يكيل له المدح والثناء، ثم بدأ يكيل الشتائم المقذعة لشباب الإخوان ويتهمهم بأسوأ التهم، ويقول: إن أباه كان يحذّر منهم. وهو كاذب تمامًا في ذلك -على ما كنا نسمعه من الشيخ عبد الرزاق الحلبي عن والد القائل من إكرامهم-، فلم أصبر، وشددت عليه في الرد، وقلت له: اتق الله! فهؤلاء فيهم من الشباب الأخيار الصلحاء من ليس لهم نظير إلا في قرون الخيرية. وعلت أصواتنا، وتغلبتُ عليه بحمد الله، ثم خرجت! وشيعني المسؤول معتذرًا مني عما حصل من رفع صوت! (قلت: الذي سمعته غير ذلك ،ولكن صوَّب لي المهندس عبد المجيد ابن شيخنا أنه عبد اللطيف فرفور، وأكّد على ذلك، وهكذا أخبرني أحد كبار أصحاب الشيخ). وقال شيخنا: إنه في إحدى مرات الاستجواب كانوا يسألون عن ثروات بعض المشايخ، مثل الشيخ زهير الشاويش، فدافعت عنهم بما أعرفه من أعمالهم وتجاراتهم، وتحديت أن يجدوا مأخذًا واحدًا على تمويلنا، وقلت لهم أي قرش يُصرف اسألوني عنه، فأنا المسؤول المالي، وكل شيء يكون بعلمي وإشرافي. والحمد لله لم يجدوا علينا مأخذًا.
[18] كان شيخنا يذكر لنا تفاصيل الحادثة، ويقول: هذا المشروع لو قدر الله أن يتم لكنتُ من أثرياء العالم، ولكن رب ضارة نافعة، فكان ذلك وما تلاه من أسباب اجتهاد أولادي وتفوقهم العالي في العلوم الكونية، مع تدينهم واهتمامهم بالقرآن. وقال لنا: إنني أذكر هذا فقط من باب التحدث بنعمة الله عليّ، وللحث على الثقة واليقين بالله دون العباد. وأخبرني الشيخ محمد كريم راجح، أن شيخنا أخبره: أن بعض من اشترى في أرض المشروع بعد مصادرتها جاء له يطلب استحلاله -لأجل الصلاة ونحوها، لأن الأرض يعرفون أنها مغصوبة-، فقال لهم: لما علمت أنها أُمّمت وسيبيعونها للناس: سامحت من يكون فيها. وقال في مجلس آخر أنه قال: تنازلتُ عنها لله عز وجل، وأسأل الله أن يتقبل منكم. قلت: وأعجبُ من هذا أنه سعى بعد ذلك ببناء عدة مساجد في منطقة دمّر! تقبل الله منه، وعوضه في الآخرة خيرًا.
[19] لأن شيخنا أُخذ في دعوة سابقة لأحد الأئمة ممن صوته جميل لكن ليس من أهل الإتقان في الأداء، ولما عرف الإمام أن الشيخ معه زاد في تنغيم الصوت وفي المدود والغنن وغيرها! فلما خرجنا كنتُ ممسكًا بيد الشيخ، وجاء الإمام عند الشيخ، وقال له: كيف وجدت قراءتي؟ فأجابه: صوتك جميل ما شاء الله، بس كثرة البياض برص! -على تعبير أهل الشام-وانصرف أخونا يظن الشيخ قد مدح قراءته!
[20] وللمناسبة والفائدة: حدّثتُ شيخنا محمد أديب صالح بهذا في حياة شيخنا بكري، فأثنى عليه، وقال بتواضعه المعروف: أما الباني والصباغ فنعم، وأما أنا فأستغفر الله أن أُذكَر مثلهما! ثم استذكر العبارة بعد وفاته، وقال نحوه، وأضاف: والشيخ محمود شاكر سدّ في مجاله ثغرة كبيرة، وخدم الإسلام كثيرًا بمؤلفاته. قلت: وسمعت شيخنا بكري في دُبَيّ يقول: الشيخ عبد الرحمن الباني شخصية على دين وعقيدة، وأعرفه منذ سبعين سنة أو تزيد، وهو كما هو في الاستقامة والخير.
[21] أخبرني الشيخ علي سيف، أن الطبيب حمزة ابن شيخنا لما ختم على والده لحفص أراد أن يكمل الجمع عليه، فقال له الشيخ: لا، بل أكمل في مجالك وتزود منه، لعل الله ينفع بك فيه.
[22] وصدق والله! وبعد وفاة الشيخ حاولت معه أن يكتب عنه فقال: لا أعرف كيف أكتب عنه! وليس عندي شيء! فلما صرت أسأله فإذا عنده كنوز من أخبار الشيخ الخاصة، لكن يحتاج لمن يستخرج ما عنده بحكمة وصبر! وفقه الله ورعاه، وسهّل الانتفاع به، وهو جمع العشرة الصغرى على الشيخ أبي الحسن الكردي أيضًا، وإلا يسيرًا منها على الشيخ محمد سكر، وجمع العشرة الكبرى على الشيخ محمد عبد الحميد في الاسكندرية أيضًا، وسمع جميع البخاري على الشيخ عبد القيوم الرحماني في مكة، وزيادة على الثلث من مسند أحمد على الشيخ عبد الله بن عقيل في الرياض، ولازم شيخنا عبد القادر الأناؤوط ملازمة طويلة، وكان مساعدًا له، رحمهم الله.
[23] تاريخ زيارته الأولى 21 صفر 1425 وتدبَّجا الإجازة يومها، وكتب الشيخ بكري في إجازته: ((الأخ الأستاذ الكبير الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل، الذي هو شيخ الأشياخ في الرياض.. وذلك أني تشرفتُ وسعدت بزيارته في بيته العامر بطاعة الله)). والثانية سنة 1426، وبقي يذكر لقاءه مدة، وقال لي الشيخ فواز الدوماني: إنه كان يذكر ذلك، ويقول إنه يحب الشيخين ابن باز والعقيل في الرياض.
[24] أخبرني أخي الأستاذ محمد ابن شيخنا عبد القادر الأرناؤوط: كان الشيخ بكري دائمًا يتصل بالوالد، وكان والدي يرسل له طلابًا ليقرؤوا عليه القرآن، ويقول لهم: هذا من الرعيل الأول، وهو أكبر القراء الآن، ويزكيه عند طلاب العلم، ويوصيهم به. وكان والدي يزوره في جامع الخير، وكلاهما يرسل لبعض السلامات عبر الطلاب، ومرة اجتمعا معًا في الطائرة، ولما رآه الشيخ بكري أراد أن يقوم له، وهو متعب، ولكن الوالد قال له: لا تقم! أنا وأنت كلانا يحتاج لمن يساعده! ويقول له: الله يخرجنا من هذه الدنيا على خير! وكان الشيخ بكري يحيل عليه في الحديث، ويقول: إنه المرجع الآن في دمشق في الحديث.
[25] أخبرني المهندس عبد المجيد ابن شيخنا بكري: إن الشيخ زهير كان أقرب الناس لوالده مدة العمل الإسلامي بطولها، وأعرفهم به.
[26] كلُّ ما قمت به أن دفعتُ عربة الشيخ أمتارًا معدودة، وساعدته في ملء استمارة الدخول له ولزوجه! فرأى ذلك خدمة كبيرة! بل أنا من استفاد منه وقتها! فقد كلمتُ موظف الجوازات في تجاوز الطابور الطويل للشيخ، وتكرم جزاه الله خيرًا بخدمة الشيخ بشهامة تُذكر وتُشكر، وهو لا يعرفني ولا يعرف الشيخ، فأنا استفدتُ من ذلك ومشّاني الموظف مع الشيخ دون أن أنتظر الزحام!
[27] أذكر طرفة أخبرني بها الشيخ فواز الدوماني، قال: كنا مرة راجعين مع شيخنا من المسجد لبيته، وكان مرهقًا، ويمشي وظهره منحنٍ من تعبه، فقلنا له نمازحه: الآن تكون أم ماجد تنتظرك وتراقب وصولك من ثقب الباب، فهل يناسب أن تراك بهذا المنظر! فضحك الشيخ وشد ظهره واستوى، ومشى بعزيمة قائلًا: طيب هكذا مناسب؟ وأكمل المسير بنشاط إلى أن دخل البيت!
[28] ذكر شيخنا في لقائه مع السنيدي أنه كان عندما يخرج من بينه ليؤم الناس في صغره كان يمر على عدة مساجد فيها أشياء منكرة لكنها تستهوي الناس، مثلًا: إنشاد، اجتماعات، شاي، شيوخ يستهوون الناس ويستلطفونهم، فجربتُهم كلهم تقريبًا، جربت النقشبندية، حضرت عندهم جلستين أو ثلاثة، وحضرت عند الشاذلية، وهكذا كانت دمشق كلها وقتها، كانت نموذجًا للعالم الإسلامي، وذكر أنه لم يستطع أن يجد لأعمالهم في الحضرة والذكر أصلًا في السنة والعصور المتقدمة، ولكن أعمالهم كانت تستهوي النفس من الإنشاد بالصوت الجميل والشاي وحركة الجسد المطربة! فلم أقبلها في نفسي، فإذا اجتمعت معهم وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم صليت معهم، وإذا ذكروا بذكر مقبول ذكرت معهم، وإذا حانت الحضرة أقوم، فصاروا يطلقون عني أني وهابي! وهذه عندنا تهمة كبيرة، وقال إن كلمة وهابي غير السلفي عندهم. وقال: إن عند الصوفية أدب ولطف واستدراج، والذي استهواه في شبابه كان يأتي يخدمهم ويأخذهم للسيارين ويطبخ لهم الأكل. وقال: لا ننكر أن لهم أخلاقًا اجتماعية عالية.
[29] وأتعجب مما قرأته مؤخراً لأحدهم أن شيخنا ماتريدي العقيدة! لعله ظنه لمجرد كونه حنفيًّا! وإلا فهو غير صحيح، وسألت أخانا الشيخ وئام بدر فقال: هذا كذبٌ على الشيخ. بل صرَّح شيخنا في لقاء قناة المجد مع السنيدي عمّا كان يُشهر من النسبة: الماتريدي عقيدة (صرَّح بها) النقشبندي طريقة، ثم قال: هذه الأشياء لا أرتضيها. وقال نحو ذلك مستنكرًا ذلك لشيخنا العقيل في مجلسه، وسمعناه منه مرارًا. وكذلك صرَّح الشيخان الشاويش والصباغ أنه سلفي العقيدة، وهما من قدماء أصحاب الشيخ المقربين، وزادت صحبة كلٍّ منهما معه على الستين سنة، وأولهما يقول المهندس عبد المجيد إنه الأعرف بأبيه.
[30] أخبرت شيخنا محمد أديب صالح -صهر الغلاييني- بكلام شيخنا هذا، فقال: كلامه صحيح مائة بالمائة، فقد كانا متابعين للسنة، وينكران الخزعبلات، وعندهما إنكار للمنكر، ومجابهة للظلمة، وزهد صادق.
[31] وهذه القصص وغيرها سردتُها كاملة ضمن مقال مطول مضت الإشارة إليه؛ فرّغتُ فيه نماذج لمجالس شيخنا رحمه الله مما حضرتُ.
[32] ذكر الشيخ أن خادم المسجد غاب يومها عن الصلاة التي اتفق الصوفية على إقامة الحضرة بعدها، وجاء الشيخ للإمامة، ووجد الباب مغلقا، وما كان معه المفتاح، فصلّى مع من حضر عند باب المسجد، ثم رجع إلى بيته، فاتهم أولئك شيخنا أنه تعمد ذلك لأجلهم، واستطالوا عليه، وحصل ما حصل.
[33] وأما مطلق الأخذ فما يزال على قيد الحياة الشيخ المعمر فوق المائة سليم الحمّامي حفظه الله، قرأ عليه ختمة كاملة لحفص، وكان يمدح قراءته، أخبرني بذلك عنه ابنه فضيلة الشيخ أحمد الحمّامي. وكذلك شيخ القراء العلامة الجليل محمد كريّم راجح -حفظه الله، وأمدّ عمره على الخير والإفادة والعافية- قرأ عليه متن الشاطبية، وتوفي الحلواني قبل أن يشرع في القراءة عليه.
[34] انظر رسالة: السندان الأعليان. ويذكر شيخنا أنه لم يطلب الإجازة من شيخه، وأنه هو من بادره وكتبها له. ويذكر أن آخر أقرانه وفاة هو الشيخ عبد العزيز عيون السود، وذكر لي الشيخ علي سيف أن شيخنا أخبره أن الشيخ عيون السود لما جاء من حمص ليقرأ على الحلواني نزل في بيت شيخنا وسكن عنده.
[35] كما كتبه شيخنا بخط بيده في إجازته لتلميذه الأول الشيخ عبد الهادي الطباع رحمهما الله، واستفسرتُ الشيخَ كريّم -حفظه الله- عن هذا، فأجاب: لا أتذكر ذلك، ولكن إن كان الشيخ بكري قاله فهو مصدَّق، ولعله طلب مني وقلتُ له: أجزتُك. وعلى كل حال فكنّا كثيرًا ما نقرأ مع بعض لحفص بقصر المنفصل، في رمضان وغيره، وقَطْعًا ختَمْنا معًا أكثر من ختمة بذلك، فهذه مثل الإجازة.
[36] قلت: من الشناقطة المشهورين بالإجازة في الحرمين الشيخ حبيب الله الشنقيطي، وهو عالم متصوف، لكنه استقرَّ في السنوات الأخيرة من عمره في مصر، إلى أن توفي بها سنة 1363، وكان ابن عمه شيخنا محمد بن عبد الله آدُّ الشنقيطي قد رحل إليه ولازمه هناك من سنة 1360 إلى وفاته، رحمهما الله. وبمراجعة سريعة لبعض الكتب، ومنها: ((أعلام الشناقطة في الحجاز والمشرق)) لم يترجح لي من قد يكون هذا الشيخ المجيز، والأقرب بينهم أن يكون الشيخ محمد المجتبى الشنقيطي (ت1379) وبعده الشيخ محمد المصطفى بن الإمام العلوي الشنقيطي (ت1388)، ولا يمكنني الجزم بشيء، وفوق كل ذي علمٍ عليم.
[37] أخبرني الشيخ علي السيف، أن الشيخ قال لهم: بعد أن نظمت القصيدة أعطيتُها للشيخ كريّم راجح ليراجعها ويعدّلها.
[38] انظر إمتاع الفضلاء للبرماوي (1/394-400)، حيث سمى قرابة المائة ممن قرأ على شيخنا، فاستفدت منه، ومن إفادات الشيخين وئام بدر، وفواز الدوماني. وكذلك في مقال رأيتُه مؤخرًا للشيخ مجد مكي أسماء أخرى، فأُحيل عليهما لمن أراد الاستزادة، مع معرفة أن حصر أسماء الآخذين عن الشيخ متعذر.
• ومما ينبغي التنويه له أن بعض الناس استغل علو سند الشيخ وشهرته ليتشبع بما لم يُعط، فهناك من دلّس وأطلق أنه قرأ عليه القراءات، والواقع أنه قرأ عليه يسيرًا من أول القرآن وأجيز منه، بل رأيتُ أحدهم يزعم أنه أخذ عليّ القراءات بأخذي لها عن الشيخ، وهذا غير صحيح من الوجهين! وآخر قرأ على الشيخ يسيراً كذلك وصار يدلس ويتأكل بهذه الإجازة ويخالف نهج الشيخ ومشايخه في الإقراء حسبة، فأصدر الشيخ أكثر من بيان في إنكار ذلك، وفي إحداها كُتب أنه لا يسمح أن يُذكر إسناده في القرآن إلا لمن ختم عليه ختمة كاملة، ومن يفعل غير ذلك فهو مفتر كذاب! وأقول للبيان: أكّد لي أحد المقربين من شيخنا الجامعين عليه أن الزيادة الأخيرة ((فهو مفتر كذاب)) من كتابة من صاغ البيان للشيخ، ولم تكن من شيخنا ابتداء، وفيها نظر، فإن من كان مجازًا عامة؛ وأسند مبيِّنًا طريقة تحمله ومقدارها: فهذا من الناحية العلمية الإسنادية سائغ، وليس فيه كذب ولا افتراء، وإنما يكون كذبًا لو زعم القراءة الكاملة وهو لم يُتِمّ، وهذا الذي نعلمه من إنكار الشيخ ابتداءً من تلقاء نفسه متكررًا دون تلقين؛ أنه يؤاخِذ من لا يبيِّن أو ليس بأهل أو يتأكل بالقرآن، وعلى كل حال فالمجاز عامة فلا يضره بعد أن أجاز له المجيز أن يرجع في السماح بالرواية عنه، كما هو مقرر في كتب الاصطلاح، والرواية العامة بالتفصيل السابق مع عدم الإتمام موجودة عند أئمة القراء، ومنهم شيخ الفن ابن الجزري، بل الرواية بالإجازة المحضة موجودة أيضًا، وإن جهل ذلك بعض الناس أو استنكره، وفعلها شيخنا في روايته عن الشيخ حسين خطاب، والكلام فيما سبق عن الصحة، لا الكمال. ولا أعلم أن شيخنا ابتدأ بيانًا من تلقاء ذاته، بل يكون بسعي من تحرك لأجله وصاغه، والشيخ سليم الصدر، فمن هنا ظهرت بعض ملاحظات، مثل بيان تبرئة أحد من ثبت تدليسه على الشيخ! وغير ذلك، والحقُّ حقٌّ، والباطلُ باطلٌ، وكما أنه ((ما كلُّ من في الناس يقرئهم مقري))، فليس كل من دخل باب الرواية يدري! والله يعلم المُفسد من المُصلح، وهو المستعان.
[39] قلت: رأيتُ رؤيا في الشيخ عبد الرزاق الحلبي -وقد توفي قبل شيخنا ببضعة عشر يومًا- في حال حسنة يثني فيها على الشيخ بكري الطرابيشي رحمهما الله، ويقول لي: الشيخ بكري أخذ منه رواية القرآن عن طريق قراءة البعض وإجازة الباقي سبعون بالمائة من المتلقين في دمشق.