بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد...

نعلم جميعا بحجم البلاء الذي حل بإخواننا المسلمين في سوريا ,ونسمع بكل ما يحدث لهم.. وإن القلوب لتتفطّر والعيون لتذرف الدمع حزنا ومواساة لهم ,والأكف ترفع إلى الله جل وعلا في كل بقعة من بقاع العالم التي لا تخلو من مسلم موحد لله جل وعلا ..

وإن الله جل وعلا قد جعلنا أمة واحدة يجمعنا توحيده جل وعلا وعبادته وحده جل جلاله واستناننا بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم وحده ..

قال جل وعلا:"إنما المؤمنون أخوة" (الحجرات 10)وقال جل وعلا :"إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"(الأنبيا ء 92)

وقال صلى الله عليه وسلم :"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه مسلم,وقال صلى الله عليه وسلم:"المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولايحقره"رواه مسلم ,وفي رواية عند الترمذي:"المسلم اخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله"

وفي صحيح البخاري :قال صلى الله عليه وسلم :" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه,ومن كان في حاجة اخيه كان الله في حاجته,ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة,ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"

وفي أيامنا هذه تُختبر القلوب ويظهر الإيمان وتتكشف حقائقه ..فالمؤمن سيحنو على إخوانه من فضل الله جل وعلا عليه وسيسعى جاهدا لنصرتهم ولن يسلمهم ولن يخذلهم يبذل وسعه بالدعاء والإنفاق وإحسان الظن بالله تعالى وانتظار الفرج من الله تعالى لهم ..الله جل وعلا يحب هذا ورسوله صلى الله عليه وسلم يحبه ..
نحزن لما مسهم من الضر والبأساء ونسأل الله تعالى لهم الفرج والفتح والنصر..


والله لوشاء ربنا لأذن للحرب أن تضع اوزارها بكلمة واحدة ..ولوشاء ربنا جل وعلا لأطفئ الحرب من عنده وبقدرته وعزته..ولوشاء لانتقم من الظلمة كلهم مرة واحدة وفي ساعة واحدة ...لكن سبحان الله العظيم من رحم البلاء يخرج خير عظيم إلى جوارالألم والجراح والمأساة والبأساء..و في بطن هذا البلاء الذي ظاهره الشر أضعاف مضاعفة ومضاعفة من الخير والفضل والنعم..


فنحن نعلم في دنيانا أن الطبيب يصرف للمريض دواءً مر المذاق.. كريه الرائحة..و قد تكون له مضاعفات جانبية لكنها غير مقصودة للطبيب ,وهو لم يصرفه ليعذب به المريض أو ليزيده مرضا ,لا.. بل المقصود هو الشفاء الذي سيكتبه الله جل وعلا بسبب هذا الدواء والعافية التي ستحصل ... ولله المثل الأعلى .."المثل مستفاد من كلام الشيخ سعد الشثري حفظه الله تعالى"

فهكذا هي البلايا في ظاهرها ألم وضر وجراح وبأساء لكن ما سينتج عنها من الخيرات والبركات فوق مايتصوره أي شخص مهما كان فلله الحكمة البالغة يقول جل وعلا:"فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"(النساء19)و قول جل وعلا :"وعسى ان تكرهوا شيئا وهوخير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون"(البقرة 216)"...

لقد أيقظ هذا البلاء نفوسا غافلة وفتح عيونا عميا وآذانا صما...تحركت القلوب الى الله جل وعلا وتجرد التوحيد للذي يستحقه جل وعلا ...تآلفت قلوب الأمة واجتمعت وترابطت أرواحها حتى فاضت المبشرات وانتشرت وذاعت صالحون وصالحات يرون رؤى مبشرة بالنصر والتمكين وما الرؤى الصالحة إلا من عند الله جل وعلا ..

الكل يرفع كفه لينصرهم الله جل وعلا بل من المسلمين من يقوم الليل نصرة لإخوانهم ليدعوا لهم منهم من صام لله تعالى ثم تضرع لله جل وعلا ان ينصرهم ويرفع عنهم البأس... الكل يسعى لأن يضرب بسهم في هذا الفتح المبين نعم والله إنه لفتح رغم طول البلاء لكنه قريب بإذن الله جل وعلا الذي لا تتبدل سننه ولا تتغير .الكل يريد أن يكون سببا في هذا النصر القادم بدعوة بدرهم بدمعة بحسن ظن بانتظار للفرج بمواساة بنية صالحة وتمني القدرة على نصرتهم .. بأي صنف من اصناف النصرة كان..


المؤمنون في سوريا تخلى عنهم الجميع عربا وعجما وكأن الله جل وعلا يريدهم له وحده جل وعلا لتحيا القلوب بالتوحيد ويجأروا إليه وهذا ماحصل فعلا فنجد شعاراتهم ترفع التوحيد وتعلنه "ما لنا غيرك ياالله""لغير الله ما نركع" "وغيرها من الشعارت التي تشرح الصدور وتفرح النفوس ..

سبحان الله العظيم..حينما يرحمنا الله جل وعلا بالبلايا لتهزّنا وتوقظنا من سباتنا وركوننا إلى الدنيا لتقول لنا أين دين الله في حياتكم...سبحان الله العظيم حينما تهزّنا المصائب ليكفر الله جل وعلا بها خطايانا قبل أن نلقاه ..سبحان الله العظيم حين يلفحنا لهب المصائب لنرتفع عند الله جل وعلا درجات لأن الآخرة خير للمؤمن من الاولى..ساعة الموت لكل شخص مقدرة لن تتغير أبدا لكن من رحمة الله جل وعلا ان ينقينا من ذنوبنا وخطايانا لنقدم عليه وهو عنا راض...


نصر إخواننا في سوريا قادم بإذن الله تعالى ولا يشك في ذلك مؤمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم..لكن المهم هل نجحنا في هذا الابتلاء أو هل سننجح؟..نعم فنحن شركاؤهم في هذا البلاء..ماذا قدّمنا وبماذا ساهمنا؟
حينما نسمع على القنوات استغاثتهم وطلبهم للنصرة من المسلمين"يا أهل ....أغيثونا""يا اهل السنة أين انتم" حينما يرفعون شعارات تطالب حكام المسلمين ويكتبون فيها (يا ..... نسألك بالله أن تغيثنا) ويعرضونها عبر القنوات الفضائية وعلى الشبكة وغيرها..
حينما يتكلم المسؤولون عن الجيش الحر والقريبين من أفراده ,ويقسم أحدهم انه منذ أربعة أيام لم يطعم طعاما ونسمع هذا على القنوات ...حينما يتكلم احد شهود العيان الذين يعملون في احدى الجمعيات المسؤولة عن اغاثة اهل الشام ويذكر أنهم أرسلوا حليبا ليعطى للأطفال فيقال لهم :لا..بل سنذهب به إلى الجيش الحر..نعم يا إخواني وأخواتي يقولون أفراد الجيش الحر الذين يدافعون عن الاعراض والدماء اولى به ليضعوه في ماء ويشربوه لأنهم لا يجدون طعاما ولا شرابا ..
حينما نعلم بحجم المأساة ولا نملك إلا دموعا حارة تذرف ثم تجف وتُنسى..أين أموالنا ما قدمناها لهم أين دعاءنا ما احسنا فيه ...والله إنها لعلامات للإيمان فلنختبر إيماننا ولنعرف قدر الله جل وعلا وقدر رسوله صلى الله عليه وسلم قلوبنا بمقدار مواساتنا لعباد الله الموحدين وأتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ممن مسهم القرح والجرح

يقول الله – تعالى -: {...وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر: من الآية 9).
ويقول الله – تعالى -: {...وَتَعَاوَنُوا ْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى...} (المائدة: من الآية 2).
ويقول الله – تعالى -: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ...} (آل عمران: من الآية 92).
ويقول الله – تعالى -: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (الضحى: 11) فأين ذلك ياأصحاب الاموال اين شكر النعم؟؟.
ويقول الله – تعالى -: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ...} (البقرة: 276)، ويقول – جل جلاله -: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة: 245

لنحذر ان نكون من المنافقين المخذلين المثبطين ...نتوهم في اموالنا إن أنفقناها انها ستضيع وستذهب سدى..لا ..ليقوى اليقين بالله جل وعلا ..

والله إن استودعناها الله جل وعلا بصدق وثقة وإيمان وألححنا على ربنا في دعائنا ان يوصلها اليهم فستصل والله ستصل لأنه نعم الوكيل سبحانه..علينا فقط بذل السبب بان نضعها في يد جهة موثوقة مأمونة وما أكثرها اليوم ومن يبحث فسيجد وسيهديه الله تعالى إن صدق وستصلهم بإذن الله جل وعلا..
ومن ارتاب قلبه وأفسد عليه الشيطان ثقته بالله جل وعلا فليقرأ قوله جل وعلا:"وماذا عليهم لوآمنوا بالله واليوم الآخر وانفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما" (النساء 39)ألا يكفيك علم الله تعالى بصدق نيتك وانك بذلت وسعك لتضعها في أيد امينة ولم تبخل ثم توكلت على الله جل وعلا؟


إخواننا في امس الحاجة إلى الدواء والطعام والشراب وغيره من الحاجات الإنسانية ,هناك نساء حوامل هناك مرضى هناك أطفال هناك شيوخ كبار في السن هناك جرحى بالله كيف يكون حالهم؟؟إن لم نقف معهم ونحن إخوانهم وأقرب البشر على وجه الأرض اليهم فمن سيقف معهم؟ّ الجيش الحر الرجال يحتاجون الطعام فما بالكم بالنساء الضعاف والأطفال الأكثر ضعفا والشيوخ ونحوهم من المرضى...إذا كان هناك عدد ضخم من الوفيات الدماغية يقدر بالآلاف كما سمعت ليس بسبب إصابات او جراح بل بسبب الجوع فما عذرنا امام الله تعالى ؟ّوإخواننا هناك قالوها عبر القنوات وسمعناهم يقولون للمسلمين :"أعدوا لسؤال الله جوابا" ..

فالمقصود أيها الكرام لننفق في سبيل الله جل وعلا ولا نخشى من ذي العرش إقلالا..لننفق على إخواننا المسلمين ولا نخشى من حصار الظلمة إذهابا ..اليوم يتمحص الإيمان ويظهر ليسارع كل منا فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :" الصدقة برهان"..


وما التخاذل عن ذلك والتباطؤ إلا من الشيطان قال الله جل وعلا :"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم" ويقول الله جل وعلا "وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتواالعلم درجات" قال قتادة :أي إذا دعيتم إلى خير فاجيبوا" (المجادلة11/تفسير الشوكاني)


وعن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه قال): من أنفق نفقة فى سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف) "صحيح الجامع 6110,وصحيح الترغيب 2/156"
وعن أبى هريرة (رضى الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (إن الله عزوجل يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيربيهالأحدكم كما يربى لأحدكم مهره أو فلوه أو فصيلة حتى إن اللقمة لتصير مثل جبل أحد( "رواه أحمد والترمذى وقال حديث صحيح")
قال وكيع : وتصديق ذلك فى القرآن) ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم) "التوبة :104"
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم -: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله"، يقول الراوي: وأحسبه قال: "وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر"أخرجه البخاري
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جهز غازيا في سبيل الله فله مثل أجره ومن خلف غازيا في أهله بخير أو أنفق على أهله فله مثل أجره"(السلسلة الصحيحة2690)
وتأملوا جميعا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟، قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدّم ,ومال وارثه ما أخّر" (رواه البخاري)


ثم مع الإنفاق لنتوجه إلى الله جل وعلا ونستودعه هذه الأموال حتى تصل إلى مستحقيها من إخواننا هناك ..
ولنلح على الله جل وعلا ان يسهل دخولها إليهم وأن يبل عروقهم بها ويحرك دماءهم بها ويسد جوعهم بها ويداوي جرحاهم بها ويقوي رجالهم بها وأن يمكّن لدين الله تعالى بها وأن يجعلها سببا في رفع راية التوحيد في الشام وتحكيم شرع الله تعالى كما يحب الله جل وعلا ..

والله من صدق مع الله جل وعلا صدقه الله جل وعلا ...سبحانه وتعالى حفظ موسى عليه السلام وهو طفل رضيع ألقته امه في البحر تقلبت به الامواج يمنة ويسرة ومن حوله الاخطار تحيط به ومع ذلك ليقين امه بالله جل وعلا لم تخذل ,وحفظه الله جل وعلاوهو ملقي بالساحل وحفظه جل وعلا وهو في بيت عدوه المتكبر حفظه الله جل وعلا وهو طفل رضيع يُخشى عليه ..ثم ردّه الله جل وعلا إلى امه وقرّت عينها به, من حفظ يونس عليه السلام في بطن الحوت؟ من حفظ يوسف عليه السلام في قعر البئر وتقلبت به الأحوال لكن في النهاية رده الله جل وعلا إلى أبيه وجمع شمله به ؟ من حفظ اصحاب الكهف في مكانهم ذاك وامّنهم من خوفهم ؟!
أفيعجز سبحانه ان يبلغ أمانة لتصل إلى أصحابها أفيعجز سبحانه ان يحفظ دراهم حتى يبلغها مستحقيها وإن تقلبت بين الأيدي وإن سلكوا بها مئات الطرق وإن ذهبت شرقا وغربا ستصل بإذن الله تعالى ..

وكما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى اللهعليه وسلم ( أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل , سأل بعض بني إسرائيل أن يُسْلِفَه ألف دينار , فقال : ائتني بالشهداء أُشْهِدُهُم , فقال : كفى بالله شهيدا , قال : فأتني بالكفيل , قال : كفى بالله كفيلا , قال : صدقت , فدفعها إليه إلى أجل مسمى , فخرج في البحر , فقضى حاجته , ثم التمس مركبا يركبها يقْدَمُ عليه للأجل الذي أجله , فلم يجد مركبا , فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار , وصحيفةً منه إلى صاحبه , ثم زجَّجَ موضعها , ثم أتى بها إلى البحر , فقال : اللهم إنك تعلم أني كنت تسَلَّفْتُ فلانا ألف دينار , فسألني كفيلا , فقلت : كفى بالله كفيلا , فرضي بك , وسألني شهيدا , فقلت : كفى بالله شهيدا , فرضي بك , وأَني جَهَدتُ أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له , فلم أقدِر , وإني أستودِعُكَها , فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه, ثم انصرف , وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده , فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله , فإذا بالخشبة التي فيها المال , فأخذها لأهله حطبا, فلما نشرها , وجد المال والصحيفة , ثم قَدِم الذي كان أسلفه , فأتى بالألف دينار , فقال : والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه , قال : هل كنت بعثت إلي بشيء , قال : أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه , قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة , فانْصَرِفْ بالألف الدينار راشدا"

وأخيرا تأملوا آيات الله جل وعلا :

"فالله خير حافظا"(يوسف 64),"وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا"( الأحزاب 3),"فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"(ال عمران159) ,
والله أعلم ..
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..