هل يستحب أن يزيد " سيدنا " في التشهد ؟ أي ما حكم تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ؟ وما الرأي عند المذاهب الأربعة ؟
جاء في اللباب في شرح الكتاب-حنفي (ص: 38): " وسئل الإمام محمد عن كيفيتها فقال يقول: (اللّهم صلي على محمد) إلى آخر الصلاة المشهورة " .
وفي حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح (ص: 181): " قال في الدر ويندب السيادة وفي شرح الشفاء للشهاب عن الحافظ ابن حجر أن اتباع الآثار الواردة أرجح ولم تنقل عن الصحابة والتابعين ولم ترو إلا في حديث ضعيف عن ابن مسعود ولو كان مندوبا لما خفي عليهم قال وهذا يقرب من مسألة أصولية وهي أن الأدب أحسن أم الاتباع والامتثال ورجح الثاني بل قيل إنه الأدب اه " .
وقال في حاشية ابن عابدين (1/ 514): " واعترض بأن هذا - أي زيادة السيادة - مخالف لمذهبنا لم مر من قول الإمام من أنه لو زاد في تشهده أو نقص فيه كان مكروها ، قلت فيه نظر فإن الصلاة زائدة على التشهد ليست منه نعم ينبغي على هذا عدم ذكرها في وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأنه يأتي بها مع إبراهيم عليه السلام . قوله ( لحن أيضا ) أي مع كونه كذبا . قوله ( والصواب بالواو ) لأنه واوي العين من ساد يسود قال الشاعر وما سودتني عامر عن وراثة أبى الله أن أسمو بأم ولا أب " .
قلت : يتبين من متون الحنفية - كما تقدم - عدم ذكر التسويد ، وإنما ذكره بعض الشراح ، وبعضهم رده .
أما مذهب المالكية :
فقال في الفواكه الدواني (1/ 23): " وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فإن سلمت بعد هذا أجزأك ومما تزيده إن شئت وأشهد أن الذي جاء به محمد حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد اللهم صل على ملائكتك " .
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/ 445): " ( وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ الدُّعَاءِ بِأَيِّ صِيغَةٍ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا مَا فِي الْخَبَرِ وَهُوَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ... " . وكذا في حاشية الصاوي وشرح خليل للخرشي .
الإقناع في حل ألفاظ أبى شجاع (1/ 127): " وأكملها: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت ... "
المجموع شرح المهذب (3/ 464): " والأفضل أن يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد .. " . ولم يذكرا التسويد .
مغني المحتاج (2/ 400): " قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَاشْتُهِرَ زِيَادَةُ سَيِّدِنَا قَبْلَ مُحَمَّدٍ ، وَفِي كَوْنِهَا أَفْضَلَ نَظَرٌ وَفِي حِفْظِي أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ .. " .
نهاية المحتاج (4/ 330): " وَالْأَفْضَلُ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ السِّيَادَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ ظَهِيرَةَ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ وَبِهِ أَفْتَى الشَّارِحُ لِأَنَّ فِيهِ الْإِتْيَانَ بِمَا أُمِرْنَا بِهِ وَزِيَادَةُ الْأَخْبَارِ بِالْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ أَدَبٌ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ الْإِسْنَوِيُّ ، وَأَمَّا حَدِيثُ { لَا تُسَيِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ } فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحُفَّاظِ ، وَقَوْلُ الطُّوسِيِّ : إنَّهَا مُبْطِلَةٌ غَلَطٌ ".
قلت : ويتبين أن متون الشافعية كذلك ليس فيها التسويد ، ، والشراح مختلفون، وقد ذكره بعض الشراح . وكذا عند الحنابلة ، فلا تكاد تجد خلافا عند المتقدمين في ذلك ، وإنما الخلاف عند المتأخرين ، لذا جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 346) : " وَأَمَّا بِخُصُوصِ زِيَادَةِ (سَيِّدِنَا) فِي الصَّلاَةِ الإِْبْرَاهِيمِ يَّةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِي نَ كَالْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ وَالرَّمْلِيِّ وَالْقَلْيُوبِي ِّ وَالشَّرْقَاوِي ِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَالْحَصْكَفِيّ ِ وَابْنِ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ مُتَابَعَةً لِلرَّمْلِيِّ .. " . انتهى .
قلت : تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة كتسويده في الأذان ، ولا تجوز الزيادة في الأذان فكذلك في الصلاة ، ومن أجاز ذلك فقوله باطل لا شك في بطلانه.
ثم إن تعظيمه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقال له : " عبد الله ورسوله " وهذه خاصية له صلى الله عليه وآله وسلم ، ولذا كان الصحابة ينادونه : " يا رسول الله " ، ولم يقولوا " يا سيدنا رسول الله " ومنهم أبو بكر الصديق الذي كان أكثرهم أدبا حيث تأخر عن الإمامة مع أمره صلى الله عليه وسلم له بالبقاء ، وقد علم رضي الله عنه أن أمره هنا ليس للإيجاب للأدلة الأخرى التي تبين عدم التقدم بين يديه وأن الأولى بالإمامة أقرؤهم ، بل لما جاء بعض حديثي عهد بإسلام وقالوا : " أنت سيدنا .. " رد عليهم بقوله : " السيد الله تبارك وتعالى " أي السيد المطلق .
كما أن السيد يطلق عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - وعلى غيره كما أطلقه عمر على أبي بكر وبلال ، ثم إن السيد المطلق هو الله جل وعلا كما جاء في الحديث فلا ينبغي عند مخاطبة السيد أن يُذكر سيد آخر تأدبا مع الله تعالى . وإن كان لا شك أن محمداً صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم كما في صحيح مسلم . وعليه : يعلم بطلان قول من قال : " وَرِعَايَةُ الأَْدَبِ خَيْرٌ مِنَ الاِمْتِثَال " . بل نقول : الامتثال هو غاية الأدب ، ولا يمكن أن يكون الامتثال أقل أدبا ثم يأتي شخص بأكثر أدب منه .
أخيرا : لاشك أن الصحابة كانوا أشد حبا وأدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك لم يرد عنهم الزيادة في الصلاة أو الأذان .
تنبيه : وردت صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد كما في كتب السنة كالصحيحين وغيرهما دون زيادة " سيدنا " ومن تتبع الروايات الكثيرة في هذا الباب علم يقينا أن لفظة " سيدنا " لم ترد فيها ، وعليه يعلم ضعف هذه الزيادة وأنها مدرجة من بعض النساخ كما وقع ذلك في المسند، وفي فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بتحقيق الألباني (ص: 59) .
والعجب بعد ذلك أن ترى مؤلفا في استحباب الزيادة في الأذان والتشهد ، وينقل فيه الإجماع على استحباب الزيادة . ونسي المسكين أن العلم أمانة ، وسنسأل عن هذه الأمانة ، نسأل الله العافية .
والحمد لله رب العالمين .