الشروط العلمية لمن أراد شرح « مسند الإمام أحمد » للشيخ ذياب الغامدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين .
أما بعد؛ فإنَّ أماني طالب العلم كثيرة لا تنتهي إلى حدٍّ، كما قَالَ صلى الله عليه وسلم : «مَنْهُوْمَانِ لا يَشْبَعَانِ : مَنْهُوْمٌ في العِلْمِ لا يَشْبَعُ مِنْهُ، ومَنْهُوْمٌ في الدُّنْيَا لا يَشْبَعُ مِنْهَا» أخْرَجَهُ الحَاكِمُ وغَيْرُهُ .
فكان من المُنى التي لم تزل تؤرقني منذ عقلتُ أهميةَ مسند الإمام أحمد، هي أن يقوم أحد علماء الإسلام بخدمة «مسند الدنيا وديوان الإسلام» خدمةً تليق به، وهكذا أخذت مني الأماني ليلَها ونهارَها؛ حتى كتب الله تعالى التوفيقَ والاصطفاءَ للمحدث المحقق أحمد شاكر رحمه الله في خدمة هذا «المسند»؛ حيث شرع بتحقيقه وشرحه إلا أنَّه وقف به القلم عند الثلث الأول منه؛ فعندها وقفت أفلاك خدمة «المسند» سنين عددا؛ حتى جاءت مؤسسة الرسالة ببيروت مؤخرًا، تزف البشرى للمسلمين بعامة والحنابلة بخاصة؛ حيث قامت بتحقيق «المسند» تحقيقا علميًا من خلال أصوله الخطية، مع عناية ظاهرة في تتبع أسانيد الأحاديث والحكم عليها قبولًا وردًّا، كلَّ ذلك من خلال دراسة وتحقيق بعض طلاب العلم الأفاضل، وبإشراف الشيخين الفاضلين : المحدث شعيب الأرنؤوط، والفقيه عبد الله التركي، حفظهما الله تعالى، فالحمد لله!
ونحن وإياهم مع هذه البشرى العلمية في خدمة تحقيق أسانيد «المسند»؛ إلا أنَّ متون «المسند» لم تأخذ حقه من الشرح حتى ساعتي هذه، بل كل الشروح أو التعليقات التي طافت حول «المسند» لم تخرج عن كونها شروحًا مختصرةً أو تعليقاتٍ موجزةً، بل لا أبالغ إذا قلت : إنَّ مجموع هذه الشروح لا تفي بمكانة هذا المسند العظيم!
لأجل هذا؛ فإنِّي أناشد أهل العلم من أهل السنة بأن يقوموا مُثنى وفُرادى إلى شرح هذا «المسند»، شرحًا يليق به جملةً وتفصيلا!
لذا؛ فقد رأيت من النصيحة أن أذكر بعض الشروط العلمية لمن رامَ شرحَ «المسند الأحمدي»، باختصار، كما يلي :
أوَّلًا : أن يكون الشَّارحُ من علماء أهل السنة والجماعة، لاعتبارين :
1ـ أنَّ مصنف «المسند» : هو إمام أهل السنة والجماعة .
هذا إذا علمنا جميعًا : أنَّ «المسند» كان من الإمام أحمد بمنزلة السمع والبصر؛ حيث اعتنى به كثيرا، ونافح عنه مرارًا، وأوصى به خاصةَ طلابه؛ حتى إنَّه قال لابنه عبد الله : «إنَّ هذا المسندَ سيكون للناس إمامًا»، وقد كان وما زال؛ فرحمه الله تعالى .
2ـ لذا كان على شارحه أن يقتفيَ أثرَ صاحبه؛ لاسيما في معتقد أهل السنة والجماعة .
ثانيًا : أن يكون شارحُه محدِّثًا، وذلك من خلال علمه : برجال الحديث، وعلل الأحاديث، وتخريج الأسانيد، والحكم عيها، وغيره من الصناعة الحديثية .
ثالثًا : أن يقوم شارحه بترتيب «المسند» على الأبواب الفقيهة؛ لاسيما أبواب ترتيب البخاري في «صحيحه»، لأمور :
1ـ اشتهار هذا الترتيب عند عامة شراح المسند .
2ـ وفيه أيضًا تقريبٌ لأهم شروح كتب السنة بين يدي طلاب العلم، وذلك عند جمع شروح «صحيح البخاري»، وشرح «المسند» في ترتيب واحد وتنسيق متحد .
3ـ وفيه أيضًا تقويةٌ لبعض أحاديث «المسند» التي حُكم عليها بالضعف؛ سواء في متونها أو أسانيدها، وذلك من خلال وجود بعض أُصولها ومتابعاتها وشواهدها ضمن أبواب «صحيح البخاري»، مما هو معلوم لدى المحدثين من أهل العلم .
رابعًا : أن يعتمد شارحه في ترتيب «المسند» ـ بعد الله ـ على ترتيب هذه الكتب بعد التنسيق والتدقيق والتهذيب والترتيب :
1ـ على كتاب : «الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني» لأحمد الساعاتي رحمه الله .
2ـ على كتاب : «الكواكب الدراري في ترتيب مسند أحمد على صحيح البخاري» لعلي بن عروة الحنبلي رحمه الله، المعروف «بابن زكنون» .
3ـ على كتاب : «المحصِّل لمسند الإمام أحمد بن حنبل» للقرعاوي رحمه الله .
4ـ على المجلدين الأخيرين لفهارس طبعة مؤسسة الرسالة (المجلد : 51 و 52 )، وهما عبارة عن ترتيب أحاديث «المسند» على الأبواب أبواب الفقهية .
وأخيرًا؛ فهذه شروط شرح «المسند»، لا شروط شرح كتب السنة، فمن أخذ بها فهي الغاية التي ليس بعدها غاية، وما أردتُ إلا الإصلاح .
ومن أعرض عنها أو عن بعضها فهو بالخيارِ، فإن أحسن فلنفسه وإن أساء فعليها، فما وافق الحق عنده قبلناه، وما خالفه رددناه!
والله يهدي إلى سواء السبيل
وكتبه
ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي
(1/11/1432هـ)