قال السيوطي في التدريب:
من الأمور المهمة تحرير الفرق بين الرواية والشهادة ، وقد خاض فيه المتأخرون ، وغاية ما فرقوا به الاختلاف في بعض الأحكام ، كاشتراط العدد وغيره ، وذلك لا يوجب تخالفاً في الحقيقة .
قال القرافي : أقمت مدة أطلب الفرق بينهما حتى ظفرت به في كلام المازري ، فقال الرواية : هي الإِخبار عن عام لا ترافع فيه إلى الحكام وخلافه الشهادة ، وأما الأحكام التي يفترقان فيها فكثيرة لم أر من تعرض لجمعها ، وأنا أذكر منها ما تيسر .
الأول : العدد ، لا يشترط في الرواية بخلاف الشهادة ، وقد ذكر ابن عبد السلام في مناسبة ذلك أموراً : أحدها أن الغالب من المسلمين مهابة الكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخلاف شهادة الزور ، الثاني أنه قد ينفرد بالحديث راو واحد فلو لم يقبل لفات على أهل الإِسلام تلك المصلحة ، بخلاف فوت حق واحد على شخص واحد ، الثالث أن بين كثير من المسلمين عداوات تحملهم على شهادة الزور بخلاف الرواية عنه صلى اللّه عليه وسلم .
الثاني : لا تشترط الذكورية فيها مطلقاً بخلاف الشهادة في بعض المواضع .
الثالث : لا تشترط الحريّة فيها بخلاف الشهادة مطلقاً .
الرابع : لا يشترط فيها البلوغ في قول .
الخامس : تقبل شهادة المبتدع إلاّ الخطابية ولو كان داعية ولا تقبل رواية الداعية ولا غيره إن روى موافقه .
السادس : تقبل شهادة التائب من الكذب دون روايته .
السابع : من كذب في حديث واحد رد جميع حديثه السابق ، بخلاف من تبين شهادته للزور في مرة لا ينقض ما شهد به قبل ذلك .
الثامن : لا تقبل شهادة من جرّت شهادته إلى نفسه نفعاً أو دفعت عنه ضرراً ، وتقبل ممن روى ذلك .
التاسع : لا تقبل الشهادة لأصل وفرع ورقيق بخلاف الرواية .
العاشر والحادي عشر والثاني عشر : الشهادة إنما تصح بدعوى سابقة ، وطلب لها ، وعند الحاكم ، بخلاف الرواية في الكل .
الثالث عشر : للعالم الحكم بعلمه في التعديل والتجريح قطعاً مطلقاً بخلاف الشهادة ، فإن فيها ثلاثة أقوال : أصحها التفصيل بين حدود اللّه تعالى وغيرها .
الرابع عشر : يثبت الجرح والتعديل في الرواية بواحد دون الشهادة على الأصح .
الخامس عشر : الأصح في الرواية قبول الجرح والتعديل غير مفسر من العالم ولا يقبل الجرح في الشهادة إلا مفسراً .
السادس عشر : يجوز أخذ الأجرة على الرواية بخلاف أداء الشهادة إلا إذا احتاج إلى مركوب .
السابع عشر : الحكم بالشهادة تعديل ، بل قال الغزالي أقوى منه بالقول بخلاف عمل العالم أو فتياه بموافقة المروي على الأصح .
الثامن عشر : لا تقبل الشهادة على الشهادة إلا عند تعسر الأصل بموت أو غيبة أو نحوها بخلاف الرواية .
التاسع عشر : إذا روى شيئاً ثم رجع عنه سقط ولا يعمل به ، بخلاف الرجوع عن الشهادة بعد الحكم .
العشرون : إذا شهدا بموجب قتل ثم رجعا وقالا : تعمدنا ، لزمهما القصاص ، ولو أشكلت حادثة على حاكم فتوقف فروى شخص خبراً عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فيها وقتل الحاكم به رجلاً ثم رجع الراوي وقال : كذبت وتعمدت ، ففي فتاوى البغوي ينبغي أن يجب القصاص ، كالشاهد إذا رجع ، قال الرافعي : والذي ذكره القفال في الفتاوي والإِمام أنه لا قصاص بخلاف الشهادة ، فإنها تتعلق بالحادثة ، والخبر لا يختص بها .
الحادي والعشرون : إذا شهد دون أربعة بالزنا حدوا للقذف في الأظهر ، ولا تقبل شهادتهم قبل التوبة ، وفي قبول روايتهم وجهان ، المشهور منها القبول ، ذكره الماوردي في الحاوي ، ونقله عنه ابن الرفعة في « الكفاية » ، والإسنوي في الألغاز .