صدر عن بيت الحكمة ببغداد كتاب وصف باشوية بغداد سنة1809، للقنصل الفرنسي جان بابتيست جاك لوي روسّو، ترجمهُ عن الفرنسية الأستاذ خالد عبد اللطيف حسين. ويحتل الكتاب أهمية تاريخية خاصة، وهومن الكتب النادرة جدا، الذي صدرت ترجمته لأول مرة بالعربية بهذه الطبعة، وهي بواقع(157) صفحة من القطع المتوسط. وسننقل هنا مقدمة المترجم للكتاب.مقدمة المترجملا يخفىعلى أحد أهمية الدور الذي يمثله أدب الرحلات في ملء الفراغ التاريخي الكبير الذيخلّفه الغزو المغولي، بقيادة هولاكو، للعراق وإستباحته مدينة السلام، بغداد في سنة1258م.وما من شكبأن الكل يتفق على أن كتاب ستيفن هيمسلي لونكريك، الموسوم أربعة قرون من تاريخالعراق الحديث، يكاد يكون أهم مرجع في نقل الأحداث والوقائع التاريخية التي مربها العراق إبّان الحقبة المظلمة التي عزف عن التدوين خلالها معظم المؤرخين بسببإستمرار الحروب والغزوات، وكثرة الفيضانات وإنتشار الأوبئة والأمراض.ولاريب فيأن مدوّنات الرحّالة والمستشرقين الأوربيين، الذين بدأت طلائعهم تتوافد على بلدانالشرق (الفردوس المفقود)، منذ مطلع القرن السادس عشر حتى القرن العشرين، قد أسهمتبشكل جاد في الكشف عن كثير من الجوانب الغامضة، السياسية والدينية والإقتصاديةوالإ جتماعية، من تاريخ العراق إبّان العهد العثماني. بيد أننا، لو تعمقنا قليلا،لوجدنا أن هناك الكثير من الكتب المهمة والوثائق السرية والملفات الخاصة التي تخصأحوال العراق والخليج العربي والجزيرة العربية، لا تزال محفوظة في مدوّناتالمستشرق ين ووزاتي الخارجية البريطانية والفرنسية، لم يكشف عنها النقاب لحد الآن.وضمن هذاالإطار، أقدمنا على إنجاز عمل مشترك، مع الدكتور الفاضل أنيس عبد الخالق محمود،لإعداد موسوعة علمية تاريخية ضخمة تضم نحو مائة رحلة، أنجزنا القسم الأول منهابعون الله وتوفيقه، بعد أن ترجمنا النصوص الكاملة لما يخص العراق في أكثرمن عشرين رحلة نادرة لنخبة متميزة من الرحّالةوالمستش رقين من جنسيات مختلفة، ضمّت المبشر والدبلوماسي والأكاديمي والتاجر، فيموسوعة حملت عنوان العراق في كتابات الرحّالة الأجانب من القرن السادس عشر إلىالقرن التاسع عشر.وكان منبين الكتب المهمة التي لفتت إنتباهنا كتاب (وصف باشوية بغداد)، الذي ألّفه القنصلالعام الفرنسي في بغداد وحلب جان بابتيست لويس روسّو، الذي قام بنشره في باريس،سنة 1809، المستشرق الفرنسي سلفستر دي ساسي، أستاذ اللغة العربية ومدير مدرسةاللغات الحية في باريس سنة 1826، وهو من المهتمين بشؤون الأديان، ومستشار في وزارةالخارجية الفرنسية.أهمية الكتابلاشك بأنكتاب وصف باشوية بغداد يتمتع بأهمية خاصة، وقد كان حاضرا في أذهان المؤرخينوالباحث ين، غائبا عن أعين الكثيرين منهم. إذ أشاد بأهميته عدد كبير من الأساتذةالأفاضل ، فكان ذلك من الأسباب التي دفعتنا إلى ترجمته. فقد أشار إلى أهميتهالدكتور يوسف حبي في ترجمته لرحلة أوليفييه إلى العراق. كما أشاد به الدكتور بطرسحداد في ترجمته لكتاب رحلة إلى جزيرة العرب سنة 1808، وقال بأنه: ”كتاب مهم لأنهيركز أخباره على بغداد ولم يترجم إلى العربية على حد علمي“. وذكر لونكريك، في كتابهالمشار إليه في أعلاه، بأن المراجع التي لها علاقة بتاريخ العراق كثيرة ولا يمكنسردها... ومنها وصف باشوية بغداد“. كما ذكر الدكتور عويضة بن متيريك الجهني، فيبحثه الموسوم كتاب موجز لتاريخ الوهابيين، للسير هارفرد جونز بريدجز، المنشور فيمجلة الجمعية التاريخية السعودية: ”ومن أبرز الكتاب الأوربيين الذين نقلوا أخبارالدعوة الإصلاحية بشئ من التفصيل إلى أوربا السيد جان بابتيست روسّو... ثمَّ أعادنشره ملحقا بكتابه الآخر (وصف باشوية بغداد)، في باريس 1809م/ 1224?“. وصف الكتابيتكونالكتاب من (261) صفحة من القطع المتوسط، وتحمل واجهته عنوان:Description du Pachalik de Bagdad, suivie D'une NoticeHistorique sur les Wahabis, et de quelque autres pieces relatives à l'Histoireet à la Littératurede l'Orient, par, M. [Jean Baptiste Louis Jacques Rousseau], Paris, 1809.(وصف ولاية بغداد، مع موجز عنتاريخ الوهابيين وبعض القطع التاريخية والأدبية عن الشرق). بعدها مقدمة المستشرقدي ساسي، يليها المحتوى، الذي تعقبه أربعة محاور رئيسة، هي:أولا: وصفباشوية بغداد، الصفحات (1-122)؛ثانيا:نبذة عن الوهابيين، الصفحات (123- 182)؛ثالثا:نبذة عن اليزيدية، الصفحات (183- 210)؛رابعا:أشعار فارسية مترجمة، الصفحات (211- 232). وهناك مقدمة ثانية تسبق المحور الثالث،الصفحات (183-190) تتعلق باليزيدية. ويعقب المحور الرابع فهرس أبجدي بأسماءالأعلام، الصفحات (233- 261). وقبل أن نسترسل في هذه المقدمة بعيدا، نجد منالضروري أن نعرض نبذة موجزة عن المحاور الأربعة.المحورالأول: يعد هذا المحور صفحة منسية من تاريخ العراق إبّان أواخر العهد المملوكي،حاول روسّو فيه الكشف عن أسرار تلك الحقبة الغامضة من خلال عمله قنصلا لفرنسا فيزمن الوالي علي باشا (1802- 1806)، وهي حقبة إتسمت بالدسائس والمؤامرات وعصيانالقبائل وكثرة هجمات الوهابيين وتمرد الأكراد على السلطة المركزية. كما يتناولالمحور جانبا من نشاطات الوكالات التجارية في كل من بلاد فارس وبغداد والبصرة،والتناف س التجاري بين فرنسا وإنكلترا.المحورالثاني: في هذا المحور يعدّ روسّو من أبرز الكتاب الأوربيين الذين نقلوا إلى أورباأخبار الظروف الممهدة لقيام الدولة السعودية الأولى (1744- 1818)، ودعوة الشيخمحمد بن عبد الوهاب، فاستأثرت بإهتمام الدبلوماسيين الأوربيين، ولاسيما الإنكليزوالفرنس يين.المحورالثالث: يتناول هذا المحور موضوع اليزيدية، الذين يطلقون على أنفسهم إسم(أيزيدية)، وهو من أعمال الأب كاريزوني وليس روسّو، وقد أدرجه الناشر دي ساسي ضمنهذا الكتاب لعلاقته بوصف باشوية بغداد. وموضوع هذا المحور من المواضيع الشيّقةالتي تبحث في نشأة الطائفة اليزيدية وعاداتهم وتقاليدهم وديانتهم ومناطق سكناهم،وما إلى ذلك.المحورالرابع: هذا المحور موضوع أدبي صِرف، فلم نكلف نفسنا عناء ترجمته، ويتضمن مجموعةمن الأشعار الفارسية ترجمها روسّو إلى اللغة الفرنسية، وحاول من خلالها إظهارمهارته اللغوية وإستيعابه لمختلف اللغات الشرقية، ومنها الفارسية.نبذة مختصرة عن حياة روسّو وعائلتهينتسبروسّو إلى عائلة الأديب والكاتب الفرنسي المشهور جان جاك روسّو، وهي عائلة غنية عنالتعريف. وسبق لأبيه لوي جاك روسّو (1738ـ 12 مايس 1808) أن خدم المصالح الفرنسية،ممثلا لبلاده، بصفة قنصل، في كل من إيران والعراق وسوريا حتى وفاته، حينما حل محلهإبنه جان بابتيست لوي روسّو قنصلا لفرنسا في حلب بين (1808ـ 1814)، ثمّ في بغدادمن سنة 1814 حتى وفاته في سنة 1831 بطرابلس. وله مؤلفات عديدة، منها: 1. رحلةمن بغداد إلى حلب، سنة 1808؛2. رحلةإلى الجزيرة العربية، سنة 1808؛3. وصفباشوية حلب (بصدد الترجمة)؛4. رحلةمن حلب إلى بغداد، سنة 1807 (غير مترجم)؛5. مذكرةفي الطوائف الثلاث المشهورة في الإسلام: الوهابيون، النصيريون، والإسماعيليون،18 18، (بصدد الترجمة).ترجمتنا للنصلا نريدهنا أن نسهب في ذكر صعوبات الترجمة، بل سنكتفي بالقول إن التغييرات التي طرأت علىاللغة الفرنسية خلال أكثر من مائتي سنة، فضلا عن الأخطاء الإملائية وإسلوب روسّوالكتابي، الذي يتّسم بشئ من التعقيد، زاد من صعوبة الترجمة. ومع ذلك، حافظنا علىالنص قدر الإمكان، ولم نحذف أو نغير أو نحوّر أي شئ، وأضفنا فقط بعض الهوامشالتوضيحي ة والعناوين الثانوية لفصول الكتاب، لتوضيح محتوى الكتاب وتسهيل قرائته،مع أن الترجمة لا تخلو، بكل تأكيد، من هفوات غير مقصودة هنا وهناك، فنعتذر للقراءالكرام عنها.وبهذهالمناسبة، نود أن نشير بأن روسّو يعد من أشهر المستشرقين الفرنسيين، وأن ملاحظاتهوآرائه تعبر عن وجهة نظره فقط، وهي مكرّسة لخدمة الأهداف السياسية والإقتصاديةلبلد ه فرنسا، وليست موجهة لنا نحن العرب، بدليل إنه لم ينشرها بل تولى نشرهاالمستشرق دي ساسي. فلا عجب أن نجد بين طياتها الكثير من العبارات التي لا يمكنقبولها أو حتى إستساغتها أحيانا. ويكفي هنا أن نذكر أانه ينعت المسلمينبالمحمّ َديين أو الأتراك، فيعد الدين الإسلامي الحنيف رجلا لا عقيدة. إن هذاالكتاب وثيقة تاريخية نادرة تسلط الضوء، لأول مرة، على حوادث العقد الأول من القرنالتاسع عشر، التي بقيت تفاصيلها المعقدة الحسّاسة بعيدة عن متناول المؤرخينوالباحث ين زمنا طويلا. نأمل أن نقدم، بترجمتنا له، مساهمة متواضعة في إغناءالمكتبة العربية بمصدر طال انتظار المؤرخين والباحثين وعامة القراء له. والله وليالتوفيق.مقدمة الناشر (سلفستر دي ساسي)إن الوصف الموجز لباشويةبغداد، والعرض المختصر لتاريخ الوهابية، الذي أقدمه للقراء، من تأليف شخصية عاشت مدةطويلة في المناطق التي جرى وصفها. وتسهيلا لعمله، فقد ضمَّنه معلومات جغرافيةمؤكدة عن المناطق ذاتها وعن الشعوب التي تسكنها.ثمَّة رغبة مطلقة لدى جمعيةالعلماء التي ينتسب إليها المؤلف فيما يخص موضوع الوهابيين، تجعلني أعتقد بأن القراءلن يغتاظوا مني بعد أن يستمتعوا بهذا الموضوع.أمّا العرض الموجز عناليزيدية، وهي عشائر ينتمي قسم منها إلى ولاية بغداد، فقد وجدت من المناسب أن أضمنهفي هذا الكتاب، على الرغم من أنه ليس للمؤلف. وقد أشرت إلى ذلك في بداية هذا العرضالموجز للمصدر الذي استقيته منه.أخيرا، هناك أشعار فارسيةترجمها مؤلف كتاب وصف باشوية بغداد، لا تتوافر لديّ النسخة الأصلية منها، تنتهيبها هذه المجموعة، وهي تعطي للقارئ فكرة عن الشعر الفارسي الحديث.لقد أضفت بعض الملاحظات إلىالمؤلف، وأوليت عناية في تمييزها، وضمَّنته فهرسا بالموضوعات ليسهل بحث المواضيعالمختلف ة.آمل أن يلقى هذا المؤلفالصغير استحسان عموم القراء، ليشجع المؤلف ويدعم حماسه في أبحاثه الشاقة، إذ لا توجدمكافأة أفضل من إستطلاع رأي القراء المستنيرين ونيل تقديرهم.المترجم في سطور· بكلوريوس آداب، قسم اللغة الفرنسية، الجامعة المستنصرية، سنة (1983)؛· بكلوريوس آداب، قسم الترجمة، الجامعة المستنصرية، سنة (1999)؛· صدرت له بحوث مترجمة من اللغة الفرنسية في مجلة الدراسات التاريخية،بيت الحكمة، وهي:1. بغداد وضواحيها في رحلةأوليفييه، العدد (20)؛2. العراق القديم في أربعرحلات نادرة، العدد (22)؛3. مأساة مدام إليزابيث: صفحةمطوية من تاريخ آل بوربون، العدد (24).وله ضمن القسم الأول من موسوعةالعراق في كتابات الرحالة الأجانب من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر،الرحلات الآتية:1. رحلة رالف فتش، سنة 1583؛2. رحلة السير توماس هربرت،سنة 1628؛3. رحلة الأب فيليب الكرملي(1629- 1639)؛4. رحلة جان تيفينو، (1664-1665)؛5. رحلة الأب كاريه (1669-1674)،بالإشتراك مع الدكتور أنيس عبد الخالق،6. رحلة جام أوتر (1737-1743)؛7. رحلة دومينيكو سيستيني(1781- 1782)؛8. رحلة الكومت فيريير سوفيبوف(1785)؛وصف باشوية بغداد سنة 1809جان بابتيست جاك لوي روسّوترجمة وتعليقخالد عبد اللطيف حسين