بحث فى التقليد للشيخ سالم باقطيان المحاضر فى جامعة الاحقاف و خطيب جامع الشهداء فى مدينة المكلا. و قد نشر من قبل و اضاف اليه الشيخ مسالة تقليد الصحابة.

اعتنى بنشره و ترتيبه محمد بن عمر بازهير ، و سيطبع قريبا ان شاالله فى رسالة مستقلة.

تعريف التقليد:
التقليد في اللغة: قال ابن فارس: قـلّد القاف واللام والدال أصلان صحيحان، يدل أحدهما على تعليق شيءٍ على شيء وليه به، والآخر على حظ ونصيب. فالأول التقليد: تقليد البدنة، وذلك أن يعلّق في عنقها شيء ليُعلم أنها هدي، وأصل القَلْد: الفتل، يقال: قَلَدْتُ الحبل أقلِدُهُ قَلْداً: إذا فتله، وحبل قليد ومقلود، وتقلدت السيف، ومُقَلَّد الرجل: موضع نجاد السيف على منكبه. ويقال: قلّد فلان فلاناً قلادةَ سوءٍ، إذا هجاه بما يبقى عليه وَسْمُهُ( ).أهـ وقال الفيومي: ويستعمل التقليد في العصور المتأخرةِ بمعنى المحاكاة في الفعلِ، وبمعنى التزييف: أي صناعة شيءٍ طبقاً للأصل المقلد( ).أهـ

والتقليد في الاصطلاح: يطلق التقليد في الاصطلاح الشرعي على أربعة معانٍ :–
أولــها: تقليد الوالي أو القاضي ونحوهما، أي: توليتهما العمل.
ثانيـها: تقليد الهدي بجعلِ شيءٍ في رقبته ليعلم أنع هدي.
ثالثـها: تقليد التمائم ونحوها.
رابعها: التقليد في الدين: وهو الأخذ بقول الغير مع عدمِ معرفةِ دليله. أو هو العمل بقول الغير من غير حجة( ) ( وهو المقصود هنا )( ). أهـ

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: التقليد أخذ قول الغير – أي: المجتهد – من غير معرفة دليله(3)، فخرج به أخذ قول لا يختص بالغير كالمعلوم من الدين بالضرورة, وأخذ قولِ الغير مع معرفةِ دليله، فليس بتقليد بل هو اجتهادٌ وافق اجتهادَ القائل، لأن معرفة الدليل من الوجه الذي باعتباره يفيد

(1) معجم مقاييس اللغة: 829.
(2) المصباح المنير: 512.
(3) فمتى استشعر العامل أنّ عمله موافق لقولِ الإمام فقد قلده، ولا يحتاج إلى التلفظ بالتقليد. قاله السيد عمر وابن الجمال. أهـ [ الفوائد المكية: 49 ].
(4) الموسوعة الفقهية: 13 / 155.
الحكم لا يكون إلاّ للمجتهد( ). أهـ وكذا الرجوع إلى قول النبي  ليس تقليداً, والرجوع إلى الإجماع ليس تقليداً كذلك، لأن ذلك رجوع إلى ما هو الحجة في نفسه( ). أهـ

شروط التقليد:
إذا تمسك العامي( ) بمذهبٍ لزمهُ موافقته، وإلا لزمه التمـذهب بمذهبٍ معين مـن الأربعة لا غيرها( ) ، ثم له( ) وإن عمل بالأول( ) الانتقال إلى غيره بالكلية ، أو في المسائل بشروط ستة :–
(5) غاية الوصول: 267.
(6) شرح مسلم الثبوت: 2 / 400.

(7) من له التقليد: قـوله: ( إذا تمسـك العامي ) مثـله غـيره مـن العلـماء الذين لم يبلغـوا رتـبة الاجتهاد كما ذكره ابن قاسم عند قول التحفة، قال الهروي: مذهب أصحابنا أنّ = = العامي لا مذهب له ... الخ. أهـ [ إعانة الطالبين: 4 / 336، وحاشية ابن قاسم على التحفة: 10 / 124 – 125 ].
(8) تقليد غير الأربعة: قوله: ( لا غيرها ) أي غير المذاهب الأربعة، وهذا إن لم يدون مذهبه، فإن دُوِّنَ جاز كما في التحفة، ونصها: يجوز تقليد كل من الأئمة الأربعة وكذا من عداهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة ودوّن حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته، فالإجماع الذي نقله غير واحدٍ على منع تقليد الصحابة يُحمل على ما فقد فيه شرط من ذلك. أهـ [ إعانة الطالبين: 4/336، والتحفة مع عبد الحميد: 10/123 ].

تقليد الصحابة : قال الشيخ ابن حجر : (...) والقول الثاني جواز تقليدهم كسائر المجتهدين ، قال ابن السبكي : وهو الصحيح عندي ، غير أني أقول لا خلاف في الحقيقة بل ان تحقق مذهب لهم جاز وفاقا وإلا فلا .اهـ ويؤيده ما نقله الزركشي عن جمع من العلماء المحققين انهم ذهبوا الى جواز تقليدهم ، واستدل له ثم قال وهذا هو الصحيح ان علم دليله وصح طريقه ولهذا قال ابن عبد السلام في فتاويه : اذا صح عن صحابي ثبوت مذهب جاز تقليده وفاقا والا فلا لا لكونه لا يقلد بل لان مذهبه لم يثبت كل الثبوت .اهـ كلام الزركشي ، فتأمله مع قول ابن عبد السلام وفاقا يتضح لك اعتماد ما ذكره ابن السبكي (...) ويدل له قول ابن برهان : تقليد الصحابة مبني على جواز الانتقال في المذاهب فمن منعه منع تقليدهم لان فتاويهم لايقدر على استحضارها في كل واقعة حتى يمكن الاكتفاء بها فيؤدي الى الانتقال ، ومذاهب المتاخرين تمهدت فيكفي المذهب الواحد المكلف طول عمره .اهـ وهو حسن بالغ وبه يعلم جواز تقليدهم في مسائل اذ لا يجب التمذهب بمذهب معين خلافا للحنفية .اهـ [الفتاوى الكبرى الفقهية : 4/307 ، والبحرالمحيط : 8/340 ] .

(9) التنقل بين المذاهب: قوله: ( ثم له ) أي: يجوز له .. الخ، قال ابن الجمال: (( اعلم أن الأصح من كلام المتأخرين – كالشيخ ابن حجر وغيره – أنه يجوز الانتقال من مذهبٍ إلى مذهبٍ من المذاهب المدونة ولو بمجرد التشهي، سواء انتقل دواماً أو في بعض الحادثة
الأول: أن يكون مذهب المقَلَّد – بفتح اللام – مدوناً لتتمكن فيه عواقب الأنظار ويتحصل له العلم اليقيني ، بكون المسألة المقلد بها من هذه المذاهب( ).
وإن أفتى أو حكم أو عمل بخلافه، ما لم يلزم منه التلفيق )). أهـ [ إعانة الطالبين: 4/336 – 337، والفوائد المدنية: صـ 236 – 237 ].

(10) التقليد بعد العمل: قال العلامة السقاف: (( وأما التقليد بعد العمل فقد قال الشيخ ابن حجر في التحفة: ومن أدَّى عبادة اختلف في صحتها من غير تقليدٍ للقائل بالصحة لزمه إعادتها إذا علم بفسادها حال تلبسه لكونه عابثاً، فخرج من مس فرجه مثلاً فنسي أو جهل التحريم وقد عذر به، فله تقليد أبي حنيفة في إسقاط القضاء إن كان مذهبه صحة صلاة من وافق مذهبه وإن لم يقلده عندها )). أهـ [ الفوائد المكية: صـ 51 – 52 ].
وفي بغية المسترشدين: [ صـ 16 ] نقلاً عن الكردي: يجوز التقليد بعد العملِ بشرطين:
• أن لا يكون حال العمل عالماً بفساد ما عنَّ له بعد العمل تقليده، بل عمل مع نسيانٍ للمفسد أو جهلٍ بأنه مفسد وعذر به.
• أن يرى الإمام الذي يريد تقليده جواز التقليد بعد العمل، فمن أراد تقليد أبي حنيفة بعد العمل سأل الحنفية عن جواز ذلك عندهم، ولا يفيده سؤال الشافعية حينئذٍ، إذ هو يريد الدخول في مذهب الحنفي.
ومعلومٌ أنه لابد من شروط التقليد المعلومة زيادة على هذين. أهـ وفي فتاوى بن يحيى نحوه. أهـ وفي [ ج 3 صـ 427 ] من حاشية الجمل عن ابن قاسم ما يقتضي جواز تقليد أبي حنيفة بعد العمل من غير قيد. فأما أن يكون أبو حنيفة يرى جواز التقليد بعد العمل، وأما أن يكون ابن قاسم لا يعتبر هذا الشرط. وكفى به حجة وحينئذٍ تتسع الفسحة ويرتفع كثير من الحرج. أهـ [ صوب الركام: 1/49].

(11) تقليد المختارين: قال العلامة / علوي السقاف: (( فالمذاهب الأربعة هي المشهورة الآن المتبعة، وقد صار إمام كلٍ منهم لطائفةٍ من طوائف الإسلام عريفاً، بحيث لا يحتاج السائل عن ذلك تعريفاً، ولا بأس بتقليد غير من التزم مذهبه في أفراد المسائل سواء كان تقليده لأحد الأئمة الأربعة أو لغيرهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة ودوِّن حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته، فالإجماع الذي نقله غير واحدٍ على منع تقليده الصحابة يحمل على مالم يعلم نسبته لمن يجوز تقليده، أو علمت ولكن جهل بعض شروطه عنده، ولو كان ذلك الغير منتسباً لأحد الأئمة الأربعة كأصحاب الشافعي وأبي حنيفة مثلاً، فإن أحدهم قد يختار قولاً يخالف نص إمامه، فيجوز تقليده فيه بالشروط الآتية، ومن ذلك اختيارات النووي وابن المنذر وغيرهما فيجوز تقليدهم فيها وما تقرر من جواز تقليد المنتسب هو الذي رجحه العلامة أحمد بن عبد الرحمن الناشري، ففي فتاويه هل يجوز تقليد المختارين كالسيوطي في عدد الجمعة ؟ أجاب: الذي اعتمده شيخنا المحقق ابن زياد جواز تقليدهم. أهـ قال الجوهري: وما قاله الناشري هو المعتمد عندي، فيجوز تقليد المختارين لأنهم بالنسبة لتلك المسألة مجتهدون. أهـ من نشر الأعلام )). أهـ [ الفوائد المكية: صـ 50 – 51 ]

تقليد الزيدية: وقال ابن عبيد الله: (( وعبارة المصنف –ابن حـجر – في كـف الرعـاع: ذكـر الأئـمة أنـه لا يجوز لمفـتٍ ولا قـاضٍ تقليـد غـير الأئمة الأربعة، قالوا: لا لنقصهم، لأن الصحابة وتابعيهم سادات الأمة ، وإنما هو لارتفاع الثقة بشروط مذاهبهم
وتحقيقاتها ، لأنها لم تحرر وتدون بخلاف المذاهب الأربعة. ( أهـ بحذفٍ يسير ) وما ذكره من عدم تحرير غير المذاهب الأربعة منتقضٌ بمذهب سيدنا زيد بن علي فقد صين عن الغواية ، واتصل بسلاسل الذهب من الرواية ، وتناقله الأئمة الكرام ، وخير من يشرب صوب الغمام ، إلى هذه الأيام ، ولعل للفقهاء إذا ذاك بعض العذر في الغفلة عنه وعدم الاطلاع عليه لعزلة اليمن ، وإلا فما يوم حليمة بسر.
وإن زيـداً لتـأتم الـهداة به كأنـه عـلم فـي رأسـه نـور
وكل ما تجده في كتب الشافعية ولاسيما الأشخر من منع تقليد السادة الزيدية مبني على عدم العلم بتدوين مذهبهم ، وهو باطل والمبني عليه باطل . إذن فهو كغيره من المذاهب المدونة في جواز التقليد )). [ صوب الركام: 1 / 30 – 31 ]

تقليد الأوزاعي والليث ونحوهما: وقال العلامة الكردي: (( ورأيت في حاشية الشبراملسي على المواهب اللدنية مانصه: المذاهب المتبوعة كثيرة. قال الجلال السيوطي في الإعلام بعيسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ما نصه: المجتهدون من هذه الأمة لا يحصون كثرة، وكل له مذهب من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين وهلم جراً، و لهذا كان في السنين الخوالي نحو عشرة مذاهب مقلدة أربابها مدونة كتبها وهي: الأربعة المشهورة ومذهب سفيان الثوري، ومذهب الليث بن سعد ومذهب اسحق بن راهويه ومذهب ابن جرير ومذهب داود، وكان لكل هؤلاء أتباع يفتون بقولهم ويقضون، وإنما انقرضوا بعد الخمسمائة لموت العلماء وقصور الهمم. أهـ ولم يذكر في جمع الجوامع الليث وابن جرير في العشرة، بل ذكر بدلهما سفيان بن عيينة والأوزاعي. أهـ فصارت جملة المذاهب التي استمر العمل عليها مدة طويلة أحد عشر مذهباً (....) وذكر التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى في ترجمة ابن خيران [ 3 / 272 ] منها: مانصه: كان القضاء في مصر للمالكية وفي الشام للأوزاعية إلى أن ظهر مذهب الشافعي في الإقليمين فصار فيهما، وما كان القضاء بمصر للحنفية إلا أيام بكار. أهـ ( ... ) فكيف لا يجوز تقليدهم وهم مجتهدون كالأئمة الأربعة، بل قد يكون فيهم من هو أفقه من بعض الأربعة، ومن ثمّ قال الشافعي: الليث أفقه من مالك ولكن ضيعه أصحابه )). أهـ [ الفوائد المدنية: صـ 237 ] . وجزم ابن الصلاح في فتاويه بعدم جواز تقليد الصحابة ولا غيرهم ممن لم يدون مذهبه ، وانما يقلد الذين دونت مذاهبهم . قال ابن السبكي والزركشي : فعلى هذا ينحصر التقليد في الائمة الاربعة والاوزاعي وسفيان واسحاق وداوود ،على خلاف في داوود حكاه ابن الصلاح وغيره ، لان هؤلاء ذوو الاتباع ، ولابي ثور ـ زاد الزركشي : وابن جرير ـ اتباع قليلون جدا .اهـ [منع الموانع :441ـ 442 ، والبحر المحيط : 8/340 ] .

تقليد الأقوال والأوجه الضعيفة: وقال: (( يجوز تقليد الأقوال والأوجه الضعيفة والأئمة المجتهدين غير الأربعةِ بشرطه من التسهيل في الملة الحنيفية السهلة، وبه يظهر سر حديث: ( اختلاف أمتي رحمة ) )). أهـ [ الفوائد المدنية: صـ 239 ]. وقال العلامة / السقاف: (( قال في الفوائد – يعني المدنية – وكذا يجوز الأخذ والعمل لنفسه بالأقوال والطرق والوجوه الضعيفة إلاّ بمقابل الصحيح، فإن الغالب فيه أنه فاسد، ويجـوز الإفتاء به للغير بمعنى الإرشاد. أهـ وبه قال الشيخ ابن حجر في الفتاوى، وهذا التقليد قبل العمل )). أهـ [ الفوائد المكية: صـ 51 ].

تقليد القول القديم للشافعي: وقال: (( وفي فتاوى الريس ما ملخصه وهل يقلد من أراد العمل بالعدد الناقص القول القديم أو قول الإمام المجتهد الآخر، جرى خلاف بين علماء
الشافعية في أقوال الإمام القديمة إذا ثبتت، فإمام الحرمين ومن تبعه قالوا: إن الشافعي إذا نص في القديم على شيءٍ وجزم بخلافه في الجديد، فمذهبه الجديد وليس القديم معدوداً من المذهب، واختاره النووي في شرح المهذب وشرح مسلم، قال: وهو الظاهر ونسبته إلى الشافعي مجاز باسم ما كان عليه لا أنه قول له الآن، قال في الفوائد المدنية: وسبق عن المهمات أن النووي اختاره في المجموع ونسب خلافه إلى الغلط، فليكن كلامه هو المعتمد. أهـ وجرى على مقاله جمع، منهم الشيخ أبو حام والبندنيجي وابن الصباغ والعز ابن عبد السلام وجماعة كالسيد السمهودي، فعلى الأول لا يجوز تقليد القديم، أي لا للفتوى ولا للعمل، بل يقلد الإمام المجتهد الآخر إن شاء. أهـ ما أردتُ تلخيصه من فتاوى الريس وعلى الثاني يجـوز تقـليده للعـمل لا للفـتوى )). أهـ [ ترشيح المستفيدين: صـ 118 ]. وقـال ابن قاسـم: (( قول التحفة ( وكذا من عداهم ... إلخ ) هذا مع قوله الآتي، هذا بالنسبة لعمل نفسه لا الإفتاء أو القضاء، فيمتنع تقليد غير الأربعة، فيه إجماعاً صريح في أن من عدا الأربعة ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة ودوّن حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته يمتنع تقليده في غير العمل من الإفتاء والحكم، فليتنبه لذلك وليحفظ مع أنه في نفسه لا يخلو عن إشكال )). أهـ [ حاشية ابن قاسم: 10 / 123، ونقله عبد الحميد في حاشيته: 10 / 123 ].

جواز التعريف بمذهب الغير والأقوال والأوجه الضعيفة: وقال السيد عمر البصري: (( والمراد بمنع الإفتاء به إطلاق نسبته إلى مذهب الشافعي، بحيث يوهم السائل أنه معتمد المذهب، فهذا تغرير ممتنع، وأما الإفتاء على طريق التعريف بحاله وأنه يجوز للعامي تقليده بالنسبة للعمل به فغير ممتنع، وهكذا حكم الإفتاء بمذهب المخالف من أئمة الدين – رضي الله عنهم – حيث أتقن الناقل نقله، يجوز إخبار الغير به وإرشاده إلى تقليده، لاسيما إذا دعت إليه الحاجة أو الضرورة، فإن إخبار الأئمة المذكورين لنا بذلك وبجواز تقليده إفتاءً منهم لنا بالمعنى المذكور. وفي فتاوى الفقيه ابن زياد: – بعد مزيد بسطٍ في المسألة – ما نصه: وقد أرشد العلماء – رضي الله عنهم – إلى التقليد عند الحاجة، فمن ذلك ما نقل عن الإمام ابن عجيل أنه قال: ثلاث مسائل في الزكاة نفتي فيها بخلاف المذهب. وقد سئل السيد السمهودي عن ذلك فأجاب بما حاصله: أن المذهب فيها معروف، وأن من اختار الإفتاء بخلافه وهو مجتهد جاز تقليده في ذلك العمل، وقد كنت أرى شيخنا العارف بالله تعالى أبا المناقب شهاب الدين الأبشيطي يأمر من استفتاه – وإن كان شافعياً – بتقليد غير الشافعي، حذراً من المشقة لتكرر الفدية بتكرر اللبس، وليس هذا من تتبع الرخص في شيء، وفي فتاوى السبكي ما يشير لذلك، ومنه ما حكي عن الإمام ابن عجيل. وقد حكى الفقيه ابن زياد عن الإمام الإصطخري والهروي وابن يحيى وان أبي هريده والفخر الرازي، جواز دفع الزكاة إلى آله  عند انقطاع خمس الخمس عنهم، ثم قال: وقد سألني عنه جماعة من الأشراف العلويين عن ذلك، فأجبتهم: بجواز الأخذ بع تقليد القائل بذلك. فهذا الصنيع من هؤلاء الأئمة مصرح بجواز العمل بالوجه المرجوح في المذهب، والإفتاء به بمعنى روايته مع التعريف برتبته وبجواز العمل به، أما إطلاق الإفتاء به ونسبته للمذهبِ ممن لم يتأهل للاجتهاد في الترجيح فممتنعٌ )). أهـ [ فتاوى علماء الإحساء: 1/163 – 164، والفوائد المدنية: 233 – 234 ]. وقال الكردي: (( وعبارة فتاوى ابن حجر: يسوغ للمفتي الإفتاء بمذهبه وخلاف مذهبه إذا عرف ما يفتي به على وجهه وإضافته إلى الإمام القائل به، لأن الإفتاء في العصر المتأخر إنما سبيله النقل والرواية لانقطاع الاجتهاد بسائر مراتبه منذ أزمنة كما صرح به غير واحدٍ )). أهـ [ الفوائد المدنية: صـ 232 ].
الثاني: حفظ المقـلِّد – بكسر اللام – شروط المقـلَّد – بفتح اللام – في تلك المسألة.

الثالث: أن لا يكون التقليد فيما ينقض فيه قضاء القاضي ، بأن لا يكون خلاف نص الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي( ) . مثاله :
(12)من ما ينقض به قضاء القاضي:
قال العلامة السقاف: (( قال العليجي في تذكرته: وشروط نقض حكم القاضي ( سواء نقضه بنفسه أو نقضه غيره وإن لم يرفع إليه. وفي تعبيرهم بالنقض مسامحة، إذ المراد به أنه لم يصح من أصله. [ الفتاوى الكبرى: 2/211 ] ) قال النووي: منها: كونه مخالفاً لنص الكتاب أو السنة سواء كان متواتراً أو آحاداً ( إذا كان واضح الدلالة [ كما قال ابن حجر: 2/211 ] ) أو مخالفاً للإجماع أو القياس الأولوي أو المساوي. أهـ هذا بالنسبة للمجتهد المطلق. قال الشيخ ابن حجر: ومنها: كون حكم المتبحر – أي المجتهد المذهبي – مخالفاً لنص إمامه أو لقواعده الكلية، فإنَّ نص الإمام بالنسبة إلى المتبحر كنص الشارع للمجتهد المطلق. ومنها: كون حكم غير المتبحر – أي مجتهد الفتيا – مخالفاً لما رجحه مذهب إمامه. ومنها: كون حكم غير المتبحر مخالفاً لمعتمد مذهب إمامه لأنه لم يرقَ عن رتبة المقلد العام. ومتى نقض قاضٍ حكم غيره سئل عن مستنده، وقولهم: ( لا يسأل قاضٍ عن مستنده ) محله إذا لم يكن حكمه نقضاً أو لم يكن فاسقاً أو جاهلاً. أهـ قال الشيخ ابن حجر في تنوير البصائر [ الفتاوى الكبرى: 2/211 ]: ذكر الأئمة لبعض ما ينقض فيه قضاء القاضي أمثلة، منها: نفي خيار المجلس، ونفي إثبات العرايا، ونفي القود في المثقل، وإثبات قتل مسلمٍ بذمي، وصحة بيع أم الولد، وصحة نكاح الشغار ونكاح المتعة، ونكاح زوجة المفقود بعد أربع سنين مع عدة، وصحة تحريم الرضاع بعد الحولين. أهـ وقال في كف الرعاع [ ... ]: ومما ينقض ما جاء عن عطاء بن رباح من إباحة إعارة الجواري للوطء، وما جاء عن ابن المسيب من تحليل البائن بالعقد، وما جاء عن الأعمش من جواز الأكل في رمضان بعد الفجر وقبل طلوع الشمس، وغير ذلك من مذاهب المجتهدين الشاذة التي كاد الإجماع أن ينعقد على خلافها، فهذه كلها لا يجوز تقليد أربابها )). أهـ [الفوائد امدنية: صـ 59 ].
قال الشيخ ابن حجر: (( قال القرافي: وينقض أيضاً ما خالف القواعد الكلية. قالت الحنفية: أو كان حكماً لا دليل عليه. قال السبكي: وما خالف شرط الواقف كمخالف النص، وما خالف المذاهب الأربعة كمخالف الإجماع )) أهـ [الفتاوى الكبرى الفقهية: 2/211 ]. وقال: (( ويجب على القاضي أيضاً أن ينقض جميع أحكام من قبله إذا كان غير أهل، وإن أصاب فيها كذا قالوه، وقيده بعضه المتأخرين – أخذاً من كلام الغزالي وغيره – بمن لم يوله ذو شوكة لنفوذ أحكام من ولاّه ولو مع الجهل والفسق، بل وإن كان امرأة على أحد وجهين في البحر )). أهـ [ الفتاوى الكبرى الفقهية: 2/212 ].
قال العلامة اللحجي – فيما ينقض به قضاء القاضي – : (( قال السبكي: وما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص، وهو حكم لا دليل عليه سواء كان نصه في الوقف نصاً أو ظاهراً، وذلك كأن أو قف على مسجد أرضاً، فلا يجوز نقل غلتها لمسجدٍ آخر، نعم يجوز مخالفة شرط الواقف في حالة الضرورة في مسائل – كما في التحفة – منها: إذا فضل من غلة الموقوف على عمارته، ولم تتوقع العمارة عن قرب، فإنه يتعين أن يشتري به عقاراً، ومـنها: لو وقـف أرضاً للزراعة فـتعـذرت وانحـصر النفع في الغرس أو البناء فعـل النـاظر
قلد قول القائل بصحة نكاح الشغار او نكاح المتعة او القائل بجواز الاكل في رمضان بعد الفجر وقبل طلوع الشمس .

الرابع: أن لا يتتبع الرخص ، بأن يأخذ من كلِّ مذهب بالأسهل لتنحل ربقة التكليف من عنقه . قال الشيخ ابن حجر: (( ومن ثم كان الأوجه أنه يفسق به ))، وقال الشيخ محمد الرملي وابن قاسم وغيرهما – كما في صوب الركام - : (( الأوجه أنه لا يفسق وإن أثم به ))( ).أهـ ،
و هذا أحدهما أو أجرها لذلك . وفي التحفة أيضاً : أن شرط الواقف المخالف للشرع كشرط العزوبة في سكان المدرسة – أي مثلاً – لا يصح ، كما أفتى به البلقيني ، وعلله بأنه مخالف للكتاب والسنة والإجماع من الحض على التزوج )) . أهـ [ إيضاح القواعد الفقهية: صـ 52 – 53 ].
قال ابن عبيد الله: (( المسألة (49): الثاني من شروط التقليد أن لا يكون مما ينقض فيه قضاء القاضي ( تحفة ) . والمراد به المجتهد الذي لا ينتقض قضاؤه إلا إذا خالف نص الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي )) . أهـ [ صوب الركام: 1/39 ].
وقال القرافي – المالكي – في معنى قول العلماء: إن حكم الحاكم ينقض إذا خالف القواعد أو القياس أو النص (( فالمراد : إذا لم يكن لها معارض راجح عليها ، أما إذا كان لها معارض فلا ينقض الحكم إذا كان وفق معارضها الراجح إجماعاً ، كالقضاء بصحة عقد القراض والمساقاة والسلم والحوالة ونحوها ، فإنها على خلاف القواعد والنصوص والأقيسة ، ولكن لأدلةٍ خاصة مقدمة على القواعد والنصوص والأقيسة )) . أهـ [ تبصرة الحكام: 1/62 ].
ويرى فقهاء الحنفية أن المراد بمخالفة الكتاب مخالفة النص القرآني الذي لم يختلف السلف في تأويله ، كقوله تعالى: ((ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النسآء الا ما قد سلف انه كان فاحشة ومقتا وسآء سبيلا )) [النساء: 22] فإن السلف اتفقوا على عدم جواز تزوج امرأة الأب وجاريته التي وطئها الأب ، فلو حكم قاضٍ بجواز ذلك نقضه من رفع إليه . وإن المراد بمخالفة السنة مخالفة السنة المشهورة كالحكم بحل المطلقة ثلاثاً للزوج الأول بمجرد النكاح بدون إصابة الزوج الثاني ، فإن اشتراط الدخول ثابت بحديث العسيلة . والمراد بالمجمع عليه ما اجتمع عليه الجمهور أي جل الناس وأكثرهم ، ومخالفة البعض غير معتبرة ، لأن ذلك خلاف لا اختلاف ، وقالوا: ينقض الحكم كذلك إذا كان حكماً لا دليل عيه قطعاً . [ الموسوعة الفقهية: 41/155 – 156 ].

(13) تتبع الرخص: قال ابن السبكي – في جمع الجوامع – : (( والأصح أنه يمتنع تتبع الرخص، وخالف أبو إسحاق المروزي )). أهـ قال الزركشي: (( حيث جوزنا له الخروج عنه – أي المذهب الذي انتحله – فشرطه أن لا يتتبع الرخص: بأن يختار من كل مذهب ما هو الأهون عليه، وإلا فيمتنع قطعاً. وقال بعض المحتاطين: من بلي بوسواس أو قنوط أو يأس فالأولى أخذه بالأخف والرخص، لئلا يزداد ما به ويخرج عن الشرع. ومن كان قليل الدين كثير التساهل أخذ بالأثقل والعزيمة، لئلا يزداد ما به فيخرج إلى الإباحة. وكلام المصنف يقتضي أن أبا إسحاق يجوز تتبع الرخص وهو ممنوع، فقد رأيت في فتاوى الحناطي: من تتبع الرخص قال أبو إسحاق المروزي: يفسق، وقال ابن أبي هريرة: لا يفسق، هكذا حكاه عنه الرافعي في الأقضية )). أهـ والقولان بالفسق وعدمه مرويان عن الإمام أحمد ، وخالف الكمال ابن الهمام فقال: يجوز للمقلد تتبع الرخص
ليس شرطاً لصحة التقليد كما صرح به المتأخرون ، بل شرط لدرء الإثم كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة .
الخامس: أن لا يعمل بقول في مسألة ثم بضده في عينها ، كأن أخذ نحو دار بشفعة الجوار تقليداً لأبي حنيفة ، ثم باعها ثم اشتراها فاستحق واحد مثله بشفعة الجوار، فأراد أن يقلد الشافعي ليدفعها فإنه لا يجوز، لأن كلاً من الإمامين لا يقول به حينئذ. وفيه نظر، لأنه مبني على امتناع التقليد بعد العمل والأصح جوازه . فما نقل عن الآمدي وابن الحاجب من منع التقليد بعد العمل محمول على ما إذا بقي من آثار الأول ما يلزم عليه مع الثاني ، ترتب حقيقة واحدة مركبة لا يقول كل من الإمامين بها .

السادس: أن لا يلفق بين قـولين تتولد منهما حقيقة واحدة مركبة لا يقول كل مـن الإمامين بها ، كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس ومالك في طهارة الكلب في صلاةٍ واحدةٍ كما قاله الشيخ ابن حجر . وقال ابن زياد في فتاويه ناقلاً عن البلقيني: (( إن التركيب القادح في التقليد إنما يؤخذ إذا كان في قضيةٍ واحدة كما إذا توضأ فقلد أبا حنيفة في مس الفرج ، والشافعي في الفصد ، فصلاته حينئذٍ باطلة لاتفاق الإمامين على بطلان طهارته . لا يقال اتفقا على بطلان الصلاة ، لأنا نقول إنما نشأ من تركيب القضيتين وهذا غير قادح كما فهمناه من كلام الأصحاب ، وقد صرح به البلقيني في فتاويه )). أهـ قال السيد عمر – رحمه الله - : (( لأنه لا يوجد في الشرع ما يمنع ذلك. أهـ قال العطار: (( نقل الشرنبلالي الحنفي عن السيد بادشاه في شرح التجريد، يجوز اتباع رخص المذاهب ولا يمنع منه مانع شرعي، إذا للإنسان أن يسلك الأخف عليه إن كان له إليه سبيل بأن لم يكن عمل بقول آخر مخالف لذلك الأخف. أهـ وقال ابن أمير حاج: إن مثل هذه التشديدات التي ذكروها في المنتقل من مذهب إلى مذهب، إلزامات منهم لكفِ الناس عن تتبع الرخص، وإلا فأخذ العامي بكل مسألة بقول مجتهد يكون قوله أخف عليه لا أدري ما يمنع منه عقلاً وشرعاٌ. أهـ هذا ما نقله الحنفية )). أهـ [ تشنيف المسامع: 4/620 – 621، الغيث الهامع: 3/906، حاشية العطار على شرح المحلي: 2/441 – 442 ]. قال ابن عبيد الله: (( والكلام فيمن يتتبعها من المذاهب المدونة بحيث كادت تنحل عنه ربقة التكليف. أما من أخذ من كل مذهبٍ ما يعده الأهون عليه، لا ما ينطبق عليه ضابط الرخصة عند الأصوليين، فليس من ذلك. (...) قال في القلائد [ 2/445 ]: وأفتى الأئمة: إسماعيل الحضرمي، وأحمد بن عجيل، ويوسف بن أبي الخل، بجواز تقليد الشافعي في العمل من شاء من الأئمة: كأبي حنيفة وأبي ثور، وأنه لا يأثم عليه. قال بعضهم: وهذا سر من أسرار الله تعالى لا ينبغي أن يُظهر إلا عند مسيس الحاجة. أهـ وهذا قد يشير إلى أن لا باس بتتبع الرخص وفاقاً لابن الهمام من الحنفية وابن أبي هريرة من الشافعية. فأما محمد الرملي ورفاقه فإنهم لا ينفون الحرج بتتبع الرخص، لكن ينفون الفسق فقط )). أهـ [ صوب الركام: 1/40 ].

ولكل من القائلين وجه ، وكفى بكل من القائلين قدوة ، والأول أوفق بمشارب الخاصة ، والثاني أوفق بمشارب العامة ))( ).أهـ ومن التلفيق الممنوع ما لوطلق امرأته مكرها فافتاه حنفي بوقوع الطلاق ، فنكح اختها بعد انقضاء العدة ، ثم افتاه شافعي بعدم وقوع الطلاق ، فيمتنع عليه ان يطأ الاولى تقليدا للشافعي والثانية تقليدا لابي حنيفة .

زاد بعضهم شرطاً سابعاً : وهو أنه يلزم المقلد اعتقاد أرجحية أو مساواة مقلده للغير. قال الشيخ ابن حجر في التحفة بعد ما نقله عنه: (( لكن المشهور الذي رجحه الشيخان جواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل )). قال العلامة ابن عابدين في رد المحتار: (( ذكر في التحرير وشرحه أنه يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل . وبه قال الحنفية والمالكية وأكثر الحنابلة والشافعية ، وفي رواية عن أحمد وطائفة كثيرة من الفقهاء لا يجوز ))( ).

زاد بعضهم شرطاً ثامناً : وهو أنه لا بد في صحةِ التقليد أن يكون صاحب المذهب حياً وقت التقليد . قال ابن الجمال في فتح المجيد: (( وهذا مردود لأن الشيخين اتفقا على جواز تقليد الميت وقالا: هو الصحيح ))( ).أهـ( ).

(14) فتاوى علماء الإحساء: 1/385.

(15) تقليد المفضول: هـل يجوز للمقلد أن يقلد المفضول من المجتهدين وإن قدر على تقليد الفاضل ؟ فيه مذاهب :
أحدها – وهو المشهور – جوازه ( اختاره العز بن عبد السلام في القواعد، وابن الحاجب في مختصره، ونقله ابن النجار في شرح الكوكب عن الحنفية والمالكية وأكثر الشافعية والحنابلة منهم: ابن قدامة في الروضة وصححه الزركشي في البحر ) لأنه لو وجب تقليد الأفضل لما قلد الناس الفاضل والمفضول في زمن الصحابة والتابعين من غير نكير. فقد كانوا يسألون آحاد الصحابة مع وجود أفاضلهم. أهـ
والثاني: منه، وبه قال أحمد وابن سريج، واختاره القاضي الحسين وابن السمعاني، وذلك لأن اعتقاد المفضول كاعتقاد الدليل المرجوح مع وجود الأرجح.
والثالث: أنه يجوز لمن يعتقده فاضلاً أو مساوياً لغيره ، فإن اعتقده دون غيره امتنع استفتاؤه – واختاره ابن السبكي في جمع الجوامع، والشيخ زكريا في غاية الوصول – ولهذا لا يجب البحث عن الأرجح كما لا يلزمه طلب الدليل . أهـ [ تشنيف المسامع: 4/608 – 609 ، الغيث الهامع : 3/896 – 897 ، غاية الوصول : صـ 268 ] .

(16) تقليد الميت : في جواز تقليد الميت أقوال: أحدها – وبه قال الجمهور – جوازه، وفيه يقول الشافعي – رضي الله عنه –: (( المذاهب لا تموت بموت أربابها )). أهـ وصححه الزركشي في البحر، ونقله عن أكثر الشافعية وقال: (( ربما حكي فيه الإجماع )). أهـ واختاره البيضاوي وابن عبد الشكور وغيرهما. قال الزركشي: (( يجوز تقليد الميت سواء وجد حياًً مجتهداً أولا، أما إذا كان فقد المجتهدون فلا خلاف فيه عند المصنف ( أي ابن السبكي )، وإن وجد مجتهد فإن كان دون الميت فيحتمل أن يقال: يقلد الميت لأرجحيته، ويحتمل أن يقال: الحي لحياته، ويحتمل أن يقال – وهو الأظهر – يجوز تقليد كل منهما لتعارض المرجحين )). أهـ
الثاني: منعه مطلقاً، وعزاه الغزالي في ( المنخول ) لإجماع الأصوليين، واختاره الإمام فخر الدين الرازي في ( المحصول ) وأبو الحسين البصري في ( المعتمد )، وقال ابن النجار في شرح الكوكب: (( هو وجه لنا – أي الحنابلة – والشافعية )). أهـ واستدلوا بأنه لا بقاء لقول الميت بدليل انعقاد الإجماع بعد موت المخالف، وعوض بحجية الإجماع بعد موت المجمعين.
الثالث: يجوز مع فقد مجتهد حي ولا يجوز مع وجوده، وقطع به ابن السبكي، وحمل إطلاق المطلقين على فقد حي مماثل للميت أو أرجح ، أما إذا فقد مطلقاً فكيف يترك الناس هملاً . قال الزركشي في البحر: (( وجزم به إلكيا وابن برهان )). أهـ واختاره إمام الحرمين في الغياثي. أهـ
الرابع: أنه إن كان الناقل لقول المجتهد الميت مجتهداً في ذلك المذهب جاز تقـليده وإلا فلا، حكاه الصفي الهندي، وقال: إنه أظهر. قال ابن السبكي: (( وهو في غير محل النزاع، لأن الكلام فيما إذا ثبت أنه مذهب الميت، فإن كان الناقل بحيث لا يوثق بنقله فهماً وإن وثق نقلاً تطرق عدم الوثوق بفهمه إلى عدم الوثوق بنقله، وصار عدم قبوله لعدم صحة المذهب عن المنقول إليه لا لأن الميت لا يقلد )). أهـ [ تشنيف المسامع: 4/609 – 611، والغيث الهامع: 3/897 – 898، وغاية الوصول: صـ 269 ].

(17) فتح المعين وشرحه إعانة الطالبين المعروف بحاشية شطا: 4/336، الفوائد المكية للسقاف: صـ 51، ومختصره: صـ 89 – 90، وانظر بغية المسترشدين: صـ 14 – 15.
قد تم نشره فى بعض المنتديات ناقصا و الان ينشر كاملا و عليه بعض الاضافات ، نشره تلميذه محمد بن عمر بازهير بأذن الشيخ.