حكاية أبي حيّان الأندلسي مع ابن دقيق العيد - رحمهما الله -
انظر أولا:
http://majles.alukah.net/showthread.php?96605
الحمد لله، وبعد:
قال أبو الفضل كمال الدّين الأُدْفُوي الشافعي (تـ: 748) في أبي حيّان: (كان سيّئ الظنّ بالنّاس كافّة، فإذا نُقل له عن أحدٍ خيرًا لا يتكيّف به، وإذا كان شرًّا يتكيّف به ويبني عليه، حتى ممن هو عنده مجروح، فيقع في ذمّ مَنْ هو بألسنة العالم ممدوح، وبسبب ذلك وقع في نفس جمع كثير منه ألم كثير). وعقب الصفديّ (تـ: 764) في "الأعيان" (5/333) على ذلك قائلا: (أنا لم أسمع منه في حق أحد من الأحياء والأموات إلا خيرًا، وما كنت أنقم عليه شيئًا إلا ما كان يبلغني عنه من الحطِّ على الشيخ تقيّ الدّين ابن دقيق العيد، على أنني ما سمعت في حقه شيئًا).اهـ.
وأمّا ابن دقيق العيد، فهو محمد بن عليّ بن وهب، تقي الدين، أبو الفتح، المالكي ثم الشافعي – وكذلك كان أبو حيان يرى أولا رأي الظاهرية، ثم إنه تمذهب للشافعي -، و"دقيق العيد" لقب جدّه (وهب)، وقد خرج يوما من بلده قُوْص وعليه طيلسان أبيض وثوب أبيض فقال شخص بدوي: "هذا شبه دقيق العيد" يعني: في البياض، فلزمه ذلك. ذكره في "ذيل التقييد" (1/ 358). وقد بلغ من جلالته أنه لمّا عزل نفسه عن القضاء ثم طُلب ليولّى قام السلطان الملك المنصور له واقفا لمّا أقبل، فصار يمشي قليلا قليلا وهم يقولون: "السلطان واقف"! فيقول: "اديني أمشي"، وقبّل السلطان يده، فقال: "تنتفع بهذا". (الطالع السعيد ص326 - 327).
قال أبو حيّان في ابن دقيق العيد - كما في "الطالع السعيد (ص326) - : (هو أشبه من رأيناه يميل إلى الاجتهاد)، وقال أبو حيّان للصفدي كما في "الوافي": (لم أر بعد ابن دقيق العيد أفصح من قراءتك). تُوفّي ابن دقيق رحمه الله سنة (702 هـ).
وأمّا ما كان يقع في حقّه من الشيخ العلّامة أثير الدِّين، فله سبب، ذكره الصفدي في "أعيان العصر" (4/587 – 588) والوافي (4/139) في ترجمة الإمام ابن دقيق العيد، فقال: (أخبرني شيخنا الحافظ أبو الفتح اليَعْمَري، قال: كان الشيخ تقيّ الدّين قد نزل عن تدريس مدرسةٍ لولده، أُنسيت أنا اسم المدرسة واسم ابنه، فلمّا حَضَر الشيخ أثير الدّين دَرْسَ قاضي القضاة تقيّ الدين بن بنت الأعزّ، قرأ آيةً يدرّس بها [وفي الوافي: يفسّرها] ذلك اليوم، وهي: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ) الآية، فبرز أبو حيّان من الحلقة، وقال: يا مولانا قاضي القضاة: (قدّموا أولادهم)!، يكرّر ذلك، فقال قاضي القضاة: "ما معنى هذا؟!" فقال: ابن دقيق العيد نزل لولده فلان عن تدريس المدرسة الفلانية، فنُقل المجلس إلى الشيخ تقي الدّين ابن دقيق العيد، فقال: أمّا أبو حيّان ففيه دعابة من أهل الأندلس ومجونهم، وأمّا أنت يا قاضي القضاة يُبَدّل القرآن في حضرتك وما تنكر هذا الأمر. فما كان إلا قليل حتى عُزِل ابن بنت الأعزّ عن القضاء بابن دقيق العيد. وكان إذا خلا شيء من الوظائف التي تليق بالشيخ أثير الدّين يقول الناس: "هذه لأبي حيّان"، فتخرج عنه لغيره.
فهذا هو السبب الموجِب لحطّه عليه وشناعته.
والصحيح أنّ أهل العصر لا يُرْجَعُ إلى جَرْح بعضهم بعضا بهذه الوقعة وأمثالها).اهـ. والله أعلم.