"لهذا كله ستنقرض أمريكا"
دار الحصاد للطباعة والنشر والتوزيع – دمشق – سوريا.
تأليف: "أوليغ بلا تونوف".
ترجمة: نائلة موسى إيرينا بوتشينسكايا
عرض : الهيثم زعفان

يقدم هذا الكتاب قراءة متعمقة للمجتمع الأمريكي والشخصية الأمريكية ويقدم المؤلف من خلال البراهين العملية كيف أن هذا المجتمع شديد الانحدار ومتهاوي الأركان مما جعل الكاتب "أوليغ بلا تونوف" يتنبأ بالسقوط المدوي للولايات المتحدة الأمريكية.


يقدم هذا الكتاب قراءة متعمقة للمجتمع الأمريكي والشخصية الأمريكية ويقدم المؤلف من خلال البراهين العملية كيف أن هذا المجتمع شديد الانحدار ومتهاوي الأركان مما جعل الكاتب "أوليغ بلا تونوف" يتنبأ بالسقوط المدوي للولايات المتحدة الأمريكية. يستفتح الكاتب كتابه بظهور الولايات المتحدة الأمريكية كإمبراطورية الشر استناداً للمجازر الوحشية التي قامت عليها حيث يبين الكاتب أن أمريكا كدولة قامت على نظام الرق والاستغلال الوحشي للزنوج، فأمريكا تشكلت على دماء وعظام وأراضي وأملاك أكثر من 100 مليون قتيل ومعذب من الهنود الحمر.

ويسرد الكاتب عبر صفحات متعددة تأريخ هذه الحقبة المظلمة في تاريخ أمريكا وكيف أنها وحشية متجذرة في الشخصية الأمريكية وورثت في الأجيال الأمريكية اللاحقة معالم الإجرام. لينتقل الكاتب لتوصيف هذا الموروث في العصر الحديث من خلال التدليل باستقبال لاس فيغاس وأطلنطيك سيتي- كأحد أهم مركزي الإجرام في أمريكا- عشرات الآلاف من الأمريكيين يوميًّا، وعلى امتداد عدة كيلومترات من الشارع الرئيسي تقوم دور القمار على الجانبين، مختلطة بالفنادق، متعددة الطوابق، التي تعمل فيها باستمرار آلاف العاهرات والفاسقين.

وفي دور القمار هذه بالذات تدرك الهوس الرئيسي للأمريكيين، وتفهم طبيعة الآمال التي تراودهم من الرغبة في كسب النقود والإثراء بأي ثمن، وحين ترى آلاف الوجوه التي شوهتها الحماسة والجشع، والعيون المتوهجة من فرط الإثارة، تفهم الطبيعة الإجرامية لأمريكا ومدى خطرها على العالم.

الأمريكيون والنقود والاستهلاك
يوضح الكاتب بعد ذلك أهمية النقود وتفشي ثقافة الاستهلاك في مكون الشخصية الأمريكية بوصفه أن الأهم في الوعي العام الأمريكي هو النقود، فالأشياء والسلع والحياة كلها مكرسة للسباق المحموم وراء الأنواع الجديدة من البضائع والخدمات.

كما يؤكد الكاتب أن سباق الاستهلاك، وتحويل الإنسان إلى "آلة" لكسب النقود هما قانون المجتمع الأمريكي. فالنظام الأمريكي يجذب إلى سباق الاستهلاك بأي ثمن، عشرات الملايين من الناس، ويجعلهم عبيد النظام الفاسد، الذي يتناقض مع الطبيعة الروحية للإنسان، ويحوله إلى كائن بدائي، ضحل المضمون ويتحول انحلال الشخصية وفسادها إلى معايير لتطور المجتمع الأمريكي. من هنا يشدد الكاتب على أن الأمريكيين في أغلبهم شعب يجمع بينهم قاسم مشترك غريب؛ فكل قيم حياتهم تتركز على كسب النقود وسباق الاستهلاك.

الشخصية الأمريكية والثقافة
يكشف الكاتب النقاب عن أن حوالي 60% من الأمريكيين لا يقرؤون الكتب، وإذا ما قرؤها فهي في معظمها كتب بوليسية أو خلاعية، وأغلبهم يقضي كل أوقات فراغه أمام التليفيزيون حيث يشاهد الأفلام البوليسية وبرامج التسلية الرخيصة والخالية من أي مضمون. فالأمريكيون من الناحية الثقافية هم الشعب الأقل أهمية في العالم، فالثقافة بالنسبة لهم ليست جوًّا روحيًّا، ولا حاجة داخلية، بل هي نوع من الكماليات التي يمكن برأيهم الحصول عليها لقاء النقود.

وكبديل عن الثقافة الحقيقية في المجتمع الأمريكي حل البيزنس السينمائي والتلفزيوني الذي يقوم على الشخصيات المنحلة التي تجسد كل تفاهة السينما الأمريكية ورخصها وبدائيتها.


القيم البرجماتية للأسرة الأمريكية
إن أغلب الأمريكيين يربون أبناءهم على الإلحاد والأنانية والتقاعس عن العمل والانصراف إلى التسلية، ففي عام 1997 أجرت مجلة "الأبوان" الأمريكية استفتاءً بين 7700 أب وأم من الولايات المتحدة وكندا حول القيم الحياتية للأسرة الأمريكية. حيث يرى الأمريكيون أن القيمة الأهم بالنسبة للأسرة هي تعليم أبنائها فهم ما هو جيد بالنسبة لهم وما هو سيئ، وتربيتهم براجماتيين "نفعيين" قادرين على العثور على منفعتهم في كل شيء، حيث تحتل هذه الصفة المرتبة الأولى على سلم القيم الحياتية للأسرة الأمريكية.

دورة الطفيلية الاقتصادية في الحياة الأمريكية:
تشكل الولايات المتحدة الأمريكية اليوم النموذج الأبرز للطفيلية الاقتصادية في التاريخ العالمي، فهي تستهلك 40% من إجمالي موارد العالم الاستهلاكية، في الوقت الذي لا تزيد نسبة سكانها على 5% من سكان العالم.
ويوضح " بلا تونوف" أن ثمة تصوراً خاطئاً بشكل مطلق بأن الأمريكيين من أكثر شعوب العالم انكبابًا على العمل، وأن ثروتهم نتيجة العمل المثمر. ويفصل زيف هذه المقولة بأن هذا القول يصدق فقط بالنسبة لحفنة قليلة من السكان التي تعمل فقط بكل دأب وفعالية. لكن هذه النسبة لا تصل إلى ثلث سكان البلاد القادرين على العمل.

فمعطيات الإحصاء الرسمي تدل على أن حوالي 40% من السكان في سن السادسة عشرة وما فوق لا يعملون؛ وأن 30% من الأمريكيين و 50% من الأمريكيات لا يعملون. كما أن أكثر من 10% من السكان في سن العمل لا يعملون بدوام كامل. وهكذا فإن نصف سكان أمريكا إما لا يعملون إجمالاً أو يعملون بشكل قليل. وثمة فئة من الناس في أمريكا حوالي 5% من السكان القادرين على العمل الذين يمكن أن نسميهم بالكسالى والخاملين يعيشون على التعويضات والوجبات الغذائية المجانية التي تقدمها الدولة.

خديعة الدولار الأمريكي
يبين الكتاب أن الأداة الأولى لإعادة توزيع موارد البلدان الأخرى لصالح أمريكا هي الكمية الهائلة من الدولارات "غير المضمونة" التي طرحها النظام الأمريكي في السوق العالمية. فأمريكا تطبع من هذه الدولارات بما يفوق عشرات المرات الحاجة إلى خدمة دورتها السلعية الداخلية، والدولار غير المضمون سلعيًّا غير مضمون ذهبيًّا. إذ إن كل الاحتياطي الأمريكي من الذهب في "فورت نوكس" لا يضمن حتى خمس الدولارات الورقية التي طرحها مصرفيو أمريكا اليهود.

ولكي لا يحاول أي من حملة الدولارات الساذجين أن يستبدل بها معادلها من ذهب "فورت نوكس" قام الرئيس جونسون 1968 بإلغاء عملية تبديل الدولارات الورقية بالسعر المثبت سابقًا. وهكذا فإن خرافة "أمريكا العظمى" هي وحدها التي تدعم قيمة الدولار؛ بحسب وصف المؤلف الذي كشف عن أن المنظومة المالية الأمريكية هي نوع من النصب الذي لم يسبق له مثيل، والذي سيؤدي إن عاجلاً أو آجلاً إلى تفجير الاستقرار الاقتصادي المالي للمجتمع الغربي برمته.

فالدولار كقيمة يضمنها الاحتياطي الاقتصادي والمالي الأمريكي، يعادل أقل بكثير من قدرته الشرائية المعلنة؛ مما يمكن أمريكا من الحصول على الموارد الهائلة، العائدة للبلدان الأخرى، لقاء أوراق ليس لها تغطية فعلية تسمى "دولارات".

الأمريكان والغرق في الديون
يدفع الكاتب بحجة قوية على هوان الكيان الأمريكي اقتصادياً وذلك عطفاً على الأزمة المالية العالمية التي مرت وتمر بها أمريكا حيث يبين أن 80% من الأمريكيين يشترون البيوت والسيارات وغيرها من السلع ذات الاستخدام الطويل بالدين ذي الفوائد المركبة، كما أن القسم الأكبر من المشاريع الاجتماعية والنفقات الحربية كان يمول بالقروض الداخلية، وقد وصل إجمالي الديون العامة والأفراد في أمريكا إلى 80% من الناتج الوطني الإجمالي.

ويبين الكاتب الخطورة في هذه الحجة على الكيان الأمريكي أن تلك القروض بالإضافة للقروض الخارجية لا يتم منحها على حساب إمكانيات أمريكا الداخلية بل عن طريق التحكم المتقن والدعم المصطنع للقيمة العالية للدولار. لذا فإن النظام المالي لأمريكا والغرب يقع دائماً على شفا الهاوية.

أمريكا وتجارة المخدرات
يؤكد الكاتب أن تجارة المخدرات تعتبر مصدراً كبيراً للطفيليات الاقتصادية في أمريكا والبلدان الغربية الأخرى، ففي كل عام يتم غسل 300 مليار دولار، تدرها تجارة المخدرات، ويتم إدخال 90% من هذه الأموال في صناعة هذه البلدان؛ لذا فإن اهتمامهم بتجارة المخدرات يفسر عدم جدوى مكافحتها في البلدان الغربية.

وكما أشار مدير المركز الجيوبوليتيكي الدولي للمخدرات "ألين لا بروس" فإنه: "في كل مرة تتعارض فيها مكافحة المخدرات مع المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية للبلدان الغربية تتراجع الحرب الضروس، التي أعلنتها حكومات هذه البلدان على تجار (الموت الأبيض) إلى المرتبة الثانية". ويشير الكاتب إلى أن المصرفيين الأمريكيين يمولون عمليات الاتجار بالمخدرات في أمريكا اللاتينية وآسيا، وخاصة في كولومبيا وبورما. ويقدم على ذلك دليلاً أنه في أثناء الحرب الأهلية في نيكاراغوا لم تتورع الحكومة الأمريكية عن إنشاء منظومة لإنتاج وتسويق المخدرات في هذه البلاد.


أمريكا وعبدة الشيطان
استرسل الكاتب كثيراً في مسألة "عبادة الشيطان" في أمريكا حيث أصَّل لهذه العبادة الوثنية في التاريخ الأمريكي وكيف غرق في أوحالها كثير من المشاهير الأمريكان وبخاصة في عالم الفنون والإعلام وانعكاس ذلك على مرحلة الشباب، لكن أخطر ماذكره الكاتب حقيقة هو تقاطع السياسة مع هذه العبادة الوثنية وبخاصة على مستوى رؤساء أمريكا حيث يبين الكاتب أنه باستمرار كانت الحركة الشيطانية تلقي الدعم غير المعلن من جانب الرؤساء الأمريكيين،

لكن هذا الدعم بدأ منذ الرئيس الأمريكي "رونالد ريجان" يكتسب طابعاً علنياً، ففي عام 1987 اعترف "ريجان" على رؤوس الأشهاد بـ الدور المهم للمذهب الشيطاني في المجتمع الأمريكي المعاصر، ودعا إلى ضرورة الاهتمام بمصالح هذه الفئة من الناخبين. وحدد عدداً من النقاط الإجرائية الإلزامية في هذا الشأن الوثني والمتمثلة في:

عدم السماح بانتهاك حقوق "عبدة الشيطان" لدى التعيين في الوظائف العامة بما فيها المناصب الحكومية.
الاعتماد على المتنبئين والغيبيين ومستحضري الأرواح الأمريكيين البارزين لتقديم الاستشارات للرئيس والأجهزة الحكومية.

عدم السماح بتضمين الوثائق والمواد الرسمية الكلمات والعبارات التي تجرح مشاعر عبدة الشيطان.
وقد بين الكاتب أن هذه المراسيم لم تكن مقصورة على الرئيس الأمريكي ريجان- الممثل سابقاً- بل شملت جميع الرؤساء الأمريكيين الذين جاءوا بعد ريجان والذين اعتمدوا رسميًّا على الغيبيين من مختلف الاختصاصات لتقديم الاستشارات لذوي المناصب العامة.


أمريكا والانحلال الأخلاقي
يسلط الكتاب الضوء على الانحلال الأخلاقي داخل المجتمع الأمريكي ومخاطر هذا الانحلال من زاوية تكريس التفسخ وانتشار القاذورات والأمراض المرتبطة بهذا الانحلال داخل أمريكا والتي تحتضن ملايين صفحات المجلات والصحف الفضائحية. ويسلط الكاتب الضوء على أن تلك الثورة الانحلالية قد لقيت الدعم والتأييد من كل وسائل الإعلام البارزة في أمريكا وأوروبا. وهكذا أصبح البيزنس الخلاعي أهم الفروع الجبارة في الاقتصاد الغربي.

الخطورة والانحطاط تكمنان في أن من بين فروع هذا البيزنس الرديء أصبح الصغار ضحايا العمليات الجنسية، ففي كل عام يستقطب هذا البيزنس القذر في أمريكا حوالي 600 ألف طفل؛ من سن الثالثة حتى الثامنة عشرة، وعليه فقد أصبح تفشي الشذوذ في أمريكا إحدى النتائج الخطيرة للثورة الجنسية، وأصبح يشكل 25-30% من إجمالي السكان البالغين.

وفي أمريكا والدول الغربية لا يقتصر الأمر على تقنين الشذوذ، بل ويتمتع ممارسوه بالامتيازات؛ حيث تنص قوانين هذه البلدان على حق الشاذين في عقد القران الفاسد وتبني الأطفال والتدريس في مؤسسات الأطفال والمدارس، وعمليًّا فإن الشاذين في كل هذه البلدان يشغلون عددًا من المناصب الحكومية.

توصية المؤلف
كباحث ومحلل يخلص الكاتب إلى أن عاقبة "جنكيز خان" و"هتلر" ونظامهما المعادي للإنسانية كانت وخيمة، بسبب تناقضهما مع المنظومة الإنسانية، ولهذا السبب فإن نهاية أمريكا بحسب الكاتب حتمية، ولهذا بالذات سوف تنقرض أمريكا، وعليه يوصي الكاتب أن على دول العالم وشعوبه أن تقيم بكل الطرق الممكنة مرافق مقاومة أمريكا؛ وبالدرجة الأولى عن طريق إنشاء مراكز خاصة تعمل على تهديمها، وترسم الاستراتيجية الطويلة المدى لذلك، وشن حملة دعائية مكثفة ومستمرة عبر وسائل الإعلام الجماهيري،

ويشدد الكاتب على أن من الضروري القيام باستمرار بعرض الأمثلة الحية على الطابع الإجرامي لأمريكا وبؤس قيمها الحياتية والفقر الروحي الأخلاقي المدقع لأغلب الأمريكيين.