ما هذا الفساد والتلاعب في جمع الصلوات ؟!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فلقد بلغ تهاون الناس في مسائل الديانة حدا لا يطاق، فصار العامي الغر يتقلد مناصب الفتوى ويتبوأ مبوأ الراسخين في العلم، وتجد كثيرا ممن أوكل إليهم إمامة الناس ووعظهم لا يدركون من أحكام الفقه جملة وفيما يختص بالإمامة تفصيلا إلا نزرا يسيرا.
وتأتي مسألة الجمع بين الصلوات على رأس هذه القائمة التي يخبط فيها الناس خبط عشواء، ولم أر عجبا كما رأيت من حال الناس أئمة ومأمومين في هذه المسألة.
فتجد بعضهم يجمع بدون أي عذر مذكور في كتاب أو سنة أو إجماع أو قول صاحب أو قياس.
ومنهم من إذا رأى قزعة في السماء هرع إلى الجمع بعذر التوقع!!
ومنهم من يجعل نشرة الأرصاد متكأ له في الجمع!!
ومنهم من إذا شعر بالبرد قال للناس اجمعو!!
ومنهم من إذا طلب من أن يجمع جمع حتى ولم يكن عذر !!
ومنهم من يجمع لعذر انقطاع التيار الكهربائي!!!
ومنهم من يجمع استحياء وخجلا !!
ومنهم من يجمع خوفا ووجلا!!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
اسمعوا أيها الأئمة وفقكم الله لمرضاته لما سأقوله :
لقد أجمع من بأقطارها من علماء الملة على أن تقديم الصلاة عن وقتها لغير عذر معتبر يجعلها باطلة مع تنازعهم في مشمول هذا العذر ومدخوله، ولقد وهم كثير من الناس فظن أن الجمع لغير عذر جائز وتشبثوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا سفر، وعزو هذا إلى جمع من فضلاء هذه الأمة نسبة باطلة إليهم، فإنه لا يعرف قائل من السلف نحى إلى هذا المذهب ولكن رأت طائفة كابن سيرين وغيره أنه يجمع إذا كانت حاجة مطلقا ما لم يتخذ عادة عملا بحديث ابن عباس، وهذه الطائفة خالفت جماهير العلماء من السلف والخلف الذي قيدوا الجمع بعذر شرعي ثابت ، وهؤلاء وأولئك متفقون على عدم العمل بظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والذي يعمل به كثير من متعالمي هذا الزمان، وقد اتخذ هؤلاء لأنفسهم مذهبا جديدا وهو جمع الصلاتين بدون عذر مطلقا، وهذا القول باطل مطرح مردود لمعارضته المقطوع من الكتاب والسنة والإجماع..
وثمة أمر آخر وهو ما تلقفوه من كتاب فقه السنة لسيد سابق رحمه الله - وهو العمدة عند أكثرهم لا يعرفون غيره - من أن المالكية يرون الجمع لمطر متوقع!!
والاقتصار على هذا الكتاب وغيره هو الذي أوقعهم في هذا الخلل المروع، وإلا لو كلفوا أنفسهم عناء البحث قليلا لعلموا أنها ليست من أصول مذهب مالك رحمه الله ولكن ذكرها الدسوقي رحمه الله في حاشيته على مختصر خليل، وعلق عليها الدردير بما يفهم منه الاعتراض وأردفها توضيحا بأنه لو أخطأ التوقع فلم ينزل مطر وجب عليهم إعادة الصلاة !!
فهل عمل بهذا متفقهة زماننا أم أنه الهوى واتباع أنصاف الكلام ؟!
ومن المعلوم أن المالكية والحنابلة والشافعية يجوزون الجمع بين العشائين لعذر المطر الواقع، وأما المتوقع فمذهب الأخيرين القطع بعد الجواز ولم ينقل عن مالك قول بالجواز وهذا بعيد عن أصوله ولكن قالها الدسوقي مشروطة وتمسك بها المترخصون تاركين شرطه، وازدادوا تلفيقا وتلاعبا بجعل التوقع عذرا في جمع صلاتي النهار فالله المستعان..
وأعجب من ذلك في التعدي على حرمات الله من يجعلون خبر المراصد الجوية عذرا في الجمع دون اكتراث لمطر واقع أو حتى متوقع!!
وكثير منهم يجمع بين الصلاتين بسبب البرد وحده، مع أني لم أجد في مذاهب الأربعة ولا غيرهم من يجعل البرد عذرا، بل رأيت كثيرا منهم لا يبيحون الجمع لسقوط الثلوج معللين هذا بعد السماع، ولا يمكن أن يعتبر البرد لإمكان دفعه بليس الثياب ونحوها ومن يقول بهذا يلزمه أن يجوز الجمع في الحر الشديد أيضا وليس بقائل، ثم ما ضابط هذا البرد وما هو حده؟
ولو كان البرد عذرا في الجمع لكان عذرا في التخلف عن الجماعة أيضا، ومن المعلوم أن السلف لم يكونوا يتخلفون عن الجماعات بمثل هذه الأعذار، والبرد الحاصل في صلاة الفجر في أيامنا هذه أشد بكثير من البرد في صلاة النهار والليل، فلماذا إذا لا تصلى الفجر في البيوت ما دام البرد عذرا.
وخلاصة القول أن البرد وحده لا يمكن اعتباره ولا يصح الجمع به وحده ولكن إن اقترن به ريح شديدة جاز الجمع على قول الحنابلة لأن الريح لا يمكن دفع مشقتها بخلاف البرد.
ورأيت قوما من أئمة المساجد يجمعون بذريعة انقطاع الكهرباء خاصة مع تكرره في قطاع غزة كما هو معلوم، وهذا والله من المصائب العظام التي تفسد عبادة الناس لربهم سبحانه، فلم يقل أحد من العلماء المتبوعين إن الظلمة وحدها مسوغ للجمع بل قرنوا هذا بالوحل والطين ونحو ذلك وذلك لحصول المشقة الغالبة من سقوط وتزحلق وتدحرج وما يتبعه من آفات وأمراض وهذا في أغلب ظني هو مذهب مالك رحمه الله، والغريب في الأمر أنك تجدهم يجمعون مع اندفاع العلة التي شرعوا الجمع بها حيث تجد المسجد والدور والبيوت من حوله مضاءة بالمولدات الكهربائية فما هذا التلاعب بدين الله ؟
إن الأعذار التي يجمع بها هي التي دل عليها نص صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قياس أولوي صحيح وما سوى ذلك يجب العلم ببطلان الصلاة مع ارتكابه واقترافه، والأعذار التي دلت عليها النصوص الخوف والسفر والمطر ثم اختلف العلماء في معنى ذلك فقال جمهورهم بأنه المشقة فألحق مالك الطين والظلمة بالقياس الصحيح وألحق الحنابلة الريح الشديدة ونحوها بالقياس، وهذه الأقيسة مع صحتها إلا أني أميل إلى عدم الأخذ بها احتياطا ولأن الصلاة شأنها عظيم فيجب الاقتصار على المنصوص، ولكن الداهية الدهياء تجاوز النصوص والأقيسة الصحيحة والاعتماد على الأهواء والأذواق عافانا الله من ذلك وعصمنا من مضلات الفتن اللهم آمين
ملاحظة: لم أعز الأقوال الواردة في مقالي إلى الصفحات والأجزاء وذلك لأني كتبت المقال مما في رأسي حفظا ودراية ولست بمعصوم فرحم الله عبدا سددني.