إن ربط التعدد اللساني بالاختلاف العرقي مغالطة فكرية تفندها وقائع الجغرافيا ومعالم التاريخ، واعتقاد هذه الثنائية؛ أي ـ التعدد اللساني / الاختلاف العرقي ـ تدحضه أحادية العرق البشري من جهة، وسياسة التعايش الطائفي والعرقي في كثير من المجتمعات البشرية من جهة أخرى.
كما أنه من القضايا المفتعلة أيضا، فكرة أن المعتقد الديني ينبني من الذخيرة اللغوية للجماعة المعتقدة لذلك الدين، سواء من جانب الجماعة التي يوافق لسانها النصوص المقدسة بدافع الهيمنة وفرض الهوية العرقية، أو من جهة الجماعة التي يختلف لسانها عن النصوص المقدسة بذريعة الخوف من الذوبان وفقدان الهوية أمام هذا القادم بموروثه الثقافي المختبئ تحت لسانه.
ولكن بالمقابل، هذا لا يخول لنا تجاهل كثير من النزاعات البشرية المبنية على الاختلاف اللساني، التي وصلت في كثير من الأحيان إلى حد التصفية الجسدية والتطهير العرقي، الأمر الذي يجعلنا أمام إشكالية في غاية التعقيد؛ إذ أنه كيف يمكننا التوفيق بين التعدد اللساني والأمن الاجتماعي ؟
قبل الانتشار الواسع للمعلوماتية والاتصالات الرقمية، كان بالإمكان أن نوازن بين التعددية اللسانية كمعضلة لسانية، والتعددية اللسانية كضرورة اجتماعية، لأن المجتمعات كانت قادرة على الالتفاف على نفسها والانتفاع بذاتها. أما وأن العالم أصبح قرية ذابت فيها كل الأشرطة الحدودية، فإنه بات لزاما علينا أن نُجَاوِز التعددية اللسانية كمعضلة لسانية، إلى التعددية اللسانية كضـرورة اجتماعية، لأن المفــهوم الحالي للانتفاع ( البراغماتية ) أصبح خارج الدائرة الذاتية، فالقراءات الأيركلوجية للحفريات والكتابات المُتسمِرة على الجداريات الكهفية تستوجب منا صقل كل الهويات في بوتقة واحدة للظفر بمقاربة تاريخية لها، كما أن التقدم التكنولوجي أصبح يرتكز على كل ما جاد به الفكر البشري دون تمييز عرقي أو مكاني أو زماني.
لقد شكل التعدد اللساني في حقب ماضية عامل أساسي من عوامل التفكك والانحلال الاجتماعي لكثير من الأمم، وكانت هذه التعددية بمثابة البكتيريا التي تساهم في تحلل الجثة إلى مواد عضوية أولية؛ أقول الجثة ولا أقول الجسد. فهذه المجتمعات ماتت اجتماعيا قبل أن يفعل التعدد اللساني فعلته. هذه المجتمعات التي اكتفت بوظيفة لغوية واحدة من بين الوظائف الست التي تحدث عنها جاكوبسون، الوظيفة التعبيرية الدالة على العرق البشري ذو الأصل الواحد، باعتبارها مساهمة في تشكيل الهوية التي يخلقها العنصر البشري داخل الجماعة الواحدة. فعلا تعد اللغة حاملة للموروث الثقافي للأمة الذي تتميز به عن مثيلاتها في تحديد مدركات الوجود بشتى مركباته. ولكن في ذات الحين لابد لنا من أن نعترف بأنه بالإضافة إلى ما هي عليه اللغة؛ فهي أيضا آلية من آليات التواصل والتخاطب بين جميع البشر لخلق فكر بشري متكامل من شأنه أن يجد حلولا لكل المعضلات التي تواجهه؛ خاصة تلك التي يتسبب فيها البشر في جميع نواحي الأرض، كظاهرة التلوث البيئي، والأمن الغذائي، وظاهرة الحكم الديكتاتوري.

ـ على ضوء هذه المداخلة أطلب من كافة مستخدمي هذا المنتدى التفاعل معنا لاثراء هذه القضية، خاصة و أنها أصبحت في ( مجتمعاتنا ) العربية عثرة أمام التقدم، بخلاف ما هو كائن عند الغرب.