إن حب الإستطلاع والمعرفة من أجمل الأشياء التي وضعها الخالق في نفوس البشر .. خاصّة إذا ما كانت تسير في الإتّجاه الصحيح نحو تعلّم الأمور النافعة .. وعندما تُراجع سِيَر الأقدمين من العلماء المسلمين تُذهل من قدراتهم الفكرية وسعة معرفتهم العلمية .. وتعدد مجالاتهم التخصّصيّة
" إنّه أنـدى منك صوتـاً "
طبعاً هذا بالتأكيد نتج عن فهم قويم .. لإرشادات رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسّلام - الذي جعل بلال للأذان .. مع أنّ الذي رأى الأذان في منامه صحابي آخر .. ولكن الرسول عليه الصلاة والسّلام قال له :" إنّه أندى منك صوتا ".. وجعل أبي لقراءة القرآن .. وزيد بن ثابت تخصصه في علم الفرائض .. وخصّ أحدهم بالفتيا حتى قال عليه الصلاة والسّلام :" وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل " .. وكان نصيب الجهاد للمقاتل الخبير خالد بن الوليد رضي الله عنهم أجمعين
أمّا الجانب المُظلم
ولكن بالطبع هناك مُغفّلين .. يُحاولون التعدي على علوم لا يعرفونها .. فيقتحمون تخصّصات لا يفقهونها .. فكان في زمن عزّة الإسلام عندما يُحاول أحدهم أن يلعب في غير ملعبه .. ويدخل في غير تخصصه .. ليعتدي على العلوم .. تجد أنّه سريعاً ما يتحوّل إلى أُضحوكة .. وترى اسمه قد انتشر في كتب اللطائف .. والنكت والظرائف !
" ولو سألوا أهل الإختصاص .. لكان خيراً لهم "
وبهذه المسيرة بقيت العلوم مصونة أمام المتعالمين .. الذين يعتدون على أهل التخصص .. فكُلّما طعن مُتعالم في علم من العلوم .. تصدّى له جمهور المُتخصّصين .. فبقي هذا الحصن حصين
" فوضى لا عُمَرَ لهــا "
ولكنّا الآن .. وفي هذا الزمان نُعاني من وفرة في المتعالمين .. وندرة من المتخصّصين .. وأصبحت الإذاعات والمنتديات تعج بأهل الجهل والجهالات .. ومع اضمحلال المتخصّصين .. ينتشر الإمّعات الذين يُصدّقون كُل ما يقرؤون .. ويلحقون أيّ سائر دروا أم لم يدروا من يكون
إسهال فكري
والظاهر أن المشكلة قد فشت وانتشرت .. حتى أنّ الإمّعات .. الذين لا يقرؤون إلّا التفاهات .. يرتدون لباس العلماء .. ويُلقّبون أنفسهم بال" مفكّرين " .. ويُعرّفون أنفسهم ب " الباحثين ".. ويُحاولون التخفّي بما يجمعون من افتراءات .. ظنّا منهم أنّها علم وثقافات .. وما دروا أنّها ليست سوى قيء عقلي .. لا ينتج من تناولها سوى " إسهال فكري "
وقديماً .. قال الإمام الحسن البصري :
لا آفة على العلومِ وأهلها أضرّ من الدخلاء فيها، وهُم من غير أهلِها، فإنهم يَجهلون، ويظنّون أنهم يعلمون، ويُفسدون ويقدّرون أنهم يُصلحون
د.هـ