قال ابن قيم الجوزية :
أما تركها بالكلية فأنه لا يقبل معه عمل ، كما لا يقبل مع الشرك عمل ؛
فقبول سائر الأعمال موقوفٌ على قبول الصلاة ، فإذا رُدت رُدت عليه
سائر الأعمال.
فإن الصلاة عمود الإسلام كما صح عن النبي عليه السلام .
وأما تركها أحياناً : فقد روى البخاري من حديث بريدة قال :بكرُوا بصلاة العصر فإن النبي عليه السلام قال : {من ترك صلاة العصر فقد حَبط عملُه}
والذي يظهر في هذا الحديث -والله أعلم بمراد رسوله - أن الترك نوعان :
النوع الأول: ترك كلي لايصليها أبداً؛ فهذا يحبط العمل جميعاً.
النوع الثاني: ترك معين في يوم معين؛فهذا يُحبط عمل ذلك اليوم .
والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين .
وقد دل القرآن والسنة،والمنقول عن الصحابة: أن السيئات تحبط الحسنات،
كما أن الحسنات يذهبن السيئات .
قال تعالى {يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن وآلأذى}
وقال {يأيها الذين آمنوا لا ترفعو أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له
بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط اعمالكم وأنتم لا تشعرون}
وقالت عائشة لأم ولد زيد بن أرقم { أخبري زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب }، لما باع بالعينة.
وقال الإمام أحمد: ينبغي للعبد في هذا الزمان أن يستدين ويتزوج ؛لئلا
ينظر إلى مالا يحل ، فيحبط عمله.
والحديث لم ينف الحبوط بغير العصر ، إلا بفهوم لقب ، وهو مفهوم ضعيف
جداً .
وتخصيص العصر بالذكر لشرفها من بين الصلوات؛ ولهذا كانت هي الصلاة الوسطى بنص رسول الله عليه السلام الصحيح الصريح .
ولهذا خصها بالذكر في الحديث الآخر وهو قوله { الذي تفوته صلاة العصر
فكأنما وترَ أهله وماله } أي:فكأنما سُلب اهله وماله، فأصبح بلا أهل ولا مال .
وهذا تمثيلٌ لحبوط عمله بتركها .
والحبوط نوعان : عامٌ و خاص .
فالعام حبوط الحسنات كلها بالردة، والسيئات كلها بالتوبة .
والخاص حبوط الحسنات والسيئات بعضها ببعض، وهذا حبوطٌ مقيدٌ جزئيٌ،
وقد تقدم دلالة القرآن و السنة والآثار وأقوال الأئمة عليه .