السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

قرأت رأيين متناقضين في هل التفسير بالمأثور من أقوال السلف هو الواجب و غيره تفسير بالرأي مذموم أم الجمود على المأثور و عدم التعدّي لغيره مذموم و قصور.

و أظنّ أنّ الرأيين يتناقضان انطلاقا من فهم حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ((ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد ، علمهن إياه جبريل)) و من فهم هذا الحديث خرج الاتجاهان المتعاكسان، اتجاه فهم منه أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يفسّر إلا آيات قليلة و اتجاه لم يفهم منه ذلك.

قال الطبري في مقدمة تفسيره : ((ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد - هو ما يسبق إليه أوهام أهل الغباء ، من أنه لم يكن يفسر من القرآن إلا القليل من آيه واليسير من حروفه ، كان إنما أنزل إليه صلى الله عليه وسلم الذكر ليترك للناس بيان ما أنزل إليهم ، لا ليبين لهم ما أنزل إليهم .

وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ببلاغ ما أنزل إليه ، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين للناس ما نزل إليهم ، وقيام الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ما أمره الله ببلاغه وأدائه على ما أمره به ، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن ء ما ينبئ عن جهل من ظن أو توهم أن معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد ، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه .

هذا مع ما في الخبر الذي روي عن عائشة من العلة التي في إسناده ، التي لا يجوز معها الاحتجاج به لأحد ممن علم صحيح سند الآثار وفاسدها في الدين . لأن راويه ممن لا يعرف في أهل الآثار ، وهو : جعفر بن محمد الزبيري . ))

قال الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره : ((ثم لو كان التفسير مقصورا على بيان معاني مفردات القرآن من جهة العربية لكان التفسير نزرا ، ونحن نشاهد كثرة أقوال السلف من الصحابة ، فمن يليهم في تفسير آيات القرآن ، وما أكثر ذلك الاستنباط برأيهم وعلمهم . قال الغزالي والقرطبي : لا يصح أن يكون كل ما قاله الصحابة في التفسير مسموعا من النبي صلى الله عليه وسلم لوجهين : أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه من التفسير إلا تفسير آيات قليلة وهي ما تقدم عن عائشة .

الثاني : أنهم اختلفوا في التفسير على وجوه مختلفة لا يمكن الجمع بينها وسماع جميعها من رسول الله محال ، ولو كان بعضها مسموعا لترك الآخر ، أي لو كان بعضها مسموعا لقال قائله : إنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه من خالفه ، فتبين على القطع أن كل مفسر قال في معنى الآية بما ظهر له باستنباطه . ))

هلاّ أفدتمونا حول هذا الموضوع أيها الإخوة الكرام؟