أخيتي حفظك الله :
سأنقل لك ماأظن أنه مرادك فإن لم يكن هو مرادك فلعله مفتاح له
"قال رحمه الله: [ولا تعتبر القيمة في ذلك]: أي: في الإبل، والقيمة هي الألف دينار والاثنا عشر ألف درهم، فهذه المسألة فيها إشكال، وإذا دفعنا الدية من الإبل فهناك حالتان: الحالة الأولى: أن تساوي قيمة الإبل قيمة الذهب والفضة، وحينئذٍ لا إشكال عند العلماء ولا اختلاف؛ لأنه حينئذٍ صارت عدلاً، والقيمة مساوية للإبل. الحالة الثانية: أن تكون قيمة الذهب والفضة الألف دينار، فهل تكون الإبل أغلى أو أرخص؟ تكون أرخص، بمعنى أنها لا تعادل الألف دينار، فتكون مثلاً تعادل ثمانمائة دينار -ثمانمائة مثقال- فحينئذٍ نقصت قيمة الإبل عن معادلة الذهب. الصورة الثانية: أن تزيد قيمة الإبل على قيمة الذهب والفضة، فتكون المائة من الإبل تعادل مثلاً ألفي دينار، يعني الضعف، ولربما ألفاً وخمسمائة، فقال: سواء زادت أو نقصت العبرة بالإبل سواء كانت قيمتها غالية أو رخيصة، وهذا هو الصواب إن شاء الله؛ لأن قضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدل على هذا أيضاً؛ فإنه قال: (ألا إن الإبل قد غلت). قال بعض الأئمة كما اختاره الإمام ابن قدامة وأشار إليه: إن الإبل كانت على زمان النبي صلى الله عليه وسلم تعادل الثمانمائة دينار، ولذلك يقول عمر : (ألا إن الإبل قد غلت) ولما غلت عادلت في عهده ألف دينار، وهذا يدل على أن الزيادة والنقص لا تأثير له، وأن الإبل هي الأصل، وهذا مبني على المذهب الذي اخترناه؛ أن الإبل هي الأصل في الديات، وأن الواجب الرجوع إلى الإبل والعمل بذلك. قال: [ولا تعتبر القيمة في ذلك بل السلامة]: بل يجب أن تكون الإبل المدفوعة في الدية سالمة من العيوب بريئة من العيوب المؤثرة، والعيب هو: النقص، يقال: عاب فلان فلاناً إذا انتقصه، ولما كان العيب في الإنسان نقصاناً في خلقته، قيل له: عيب، من هذا الوجه. فالعيب ينقسم إلى قسمين: عيب مؤثر، وعيب غير مؤثر. والعيب المؤثر ضابطه في الإبل والبقر والغنم: هو الذي يوجب نقصان المالية نقصاناًمؤثراً، بعض العلماء يضيف هذا القيد (نقصاناً مؤثراً) .......
حكم التنويع في الدية
السؤال: لو خلط في الدية بين الإبل والبقر والغنم، فهل يلزم الولي قبولها؟ أثابكم الله. الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. هذه دية مشكلة على من يقول: إنها كلها أصول، فحينئذ ينظر إلى التقدير، ويصححون هذا وهو أحد الأوجه عند العلماء رحمهم الله، فإنهم يرون هذا، يعني أنه إذا دفع نصفها من الذهب ونصفها من الإبل صح، كما لو شحت عنده الإبل ولم يجد كمالاً لها وأخرج الباقي من الذهب والفضة قالوا: يصح هذا؛ لأنهم يرون أنها أصول، وكذلك في حالات الاضطرار إذا لم توجد أصلاً في البلد أو المدينة التي هو فيها، فأخرج عدلها فإنهم يصححون هذا ويجيزونه، والله تعالى أعلم (شرح زاد المستقنع للشيخ الشنقيطي)
.............................. ......................
مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَإِنْ أَعْوَزَتِ الْإِبِلُ فَقِيمَتُهَا دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ كَمَا قَوَّمَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَوِّمْهَا إِلَّا قِيمَةَ يَوْمِهَا فَإِذَا قَوَّمَهَا كَذَلِكَ فَاتِّبَاعُهُ أَنْ تُقَوَّمَ مَتَى وَجَبَتْ وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ قَوَّمَهَا إِلَّا فِي حِينٍ وَبَلَدٍ أُعْوِزَتْ فِيهِ أَوْ يَتَرَاضَى الْجَانِي وَالْوَلِيُّ فَيَدُلُّ عَلَى تَقْوِيمِهِ لِلْإِعْوَازِ قَوْلُهُ لَا يُكَلَّفُ أَعْرَابِيٌّ الذَّهَبَ وَلَا الْوَرِقَ لِأَنَّهُ يَجِدُ الْإِبِلَ وَأَخْذُهُ ذَلِكَ مِنَ الْقَرَوِيِّ لِإِعْوَازِ الْإِبِلِ فِيمَا أَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَوَّمَ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جَعَلْنَا عَلَى أَهْلِ الْخَيْلِ الْخَيْلَ وَعَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ الطَّعَامَ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ الْقَدِيمُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَرُجُوعُهُ عَنِ الْقَدِيمِ رَغْبَةً عَنْهُ إِلَى الْجَدِيدِ وَهُوَ بِالسُّنَّةِ أَشْبَهُ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الدِّيَةُ مِنَ الْإِبِلِ فَمُقَدَّرَةٌ بِمِائَةِ بَعِيرٍ وَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ ، وَانْعَقَدَ عَلَيْهَا الْإِجْمَاعُ ، فَإِذَا وُجِدَتْ لَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ ، فَإِنْ أَعْوَزَتْ إِمَّا بِعَدَمِهَا وَإِمَّا بِوُجُودِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا عُدِلَ عَنْهَا إِلَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ أَثْمَانٌ وَقِيَمٌ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ ، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْعُدُولِ عَنِ الْإِبِلِ إِلَيْهَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَبِهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ ، أَنَّهَا تُعْتَبَرُ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ عِنْدَ إِعْوَازِ الْإِبِلِ
بَدَلًا مِنَ النَّفْسِ ، وَلَا تَكُونُ بَدَلًا مِنَ الْإِبِلِ ، فَتَكُونُ الدِّيَةُ مِنَ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ ، وَمِنِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَتَصِيرُ الدِّيَةُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ ثَلَاثَةَ أُصُولٍ مُقَدَّرَةً بِالشَّرْعِ دُونَ التَّقْوِيمِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ إِعْوَازَ الْإِبِلِ يُوجِبُ الْعُدُولَ إِلَى قِيمَتِهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مَا بَلَغَتْ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهَا فِي الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانِ ، فَتَكُونُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ بَدَلًا مِنَ الْإِبِلِ لَا مِنَ النَّفْسِ وَلَا تَكُونُ لِلدِّيَةِ أَصْلًا وَاحِدًا وَهُوَ الْإِبِلُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لِلدِّيَةِ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ : مِائَةُ بَعِيرٍ أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ ، أَوْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ، يَكُونُ الْجَانِي فِيهَا مُخَيَّرًا فِي دَفْعِ أَيِّهِمَا شَاءَ فَخَالَفَهُمُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فِي شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ خَيَّرَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا وَالشَّافِعِيُّ لَا يُخَيِّرُ فِيهَا مَعَ إِمْكَانِهَا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِالْوَرِقِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَالشَّافِعِيُّ قَدَّرَهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَوَافَقَهُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ بَدَلٌ مِنَ النَّفْسِ ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ فَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : التَّخْيِيرُ ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا وَالشَّافِعِيُّ لَا يُخَيِّرُهُ . وَالثَّانِي : فِي الْبَدَلِ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ بَدَلًا مِنَ النَّفْسِ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ يَجْعَلُهَا بَدَلًا مِنَ الْإِبِلِ . وَالثَّالِثُ : فِي التَّقْدِيرِ ، لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لَا يُقَدِّرُهَا ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا قِيمَةً تَقِلُّ وَتَكْثُرُ . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةُ بَعِيرٍ ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ ، وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ أَلْفُ شَاةٍ ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ ، فَجَعَلُوا لِلدِّيَةِ سِتَّةَ أُصُولٍ ، وَنَحْنُ نَبْدَأُ بِتَوْجِيهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ نَعْدِلُ إِلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَوَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ مَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ . وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرَقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ .وَإِذَا صَحَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ فَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ أَصْلَانِ مُقَدَّرَانِ كَالْإِبِلِ ، وَلِأَنَّ مَا اسْتُحِقَّ فِي الدِّيَةِ أَصْلًا مُقَدَّرًا كَالْإِبِلِ . وَوَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ مَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَوِّمُ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ عَدْلِهَا مِنَ الْوَرِقِ وَيُقَوِّمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ ، فَإِذَا قَلَّتِ الْإِبِلُ رَفَعَ فِي قِيمَتِهَا ، وَإِذَا هَانَتْ بِرُخْصٍ . . . . مِنْهَا نَقَصَ فَبَلَغَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ ، أَوْ عَدْلِهَا . . . . . وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوَّمَ لَمَّا كَثُرَ الْمَالُ وَغَلَتِ الْإِبِلُ - مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ مِنْ سِتِّمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ ، حَكَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " شَرْحِهِ " . وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانَمِائَةِ دِينَارٍ ، وَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَغَلَتِ الْإِبِلُ ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ وَقَالَ : أَلَا إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ . فَقَضَى - يَعْنِي فِي الدِّيَةِ - عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ بِأَلْفِ دِينَارٍ ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ . لِأَنَّ الْإِبِلَ إِذَا كَانَتْ هِيَ الْمُسْتَحَقَّة َ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعُدُولُ عَنْهَا عِنْدَ إِعْوَازِهَا إِلَى قِيمَتِهَا اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْحُقُوقِ وَبِالْحُرِّيَّ ةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالذَّهَبِ إِذَا عَدَلَ عَنْهُ رَجَعَ إِلَى قِيمَتِهِ ، فَهَذَا تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ .
فَصْلٌ : مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُعْدَلُ عَنْ إِبِلِ الدِّيَةِ العدول عنها إِذَا وُجِدَتْ ، وَخَيَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَبَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِجَمِيعِهَا فَدَلَّ عَلَى التَّخْيِيرِ فِيهَا وَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُهَا مُوَاسَاةً مَكَانَ التَّخْيِيرِ فِيهَا أَرْفَقُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أُصُولُ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُجْعَلَ فَرْعًا لِلْإِبِلِ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا إِنَّ فِي قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الْإِبِلُ أَصْلًا لَا يَعْدُو عَنْهَا إِلَّا بَعْدَ الْعَدَمِ . وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : أَكْرِمُوا الْإِبِلَ فَإِنَّ فِيهَا رَقُوءَ الدَّمِ فَخَصُّهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، لِأَنَّهَا تُبْذَلُ فِي الدِّيَةِ فَيُعْفَى بِهَا عَنِ الْقَوَدِ فَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِالْحُكْمِ .
وَرَوَى عَطَاءٌ قَالَ : كَانَتِ الدِّيَةُ بِالْإِبِلِ حَتَّى قَوَّمَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا قَوَّمَهَا إِلَّا قِيمَةَ يَوْمِهَا . وَإِذَا كَانَ الْعُدُولُ عَنْهَا قِيمَةً لَهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ الْقِيَمَ إِلَّا بَعْدَ الْعَدَمِ ، لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْآدَمِيُّونَ مِنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ إِذَا تَعَيَّنَتْ لَمْ يَدْخُلْهَا تَخْيِيرٌ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ، وَلَيْسَ لِمَا احْتِيجَ بِهِ مِنْ قَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَمِيعِهَا وَجْهٌ لِاحْتِمَالِ قَضَائِهِ بِذَلِكَ مَعَ الْإِعْوَازِ وَالْعَدَمِ ، وَلَا تُوجِبُ الْمُوَاسَاةُ بِهَا التَّخْيِيرَ فِيهَا كَمَا لَا يُخَيَّرُ بَيْنَ مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ " أَنَّهَا أَرْفَقُ " .
فَصْلٌ : قَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّيَةَ مِنَ الْوَرِقِ مقدارها عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا إِذَا تَقَدَّرَتْ كَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَقَوَّمَ الشَّافِعِيُّ كُلَّ دِينَارٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ، وَقَوَّمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ اسْتِدْلَالًا بِقَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الدِّيَةِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ . وَبِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : " وَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنْكُمْ وَاحِدًا مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ " صَرْفَ الدِّينَارَ بِالدَّرَاهِمِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قِيمَةَ الدِّينَارِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَدَّرَ فِي الزَّكَاةِ وَالسَّرِقَةِ كُلَّ دِينَارٍ فِي مُقَابَلَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، أَمَّا الزَّكَاةُ فَلِأَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَنِصَابَ الْوَرِقِ مِائَتَا دِرْهَمٍ . وَأَمَّا السَّرِقَةُ فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : الْقَطْعُ فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ . وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ سَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الدِّيَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَظْهَرْ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا لَا يُسَوَّغُ خِلَافُهُ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي الدِّيَةِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، قِيلَ : الْمَشْهُورُ عَنْهُ مَا رَوَيْنَاهُ وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَحَضَرَ السِّيرَةَ فِيهِ فَكَانَ أَثْبَتَ نَقْلًا وَأَصَحَّ عَمَلًا ، وَلَوْ تَعَارَضَتْ عَنْهُ الرِّوَايَتَانِ كَانَ خَارِجًا مِنْ خِلَافِهِمْ وَوِفَاقِهِمْ ، وَلَكَانَ قَوْلُ مَنْ عَدَاهُمْ إِجْمَاعًا مُنْعَقِدًا . فَإِنْ قِيلَ : فَتُحْمَلُ الِاثْنَا عَشَرَ أَلْفًا عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ ، وَالْعَشَرَةُ آلَافٍ عَلَى وَزْنِ سَبْعَةٍ ، فَيَكُونُ وِفَاقًا فِي الْقَدْرِ وَإِنْ كَانَ خِلَافًا فِي الْعَدَدِ . قِيلَ : لَيْسَ تُعْرَفُ دَرَاهِمَ الْإِسْلَامِ إِلَّا وِزَانٌ سَبْعَةٌ ، وَلَوْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَتَأَوَّلُوهُ عَلَى هَذَا لَجَازَ لَنَا أَنْ نُقَابِلَكُمْ بِمِثْلِهِ فَتَأَوَّلَ مَنْ رَوَى عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا وَزْنُ ثَمَانِيَةٍ ، وَمَنْ رَوَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا عَلَى أَنَّهَا وَزْنُ سَبْعَةٍ .
وَقَوْلُهُمْ : إِنِ الدِّينَارَ مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ عَلَى مُقَابَلَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الزَّكَاةِ وَالسَّرِقَةِ فَلَيْسَتِ الزَّكَاةُ أَصْلًا لِلدِّيَةِ ، لِأَنَّ نِصَابَ الْإِبِلِ فِيهَا خَمْسٌ ، وَنِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا ، يَكُونُ الْبَعِيرُ الْوَاحِدُ فِي مُقَابَلَةِ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ ، وَالدِّيَةُ مِنَ الْإِبِلِ مِائَةُ بَعِيرٍ تَقْتَضِي عَلَى اعْتِبَارِ الزَّكَاةِ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ مِنَ الذَّهَبِ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ ، وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ ، فَكَذَلِكَ اعْتِبَارُ نِصَابِ الْوَرِقِ بِنِصَابِ الذَّهَبِ . وَأَمَّا السَّرِقَةُ فَالْحَدِيثُ فِيهَا مَدْفُوعٌ وَالنَّقْلُ مَرْدُودٌ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَصْلًا لِغَيْرِهِ وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّهُ قَالَ : " الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ ، أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ " فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ : وَرُجُوعُهُ عَنِ الْقَدِيمِ رَغْبَةً عَنْهُ إِلَى الْجَدِيدِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالسَّنَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْقَدِيمُ أَشْبَهَ بِالسُّنَّةِ فَيَكُونُ اخْتِيَارًا لَهُ . وَالثَّانِي : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَدِيدُ أَشْبَهَ بِالسُّنَّةِ فَيَكُونُ اخْتِيَارًا لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . (الحاوي في فقه الشافعي لأبي الحسن البصري البغدادي.)
هذا مالدي الآن وعندما أجد ما أظن أن له علاقة بما تريدين سأخبرك به بإذن الله تعالى
موفقة إن شاء الله