تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: ضبط اسم كتاب الصحاح بين الفتح والكسر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    مكة المكرمة - المدينة المنورة - الرياض
    المشاركات
    106

    افتراضي ضبط اسم كتاب الصحاح بين الفتح والكسر

    ضبط اسم كتاب الصحاح بين الفتح والكسر
    بقلم/ أحمد سالم بن حبيب الله الحسني الشنقيطي

    ضمني مجلسٌ مع بعضِ الإخوةِ الأفاضلِ، جَرَى فيه ذكرُ اسمِ كتابِ الصِّحاحِ بكسر الصاد، فبَدرَ أحدُ الحاضرين إلى التنبيه إلى أن الضبطَ الصحيحَ هو الفتحُ، فبَدا كأنه يُخَطِّئُ وجهَ الكسر!.
    فعُدتُ وفي نفسي رغبةٌ في تحريرِ المسألة، ولم ألبثْ أن قلَّبتُ النظرَ في مظانِّها من كُتُبِ اللغةِ وغيرِها، حتى صَدَرتُ عنها وقد زادَ يَقيني بجوازِ الوجهيْن، أَعني فتحَ الصاد وكسرَها.
    فالأولُ بمعنى "الصحيح"([1])، والآخرُ جمعُ "صحيح"، وكلاهما يَصلحُ للدلالةِ على معجمِ الجوهريِّ المعروفِ.
    والفرقُ بينهما هو الفرقُ بينَ الوصفِ المفردِ والوصفِ المجموعِ؛ فالصَّحاحُ بالفتحِ وصفٌ للكتاب بالصحةِ، وبالكسرِ وصفٌ للغات الواردة فيه بالصحة.
    والجوهريُّ صاحبُ "الصِّحاح" لم يَنُصَّ على تخصيصِ أحدِ الضَّبطيْن حتى يُرجَع ويُصارَ إليه فيكونَ هو الراجحَ.
    وعزا الزَّبيديُّ إلى شيخِه محمدِ بنِ الطيبِ الفاسيِّ قولَه: (ولم يَردْ عنِ المؤلِّفِ في تخصيصِ أحدِهما بالسندِ الصحيحِ ما يُصارُ إليه ولا يُعدَل عنه)([2]).
    فلا داعيَ إذنْ لتخطئةِ أحِد الوجهيْن، أو حملِ الناسِ على الوجهِ الآخرِ. فمتى جازَ توجيهُ أحدِ اللفظين لا يُحكمُ عليه بالتخطئةِ.
    وإنما مدارُ الحُكمِ في هذا النوعِ منَ المسائلِ هو الترجيحُ بين اللفظيْن في الفصاحةِ، إذا دلَّ عليه دليلٌ، فإن لم يكنْ دليلٌ تساويَا في الحكمِ بالصحةِ والفصاحةِ، ولا عبرةَ بعدَها بالتخطئةِ والترجيحِ.

    ترجيح الكسر
    لكنِّي أَرَى مِنِ استقرائي لهذه المسألةِ رُجحانَ الكسرِ -معَ صحةِ الفتحِ-؛ لما يلي:
    - "الصَّحاحُ" بالفتح –بمعنى الصحيحِ- سماعيٌّ لا قياسيٌّ([3])، في حينَ أنَّ "الصِّحاحَ" بالكسرِ يَعضدُه السماعُ والقياسُ معًا، فـ"فِعال" جمعٌ مُطَّرِدٌ في "فَعِيل وفَعِيلة" بمعنى الفاعل؛ تقول في جمع كريمٍ وكريمةٍ: كِرامٌ.
    قال ابنُ مالكٍ وهوَ يَعُدُّ ما يَطَّردُ جمعُه على "فِعال":
    وفي فَعِيلٍ وَصْفَ فاعلٍ وَرَدْ ... كذاك في أُنْثَاهُ أيْضًا اطَّرَدْ([4])
    فيكونُ الصِّحاحُ بالكسر - في اسمِ الكتابِ- وَصْفًا للُّغاتِ؛ أي اللغاتِ الصِّحاحِ.
    - أن الكسر هو الضبطُ الذي نصَّ عليه واختارَه كثيرٌ من المتقدِّمين والمتأخِّرين. ومنهم أبو زكريَّا الخطيبُ التَّبريزيُّ الذي نَقل عنه السيوطيُّ قولَه: (كتابُ الصِّحاح بالكسرِ، وهوَ المشهورُ، وهو جمعُ صحيحٍ: كظريفٍ وظِرافٍ؛ ويقال: الصَّحاحُ بالفتحِ، وهو مفردٌ نعتٌ كصحيحٍ)([5]).
    وقال الزَّبيدي في مقدمة التاج: (اختُلف في ضبط لفظ الصحاح، فالجاري على ألسنة الناس الكسرُ، ويُنكرون الفتحَ، ورجحه الخطيبُ التبريزيُّ على الفتح، وأقرَّه السيوطيُّ في المزهر)([6]).
    وقال القِنَّوْجيُّ في البُلغة: (قلتُ: سمَّى الجوهريُّ كتابه بالصِّحاح في اللغة أي اللغاتِ الصحيحة. وقال في خطبته: "أودعتُ في هذا الكتابِ ما صَحَّ عندي من هذه اللغةِ التي شَرَّف اللهُ تعالى منزلتَها، وجَعلَ عِلمَ الدينِ والدنيا مَنُوطًا بمعرفتِها على ترتيبٍ لم أُسبَقْ اليه، وتهذيبٍ لم أُغلَبْ عليه.."([7])، قالَ بعضُهم: فالظاهرُ من كلامِه أنَّ اسمَه الصِّحاحُ بالكسرِ؛ لِكونِه صِفَةَ اللُّغاتِ..)([8]).
    ويَدلُّ عليه أيضًا، قولُ نورِ الدينِ عليِّ بنِ محمدٍ العفيفِ العليفيِّ المكيِّ في تقريظِ القاموسِ:
    مُذ مَدَّ مجدُ الدِّينِ في أيَّامِه ... مِن بعضِ أَبْحُرِ عِلْمِه القامُوسا
    ذَهبتْ صِحاحُ الجوهريِّ كأنَّها ... سِحْرُ المدائنِ حِينَ أَلقَى مُوسى([9])
    والسياقُ يدل على الكسر؛ لأنه قال: ذَهبتْ.. وكأنَّها.
    ويَدلُّ عليه كذلك كلامُ صاحبِ الصُّراحِ([10]) حيث قال: (ظفرتُ بنسخةٍ مصححَةٍ في أربعِ [كذا] مجلداتٍ ضخامٍ صِحاحٍ كاسمِها غيرِ سِقام)([11]).

    الفتحُ أيضًا صحيحٌ
    ومعَ ذلك، لا شكَّ أنَّ الفتحَ صحيحٌ أيضًا، وإن كانَ لم يَشتهِرْ.
    قال القِنَّوْجيُّ في البُلغة: قال المناويُّ: (الكتابُ يُروَى بهما، وقيلَ: إنَّ المصنِّفَ سمَّاه بالفتحِ لا غيرُ)، وقال ابنُ الطيبِ الفاسيُّ: (كِلا الضبطيْن صحيحٌ، خلافًا لمنْ أنكرَ الفتحَ، ولمن رجَّحه على الكسرِ)([12]).
    وكلامُ المناويِّ وابنِ الطيبِ يُشعِرُ أن هناك مَن قالَ بترجيحِ الفتحِ، وإن لم يُعيِّناه. وكذلك الزَّبيديُّ قال بعدَ كلامِه المتقدِّمِ: (ومنهم مَن رجَّحَ الفتحَ )([13])، ولم يُعيِّنْه أيضًا.
    غيرَ أنِّي عَثرتُ على شخصيْن نُسبَ إليْهما ترجيحُ الفتحِ، وهما الفقيه أبو عبدِاللهِ محمدُ بنُ يحيى الباهليُّ (ت: 744هـ)، والقاضي أبو عبدِالله المقَّريُّ (ت: 759هـ). والأولُ شيخُ الثاني([14]).
    ولم أجدْ في أثناءِ البحثِ من نُسبَ إليه ترجيحُ الفتحِ تَعيِينًا غيرَ هذيْن. وذلك في قصتين متشابهتين: أولاهما ذكرها المقَّريُّ الحفيدُ في "نفح الطيب"([15])، والأخرى أوردها أبو إسحاقَ الشاطبيُّ في "الإفادات والإنشادات"([16]).

    الخلاصة
    نَخلُص مما سَبقَ إلى أن الفتحَ والكسرَ كلاهما صحيحٌ، والكسرُ أشهرُ الروايتين، فقد نُقل عن الخطيبِ التَّبرِيزيِّ، وأقرَّه السيوطيُّ، ورجَّحه الزَّبيديُّ والقِنَّوْجِيُّ ، ودَلَّ عليه السياقُ في بعضِ النصوصِ التي أوردناها في أثناء البحث.
    فلا يَنبغي لأحدٍ –بعدَ ذلك- أنْ يُخَطِّئَ إحدَى اللغتيْن، فإن اقتصَرَ على إحداهما أو اختارَها دونَ إعلانِ النَّكيرِ على اللغةِ الأخرى، فلا جُناحَ عليه.

    ****************************** ********
    الهوامش
    ([1]) ينظر: الصحاح 1/381، القاموس ص: 228.
    ([2]) تاج العروس: 1/75.
    ([3]) وقد ورد من هذا النوع -أي باب "فَعِيل وفَعال بمعنى- أمثلةٌ مسموعة، لا يتجاوز عددُها أصابع اليد. وعَقد له ابن السكيت في إصلاح المنطق بابًا سماه: "باب فَعيل وفَعال"، وذكر من أمثلته: كَهِيم وكَهَام (الذي لا عناء عنده)، وشَحِيح وشَحَاح، وصَحِيح وصَحَاح، وعَقِيم وعَقَام، وبَجِيلٌ وبَجَالٌ (الضخم الجليل)، وجَرِيم وجَرام (التمر اليابس). ينظر: إصلاح المنطق ص: 85.
    ([4]) البيت رقم 811 في الألفية، باب "جمع التكسير". ينظر: ألفية ابن مالك، ضبط وتعليق عبداللطيف الخطيب ص: 53.
    ([5]) المزهر: 1/75.
    ([6]) تاج العروس: 1/75.
    ([7]) صحاح الجوهري 1/33.
    ([8]) البلغة إلى أصول اللغة ص: 186.
    ([9]) ينظر: المزهر: 1/78، تاج العروس: 1/74، فلك القاموس للكوكباني ص: 46، البلغة إلى أصول اللغة: 201.
    ([10]) لعله كتاب "الصُّراح من الصحاح" وهو ترجمة فارسية لصحاح الجوهري مع إبقاء الآيات والأحاديث والشعر والأمثال باللغة العربية، وصاحب الترجمة هو أبو الفضل محمد بن خالد القرشي (ت: 681هـ). ينظر: البحث اللغوي عند العرب ص: 363.
    ([11]) البلغة إلى أصول اللغة ص: 186.
    ([12]) تنظر هذه الأقوال في البلغة إلى أصول اللغة ص: 186.
    ([13]) تاج العروس: 1/75.
    ([14]) من الواضح أن القاضي أبا عبدالله المقري أخذ هذا القولَ من شيخه الفقيه الباهلي، ويدلُّ على ذلك تشابه القصتين، وتصريحه بالاستفادة منه.
    ([15]) قال المقَّري التلمساني في نفح الطيب، وهو يذكر حديث جده المقَّري الكبير عن شيوخِه : "فمنهم الفقيه أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي، عرف بابن المسفر، باحثته واستفدت منه –الضمير هنا للمقري الجدِّ-، وسألني عن اسم كتاب الجوهري، فقلت له: من الناس من يقول: الصحاح بالكسر ومنهم من يفتح، فقال: إنما هو بالفتح بمعنى الصحيح، كما ذكره في باب صحَّ، قلت: ويحتمل أن يكون مصدرَ صحَّ كحنان". ينظر: نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب، ت إحسان عباس: (5/ 250).
    قلتُ: يَعني بقوله: (كما ذكره في باب "صحَّ") ما ورد في الصِّحاح (1/381) في مادة "صحَّ": (وصَحَّحَهُ الله فهو صَحيحٌ وصَحاحٌ بالفتح. وكذلك صَحيحُ الأدِيمِ وصَحَاح الأَدِيم بمعنًى).
    ([16]) قال أبو إسحاق الشاطبي : "سألني الشيخ القاضي أبو عبدالله المقَّريُ عن اسم كتابِ الجوهريِّ، فقلت له: من الناسِ مَن يقولُ له الصِّحاحُ بالكسر، ومنهم من يَفتح. فقال: إنما هو بالفتحِ بمعنى الصحيح ِكما ذكره في باب صحَّ، ويحتمل أن يكون مصدر صحَّ كحَنان". الإفادات والإنشادات: (ص: 141) /تحقيق أبو الأجفان.
    وتنبه إلى أن المقري الكبير كرر الطريقة نفسها في السؤال والجواب، كما حدثتْ له مع شيخه الفقيه أبي عبدالله الباهلي. وهذا يدل على أنه تَبع شيخَه في هذه المسألة، أي في اختيار الفتح في ضبط اسم كتاب الصحاح.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    1,511

    افتراضي رد: ضبط اسم كتاب الصحاح بين الفتح والكسر

    أحسنت ، لا فض فوك

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    492

    افتراضي رد: ضبط اسم كتاب الصحاح بين الفتح والكسر

    شكر الله لك

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: ضبط اسم كتاب الصحاح بين الفتح والكسر

    نفع الله بك .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •