ليس خاف على أحد ما تتعرض له اللغة العربية، لغة القرآن الكريم منذالقدم من هجمات و ادعاءات الغرض منها الانتقاص من هذه اللغة و اعتبارها لغة لاترتكز في أصلها على أسس صحيحة ، و من ثم فالكتاب الذي أنزل بها ( أي القرآن الكريم ) هو كذلك ليس ذا قيمة لغوية ـ حسب زعمهم ـ
ومن بين هذه الإفتراءات الادعاء بأن علم التركيب أو النحوالعربي ما هو إلا صورة منقولة عن منطق أرسطو منذ نشأته الأولى ، و الدليل على ذلك أن النحو العربي يعتمد بالدرجة الأولى على التعليل و التأويل .
ولعلنا لوتمعنا في الأمر سنجد أن هذه التهمة واهية ولا تقوم على أي مستند علمي و لا واقعة تاريخية ملموسة ،لأننا لا نتوفر على أي دليل تاريخي يؤكد التقاء الفكر الأرسطي بالفكر العربي في مرحلة تأسيس النحو العربي . و من ثم يبقى هذا الزعم افتراضا غير قائم على أدلة ، بل إن هناك أدلة تاريخية تدحضه و تقوضه من الأساس .
فكلنا يعرف أن منظِّر النحو العربي سيبويه توفي سنة 180 هـ ، وطبعا بعد أنهى كتابة مؤلَّفه "الكتاب " الذي يعتبر مرحلة متطورة و ناضجة من مراحل التفكير النحويالعربي . بمعنى أن سيبويه كان مسبوقا إلى هذا العلم ( النحو ) بعلماء قبله كأبي الأسود الدؤلي ( القرن 1هــ ) وأبي عمرو بن العلاء (154هـ) ويونس بن حبيب (182هـ) وأستاذه الخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ) الذي يشير إليه دائما في كتابه بقوله : "شيخنا رحمه الله "
ومعنى هذا أن كتاب سيبويه أُلف ـ من الناحية التاريخية ـ مابين تاريخ وفاةأستاذه الخليل (175هـ) وتاريخ وفاته هو نفسه (180هـ) ، وفي مقابل هذا لو بحثنا عن الفترةالتي تمت فيها ترجمة المنطق الأرسطي إلى العربية سنجد أن حنين بن إسحاق قام بهذه الترجمة سنة 264هـ !
وهذا يبين بما لا يدع مجالا للشك بأنه لا علاقةللنحو العربي بالمنطق الأرسطي ، و ذلك لسبب بسيط جدا وهو أن جميع النحاة الذين أصلوا للنحوالعربي ووضعوا أسسه الأولى كانوا قد توفاهم الله بما يفوق الثمانين سنة .
فكيف ياترى تأثروا بمنطق أرسطو وهم لم يعاصرو ا حتى ترجمته للعربية ؟؟