تَأَمَّلْ أَيُّهَا المُوَفَّقُ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ وَ عَلاَ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ :
(قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى )
(هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ )
ثُمَّ تَدَبَّرْ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَ عَلاَ :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ )
ثُمَّ انْظُرْ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَ عَلاَ :( وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) فَسَتُدْرِكُ ـ أَيُّهَا المُوَفَّقُ ـ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَ لاَ تَعَسُّفٍ مَا أَدْرَكهُ سَلَفُ الأُمَّةِ وَ فَهِمُوهُ عَنْ رَبِّهِم وعَقَلوهُ .
فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَريُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قوله( وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) إِذَا سمَعهُ المؤمِنُ انتَفعَ بهِ وحَفظَهُ ووَعَاهُ( وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ ) بِه( إِلا خَسَارًا) أنَّه لاَ يَنتفعُ بهِ ولاَ يحْفظُه ولا يَعِيْه، وَإنَّ اللهَ جعَلَ هَذا القرآنَ شِفاءً ورَحمةً للمؤْمنينَ.
وَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : ( فِي الْقُرْآنِ شِفَاءَانِ: الْقُرْآنُ وَالْعَسَلُ، فَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَالْعَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ )
وَ الصَّحِيحُ أَنَّ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ .. ) هِيَ البَيَانِيَّةُ وَ لَيْسَتِ الجِنْسِيَّةُ ،فَكُلُّ آيِي القُرِآنِ الأصْلُ فِيهَا أَنَّهَا شِفَاءٌ مِنَ الجَهَالاَتِ وَ الضَّلاَلاَتِ وَ الأَهْواءِ وَ ذَمِيمِ الأَخْلاَقِ وَ المُعْتَقَدَاتِ ، وَ لَيْسَ ذَلِكَ يَقْتَضِي إِنْكَارَ الإِسْتِشْفَاءِ بِبَعْضِ آيِهِ مِنْ بَعْضِ العِلَلِ و الأَدْواءِ كَمَا ثَبَتَ فِي فَاتِحَةِ الكتَابِ وَ المُعَوِّذَتَيْ نِ .وَ الرُّقْيَةُ بِجَمِيعِ القُرْآنِ أَمْرٌ مُحْدَثٌ ،دَخِيلٌ عَلى هَذَا الدِّينِ ،وَ لوِ ابتَغَى القَائِلُونَ بِهِ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ عَلَى أَنْ يأْتُوا بدَلِيلٍ عَلَيهِ مَا وَجَدوهُ .