عِنْدَما أَتَأَلَّمُ في جَسَدِ غَيْرِيْ !!



...راقدٌ بجواري على سريره الأبيض...ذاهبٌ في سُبات عميق..


أسمع أنيناً هامساً يُعتَصَرُ من روحه , فتئنُّ روحي , ويهتزُّ كِياني, وأرنو إلى جراحه فأتحسسُ مواضع الألم في جسدي لأن آلامي هي آلامُه , وأحزاني هي أحزانُه ....


..وجهٌ ملائكيٌّ , ونظرةُ براءةٍ طفوليةٍ ممزوجةٍ مع الألم أراها في عينيه الذابلتين...


نعم , لقد تأكدتُ اليوم وتيقنتُ أن الإنسان قد يتألم في جسد غيرِه , كما أنه ـ كما قالوا ـ يجوعُ في بطن غيرِهِ ...


يصحو أحياناً من التخدير فيسألًني بصوت خافت متهدجٍ عن الوقت , لأنه للمرة الأولى ينام خارجَ فراشه وبيته وقريته, ولم يرَ حوله إخوته كما العادة....


تُحبَسُ العَبرة من عيني فتجري من عينه , ويعتصرُ الألم فؤادي وما ذاك إلا انعكاسا لما يعانيه من سقم...


...إنه ولدي البكرُ قاسمٌ [عمره إحدى عشرة سنة ]مستلقٍ على سريره في المشفى بجانبي بعد أن أُجريتْ له عمليةٌ جراحية ,كُلِّلت بالنجاح بحمده تعالى .


أولُ كلمة قالها بعد خروجه من غرفة العمليات ـ ولا يزال أثرُ المخدر مسيطراً على منطقه وجوارحِه ـ بابا : هل انتهتِ العملية ؟ فأجبته : نعم يا بُني....


ثم أخلد للنوم , وعاد من جديدٍ يغفو في سُباته العميق ..


أمّا أنا فقد أبى صاحبي القلمُ إلا أن يشاركني في لوعتي وحُزني , وأبْحَرَ معي في خِضَمِّ الشعر, فجاءت هذه القصيدةُ :


تألَّم جـانبـي طفـلـي وأنَّـا


فهام الـوجدُ فـي قلبـي وحــنّـا


ولَوَّعَني , وأشعلَ جَمـرَ قـلبـي


...فصُغْت من الْجَـوى شِـعراً ولحنـا


بدتْ في وجهه أوجـاعُ جُـرحٍ


فغـشّـتْ نـورَ ذاك الـوجهِ دُجْـنا


..ويبْسِمُ ثـغرُهُ , والـقلبُ باكٍ


وبسـمتُـه تُـزيـد الـقلـبَ حُـزنا


يَمُرُّ الوقتُ في بُـطءٍ شـديـدٍ


ولـم يُـغْمِـضْ مـن الأسْقام جَفنـا


يقول : أبي , فأسـمعـه بِكُلِّي


عجبتم ! قـد يـصـيرُ الـكُلُّ أُذْنـا


شعرتُ بأننـي أُرْمَـى بسـهم


يغـور بـخافـقي , وغدوتُ مُضنى


وجرَّعنـي الأسى كـأساً مريراً


فطـفلـي صـارَ لـلآلام رهْـنـا


وصرتُ أنا المريضَ , فذي جراحي


تُعذبُنـي , وصـرتُ أنـا الْمُـعَـنَّى


...يـحاول أن يخفّفَ من مُصابي


فيُخفي حُـزْنَـه , والـعـيـنُ هَتْنا


إذا مـا نـوبـةُ الآلامِ حـلّت


به , أغـضـى حـيـاءً ثـم عَـنَّا


صغيري : والأسى يغشى كِـياني


لـو الإنـسـانُ يُـدرك مـا تَمنّى


فإني اليومَ أحـملُ عنك جُرحـاً


وأسقـيـكَ الشِّـفـا شُـهْداً ومَنّا


وأفرشُ مقلتـي وشَغَاف قلبـي


لتَسْعَدَ ـ يـا بُـنَـيَّ ـ بِها وتَهْنـا


لوِ الآلامُ تُـحـبس فـي مكانٍ


لكنتُ جعلتُ منـي الـروحَ سِجنـا


ولكـنّ الإلهَ قـضـى قـضاءً


فنحـمـدُ ربّـنـا البـاري وإنّـا


نقـول : إذا قـضى الرحمن أمراً


مضـى , شئـنـا بـذلك أم أبَـينا

الشاعر : مصطفى قاسم عباس