الحمد لله جليل الثناء..جميل البلاء..جزيل العطاء..قدَّر فهدى..وأمات وأحيا..
له من الحمد جميلُه..ومن الشكر وفيرُه..ومن الثناء مزيدُه.
وصلاةً وسلامًا أُوتيهما عبدهُ وحبيبُه..العطـر طيبُه..المسدَّد قيلُه..r.
وبعـــد :
فقد حكى بعض السالفين عن نفسه ؛ فقال :
كنت يومًا أسير فى صحْراء جرداء..وبينما أنا فى طريقى أسير..وإذا بى أرى أمامى عجبًا..رأيت حيةً قد خرجت من جحرها..تتحسس الأرض رويدًا رويدًا..وكأنها تتفقد ضائعًا..أو تطلب غائبًا..فاقتربت منها فإذا بها عمياء لاترى..فأدركت أنها إنما تبحث عن طعامها..فقلت فى نفسى : سبحان الله !! مَن يرزق هـذه ؟ وظللت أتعجب لذلك..
فما هى إلا لحظات .. وهَالَنى ما رأيت !! رأيت صقرًا يحلق فى السماء..وإذا به يهبط من علياءه..ويقترب ويدنو..ولازال يقترب ويدنو..حتى كان فوق رأس الحيَّة..فلما دنى منها أكثر..رفعت رأسها إلى أعلى ..وإذا بها تفتح فاهَا..فألقمها الصقرُ فى فمها طعامًا..ثم راح وتركها ..
فقلت فى نفسى : سبحان الله !! ليتنى مثل هذه الحيَّة فى توكلها على الله !!
فلما رجعت إلى شيخى..أخبرته بما كان من أمرى..وذكرت له قولى : " ليتنى مثل هذه الحيَّة فى توكلها على الله !!".
فقال لى شيخى : والله ماوفَّيتَ وما أحسَنت..ولمَ تمنيتَ أن تكون الأدنى ؟!
ألا سألتَ اللهَ أن تكون الأعلى !! وقد قال r : ( اليد العليا خير من السفلى )..
** أظنكم إخوانى قد بلَغتْكُم رسالتى..ووعَيتم مَأْرَبى..وتفهَّ متم مقصدى ..
إننا بحاجة ماسَّة..إلى أن نعلُوا بهمَمنا..ونسمُوا بأرواحنا..ونرتقى بأهدافنا..حتى نناطحَ لا الثرى ولكنْ السُّريَّا..
إننا نأملُ معاشرَ الصالحين..فى عُلوّ الهمَم وسمُوّها..وتخلُّ صها من ربق الدناءة ورقّها..
ورحم اللهُ القائل : ( مَن كانت همَّتُهُ مايأكلُهُ..فقيمت ُهُ مايُخرجُهُ ).
واللهُ يحبُ معَالى الأمُور ويَكرهُ سفسافَها..والهمم ُ العاليَة لاتعرفُ التَّوْرية..ولاي ُصيبُها يومًا سهمُ العدُوّ..لأنها لاتلتفتُ عن مَقصدهَا وهدَفها..وتعلمُ تمامًا أن الالتفاتَ عنوانُ الفَوات..وأن الظبىَ أسرعُ من الثعلب..إلا أن الثعلب دومًا يدركُها فيأكلها..لأنها كثيرةُ الالتفات..فاللهَ اللهَ..فى البذل والتضحية..وعدم الالتفات إلى مُخذل أو مُرجف..وصاحبُ الهمة العالية يعلمُ تمامًا أنه لايُرمَى بالحجارة إلا الثمرُ العَالى..وكلما طُعنْتَ من الخلف فاعلمْ أنك تسيرُ فى المقدمَة..فبشراك ثم بشراك .. يامَن اللهُ مَقصدُكَ ومُبتغَاك..
ولله درُّ ابن الجوزىّ إذ يقول : ( وما ابتُلى امرأٌ قط بأشقَّ عليه من همَّة عاليَة ) ومتى كانت النفوسُ كبارًا..تعبَت فى مُرادها الأجسادُ ..
وقد علَّمنَا ربُّنا ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون) [المطفِّفين:26
بل والهمةُ العاليةُ..عالية.. حتى ولو كانت فى حيوان-أعزكُم اللهُ-
فالأسدُ لايأكل طعامَ الأمس..والصقرُ لايقعُ على الجيَف..والعنكبو تُ من ساعة أنْ تُولَد تَنسجُ لنفسهَا بيتًا حتى لاتقبلَ منَّة الأمّ..والحيَّة لاتسْكُن إلا جُحرَ غيرها إذ من طبعها الظُلم..والسُّلَ حفاةُ كلما طُردَت تعُود ؛ ولايُثنيها الطَّردُ عن المحاولة والمعاوَدة..
بل والهمة العالية..عالية..و لو كانت فى كافر-أعز الله المسلمين-
فأديسون..مخترع المصباح الكهربى..كان يجلس فى مخترعه ثمانى عشرة ساعة..ولا يرتاح إلا فتاتا.
وجولدامائير اليهودية-تلك المرأة التى سطرت تاريخا لإسرائيل-لم تعرف لها علاقة عاطفية قط..حتى ماتت ولم تتزوج-مع أنها فى مجتمع إباحى-فوجدوا فى مذكراتها..أن أحدا سألها..لم لا تتزوجى ؟
فكانت تقول : لو أننى عشت أى علاقة عاطفية أو تزوجت..فسيعرف زوجى سر إسرائيل وأسرار الموساد..
فيا جيل السلف..وياخيرة الخلف..أين الهمم العوالى..والأهدا ف النوادى..؟
شباب الإسلام..وأهل دار السلام..ماضيكم أنقى من الزهر..وأصفى من الذهب..
ولكم فى سلفنا أسوة..الذين سطروا بهممهم العالية قصصا أشبه بالأساطير..
**فالبخارى الإمام ..لايكتحل بنوم ؛ ولا يعرف جانباه راحة الفراش..
كان يقوم من الليل أكثر من عشرين مرة..كلما تذكر فائدة..قام فأوقد السراج..وكتب ماعن له..ثم يطفأ مصباحه وينام..ثم يعود فيقوم..وهكذا..
**ومسلم..الذى سلم له الكبير والصغير..لذكائه وعلمه..أوااااه أوااااه
حينما يموت بسبب حصر ذهنه فى حديث لم يعرفه.
**والنووى الذى فاق الوصف..وعجز عن فضله الوصف..يموت ولم يتزوج..
فلما سألوه قبل..لماذا لم تتزوج ؟ فقال كلمة قليل عليها أن تكتب بماء الذهب..
قال : ليتنى تذكرت لفعلت.
فيا شباب الإسلام..وياحراس العقيدة..وياحماة الدين..
ألا من مشمر لما شمر عن ساعد الجد فيه القوم ؟
ألا من كبير يجتهد ويرفع عن أمته الملامة واللوم ؟
ظنى فيكم علم الله أنكم أهل لكل خير..فهيا إذًا إلى اجتهاد فى كتاب وسنة..وعلم صحيح تصيرون به أئمة..وركيعات فى الليل تنير فى القبر ظلمة..وأذكار على اللسان تعين على علو همة..
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك..آناء الليل وأطراف النهار..على الوجه الذى يرضيك عنا..وحمدا لله على ماكان وكفى..وسلاما على عبده المصطفى.
وكتبه حريصا على إخوانه ..
الفقير لعفو ربه وامتنانه :
أخوكم : أبو عمر محسن