اخي الفاضل اليك فتاوى العلماء في الموضوع
سئل الإمام بن باز-رحمه الله- كما في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة/ الجزء الثاني عشر/ القسم الثالث من كتاب الصلاة:
س/ بعض الناس في الصلاة لا يهتمون بتسوية الصفوف مطلقاً؛ فتراه يتقدم أو يتأخر، ويكون بينه وبين الذي بجانبه فرجة ظاهرة، فما حكم عمل هؤلاء؟ وهل يخل ذلك بالصلاة؟ وما واجب الإمام تجاه ذلك؟.
ج/ الواجب على المصلين: إقامة الصفوف، وسد الفرج بالتقارب، وإلصاق القدم بالقدم، من غير أذى من بعضهم لبعض.
والواجب على الإمام تنبيههم على ذلك، وأمرهم بإقامة الصفوف والتراص فيها؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: {أقيموا الصفوف وسدوا الفرج} وقوله صلى الله عليه وسلم:{سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة} وعلى كل مسلم أن يلاحظ من حوله حتى يتعاونوا جميعاً على إقامة الصف وسد الفرج. والله ولي التوفيق.
وقال أيضاً-رحمه الله- في شرحه لرياض الصالحين، باب: (فضل الصف الأول والتراص في الصفوف وتسويتها وإكمال الأول فالأول): شارحاً حديث: جابر بن سمُرة-رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟} فقلنا: يا رسول الله: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: {يتمون الصف الأول، ويتراصون في الصف} رواه مسلم.
قال الإمام بن باز:
هذا الحديث في فضل الصفوف ورصها، وإكمال الصف الأول فالأول، والمشروع للمسلمين أن يصلوا جماعة، وهذا فرض عليهم لازم، أن يصلوا صلواتهم الخمس في جماعة في المساجد، والواجب عليهم أن يصفوا متراصين، وأن يكملوا الصف الأول فالأول،كما شرع لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ذلك وأمرهم به وقال: {صلوا كما رأيتموني أصلي}.
فحديث جابر بن سمرة فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم-أي على أصحابه-فقال: {ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟} قالوا: كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: {يتمون الصفوف الأُول، ويتراصون في الصف} يعني: يجتهدون في إتمام الصفوف الأُول؛ كلما تم صف أكملوا ما بعده.
ثم هم متراصون أيضاً، هذه السنة؛ إكمال الصف الأول فالأول مع التراص، فلا يبدأ في الصف الثاني حتى يُكمل الصف الأول، ولا يبدأ في الثالث حتى يكمل الثاني، وهكذا مع التراص، يعني: التراص الذي لا يؤذي؛ التراص الذي يسد الخلل، ولكن لا يؤذي أحداً؛ لأنه لا يجوز لمسلم أن يؤذي أخاه، فالتراص هو التقارب لكن ليس فيه أذى، ولا مضايقة، القـدم في القـدم بدون مضايقة، حتى تكمل الصفوف، هذه هي السنة، بل هذا هو الـواجـب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به، وأرشد إليه وقال: {صلوا كما رأيتموني أصلي}.
-4 وقد نبه الإمام الألباني على هذه السنة؛ حيث قال كما في سلسلته الصحيحة: (1/70) تحت عنوان: سنة متروكة يجب إحياؤها:
استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها؛ بحيث يندر أن تخفى على أحد من طلاب العلم فضلاً عن شيوخه، ولكن ربما يخفى على الكثيرين منهم أن من إقامة الصف تسويته بالأقـدام، وليس فقط بالمناكب، بل لقد سمعنا مراراً من بعض أئمة المساجد -حين يأمرون بالتسوية- التنبيه على أن السنة فيها إنما هي بالمناكب فقط دون الأقدام!...
ولما كان ذلك خلاف الثابت في السنة الصحيحة؛ رأيت أنه لابد من ذكر ما ورد فيه من الحديث؛ تذكيراً لمن أراد أن يعمل بما صح من السنة؛ غير مغتر بالعادات والتقاليد الفاشية في الأمة.
فأقول: لقد صح في ذلك حديثان:
الأول: من حديث أنس.
والآخر : من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
أما حديث أنس فهو: -31 {أقيموا صفوفكم وتراصوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري}. رواه البخاري (2/176- طبعة بولاق) وأحمد (3/182و263) والمخلِّص في "الفوائد" (1/10/2) من طرق عن حميد الطويل: ثنا أنس بن مالك قال:" أقيمت الصلاة؛ فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه؛ فقال: (فذكره)" زاد البخاري في رواية: " قبل أن يكبر".
وزاد أيضاً في آخره:" وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه".
وهي عند المخلِّص، وكذا ابن أبي شيبة (1/351) بلفظ:. " قال أنس: فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه؛ فلو ذهبت تفعل هذا اليوم لنفر أحدكم كأنه بغل شموس" وسنده صحيح أيضاً على شرط الشيخين. وعزاها الحافظ لسعيد بن منصور والإسماعيلي.
وترجم البخاري لهذا الحديث بقوله:" باب : إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف".
وأما حديث النعمان فهو:
- 32 {أقيموا صفوفكم-ثلاثاً- والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم} أخرجه أبو داود (رقم:662) وابن حبان (396) وأحمد (4/276) والدولابي في "الكنى" (2/86) عن أبي القاسم الجدلي حسين بن الحارث قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: " أقبل رسول صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: (فذكره)"..
قال:" فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكبه صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه".
قلت: وسنده صحيح، وعلقه البخاري مجزوماً به، ووصله ابن خزيمة أيضاً في "صحيحه" (1/82-83) وأقره المنذري في "الترغيب" (1/176) والحافظ في "الفتح" (2/176) ومن طريق ابن خزيمة أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (114/396- موارد).
وفي هذين الحديثين فوائد هامة:
الأولى: وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها؛ للأمر بذلك، والأصل فيه الوجوب؛ إلا لقرينة؛ كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكد الوجوب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {أو ليخالفن الله بين قلوبكم} فإن مثل هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب كما لا يخفى.
الثانية: أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب، وحافة القدم بالقدم؛ لأن هذا هو الذي فعله الصحابة-رضي الله عنهم- حين أُمِروا بإقامة الصفوف والتراص فيها، ولهذا قال الحافظ في الفتح بعد أن ساق الزيادة التي أوردتها في الحديث الأول من قول أنس:
"وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته".
ومن المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون، بل أضاعوها، إلا القليل منهم؛ فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث! فإني رأيتهم في مكة سنة: (1368هـ) حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام، بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة -لا أستثني منهم حتى الحنابلة- فقد صارت هذه السنة عندهم نسياً منسياً، بل إنهم تتابعوا على هجرها والإعراض عنها.