قال العلامة العثيمين رحمه الله تعالى:


المجادلة والمناظرة نوعان:

النوع الأول: مجادلة مماراة: يماري بذك السفهاء ويجاري العلماء ويُريد أن ينتصر قوله فهذه مذمومة.

النوع الثاني: مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه فهذه محمودة مأمور بها، وعلامة ذلك - أي المجادلة الحقة - أن الإنسان إذا بان له الحق اقتنع وأعلن الرجوع.

أما المجادل الي يُريد الانتصار لنفسه فتجده لو بان أن الحق مع خصمه، يورد إيرادات يقول: لو قال قائل، ثم إذا أجيب قال: لو قال قائل، ...ثم تكون سلسلة لا منتهى لها، ومثل هذا عليه خطر أن لا يقبل قلبه الحق لا بالنسبة للمجادلة مع الآخر ولكن في خلوته، وربما يورد الشيطان عليه هذه الإيرادات فيبقى في شك وحيرة، كما قال الله تبارك وتعالى: ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) {الأنعام 110} وقال تعالى: ( فإن تولوا فاعلم أنما يُريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون) { المائدة 49}.

فعليك يا أخي بقبول الحق سواء مع مجادلة غيرك أو مع نفسك، فمتى تبين لك الحق فقل: سمعنا وأطعنا، وآمنا وصدقنا.

ولهذا تجد الصحابة يقبلون ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما أخبر به دون أن يوردوا عليه أي اعتراضات.

فالحاصل أن المجادلة إذا كان المقصود بها إثبات الحق وإبطال الباطل فهي خير، وتعودها وتعلمها خير لاسيما في وقتنا هذا، فإنه كثُر فيه الجدال والمراء، حتى أن الشيء يكون ثابتا وظاهرا في القرآن والسنةثم يُرد عليه إشكالات.

وهنا مسألة: وهي أن بعض الناس يتحرج من المجادلة حتى وإن كانت حقاً استدلالاً بحديث : ( وأنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) ، فيترك هذا الفعل.

فالجواب: من ترك المراء في دين الله فليس بمحقٍ إطلاقاً، لأن هذا هزيمة للحق،

لكن قد يكون محقاً إذا كان تخاصمه هو وصاحبه في شيء ليس له علاقة بالدين أصلاً، قال: رأيت فلانا في السوق، ويقول الآخر : بل رأيته في المسجد، ويحصل بينهما جدال وخصام، فهذه هي المجادلة المذكورة في الحديث.

إما من ترك المجادلة في نصرة الحق فليس بمحق إطلاقاً، فلا يدخل في الحديث.

المرجع: كتاب العلم لفضيلة الشيخ دار الثريا ص 242 243 244