شباب الشام... شجاعة وإقدام
مرت على الناس سِنُونَ عِجَافٌ ظنوا أن لن تقوم بعدها للخير قائمة، حتى هب فتيةٌ في أطراف الشام ونواحيها أعادوا للأمة الأمل في مستقبلها، فتيةٌ هم في أعمارهم صِغَارٌ، لكنهم في أفعالهم كبار، رأيناهم ورآهم العالم أُسُوداً في صورة بشر، يُقْدِمُون إذا ما أحجم الناس، ويثبتون أذا ما انجفل الناس، يثبتون أمام أهوال تنخلع لها القلوب، وتتزلزل الأقدام، هم كما قال الأول:
إذا هاب الكريهةَ من يَلِيها .... وأعْظَمَها الهَيُوبُ لها عَمَدْنا
وجبّارٍ تركناه كَلِيلاً ................. وقائدِ فتنةٍ طاغٍ أَزَلْنا
فلا تنسَوْا مواطِنَنا فإنّا ........... إذا ما عاد أهل الجُرْم عُدْنا
فتيةٌ أَبَوُا الذلَّ، وأنِفُوا الهوان، وحطموا تمثال الجبن، ومزقوا صورة الخوف، وداهموا مقر الرعب، وطرحوا وراء ظهورهم ثقافةَ مرحلةٍ سِيم فيها الناسُ الخسفَ، وحوسبوا على أضغاث الأحلام فضلاً عن مسموع الكلام، حتى صار بعض القوم إذا سميت له الشجاعة، يخاف لفظها قبل معناها، وذكرها قبل فحواها، وإذا ذُكِرَت له السيوف، لمس رأسه ومس جنبه.
نرضى الحياةَ على الهوانِ كأنما ... كُلُّ المطامعِ أن نعيشَ إِلى الغدِ
تراه لا يبالي بالصَّغَار، ولا تؤلمه الغضاضة، ولا يُمِضُّه الهوان، ولا ينبض فيه للحمية عرق، يتعلق بأذناب المعاذير ، ويحيل على ذنوب المقادير.
قُلْ لِلْجَبانِ إذا تأخَّر سَرْجُهُ ... هل أنتَ من شَرَكِ المَنِيَّةِ ناجي
وماذا عسانا أن نقول لمن لم ينطلق إلى ساحات المجد يبحث عن عزته وكرامته بدافع النخوة والحمية، وبدافع الإيمان قبل ذلك، فما ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، وما أصدق قول أبي الطيب المتنبي هنا: إِذا الطَّعنُ لَم تُدخِلْكَ فِيهِ شَجاعَةٌ.........هِ َ الطَّعنُ لَم يُدخِلكَ فِيهِ عَذولُ
إذا كان بعضُ الناس سيفاً لدولةٍ ............. ففي الناس بوقاتٌ لها وطُبولُ
فيا شباب الشام الأبطال سيروا على ما أنتم عليه، واعقدوا الأمل بالله لا بسواه، ولا تتعلقوا بالوعود العرقوبية الخُلَّبية، وعود ما هي إلا كالخط على صفحة الماء، لا يرجى من أصحابها وفاء ولا إنجاز. مواعيدُ عمروٍ تُرَّهاتٌ ووجهُهُ... على كلِّ ما قد قلْتُ فيه دليل
جبانٌ وفحَّاشٌ لئيمٌ مذمَّمٌ .... ...وأكذبُ خَلْقِ الله حين يقول
ولا تنسوا دماء الشهداء الزكية، ولا أصحابها الأطهار الأبرار، فهي وهم دَيْن في ذممنا، واسمعوا إلى ما قالته هندُ الجُلَاحِية عندما أغار عميرُ بنُ الحُبَاب على بني كلب، فقتل منهم المئات، فأنشدت تحثهم حتى يثأروا لدماء قتلاهم:
ألاَ هل ثائِرٌ بدماء قومٍ ......... أصابَهُمُ عُميرُ بن الحُبَابِ
فإن لم يَثأَرُوا مَنْ قد أَصابُوا ..... فكانُوا أَعْبُداً لبني كِلاَب
أبعدَ بني الجُلَاحِ ومَن تركتُمْ....بجانِب ِ كوكبٍ تحتَ التّرابِ
تطِيبُ لغائرٍ منكم حياةٌ ........ ألاَ لا عيشَ للحيِّ المُصابِ
دماء الشهداء هي الوقود والمحرك، وصدق أهل ليبيا عندما قالوا: دم الشهداء ما يمشي هباء. وأنتم أيها الغادرون القتلة، يا من لم ترعَوا لبلدكم ذمة، ولم تحفظوا لأهله حرمة، وَايْمُ الله لَلْمَوت خير من لباس الغدر والخيانة.
أخلق بمن رضي الخيانة شيمةً . .. .أن لا يُرى إلا صريع حوادثِ
ما زالت الأرزاءُ تُلْحِقُ بَؤْسَها . . . أبدًا بغادرِ ذمةٍ أو ناكثِ
كيف تطيب أنفسكم بقتل أهليكم، وهم غارّون مسالمون؟. يحملون لكم غصون الزيتون، فتردون عليهم بالموت الزؤام!، وتظهر فيكم كل الشجاعة والبطولة أمام الناس العزل.
وما أوثقوا منّا الأكُفَّ شجاعةً .......ولكنْ رأونا حاسرين فأقْدموا
يهزّون بيضاً لو غدتْ في أكُفِّنا ..... لظلَّتْ تشظَّى فيهم وتثلَّمُ
افهموا يا هؤلاء، فلصبرنا حدود، ولحلمنا منتهى، فإن أبيتم إلا الجهالة، ستجدون من يردكم عن غيكم، نعم ستجدون معشراً لا يحسبون لأحدٍ _أيٍّ كان_ حساباً، ولا يخشون لومة لائم، ولا يسمعون عذل عاذل. إذا همّ ألقى بين عينيه همّه ........ونكّب عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلاّ قائم السيف صاحبا
وعلام يترددون؟ ومم يخافون؟ والأجل محتوم، لا يتقدم ولا يتأخر، والرزق مقسوم، لا يقل ولا يكثر، وقد أحسن من خاطب نفسه في الوغى:
وقَوْلي _كلّما جاشت_ لنفسي ...... من الأعداء ويحك لا تراعي
فإنك لو سألت مزيد يومٍ ............ أبى الأجلُ المقدّرُ أن تطاعي
فإذا كان الأمر كذلك، فإنّ الحزم كل الحزم في أن نسير على الطريق بكل عزم دون تردد أو وجل، ولا نرضى بعيشة ذلٍ، الموتُ ألفَ مرة أهونُ على الأحرار منها.
تأَخَّرْتُ أَسْتَبْقي الْحياةَ فَلَم أَجدْ..... لِنَفْسي حياةً مِثلَ أَنْ أَتَقَدّما
ولمَّا رَأَيْتُ الوُدَّ ليس بِنافعِي...عمدْت إلى الأمر الذي كان أحْزَما