بسم الله الرحمن الرحيم
وصية حكيم
عندما حضرت الوفاة احد الحكماء أرسل إلى ابنه وقال له : سأوصيك بأربع وصايا فأحفظها عني ولا تضيعها
أولاها :
ألا يستودع سره امرأة وإن كانت أقرب الناس إليه
والثانية :
أن يزوج أختيه من كريمين ولوكانا فقيرين
والثالثة :
ألا يزوجهما بخيلا ولو كان غنيا
والرابعة :
ألا يقترب من الحكام
وبعد وفاة الرجل أراد الابن أن يختبر صحة وصايا أبيه . فذهب إلى الأمير وتقرب إليه حتى صار من أقرب رجالاته . وزوج إحدى أختيه رجلا كريما ولكنه فقير . وزوج الأخرى غنيا ولكنه بخيل . ومرت الأيام وحضي الرجل بثقة الأمير حتى استوزره وسلمه كثيرا من أموره .وكان للأمير نعامة لها مكانة كبيرة في نفسه فأعطاها الوزير ليعتني بها . فخبأها بمكان أمين ثم ذبح شاة وطبخها ثم أتى أمه وأوهمها أن هذا اللحم إنما هو لنعامة الأمير وطلب منها ألا تخبر أحد لأن الأمير لو علم بما فعله لقتله وذكرها بأنه وحيدها ,
فقالت له : أبشر يا بني وانصرف عنها فأكلت الأم من اللحم ثم أعطت جارتها العجوز قطعة منه وعندما سألتها عن مصدره أخبرتها أن ابنها فعل كذا وكذا وطلبت منها كتمان السر فوعدتها ثم جاءت العجوز فأعطت بناتها وابنها اللحم وطلبت منهم كتمان الخبر ولم تكد تشرق شمس اليوم التالي حتى ذاع الخبر وانتشر في الإمارة وتناقلته الألسن حتى وصل الأمير .
فأرسل إلى الوزير وسأله عن النعامة ,فقال له : لا ادري فنهره الأمير وقال : أتذبح النعامة وتأكلها البارحة ثم تقول لا أدري فلن تكون وزيرا لي مادمت خنتني وأكلت نعامتي ووزعت لحمها في البلد , ولولا أني أضن بك على القتل لقتلتك , ولكن عليك أن تحضر لي مائة ناقة بدلا من النعامة , فاحتار الرجل ماذا يفعل وكيف له بإحضار مائة ناقة , ثم بدا له أن يطلب المعونة من زوجيّ أختيه وكان من البادية فذهب أولاً إلى الغني وكان بخيلا فاحضر له عشاء دون أن يدعوا أحدا معه ,وعندما كشف له عن أمره وما أصابه جراء ذبحه نعامة الأمير أكثر البخيل من تأنيبه وتوبيخه وقال له : أتأكل نعامة الأمير وتطلب مني أن أعطيك من مالي ولكن باعتبارك خال أولادي خذ هذا التيس لك معونة مني , أما الإبل فلن استطيع أن أعطيك منها شيئا فقال له : جزاك الله خيرا , ثم ذهب الرجل إلى زوج أخته الثانية , فرحب به وأكرمه , وعندما قص عليه خبره قال الرجل لامرأته : اجمعي لنا مائة عقال من عقل الإبل , ثم جاء ببعيره الذي لايملك غيره ونحره لصهره وأولم وليمة دعا إليها رجال الحي ثم قال لهم : هذا خال عيالي صار له كذا وكذا ومطلوب منه مائة ناقة ويطلب من الله ثم منكم المعونة فمن يستطع منكم المساعدة , فهذه العقل على طنب البيت , وبعد أن فرغ الرجال من الطعام تسابقوا إلى عقل الابل ولم تمضى ساعات إلا وكان على باب البيت مائة ناقة أخذها الرجل وعاد بها وفي الطريق مر على نسيبه صاحب التيس وأخذه معه ثم أخذ النعامة من مخبئها وقدم على الأمير فتفاجأ بما رآه النعامة ومائة ناقة ,فسال الوزير ما الذي دفعك إلى ما فعلت ؟! قال :
لأتأكد من وصية أبي ثم قال له : أنت لم ترحمني عندما توهمت إني أخطأت , وأمي أقرب الناس لي لم تكتم سري , وصهري الغني البخيل أعانني بتيس هرم , أما هذه النياق فمعونة صهري الكريم الذي لم يكن يملك سوى بعير نحره , وبذلك تحققت من وصية أبي , فما أقوى بصيرته .
فأمر الأمير بإعادة الابل إلى أصحابها محملة بالهدايا ,وأعاد الوزير إلى منصبه وزاده منه قرباً.