تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: جاءت في سورة البقرة نكرةً (بلداً) وفي سورة إبراهيم معرفةً (البلد) فما المغزى ؟!!

  1. #1

    افتراضي جاءت في سورة البقرة نكرةً (بلداً) وفي سورة إبراهيم معرفةً (البلد) فما المغزى ؟!!

    الحمد لله على كل حال والصلاة والسلام على محمد والصحب والآل وبعد:

    قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ في سورة البقرة حكاية عن نبي الله إبراهيم: وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمنا ً، وقال حكاية عنه أيضاً في سورة إبراهيم: وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً، وبعد قراءة الآيتين يرد سؤال يقدح في الذهن، ويجول في الخاطر! لماذا اختلف الأسلوبان، وتغاير اللفظان؛ ففي سورة البقرة جاء ( بلداً ) منكراً، وفي سورة إبراهيم جاء معرفاً ( البلد )؟!

    إن الجواب عن هذا السؤال يكمن في عدة وجوه وتوجيهات:
    أولاً: أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ دعا هذا الدعاء في سورة البقرة قبل بناء الكعبة، وقبل صيرورة مكة بلداً وسكنى الناس فيها، وقد كانت مكة وادياً غير ذي زرع، وقد ترك هاجر وإسماعيل فيها، فدعا الله أن يجعل مكة ـ ذاك الوادي القحط ـ من البلاد الآمنة المطمئنة.
    وأما في سورة إبراهيم فقد دعا إبراهيم ـ عليه السلام ـ بهذا الدعاء بعد بناء الكعبة، واستقرار أهله فيها؛ وبعد أن أصبحت مكة بلداً يقطنه الناس ويأوون إليه؛ فدعا الله ـ عز وجل ـ أن يجعل هذا البلد المسكون ـ الذي أصبح بلداً معموراً بعد أن كان وادياً مهجوراً ـ دعا الله أن يجعله أمناً أماناً، وأن يبعد عنه الخوف والقحط والخسف.
    ثانياً: أن التنكير كما هو معلوم من فوائده التكثير والمبالغة؛ فجاءت ( بلداً ) في سورة البقرة منكّرة لتدل على المبالغة، والتقدير: " اجعل هذا البلد بلداً آمناً " أي بالغاً أعلى درجات الأمن، وكأن إبراهيم ـ عليه السلام ـ أراد الكمال في الأمن، أما في سورة إبراهيم فجاءت معرفة لطلب الأمن لا لطلب المبالغة.
    ثالثاً: أن آية سورة إبراهيم نزلت والنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حاضرٌ وموجودٌ في مكة؛ فجاءت معرفةً ب(أل) التي للحضور، أما آية البقرة فمدنية لذا جاءت منكّرة.
    والذي يظهر أن هذا التعليل عليل؛ لأن الآية تتكلم عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ ودعائه؛ فلا يضير ذلك كون نزولها والنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة أو في المدينة والله أعلم؛ وقد ذكر هذا ابن جزي ـ رحمه الله ـ في تفسيره.
    رابعاً: ذكر بعض المفسرين ـ ما حاصله ـ: أنه بالرجوع إلى السياق يتبين المغزى من التنكير والتعريف؛ ففي سورة البقرة ورد في السياق نفسه قول الله تعالى: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل فذكر ( البيت ) في هذه الآية؛ ومن لازم ذكر البيت وجود البلد ـ مكة ـ، فناسب التنكير هنا؛ لأنه لم يحتج لتعريف، أما في سورة إبراهيم فلم يرد شيءٌ من ذلك فافتقرت للتعريف فجاءت معرفة.
    قلت: في هذا التوجيه نظر؛ لأنه ورد ذكر ( البيت ) أيضاً في سياق سورة إبراهيم في قوله تعالى: بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم فيقال فيها ما قيل في سورة البقرة والله أعلم.
    فيتبين مما سبق أن الوجهين الأولين هما أقوى الوجهين، وأبين للمقصود، وأدل على المراد.

    ـ فوائد ولطائف:
    1) ذكر بعض العلماء أن الأمن المذكور في سورة البقرة الذي دعا به إبراهيم ـ عليه السلام ـ هو الأمن العام من الخوف والفزع والقحط والخسف وعدم الاطمئنان وغير ذلك، أما الأمن المدعوّ به في سورة إبراهيم فهو أمن من نوع آخر! وهو الأمن الخاص الذي يشمل كل شيء فالكل آمنٌ؛ فمثلاً:النبات لا تقطع شجرةٌ في الحرم، والحيوان لا يصاد صيدٌ أيضأً وغير ذلك.
    2) أن إسحاق ـ عليه السلام ـ ولد بعد إسماعيل بثلاثة عشر عاماً؛ وقد ذكر إسحاق ـ عليه السلام ـ في سورة إبراهيم في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء وهذا مما يعضد ويقوي القول بأن الدعاء الوارد في سورة إبراهيم كان بعد مولد إسحاق وبناء الكعبة فجاءت ( البلد ) معرفة والله أعلم.
    3) من المعلوم أن المفعول الثاني هو مجمع الفائدة ومحطها؛ لأنه بمنزلة الخبر؛ ففي سورة إبراهيم جاءت كلمة ( آمناً ) مفعولاً ثانياً؛ وفي ذلك إشارة لطيفة إلى أن المقصود من الدعاء هنا الأمن على وجه الخصوص.

    وختاماً: على المؤمن اللبيب أن يتدبر سير الأنبياء، ويأخذ منها العظات والعبر، فينظر إليهم وهم من هم!! هم أفضل الخلق، وأحب الناس للحق، كيف كان تعلقهم بالله؛ فكانوا يلجؤون إليه في جميع أمورهم، وشتى أحوالهم، ويدعونه ويرجونه ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، ويعلقون قلوبهم بالله وحده لا يرومون أحداً غيره يمنة ولا شملة.
    فحري ٌبالمؤمن وخليقٌ به أن يتمثل أعمالهم، ويقتدي بهم، ويسير مسيرتهم، وانظر كيف أجاب الملك العلام أدعية باني البيت الحرام، محطم الأصنام إبراهيم ـ عليه السلام ـ ! نعم أجاب دعواه، وحقق مبتغاه؛ فجعل مكة مأوىً للمؤمنين، ومحطاً للقانتين، ومعقلاً للخاشعين المستكينين؛ فلا يوجد مؤمن حق ٌعلى ظهرهذه البسيطة إلا ويهوى فؤاده إليها، ويحنّ لرؤيتها، ويشتاق للقياها وحج بيتها، والطواف حوله، والسعي بين الصفا والمروة، والصلاة في المسجد الحرام، والشرب من زمزم؛ وإن المؤمن عندما يرى الكعبة يتوارده شعور ليس له مثيل! ، وتطمئن نفسه، ويسكن قلبه، ويلهج لسانه بالذكر والاستغفار والدعاء، ويغشاه البكاء والخشوع، والتذلل والخضوع للواحد الأحد، الفرد الصمد، فسبحان مجيب الدعوات رب الأرض والسماوات.
    أسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا، وأن يجعل جميع بلاد المسلمين أمناً أماناً، وأن يجعلنا مؤمنين حقاً، مخلصين صدقاً إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    هذا والله أعلم وأحكم وصلى الله على رسول الله.




    وكتبه
    أبو قدامة المدني
    سعيد بن إبراهيم بن " محمد سعيد " النمارنة
    مرحلة الماجستير / الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

  2. افتراضي رد: جاءت في سورة البقرة نكرةً (بلداً) وفي سورة إبراهيم معرفةً (البلد) فما المغزى ؟!!

    شكرا لك أخي الكريم على هذه الفائدة ... بارك الله فيك ... وجزاك الله خيرا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •